في انتظار انتهاء تجميع نتائج الاستشارة الالكترونية الوطنية من قبل لجنة وطنية ما تزال ملامحها لم تتضح بعد، تشير جل الدلائل والمؤشرات الموضوعية والسياسية، وفي ما يتعلق على الأقل بنظام الاقتراع الذي سيتم الاستفتاء عليه واختياره سيكون مبدئيا نظام الاقتراع على الأفراد. وبناء على ما كشفه رئيس الجمهورية قيس سعيد، أول أمس، خلاله إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء حين ذكر التوجهات الأولية لنتائج الاستشارة، فإن 82% من التونسيين الذين شاركوا فيها لحد الآن (حوالي 110 آلاف في ظرف أسبوعين تقريبا) يفضلون النظام الرئاسى على البرلمانى، في حين يفضل81% الاقتراع على الأفراد خلافا لنظام الاقتراع الحالي القائم على القوائم الانتخابية.
وبعيدا عن أحقية الرئيس في كشف توجهات نتائج الاستشارة من عدمها والإطلاع عليها دون غيره، فإن من المهم الإشارة إلى أن تنقيح النظام الانتخابي الحالي (يعتمد نظام القائمات) والنظام السياسي (من شبه برلماني إلى رئاسي) يعتبر من أبرز ركائز الحملة الانتخابية للرئيس سعيد، من أجل إرساء أو "تأسيس" مشروع نظام بديل.
وإن كانت ملامح النظام القاعدي الذي تحدث عنه سعيد في مناسبات عدة سابقة قبل حتى أن ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2019، وروج له بعض أصدقائه المقربين (رضا شهاب المكي) ما يزال يشوبها الغموض والضبابية، إلا أن هذا النظام يتقاطع مع نظام الاقتراع على الأفراد في عدة خصائص ومميزات، خاصة في طريقة اختيار النواب، لكنه يختلف عنه في مسألة توظيف آلية سحب الوكالة من النائب وفي طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية، وإحداث المجالس المحلية والجهوية..
وككل نظام اقتراع، فإن نظام الاقتراع على الأفراد له مزاياه وله مساوئه، كما أن نجاح تطبيقه في دولة ما لا يعني بالضرورة إمكانية تطبيقه في دولة أخرى فعوامل النجاح والفشل مرتبطة أساسا بطبيعة النظام السياسي المعتمد، التركيبة السكانية وتقسيم الدوائر ترابيا وإداريا، الثقافة السياسية والانتخابية السائدة، الممارسة الديمقراطية، طبيعة النسيج الاجتماعي، وعوامل أخرى مرتبطة بمؤشرات تنموية اقتصادية واجتماعية كنسب التمدرس والفقر والبطالة ومعدل الدخل الفردي..
فشل منظومة الاقتراع على القائمات
ومهما يكن في الأمر، فإن من أبرز العوامل المساعدة على إمكانية أن تتجه الأغلبية إلى تفضيل تغيير نظام الاقتراع المعتمد حاليا وهي نفس العوامل والأسباب التي استغلها رئيس الجمهورية لتأكيد فشل الطبقة السياسية الحالية والنظام السياسي القائم، هو في فشل منظومة الاقتراع المعتمدة منذ انتخابات أكتوبر 2011 بعد نقاشات مطولة داخل هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، وكان الهدف من ذلك انتاج برلمان متعدد التوجهات السياسية والفكرية والثقافية يسمح بتمثيلية أوسع للأحزاب حتى الصغيرة منها بالبرلمان بغرض هدف نبيل هو تشريك أكبر عدد من الممكن من الكيانات الحزبية والإيديولوجية في كتابة دستور جديد للجمهورية التونسية الثانية.
لكن ما ساهم في إبراز مساوئ نظام الاقتراع على القائمات اعتمادا على النسبية مع احتساب أكبر البقايا هو في تواصل اعتماده من قبل المجلس التأسيسي نفسه لتنظيم تشريعية 2014، إذ لم يساعد على انتخاب أغلبية حزبية مريحة داخل البرلمان تسمح لها بتشكيل حكومة دون اللجوء إلى تحالفات معقدة، وأفرز فوزا طفيفا لكتلة حزب نداء تونس آنذاك متقدمة على كتلة حركة النهضة..
المثير للاستغراب هو أن الأغلبية البرلمانية آنذاك ساهمت في تفضيل نفس نظام الاقتراع في انتخابات 2019 التي أفرزت انتخاب برلمان منقسم ضعيف ومشتت، رغم ثبوت فشله في صعود لون حزبي أغلبي بالبرلمان واكتفت بتعديلات بسيطة لم تمس من جوهر نظام الاقتراع مثل اقرار نظام العتبة والتشديد في شروط الترشح، الأمر الذي كان له تأثير قوي في فشل الحكومات المتعاقبة وحصول حالة من عدم الاستقرار السياسي والفوضى داخل البرلمان وانتشار ممارسات سياسية سيئة مثل المحسوبية وتعاظم نفوذ لوبيات مالية قوية وشراء الذمم وتعطل وظيفة التشريع وغيرها..
كما أن طبيعة النظام السياسي المكرس بدستور 27 جانفي 2014 (نظام هجين لا هو برلماني ولا هو رئاسي) متهم بأنه ساهم لحد بعيد في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تونس. وما محاولات رئيس الجمهورية الأسبق الراحل الباجي قائد السبسي في 20 مارس 2018 حين دعا الأحزاب والمنظمات وخبراء القانون إلى التفكير في تغيير نظام الاقتراع والنظام السياسي إلا دليل إضافي على عمق الأزمة السياسية التي مرت بها البلاد في تلك الفترة التي تميزت بطغيان آلية "التوافق" بين حزبي النداء والنهضة وتهميش دور رئيس الدولة..
لكن الإشكال القائم حاليا ليس في تغيير طريقة الاقتراع في حد ذاتها لكن في طريقة التعريف بمزايا مختلف أنظمة الاقتراع لدى جمهور الناخبين والرأي العام، حتى يمكنه التمييز والاختيار على أحسن نظام يتماشى مع الواقع السياسي التونسي. كما أن هناك تخوفا مشروعا من أن يستغل رئيس الجمهورية موقعه وسلطاته لإقرار نظام اقتراع قائم على البناء القاعدي وهو مختلف تماما عن نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين..
وفي انتظار ما تفرزه أعمال لجنة الإصلاح التي سيتم تشكيلها بأمر رئاسي وتضم خبراء في القانون الدستوري وربما في اختصاصات أخرى، فإن فكرة الاقتراع على الأفراد في دوائر صغرى، هي الآلية التي يروج لها أنصار رئيس الجمهورية قيس سعيد، كحل لأزمة الحكم، وهي تمثل أيضا أحد أعمدة مشروع سعيد..
مشروع البناء الجديد
وينطلق مشروع “البناء الجديد” الذي يقترحه قيس سعيد من نقد لكل النظام السياسي والإداري الذي جاء به دستور 2014، والذي يعتبره “استمرارا مقنعا” لنظام ما قبل الثورة. ويتجه النقد بالتحديد إلى نظام الاقتراع، وهو أمر أثاره رضا شهاب المكي، أحد منظري هذا المشروع، في لقاءات إعلامية عديدة..، وهو الذي يرى أن الدوائر الصغرى“قابلة للسيطرة”، والمقصود هو سيطرة الناخبين على المنتخبين، وذلك باطلاعهم على المترشحين، قبل انتخابهم، وأيضا بإمكانية “سحب الوكالة” منهم.
وبالعودة إلى تصريحات سعيد نفسه في فترات مختلفة خاصة قبل ترشحه لانتخابات الرئاسية أكتوبر 2019، فإنه كان دائما يكيل الانتقاد للقانون الانتخابي ونظام الاقتراع، أما البديل، فهو يتمثل – وفقا لسعيد - في مشروع “البناء الجديد”، وهو الاقتراع على الأفراد في دوائر صغرى، وهي العمادات، ليجتمع ممثلو العمادات في مجالس محلية على مستوى المعتمديات، التي تشكل بدورها مجالس جهوية (على مستوى الولايات) تختار ممثليها في البرلمان الوطني. هذا الأخير يتكون من 265 نائبا، بقدر عدد المعتمديات في تونس، مع تمثيل للتونسيين بالخارج بانتخابات مباشرة على “قائمات مفتوحة.
وفي تصريح مطول لموقع جريدة "رأي اليوم" الالكترونية، نشر في 5أفريل 2018، يرى سعيد أنّ تونس بحاجة إلى تصور جديد للبناء السياسي بانتخابات تنطلق من المحَلي نحو المركزي، يكون فيها كل نائب مسؤولا أمام منتخبيه لا أمام حزبه .
واعتبر سعيّد أنّ طريقة الاقتراع على الأفراد هي الأنسب لتونس، وذلك من خلال الصعود من المحلي إلى الجهوي، وأوضح أن هذه الطريقة تتم من خلال إنشاء مجالس محلية في كل معتمديّة تتولى وضع مشروع التنمية المحليّة فيها، ويتم انتخاب أعضائها بطريقة الاقتراع على الأفراد بحساب نائب عن كل عمادة. وأضاف في تونس 265 معتمدية مقسمة إلى مجموعة من العمادات، يمثلها نائب في كل عمادة بالمجالس المحليّة، لكنه أوضح أنه لن يتم قبول ترشح النائب إلا بعد تزكيته من قبل عدد من الناخبين؛ نصفهم من الذكور ونصفهم الآخر من الإناث، وربعهم من الشباب (دون 35 سنة)، فضلا عن ضرورة تمثيل ذوي الإعاقة .
مقترح بلعيد ومحفوظ
تجدر الإشارة إلى أن الأستاذين الصادق بلعيد وأمين محفوظ وهما المقربين من رئيس الجمهورية قيس سعيد، والمرشحين البارزين لعضوية لجنة الإصلاح السياسي، سبق أن قدما بمعية الوزير الأسبق حسين الديماسي مقترح مشروع قانون أساسي يتعلق بنظام الاقتراع في الانتخابات التشريعية، نشرته جريدة المغرب ليوم 8 أوت 2018، ويتثمل في تنظيم انتخابات على 67 دائرة، منها ثلاثة دوائر في الخارج، على أساس 170 ألف ساكن في كل دائرة، مع امكانية إضافة مقعد ثالث في الدوائر التي قد يتجاوز عدد سكانها 200 ألف، مما يعطي برلمانا بـ 150 نائبا.
لكن هذا المقترح يختلف جوهريا عن فكرة النظام القاعدي الذي يروح له أنصار سعيد، فهو ليست محل ترحيب واقتناع لا فقط من قبل الأحزاب والمجتمع المدني بل حتى من قبل خبراء القانون الدستوري.
بالعودة إلى كتابات بلعيد ومحفوظ على وجه الخصوص، وتصريحاتهما في الإعلام والمنابر والندوات العلمية، يتضح أن كلامهما دعا في مناسبات عديدة سابقة حتى قبل 25 جويلية إلى ضرورة تغيير نظام الاقتراع الحالي ووصفها بأنه السبب الرئيس في فشل النظام السياسي المعتمد في دستور 2014. ويتفق محفوظ وبلعيد، على أن أفضل نظام اقتراع يمكن اعتماده في تونس هو نظام الاقتراع بالأغلبية على الأفراد في دورتين. وهو النظام الذي يؤيده خبراء آخرون مثل سامي بن سلامة العضو السابق بمجلس هيئة الانتخابات التي أشرفت على انتخابات 2011.
لكن الخبيران عبرا عن رفضهما لفكرة النظام القاعدي التي لا وجود لنظير لها في العالم، وحذرا من خطورتها، وقالا أنه يتضمن الكثير من الثغرات..
رفيق
تونس- الصباح
في انتظار انتهاء تجميع نتائج الاستشارة الالكترونية الوطنية من قبل لجنة وطنية ما تزال ملامحها لم تتضح بعد، تشير جل الدلائل والمؤشرات الموضوعية والسياسية، وفي ما يتعلق على الأقل بنظام الاقتراع الذي سيتم الاستفتاء عليه واختياره سيكون مبدئيا نظام الاقتراع على الأفراد. وبناء على ما كشفه رئيس الجمهورية قيس سعيد، أول أمس، خلاله إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء حين ذكر التوجهات الأولية لنتائج الاستشارة، فإن 82% من التونسيين الذين شاركوا فيها لحد الآن (حوالي 110 آلاف في ظرف أسبوعين تقريبا) يفضلون النظام الرئاسى على البرلمانى، في حين يفضل81% الاقتراع على الأفراد خلافا لنظام الاقتراع الحالي القائم على القوائم الانتخابية.
وبعيدا عن أحقية الرئيس في كشف توجهات نتائج الاستشارة من عدمها والإطلاع عليها دون غيره، فإن من المهم الإشارة إلى أن تنقيح النظام الانتخابي الحالي (يعتمد نظام القائمات) والنظام السياسي (من شبه برلماني إلى رئاسي) يعتبر من أبرز ركائز الحملة الانتخابية للرئيس سعيد، من أجل إرساء أو "تأسيس" مشروع نظام بديل.
وإن كانت ملامح النظام القاعدي الذي تحدث عنه سعيد في مناسبات عدة سابقة قبل حتى أن ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2019، وروج له بعض أصدقائه المقربين (رضا شهاب المكي) ما يزال يشوبها الغموض والضبابية، إلا أن هذا النظام يتقاطع مع نظام الاقتراع على الأفراد في عدة خصائص ومميزات، خاصة في طريقة اختيار النواب، لكنه يختلف عنه في مسألة توظيف آلية سحب الوكالة من النائب وفي طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية، وإحداث المجالس المحلية والجهوية..
وككل نظام اقتراع، فإن نظام الاقتراع على الأفراد له مزاياه وله مساوئه، كما أن نجاح تطبيقه في دولة ما لا يعني بالضرورة إمكانية تطبيقه في دولة أخرى فعوامل النجاح والفشل مرتبطة أساسا بطبيعة النظام السياسي المعتمد، التركيبة السكانية وتقسيم الدوائر ترابيا وإداريا، الثقافة السياسية والانتخابية السائدة، الممارسة الديمقراطية، طبيعة النسيج الاجتماعي، وعوامل أخرى مرتبطة بمؤشرات تنموية اقتصادية واجتماعية كنسب التمدرس والفقر والبطالة ومعدل الدخل الفردي..
فشل منظومة الاقتراع على القائمات
ومهما يكن في الأمر، فإن من أبرز العوامل المساعدة على إمكانية أن تتجه الأغلبية إلى تفضيل تغيير نظام الاقتراع المعتمد حاليا وهي نفس العوامل والأسباب التي استغلها رئيس الجمهورية لتأكيد فشل الطبقة السياسية الحالية والنظام السياسي القائم، هو في فشل منظومة الاقتراع المعتمدة منذ انتخابات أكتوبر 2011 بعد نقاشات مطولة داخل هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، وكان الهدف من ذلك انتاج برلمان متعدد التوجهات السياسية والفكرية والثقافية يسمح بتمثيلية أوسع للأحزاب حتى الصغيرة منها بالبرلمان بغرض هدف نبيل هو تشريك أكبر عدد من الممكن من الكيانات الحزبية والإيديولوجية في كتابة دستور جديد للجمهورية التونسية الثانية.
لكن ما ساهم في إبراز مساوئ نظام الاقتراع على القائمات اعتمادا على النسبية مع احتساب أكبر البقايا هو في تواصل اعتماده من قبل المجلس التأسيسي نفسه لتنظيم تشريعية 2014، إذ لم يساعد على انتخاب أغلبية حزبية مريحة داخل البرلمان تسمح لها بتشكيل حكومة دون اللجوء إلى تحالفات معقدة، وأفرز فوزا طفيفا لكتلة حزب نداء تونس آنذاك متقدمة على كتلة حركة النهضة..
المثير للاستغراب هو أن الأغلبية البرلمانية آنذاك ساهمت في تفضيل نفس نظام الاقتراع في انتخابات 2019 التي أفرزت انتخاب برلمان منقسم ضعيف ومشتت، رغم ثبوت فشله في صعود لون حزبي أغلبي بالبرلمان واكتفت بتعديلات بسيطة لم تمس من جوهر نظام الاقتراع مثل اقرار نظام العتبة والتشديد في شروط الترشح، الأمر الذي كان له تأثير قوي في فشل الحكومات المتعاقبة وحصول حالة من عدم الاستقرار السياسي والفوضى داخل البرلمان وانتشار ممارسات سياسية سيئة مثل المحسوبية وتعاظم نفوذ لوبيات مالية قوية وشراء الذمم وتعطل وظيفة التشريع وغيرها..
كما أن طبيعة النظام السياسي المكرس بدستور 27 جانفي 2014 (نظام هجين لا هو برلماني ولا هو رئاسي) متهم بأنه ساهم لحد بعيد في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تونس. وما محاولات رئيس الجمهورية الأسبق الراحل الباجي قائد السبسي في 20 مارس 2018 حين دعا الأحزاب والمنظمات وخبراء القانون إلى التفكير في تغيير نظام الاقتراع والنظام السياسي إلا دليل إضافي على عمق الأزمة السياسية التي مرت بها البلاد في تلك الفترة التي تميزت بطغيان آلية "التوافق" بين حزبي النداء والنهضة وتهميش دور رئيس الدولة..
لكن الإشكال القائم حاليا ليس في تغيير طريقة الاقتراع في حد ذاتها لكن في طريقة التعريف بمزايا مختلف أنظمة الاقتراع لدى جمهور الناخبين والرأي العام، حتى يمكنه التمييز والاختيار على أحسن نظام يتماشى مع الواقع السياسي التونسي. كما أن هناك تخوفا مشروعا من أن يستغل رئيس الجمهورية موقعه وسلطاته لإقرار نظام اقتراع قائم على البناء القاعدي وهو مختلف تماما عن نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين..
وفي انتظار ما تفرزه أعمال لجنة الإصلاح التي سيتم تشكيلها بأمر رئاسي وتضم خبراء في القانون الدستوري وربما في اختصاصات أخرى، فإن فكرة الاقتراع على الأفراد في دوائر صغرى، هي الآلية التي يروج لها أنصار رئيس الجمهورية قيس سعيد، كحل لأزمة الحكم، وهي تمثل أيضا أحد أعمدة مشروع سعيد..
مشروع البناء الجديد
وينطلق مشروع “البناء الجديد” الذي يقترحه قيس سعيد من نقد لكل النظام السياسي والإداري الذي جاء به دستور 2014، والذي يعتبره “استمرارا مقنعا” لنظام ما قبل الثورة. ويتجه النقد بالتحديد إلى نظام الاقتراع، وهو أمر أثاره رضا شهاب المكي، أحد منظري هذا المشروع، في لقاءات إعلامية عديدة..، وهو الذي يرى أن الدوائر الصغرى“قابلة للسيطرة”، والمقصود هو سيطرة الناخبين على المنتخبين، وذلك باطلاعهم على المترشحين، قبل انتخابهم، وأيضا بإمكانية “سحب الوكالة” منهم.
وبالعودة إلى تصريحات سعيد نفسه في فترات مختلفة خاصة قبل ترشحه لانتخابات الرئاسية أكتوبر 2019، فإنه كان دائما يكيل الانتقاد للقانون الانتخابي ونظام الاقتراع، أما البديل، فهو يتمثل – وفقا لسعيد - في مشروع “البناء الجديد”، وهو الاقتراع على الأفراد في دوائر صغرى، وهي العمادات، ليجتمع ممثلو العمادات في مجالس محلية على مستوى المعتمديات، التي تشكل بدورها مجالس جهوية (على مستوى الولايات) تختار ممثليها في البرلمان الوطني. هذا الأخير يتكون من 265 نائبا، بقدر عدد المعتمديات في تونس، مع تمثيل للتونسيين بالخارج بانتخابات مباشرة على “قائمات مفتوحة.
وفي تصريح مطول لموقع جريدة "رأي اليوم" الالكترونية، نشر في 5أفريل 2018، يرى سعيد أنّ تونس بحاجة إلى تصور جديد للبناء السياسي بانتخابات تنطلق من المحَلي نحو المركزي، يكون فيها كل نائب مسؤولا أمام منتخبيه لا أمام حزبه .
واعتبر سعيّد أنّ طريقة الاقتراع على الأفراد هي الأنسب لتونس، وذلك من خلال الصعود من المحلي إلى الجهوي، وأوضح أن هذه الطريقة تتم من خلال إنشاء مجالس محلية في كل معتمديّة تتولى وضع مشروع التنمية المحليّة فيها، ويتم انتخاب أعضائها بطريقة الاقتراع على الأفراد بحساب نائب عن كل عمادة. وأضاف في تونس 265 معتمدية مقسمة إلى مجموعة من العمادات، يمثلها نائب في كل عمادة بالمجالس المحليّة، لكنه أوضح أنه لن يتم قبول ترشح النائب إلا بعد تزكيته من قبل عدد من الناخبين؛ نصفهم من الذكور ونصفهم الآخر من الإناث، وربعهم من الشباب (دون 35 سنة)، فضلا عن ضرورة تمثيل ذوي الإعاقة .
مقترح بلعيد ومحفوظ
تجدر الإشارة إلى أن الأستاذين الصادق بلعيد وأمين محفوظ وهما المقربين من رئيس الجمهورية قيس سعيد، والمرشحين البارزين لعضوية لجنة الإصلاح السياسي، سبق أن قدما بمعية الوزير الأسبق حسين الديماسي مقترح مشروع قانون أساسي يتعلق بنظام الاقتراع في الانتخابات التشريعية، نشرته جريدة المغرب ليوم 8 أوت 2018، ويتثمل في تنظيم انتخابات على 67 دائرة، منها ثلاثة دوائر في الخارج، على أساس 170 ألف ساكن في كل دائرة، مع امكانية إضافة مقعد ثالث في الدوائر التي قد يتجاوز عدد سكانها 200 ألف، مما يعطي برلمانا بـ 150 نائبا.
لكن هذا المقترح يختلف جوهريا عن فكرة النظام القاعدي الذي يروح له أنصار سعيد، فهو ليست محل ترحيب واقتناع لا فقط من قبل الأحزاب والمجتمع المدني بل حتى من قبل خبراء القانون الدستوري.
بالعودة إلى كتابات بلعيد ومحفوظ على وجه الخصوص، وتصريحاتهما في الإعلام والمنابر والندوات العلمية، يتضح أن كلامهما دعا في مناسبات عديدة سابقة حتى قبل 25 جويلية إلى ضرورة تغيير نظام الاقتراع الحالي ووصفها بأنه السبب الرئيس في فشل النظام السياسي المعتمد في دستور 2014. ويتفق محفوظ وبلعيد، على أن أفضل نظام اقتراع يمكن اعتماده في تونس هو نظام الاقتراع بالأغلبية على الأفراد في دورتين. وهو النظام الذي يؤيده خبراء آخرون مثل سامي بن سلامة العضو السابق بمجلس هيئة الانتخابات التي أشرفت على انتخابات 2011.
لكن الخبيران عبرا عن رفضهما لفكرة النظام القاعدي التي لا وجود لنظير لها في العالم، وحذرا من خطورتها، وقالا أنه يتضمن الكثير من الثغرات..