إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في ندوة حول "مشكلات المياه في تونس ومستقبل الأجيال القادمة": فشل في إدارة الزراعة والواحات.. ودعوات لمراجعة السياسات

 *مهدي مبروك لـ"الصباح": السياسات العمومية للدولة تشهد ارتباكا نتيجة لعدم الاستقرار السياسي

*الخبيرة في التغيرات المناخية والمياه، راضية السمين: الدولة إلى اليوم لم تبذل جهودا كافية للنهوض بالإنتاج المحلي للحبوب

*مؤسس مرصد السيادة الغذائية والبيئة حبيب العايب:السياسة الفلاحية في تونس تقوم على منهج خاطئ

تونس-الصباح

نظم أول أمس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس، ندوة حول "مشكلات المياه في تونس ومستقبل الأجيال القادمة"، وذلك في إطار برنامجه سيمنار: المجتمع والمخاطر، بمشاركة عدد من الخبراء في مجال المياه والتغيرات المناخية إضافة الى خبراء في علم الاجتماع والسيادة الغذائية والبيئية.

وقال مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.تونس، مهدي مبروك، في تصريح لـ"الصباح"، أن برنامج سيمنار: المجتمع والمخاطر، هو برنامج سنوي وافتتح هذا العام بهذه الندوة ليتواصل إلى نهاية العام بتنظيم 10 ندوات حول محاور مختلفة، وذلك بالعودة بالدراسة والتحليل الى مختلف المخاطر التي تهدد المجتمع التونسي والانسانية جمعاء خاصة وأنه الان لا يمكن أن نحصر ما نسميه بـ "المخاطر المحلية".

ارتباط وثيق بالأمن القومي

mmm.png

 

وأضاف مهدي مبروك، أن قضية التلوث على سبيل المثال أضحت تُمثّل مشكلة عالمية، وفي هذا الجانب سيتم تخصيص ندوة حول مخاطر التلوث وتداعياتها في تونس والعالم على حد السواء..، إضافة إلى ندوة حول مخاطر الجرائم السيبرانية والتي أصبحت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأمن القومي للدول لما فيها من تهديد للجماعات والأفراد، بالإضافة الى طرح عدة مخاطر وظواهر اجتماعية.

واعتبر مدير المركز العربي، في إجابته عن سؤال ما إذا كانت هذه المخاطر هي حاليا محل اهتمام مؤسسات وهياكل الدولة، أن طرحها فعليا في تونس بدأ في السنوات القليلة الماضية بداية مع المجتمع المدني والمنظمات المختصة الى أن ارتقت في ما بعد الى الحديث عنها في مخابر البحث الأكاديمية في الجامعة التونسية، اضافة الى أنها بدأت تتبلور في السياسات العمومية للدولة بالرغم لما تشهده من تردد وارتباك وغياب للموارد وعدم الاستقرار السياسي، إلا أن هناك مجتمعات بحثية في عدة وزارات وهياكل دولة تشتغل على هذه المخاطر وهو ما يمكن أن نعتبره بداية صحوة ووعي اجتماعي..، وأشار في نفس السياق إلى أن مختلف هذه الندوات ستكون فرصة للقيام بعدة ورقات سياسية تطرح فيها مختلف الحلول والمخاطر كما أنها ستسلم نسخ منها الى مختلف الهياكل والوزارات المعنية.

وأفاد مؤسس مرصد السيادة الغذائية والبيئة، حبيب العايب، في مداخلته خلال الندوة أن الحق في الماء هو حق كوني إلا أن جزءا كبيرا من التونسيين لا يحصلون عليه، زد على ذلك فإن مياه الحنفيات في تونس العاصمة غير صالح للشرب وهو خطر كبير يهدد صحة التونسيين، كما أكد أن الاستثمار الفلاحي في بعض المناطق يهدد الثروة المائية ويستنزفها.

وأضاف حبيب العايب، أن السياسة الفلاحية في تونس تقوم على منهج خاطئ باعتبارها للأمن الغدائي كسياسة وليس كسيادة إذ لا بد أن تكون السيادة الغدائية للدولة مرتبطة بالسيادة السياسية للدولة.

من جانبها الخبيرة في التغيرات المناخية والمياه، راضية السمين، أكدت في مداخلتها خلال نفس الندوة، أن القطاع الفلاحي لا يزال عمادا اقتصاديا واجتماعيا رئيسيا للبلاد التونسية باعتباره مساهما ٲساسيا في الناتج الداخلي الخام (في حدود 10%) وبصفته من ٲهم القطاعات المشغلة وركيزة لتحقيق الأمن الغذائي للبلاد. وقد سعت الدولة منذ الاستقلال ٳلى اعتماد جملة من السياسات للنهوض بهذا القطاع بهدف تكثيف عوامل الإنتاج بالمستغلات الكبرى وبالمقابل تم اعتبار المزارع الفلاحية الصغرى والمتوسطة مستغلات ثانوية لم توليها الدولة اهتماما.

تثمين المياه المتاحة

وأضافت الخبيرة "في الواقع تعتبر زراعة الحبوب بالأساس زراعة بعلية لذلك ترتكز الزراعات الكبرى بشمال البلاد الذي يحوي 81% من المياه السطحية ويضم 77% من مساحات الحبوب البعلية. وقد بينت الدراسات ٲن البصمة المائية الجملية الأكثر ٳنخفاضا لزراعات الحبوب تتمركز في شمال البلاد بـ 3790 م3/طن للشعير يليها الوسط بـ 3910 م3/طن في حين ترتفع في الجنوب إلى 5130 م3/طن ويعود هذا الفارق ٲساسا إلى ارتفاع قيمة بصمة الماء الزرقاء (1050 م3/طن بالنسبة للشعير و1230 م3/طن للقمح) وهو ما يعكس اللجوء إلى الري بالمياه الجوفية بسبب الظروف المناخية غير الملائمة من شح للأمطار وارتفاع في نسبة التبخر. ٲما بالنسبة للحصص المسجلة للمياه الخضراء والرمادية فإنها تتساوى بالمجمل بين جل المناطق. وهنا تبرز ضرورة زيادة تثمين إمكاناتنا المائية المتاحة من المياه الخضراء في ٳنتاج الحبوب بشمال البلاد للحفاظ على مواردنا من المياه الزرقاء.  ٳلا ٲن الدولة إلى اليوم لم تبذل جهودا كافية للنهوض بالإنتاج المحلي للحبوب من خلال تحسين استخدام الموارد المائية فبانتهاج سياسة الاستيراد والتحجج بتحقيق ربح في الموارد المائية اعتمادا على مفهوم المياه الافتراضية نجد ٲن تونس لم تعتمد رؤية السيادة الغذائية على المدى الطويل بهدف الحفاظ على الموارد المائية لتحقيق التنمية المستدامة بشكل يتلاءم مع ٲنماط الإنتاج والاستهلاك الغذائي ٲخذا بعين الاعتبار المستجدات الطارئة على الأحوال المناخية حيث تنبأ المعهد الوطني للرصد الجوي بارتفاع متوسط درجات الحرارة بالبلاد ما بين 2.1 و 2.4 درجة مائوية في ٲفق 2050 مصحوبا بانخفاض في المخزون السنوي للأمطار بـ 1% - إلى  14%- مما سيؤثر سلبا على الموارد المائية وبذلك على الإنتاج الفلاحي"، وفق قولها.

السياسات الزراعية المستنزفة

وأشارت الخبيرة في التغيرات المناخية والمياه، راضية السمين، أنه لم تقتصر السياسات الزراعية المستنزفة للموارد المائية على قطاع الحبوب بل استفحل الفشل في سوء ٳدارة هذه الموارد في الواحات جنوب البلاد أين تم تفكيك النظم الاجتماعية لإدارة المياه بهدف تكثيف ٳنتاج دقلة النور الموجهة للتصدير وبذلك تزايد الضغط على الموارد المائية الجوفية مما أدى الى نضوب الينابيع الطبيعية نتيجة تراجع المستوى البيزومتري للموائد العميقة مما دفع إلى اللجوء إلى حفر المزيد من الابار. حاليا يتجاوز مستوى استغلال الموارد المائية المتاحة مستويات السحب الجهوي الموصى بها والمقدرة مبدئيا بـ236 مليون م3 في السنة مقابل 418.3 مليون م3 يتم سحبها سنويا في قبلي وبذلك تبلغ نسبة الاستغلال المفرط 170% وحتى أنها قاربت الـ 200% في بعض السنوات الجافة. هذا الوضع أصبح مثيرا للجزع لأن نسبة تجدد المياه في الطبقات المائية الأحفورية ضئيلة جدا وهو ما يجعلها متداعية للنضوب في ظل ارتفاع عدد الآبار غير القانونية التي لا تخضع للنهج القائم على التصرف العقلاني في المياه والذي وضعته الدولة وتشرف عليه في مساحات الري حيث لا تتم مراقبة المياه في إطار ما يسمى بعمليات الاستغلال غير القانونية بواسطة عدادات ولا يتم دفع ثمنها من قبل المستخدمين مما يعني أن تنفيذ نموذج توزيع المياه بشكل عام لا يتم وفقا لدورة ماء واضحة المعالم بل حسب الحاجة مما يؤدي إلى إهدار الموارد المائية. لقد نجحت هذه السياسة في تغيير طرق استغلال المياه إلى حد كبير وذلك تحت تأثير منطق الربحية والمضاربة. حيث تمثل دقلة النور اليوم 80% من صادرات التمور التونسية وما تزال هذه الزراعة في أوج نموها حيث أن 94% من المزارع التي تقل أعمارها عن 5 سنوات مخصصة لنخيل دقلة النور، وفق تقييمها.

إشكاليّات قطاع المياه

obss.jpg

 

بدوره منسق المرصد التونسي للمياه علاء مرزوقي، أفاد في مداخلته خلال اللقاء، أن الحقّ في الماء  يعتبر من حقوق الأساسية الحياتية للإنسان، حيث يمثل هذا المورد الطبيعي عنصرا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية ومقوّم من مقوّمات الاستدامة البيئية وأحد أهمّ مدخلات السيادة الغذائية. فبالرغم من التنصيص على الحقّ في الماء ضمن دستور 2014، تشهد البلاد التونسيّة، في السنوات الأخيرة احتجاجات متصاعدة للمعطّشين بكامل الجهات نتيجة لارتفاع وتيرة انقطاعات الماء الصّالح للشّرب.

وأضاف علاء المرزوقي، أن إشكاليّات قطاع المياه في تونس تعود إلى ضعف المنظومة التشريعيّة والقانونيّة المتعلّقة بالماء (مجلّة المياه 1975 ومشروع مجلّة المياه الجديد) وغياب المقاربة التشاركيّة في رسم التّصوّرات والسّياسات الكبرى المرتبطة بالثّروة المائيّة. وأشار وفي هذا الصّدد الى تقدم المرصد التونسي للمياه وعدد من الجمعيات والخبراء، بمبادرة تشريعيّة في شكل مشروع "مجلّة مياه مواطنية"، تحمل تصوّرا جديدا لقطاع المياه وتعمل على تحديد الأولويات في إطار منوال تنموي بديل. ولكن في انتظار عرض ومناقشة هذه المشاريع، عرفت تونس وغيرها من بلدان العالم ظرفا استثنائيا جرّاء تفشي وباء كورونا المستجدّ، أدّى إلى تعليق كلّ الأنشطة الجماعية باستثناء القطاعات الحيوية. كما أعلنت منظّمة الصّحّة العالميّة للحدّ من انتشار هذا الوباء عن مجموعة من التّدابير والإجراءات الوقائية أهمّها المحافظة على النّظافة باستعمال الماء والصاّبون بصفة مستمرّة.

ولذلك، وعلى المستوى الوطني، أعلنت الحكومات المتعاقبة منذ انتشار الوباء في تونس، عن بعض القرارات الهزيلة، تمثّلت في إرجاع الماء الصالح للشّرب إلى المشتركين بالشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه من العائلات المعوزة الذين تمّ قطع تزويدهم خلال الأشهر الفارطة لعدم الخلاص وإمهالهم شهرا، ابتداء من تاريخ إعادة التزويد بالماء، لتسوية وضعياتهم. أمّا بالنسبة لمتساكني المناطق الريفيّة، المزودون بالمياه عن طريق منظومة المجامع المائية، فقد تمّ الاتفاق مع الشركة التونسيّة للكهرباء والغاز على إمهال المجامع المائيّة التي تعاني من صعوبات مالية في تسديد الفواتير، مدّة شهر بصفة استثنائية لتمكينها من التزوّد بالكهرباء قصد إرجاع الماء الصالح للشرب، وفق قوله.

طعن الدور الاجتماعي للدولة

 "وإن كان انتشار هذا الوباء فرصة للالتفاف حول الفئات الاجتماعية التي تعيش حالة من الغبن الاجتماعي والتهميش الاقتصادي والإقصاء والحرمان، فإنّ الحكومات السابقة استغلّت انشغال الشأن العامّ بمقاومة الجائحة، لتنفذ إملاءات عدد من المؤسسات الأجنبية المانحة للقروض بالترفيع في سعر مياه الشرب دون استشارة الهياكل المعنيّة بقطاع المياه. وجاءت هذه الإجراءات بمثابة طعن للدور الاجتماعي للدولة في ضمان الحقّ في الماء، خاصّة بالنسبة للفئات الاجتماعية الهشة وليكشف عن تداخل الأدوار وتشتّت القرارات داخل المؤسسات المعنية بقطاع المياه ليؤكد على أنّ وزارة الإشراف تتعامل مع الماء كسلعة تباع وتشترى وليس كحق وجبت حمايته. وبعد ما وصلت إليه جميع مسارات إصلاح قطاع المياه إلى طريق مسدود، إضافة إلى دخول بلادنا في مرحلة أزمة هيكلية للمياه، وخاصة مياه الشرب (حيث سجلت سنة 2021  2633إنتهاكا للحق في الماء حسب أرقام المرصد التونسي للمياه)، صار لزاماً علينا إعادة نظر شاملة واعتماد خطة عمل متكاملة تتضمن إجراءات عاجلة من ناحية، وبرنامج عمل على المدى المتوسط والبعيد من ناحية أخرى لإصلاح قطاع المياه"، وفقا لمرزوقي.

كماأكد  الأستاذ المحاضر في علم الاجتماع المتخصص في علم اجتماع التنمية والبيئة حسان الموري، في مداخلته خلال ذات الندوة وجود إشكال كبير في حكومة المياه الصالحة للشرب في تونس، معتبرا في نفس السياق أن مسألة التصرف في المخزون المائي على مستوى التسيير وكيفية التزود تشهد حالة من التراخي والاضطراب خاصة في مستوى تأمين تزويد المناطق الريفية والحضرية بالماء الصالح للشراب.

واعتبر الأستاذ في علم الاجتماع، أن هذا التراخي والاضطراب يعود أساسا  إلى ضعف الشبكات المائية وتهرمها وضعف موارد الشركات مما ينعكس سلبا على تأمين صيانة الشبكات.

يذكر أن ندوة حول "مشكلات المياه في تونس ومستقبل الأجيال القادمة" وذلك في إطار برنامجه سيمنار: المجتمع والمخاطر، من تنظيم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تونس وهو مؤسّسة بحثيّة فكريّة مستقلّة للعلوم الاجتماعية والإنسانية، وبخاصّة في جوانبها التطبيقية والنظرية.

صلاح الدين كريمي

في ندوة حول "مشكلات المياه في تونس ومستقبل الأجيال القادمة": فشل في إدارة الزراعة والواحات.. ودعوات لمراجعة السياسات

 *مهدي مبروك لـ"الصباح": السياسات العمومية للدولة تشهد ارتباكا نتيجة لعدم الاستقرار السياسي

*الخبيرة في التغيرات المناخية والمياه، راضية السمين: الدولة إلى اليوم لم تبذل جهودا كافية للنهوض بالإنتاج المحلي للحبوب

*مؤسس مرصد السيادة الغذائية والبيئة حبيب العايب:السياسة الفلاحية في تونس تقوم على منهج خاطئ

تونس-الصباح

نظم أول أمس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس، ندوة حول "مشكلات المياه في تونس ومستقبل الأجيال القادمة"، وذلك في إطار برنامجه سيمنار: المجتمع والمخاطر، بمشاركة عدد من الخبراء في مجال المياه والتغيرات المناخية إضافة الى خبراء في علم الاجتماع والسيادة الغذائية والبيئية.

وقال مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.تونس، مهدي مبروك، في تصريح لـ"الصباح"، أن برنامج سيمنار: المجتمع والمخاطر، هو برنامج سنوي وافتتح هذا العام بهذه الندوة ليتواصل إلى نهاية العام بتنظيم 10 ندوات حول محاور مختلفة، وذلك بالعودة بالدراسة والتحليل الى مختلف المخاطر التي تهدد المجتمع التونسي والانسانية جمعاء خاصة وأنه الان لا يمكن أن نحصر ما نسميه بـ "المخاطر المحلية".

ارتباط وثيق بالأمن القومي

mmm.png

 

وأضاف مهدي مبروك، أن قضية التلوث على سبيل المثال أضحت تُمثّل مشكلة عالمية، وفي هذا الجانب سيتم تخصيص ندوة حول مخاطر التلوث وتداعياتها في تونس والعالم على حد السواء..، إضافة إلى ندوة حول مخاطر الجرائم السيبرانية والتي أصبحت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأمن القومي للدول لما فيها من تهديد للجماعات والأفراد، بالإضافة الى طرح عدة مخاطر وظواهر اجتماعية.

واعتبر مدير المركز العربي، في إجابته عن سؤال ما إذا كانت هذه المخاطر هي حاليا محل اهتمام مؤسسات وهياكل الدولة، أن طرحها فعليا في تونس بدأ في السنوات القليلة الماضية بداية مع المجتمع المدني والمنظمات المختصة الى أن ارتقت في ما بعد الى الحديث عنها في مخابر البحث الأكاديمية في الجامعة التونسية، اضافة الى أنها بدأت تتبلور في السياسات العمومية للدولة بالرغم لما تشهده من تردد وارتباك وغياب للموارد وعدم الاستقرار السياسي، إلا أن هناك مجتمعات بحثية في عدة وزارات وهياكل دولة تشتغل على هذه المخاطر وهو ما يمكن أن نعتبره بداية صحوة ووعي اجتماعي..، وأشار في نفس السياق إلى أن مختلف هذه الندوات ستكون فرصة للقيام بعدة ورقات سياسية تطرح فيها مختلف الحلول والمخاطر كما أنها ستسلم نسخ منها الى مختلف الهياكل والوزارات المعنية.

وأفاد مؤسس مرصد السيادة الغذائية والبيئة، حبيب العايب، في مداخلته خلال الندوة أن الحق في الماء هو حق كوني إلا أن جزءا كبيرا من التونسيين لا يحصلون عليه، زد على ذلك فإن مياه الحنفيات في تونس العاصمة غير صالح للشرب وهو خطر كبير يهدد صحة التونسيين، كما أكد أن الاستثمار الفلاحي في بعض المناطق يهدد الثروة المائية ويستنزفها.

وأضاف حبيب العايب، أن السياسة الفلاحية في تونس تقوم على منهج خاطئ باعتبارها للأمن الغدائي كسياسة وليس كسيادة إذ لا بد أن تكون السيادة الغدائية للدولة مرتبطة بالسيادة السياسية للدولة.

من جانبها الخبيرة في التغيرات المناخية والمياه، راضية السمين، أكدت في مداخلتها خلال نفس الندوة، أن القطاع الفلاحي لا يزال عمادا اقتصاديا واجتماعيا رئيسيا للبلاد التونسية باعتباره مساهما ٲساسيا في الناتج الداخلي الخام (في حدود 10%) وبصفته من ٲهم القطاعات المشغلة وركيزة لتحقيق الأمن الغذائي للبلاد. وقد سعت الدولة منذ الاستقلال ٳلى اعتماد جملة من السياسات للنهوض بهذا القطاع بهدف تكثيف عوامل الإنتاج بالمستغلات الكبرى وبالمقابل تم اعتبار المزارع الفلاحية الصغرى والمتوسطة مستغلات ثانوية لم توليها الدولة اهتماما.

تثمين المياه المتاحة

وأضافت الخبيرة "في الواقع تعتبر زراعة الحبوب بالأساس زراعة بعلية لذلك ترتكز الزراعات الكبرى بشمال البلاد الذي يحوي 81% من المياه السطحية ويضم 77% من مساحات الحبوب البعلية. وقد بينت الدراسات ٲن البصمة المائية الجملية الأكثر ٳنخفاضا لزراعات الحبوب تتمركز في شمال البلاد بـ 3790 م3/طن للشعير يليها الوسط بـ 3910 م3/طن في حين ترتفع في الجنوب إلى 5130 م3/طن ويعود هذا الفارق ٲساسا إلى ارتفاع قيمة بصمة الماء الزرقاء (1050 م3/طن بالنسبة للشعير و1230 م3/طن للقمح) وهو ما يعكس اللجوء إلى الري بالمياه الجوفية بسبب الظروف المناخية غير الملائمة من شح للأمطار وارتفاع في نسبة التبخر. ٲما بالنسبة للحصص المسجلة للمياه الخضراء والرمادية فإنها تتساوى بالمجمل بين جل المناطق. وهنا تبرز ضرورة زيادة تثمين إمكاناتنا المائية المتاحة من المياه الخضراء في ٳنتاج الحبوب بشمال البلاد للحفاظ على مواردنا من المياه الزرقاء.  ٳلا ٲن الدولة إلى اليوم لم تبذل جهودا كافية للنهوض بالإنتاج المحلي للحبوب من خلال تحسين استخدام الموارد المائية فبانتهاج سياسة الاستيراد والتحجج بتحقيق ربح في الموارد المائية اعتمادا على مفهوم المياه الافتراضية نجد ٲن تونس لم تعتمد رؤية السيادة الغذائية على المدى الطويل بهدف الحفاظ على الموارد المائية لتحقيق التنمية المستدامة بشكل يتلاءم مع ٲنماط الإنتاج والاستهلاك الغذائي ٲخذا بعين الاعتبار المستجدات الطارئة على الأحوال المناخية حيث تنبأ المعهد الوطني للرصد الجوي بارتفاع متوسط درجات الحرارة بالبلاد ما بين 2.1 و 2.4 درجة مائوية في ٲفق 2050 مصحوبا بانخفاض في المخزون السنوي للأمطار بـ 1% - إلى  14%- مما سيؤثر سلبا على الموارد المائية وبذلك على الإنتاج الفلاحي"، وفق قولها.

السياسات الزراعية المستنزفة

وأشارت الخبيرة في التغيرات المناخية والمياه، راضية السمين، أنه لم تقتصر السياسات الزراعية المستنزفة للموارد المائية على قطاع الحبوب بل استفحل الفشل في سوء ٳدارة هذه الموارد في الواحات جنوب البلاد أين تم تفكيك النظم الاجتماعية لإدارة المياه بهدف تكثيف ٳنتاج دقلة النور الموجهة للتصدير وبذلك تزايد الضغط على الموارد المائية الجوفية مما أدى الى نضوب الينابيع الطبيعية نتيجة تراجع المستوى البيزومتري للموائد العميقة مما دفع إلى اللجوء إلى حفر المزيد من الابار. حاليا يتجاوز مستوى استغلال الموارد المائية المتاحة مستويات السحب الجهوي الموصى بها والمقدرة مبدئيا بـ236 مليون م3 في السنة مقابل 418.3 مليون م3 يتم سحبها سنويا في قبلي وبذلك تبلغ نسبة الاستغلال المفرط 170% وحتى أنها قاربت الـ 200% في بعض السنوات الجافة. هذا الوضع أصبح مثيرا للجزع لأن نسبة تجدد المياه في الطبقات المائية الأحفورية ضئيلة جدا وهو ما يجعلها متداعية للنضوب في ظل ارتفاع عدد الآبار غير القانونية التي لا تخضع للنهج القائم على التصرف العقلاني في المياه والذي وضعته الدولة وتشرف عليه في مساحات الري حيث لا تتم مراقبة المياه في إطار ما يسمى بعمليات الاستغلال غير القانونية بواسطة عدادات ولا يتم دفع ثمنها من قبل المستخدمين مما يعني أن تنفيذ نموذج توزيع المياه بشكل عام لا يتم وفقا لدورة ماء واضحة المعالم بل حسب الحاجة مما يؤدي إلى إهدار الموارد المائية. لقد نجحت هذه السياسة في تغيير طرق استغلال المياه إلى حد كبير وذلك تحت تأثير منطق الربحية والمضاربة. حيث تمثل دقلة النور اليوم 80% من صادرات التمور التونسية وما تزال هذه الزراعة في أوج نموها حيث أن 94% من المزارع التي تقل أعمارها عن 5 سنوات مخصصة لنخيل دقلة النور، وفق تقييمها.

إشكاليّات قطاع المياه

obss.jpg

 

بدوره منسق المرصد التونسي للمياه علاء مرزوقي، أفاد في مداخلته خلال اللقاء، أن الحقّ في الماء  يعتبر من حقوق الأساسية الحياتية للإنسان، حيث يمثل هذا المورد الطبيعي عنصرا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية ومقوّم من مقوّمات الاستدامة البيئية وأحد أهمّ مدخلات السيادة الغذائية. فبالرغم من التنصيص على الحقّ في الماء ضمن دستور 2014، تشهد البلاد التونسيّة، في السنوات الأخيرة احتجاجات متصاعدة للمعطّشين بكامل الجهات نتيجة لارتفاع وتيرة انقطاعات الماء الصّالح للشّرب.

وأضاف علاء المرزوقي، أن إشكاليّات قطاع المياه في تونس تعود إلى ضعف المنظومة التشريعيّة والقانونيّة المتعلّقة بالماء (مجلّة المياه 1975 ومشروع مجلّة المياه الجديد) وغياب المقاربة التشاركيّة في رسم التّصوّرات والسّياسات الكبرى المرتبطة بالثّروة المائيّة. وأشار وفي هذا الصّدد الى تقدم المرصد التونسي للمياه وعدد من الجمعيات والخبراء، بمبادرة تشريعيّة في شكل مشروع "مجلّة مياه مواطنية"، تحمل تصوّرا جديدا لقطاع المياه وتعمل على تحديد الأولويات في إطار منوال تنموي بديل. ولكن في انتظار عرض ومناقشة هذه المشاريع، عرفت تونس وغيرها من بلدان العالم ظرفا استثنائيا جرّاء تفشي وباء كورونا المستجدّ، أدّى إلى تعليق كلّ الأنشطة الجماعية باستثناء القطاعات الحيوية. كما أعلنت منظّمة الصّحّة العالميّة للحدّ من انتشار هذا الوباء عن مجموعة من التّدابير والإجراءات الوقائية أهمّها المحافظة على النّظافة باستعمال الماء والصاّبون بصفة مستمرّة.

ولذلك، وعلى المستوى الوطني، أعلنت الحكومات المتعاقبة منذ انتشار الوباء في تونس، عن بعض القرارات الهزيلة، تمثّلت في إرجاع الماء الصالح للشّرب إلى المشتركين بالشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه من العائلات المعوزة الذين تمّ قطع تزويدهم خلال الأشهر الفارطة لعدم الخلاص وإمهالهم شهرا، ابتداء من تاريخ إعادة التزويد بالماء، لتسوية وضعياتهم. أمّا بالنسبة لمتساكني المناطق الريفيّة، المزودون بالمياه عن طريق منظومة المجامع المائية، فقد تمّ الاتفاق مع الشركة التونسيّة للكهرباء والغاز على إمهال المجامع المائيّة التي تعاني من صعوبات مالية في تسديد الفواتير، مدّة شهر بصفة استثنائية لتمكينها من التزوّد بالكهرباء قصد إرجاع الماء الصالح للشرب، وفق قوله.

طعن الدور الاجتماعي للدولة

 "وإن كان انتشار هذا الوباء فرصة للالتفاف حول الفئات الاجتماعية التي تعيش حالة من الغبن الاجتماعي والتهميش الاقتصادي والإقصاء والحرمان، فإنّ الحكومات السابقة استغلّت انشغال الشأن العامّ بمقاومة الجائحة، لتنفذ إملاءات عدد من المؤسسات الأجنبية المانحة للقروض بالترفيع في سعر مياه الشرب دون استشارة الهياكل المعنيّة بقطاع المياه. وجاءت هذه الإجراءات بمثابة طعن للدور الاجتماعي للدولة في ضمان الحقّ في الماء، خاصّة بالنسبة للفئات الاجتماعية الهشة وليكشف عن تداخل الأدوار وتشتّت القرارات داخل المؤسسات المعنية بقطاع المياه ليؤكد على أنّ وزارة الإشراف تتعامل مع الماء كسلعة تباع وتشترى وليس كحق وجبت حمايته. وبعد ما وصلت إليه جميع مسارات إصلاح قطاع المياه إلى طريق مسدود، إضافة إلى دخول بلادنا في مرحلة أزمة هيكلية للمياه، وخاصة مياه الشرب (حيث سجلت سنة 2021  2633إنتهاكا للحق في الماء حسب أرقام المرصد التونسي للمياه)، صار لزاماً علينا إعادة نظر شاملة واعتماد خطة عمل متكاملة تتضمن إجراءات عاجلة من ناحية، وبرنامج عمل على المدى المتوسط والبعيد من ناحية أخرى لإصلاح قطاع المياه"، وفقا لمرزوقي.

كماأكد  الأستاذ المحاضر في علم الاجتماع المتخصص في علم اجتماع التنمية والبيئة حسان الموري، في مداخلته خلال ذات الندوة وجود إشكال كبير في حكومة المياه الصالحة للشرب في تونس، معتبرا في نفس السياق أن مسألة التصرف في المخزون المائي على مستوى التسيير وكيفية التزود تشهد حالة من التراخي والاضطراب خاصة في مستوى تأمين تزويد المناطق الريفية والحضرية بالماء الصالح للشراب.

واعتبر الأستاذ في علم الاجتماع، أن هذا التراخي والاضطراب يعود أساسا  إلى ضعف الشبكات المائية وتهرمها وضعف موارد الشركات مما ينعكس سلبا على تأمين صيانة الشبكات.

يذكر أن ندوة حول "مشكلات المياه في تونس ومستقبل الأجيال القادمة" وذلك في إطار برنامجه سيمنار: المجتمع والمخاطر، من تنظيم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تونس وهو مؤسّسة بحثيّة فكريّة مستقلّة للعلوم الاجتماعية والإنسانية، وبخاصّة في جوانبها التطبيقية والنظرية.

صلاح الدين كريمي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews