يتأكد مع مرور الوقت وبعد 6 أشهر من قرارات 25 جويلية، ما قيل منذ البداية وما ذهبت إليه الكثير من التحاليل والمراقبين بأن المعارضة الحقيقية لرئيس الجمهورية قيس سعيد ولتوجهاته ومشروعه بعد خطوة إعلان التدابير الاستثنائية ستكون الأزمة المالية والاقتصادية الحادة ولا شيء غيرها.
واليوم، تؤكد كل المؤشرات والتقارير والتحذيرات الداخلية والخارجية أن رئيس الجمهورية يبدو في مفترق طرق في مواجهة خيارين لا ثالثة لهما، إما المضي في قراراته أحادية الجانب إلى النهاية كما رسمها الأمر 117 ومواجهة وتحمل وزر وأعباء ما قد تؤول إليه الأوضاع المالية والاجتماعية في البلاد، أو تعديل أوتاره على ضوء الإشارات الحمراء المشتعلة منذرة بمخاطر الانهيار والحاجة إلى الإنقاذ على قاعدة الحوار والتشاركية في الإصلاحات والوحدة الوطنية.
تواتر التقارير الدولية
تواترت في الآونة الأخيرة مجموعة من التقارير الدولية والتصنيفات لتونس حملت في طياتها الكثير من المؤشرات السلبية والتحذيرات ولعل ما أعطى أهمية واهتماما لهذه التقارير هو تزامنها مع تأخر صرف الأجور وما أثاره من مخاوف وتململ وتساؤلات حول حقيقة أوضاع المالية العمومية ومدى قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها ونفقاتها في الأشهر القادمة.
أكثر تلك التقارير الدولية المخيفة، ذلك الصادر مؤخرا عن مجموعة الأزمات الدولية والتي أدرجت تونس ضمن "قائمة المراقبة لسنة 2022 " حيث تضم القائمة 10 بلدان تقول التقرير إنها تواجه أزمات وصراعات مميتة أو حالات طوارئ إنسانية .
وأشارت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها إلى أن "الخزينة تستطيع بالكاد تغطية الرواتب المستحقة للعاملين في القطاع العمومي وان ذلك يحول دون إمكانية الإيفاء بالتزامات سداد القروض الخارجية وسط ارتفاع الدين العام. وهو مؤشر على خطر حدوث أزمة مالية ومصرفية خطيرة في المستقبل قد تؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة للعديد من التونسيين".
كما بينت أن تونس "قد تضطر على المديين القصير والمتوسط إما إلى إعادة هيكلة ديونها العامة والتوجه لنادي باريس للقيام بذلك أو إعلان إفلاس وستكون لذلك تداعيات اجتماعية واقتصادية مؤلمة".
اعتبرت أيضا مجموعة الأزمات الدولية أن الاقتصاد المتعثر في تونس "بدأ يقوض الثقة في السلطة السياسية".
توجيه "الانتقادات" وتحميل المسؤولية للسلطة السياسية الحالية جاء أيضا ضمن التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مدركات الفساد في العالم، الذي يقيس درجة الفساد في القطاع العمومي والحكومي في 180 دولة حول العالم. حيث ارجع التقرير تراجع تونس في مؤشر مكافحة الفساد (44 نقطة) إلى التراجع السياسي في البلاد بعد تجميد البرلمان وإقالة الحكومة وغيرها من الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد والتي فاقمت حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار السياسي في البلاد.
واعتبر التقرير تونس "مثالا مؤسفا" متحدثا عن إمكانية خسارتها المكتسبات الديمقراطية، مشددا على أن "الإجراءات السياسية الأخيرة أضعفت من أنظمة الرقابة والمحاسبة، وتسببت في ازدياد مخاوف المبلغين عن الفساد".
قبل ذلك كان المنتدى الاقتصادي العالمي قد أصدر بدوره تقريره السنوي في جانفي الجاري مؤكدا أنها تواجه مخاطر انهيار الدولة والتداين.
وكشف التقرير حول المخاطر العالمية المتوقعة في المجالات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والصحية، أنّ تونس "ستواجه خلال السنتين المقبلتين، مخاطر انهيار الدولة والتداين والبطالة وتواصل الركود الاقتصادي وانتشار النشاط الاقتصادي غير القانوني".
تحذيرات من الداخل
لم تقتصر التقارير السلبية والتحذيرات حول الوضع المالي والاجتماعي في تونس عن الدوائر الأجنبية بل صدرت أيضا من عدة أطراف في الداخل على غرار المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، الذي شارك في استطلاع الرأي الخاص بتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي وكان قد أكد في أكثر من مرة على خطورة الأزمة المالية والاقتصادية. وقد أوصى المعهد بضرورة "وضع دستور اقتصادي يرتكز على ميثاق التضامن الاقتصادي والاجتماعي بين عالم الأعمال والمجال السياسي بما يسمح بتجنب المخاطر الاقتصادية والاجتماعية".
الأمر الذي جدد الطيب البيّاحي رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات التأكيد عليه، موضحا أول أمس في تصريح مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن تونس" تواجه خطر انهيار الدولة ويجب تدارك الموقف من خلال سنّ دستور اقتصادي واجتماعي يتجاوز مفهوم العقد ولا يخضع للزمن السياسي".
من جهته وفي السياق ذاته، حذر فاضل عبد الكافي رئيس حزب آفاق تونس والوزير الأسبق من الأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقعها البلاد مشددا على ضرورة كشف حقيقة "انخرام المالية العمومية".
كما نبه عبد الكافي في حوار إذاعي أول أمس من أن تونس قد تعيش في أي لحظة "السيناريو اللبناني".
تبدو بدورها المنظمة الشغيلة على وعي بحقيقة الأوضاع وجدية المخاوف والتحذيرات داخليا وخارجيا، مما دفع الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي إلى تجديد دعوته إلى ضرورة الحوار وتعديل الأوتار وتقديم التنازلات من الجميع من أجل الإنقاذ.
وبعد تصريحاته منذ أكثر من أسبوع وتحديدا اثر لقائه رئيس الجمهورية ودعوته للقيام بخطوات إلى الأمام وإلى الوحدة الوطنية، عاد الطبوبي من جديد إلى نبرة خطاب التهدئة والتجميع حيث صرح نهاية الأسبوع الفارط خلال افتتاح المؤتمر العادي للاتحاد الجهوي للشغل بمدنين، بأن تونس اليوم "لا يمكن أن تصبر وعلى الجميع استرجاع رشدهم وللجميع أخطاؤهم.. كلنا تونسيون والكمال لله وآن الأوان.. يكفي كل الأضواء الحمراء اشتعلت.. على الجميع الجلوس على الطاولة وإيجاد حل تونسي-تونسي".
مضيفا "نريد اليوم أن نكون عنصرا ايجابيا لبناء وحدة وللمّ الشمل لإنقاذ الوطن".
م.ي
تونس-الصباح
يتأكد مع مرور الوقت وبعد 6 أشهر من قرارات 25 جويلية، ما قيل منذ البداية وما ذهبت إليه الكثير من التحاليل والمراقبين بأن المعارضة الحقيقية لرئيس الجمهورية قيس سعيد ولتوجهاته ومشروعه بعد خطوة إعلان التدابير الاستثنائية ستكون الأزمة المالية والاقتصادية الحادة ولا شيء غيرها.
واليوم، تؤكد كل المؤشرات والتقارير والتحذيرات الداخلية والخارجية أن رئيس الجمهورية يبدو في مفترق طرق في مواجهة خيارين لا ثالثة لهما، إما المضي في قراراته أحادية الجانب إلى النهاية كما رسمها الأمر 117 ومواجهة وتحمل وزر وأعباء ما قد تؤول إليه الأوضاع المالية والاجتماعية في البلاد، أو تعديل أوتاره على ضوء الإشارات الحمراء المشتعلة منذرة بمخاطر الانهيار والحاجة إلى الإنقاذ على قاعدة الحوار والتشاركية في الإصلاحات والوحدة الوطنية.
تواتر التقارير الدولية
تواترت في الآونة الأخيرة مجموعة من التقارير الدولية والتصنيفات لتونس حملت في طياتها الكثير من المؤشرات السلبية والتحذيرات ولعل ما أعطى أهمية واهتماما لهذه التقارير هو تزامنها مع تأخر صرف الأجور وما أثاره من مخاوف وتململ وتساؤلات حول حقيقة أوضاع المالية العمومية ومدى قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها ونفقاتها في الأشهر القادمة.
أكثر تلك التقارير الدولية المخيفة، ذلك الصادر مؤخرا عن مجموعة الأزمات الدولية والتي أدرجت تونس ضمن "قائمة المراقبة لسنة 2022 " حيث تضم القائمة 10 بلدان تقول التقرير إنها تواجه أزمات وصراعات مميتة أو حالات طوارئ إنسانية .
وأشارت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها إلى أن "الخزينة تستطيع بالكاد تغطية الرواتب المستحقة للعاملين في القطاع العمومي وان ذلك يحول دون إمكانية الإيفاء بالتزامات سداد القروض الخارجية وسط ارتفاع الدين العام. وهو مؤشر على خطر حدوث أزمة مالية ومصرفية خطيرة في المستقبل قد تؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة للعديد من التونسيين".
كما بينت أن تونس "قد تضطر على المديين القصير والمتوسط إما إلى إعادة هيكلة ديونها العامة والتوجه لنادي باريس للقيام بذلك أو إعلان إفلاس وستكون لذلك تداعيات اجتماعية واقتصادية مؤلمة".
اعتبرت أيضا مجموعة الأزمات الدولية أن الاقتصاد المتعثر في تونس "بدأ يقوض الثقة في السلطة السياسية".
توجيه "الانتقادات" وتحميل المسؤولية للسلطة السياسية الحالية جاء أيضا ضمن التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مدركات الفساد في العالم، الذي يقيس درجة الفساد في القطاع العمومي والحكومي في 180 دولة حول العالم. حيث ارجع التقرير تراجع تونس في مؤشر مكافحة الفساد (44 نقطة) إلى التراجع السياسي في البلاد بعد تجميد البرلمان وإقالة الحكومة وغيرها من الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد والتي فاقمت حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار السياسي في البلاد.
واعتبر التقرير تونس "مثالا مؤسفا" متحدثا عن إمكانية خسارتها المكتسبات الديمقراطية، مشددا على أن "الإجراءات السياسية الأخيرة أضعفت من أنظمة الرقابة والمحاسبة، وتسببت في ازدياد مخاوف المبلغين عن الفساد".
قبل ذلك كان المنتدى الاقتصادي العالمي قد أصدر بدوره تقريره السنوي في جانفي الجاري مؤكدا أنها تواجه مخاطر انهيار الدولة والتداين.
وكشف التقرير حول المخاطر العالمية المتوقعة في المجالات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والصحية، أنّ تونس "ستواجه خلال السنتين المقبلتين، مخاطر انهيار الدولة والتداين والبطالة وتواصل الركود الاقتصادي وانتشار النشاط الاقتصادي غير القانوني".
تحذيرات من الداخل
لم تقتصر التقارير السلبية والتحذيرات حول الوضع المالي والاجتماعي في تونس عن الدوائر الأجنبية بل صدرت أيضا من عدة أطراف في الداخل على غرار المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، الذي شارك في استطلاع الرأي الخاص بتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي وكان قد أكد في أكثر من مرة على خطورة الأزمة المالية والاقتصادية. وقد أوصى المعهد بضرورة "وضع دستور اقتصادي يرتكز على ميثاق التضامن الاقتصادي والاجتماعي بين عالم الأعمال والمجال السياسي بما يسمح بتجنب المخاطر الاقتصادية والاجتماعية".
الأمر الذي جدد الطيب البيّاحي رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات التأكيد عليه، موضحا أول أمس في تصريح مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن تونس" تواجه خطر انهيار الدولة ويجب تدارك الموقف من خلال سنّ دستور اقتصادي واجتماعي يتجاوز مفهوم العقد ولا يخضع للزمن السياسي".
من جهته وفي السياق ذاته، حذر فاضل عبد الكافي رئيس حزب آفاق تونس والوزير الأسبق من الأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقعها البلاد مشددا على ضرورة كشف حقيقة "انخرام المالية العمومية".
كما نبه عبد الكافي في حوار إذاعي أول أمس من أن تونس قد تعيش في أي لحظة "السيناريو اللبناني".
تبدو بدورها المنظمة الشغيلة على وعي بحقيقة الأوضاع وجدية المخاوف والتحذيرات داخليا وخارجيا، مما دفع الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي إلى تجديد دعوته إلى ضرورة الحوار وتعديل الأوتار وتقديم التنازلات من الجميع من أجل الإنقاذ.
وبعد تصريحاته منذ أكثر من أسبوع وتحديدا اثر لقائه رئيس الجمهورية ودعوته للقيام بخطوات إلى الأمام وإلى الوحدة الوطنية، عاد الطبوبي من جديد إلى نبرة خطاب التهدئة والتجميع حيث صرح نهاية الأسبوع الفارط خلال افتتاح المؤتمر العادي للاتحاد الجهوي للشغل بمدنين، بأن تونس اليوم "لا يمكن أن تصبر وعلى الجميع استرجاع رشدهم وللجميع أخطاؤهم.. كلنا تونسيون والكمال لله وآن الأوان.. يكفي كل الأضواء الحمراء اشتعلت.. على الجميع الجلوس على الطاولة وإيجاد حل تونسي-تونسي".
مضيفا "نريد اليوم أن نكون عنصرا ايجابيا لبناء وحدة وللمّ الشمل لإنقاذ الوطن".