تعيش غالبية الإدارات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والحريات ان لم نقل جميعها، على وقع حالة من العطالة والمصير الضبابي. فالي غاية اليوم يتواصل توقيف أشغال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وإحالة موظفيها على "البطالة" القسرية، كما لم يتم بعد تعويض رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والحريات بعد ان سمي رئيسها توفيق شرف الدين وزيرا للداخلية. في نفس الوقت تشهد خطة مدير عام حقوق الإنسان في كل من وزارة الداخلية شغورا ونفس الأمر تعرفه الخطة في رئاسة الحكومة بالرغم من انه في نفس الوقت يمثل نائب رئيس لجنة الملاءمة وله دور إبداء الرأي في المراسيم والقوانين الصادرة عن رئاسة الحكومة.. وبالتوازي مع ذلك تم الغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين فضلا على غياب كل نوايا لتفعيل لجنة التمييز العنصري.
ويأتي هذا الفراغ في سياق جاء ما بعد اتخاذ رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021، لجملة من التدابير الاستثنائية تم على أساسها تعليق جميع اختصاصات وأشغال مجلس نواب الشعب، وشبه تجميع للسلط مع تنظيم وقتي للشأن العام اعتمادا على مراسيم يتم إصدارها بصفة دورية من قبل رئاسة الجمهورية.
وضع رأى صهيب الخياطي مدير مكتب شمال إفريقيا لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، انه غير مفاجئ، فمن ناحية هو يؤكد سلوك الريبة الذي يتخذه الرئيس قيس سعيد في كل مرة من مختلف الأجسام الوسيطة والتي منها الهيئات الدستورية والإعلام ومنظمات المجتمع المدني.
كما انه نتيجة عادية، لتلكؤ ومماطلة الأطراف السياسية التي حكمت ما قبل 25 جويلية، فهي تعمدت عدم استكمال المسار التأسيسي لهذه المؤسسات الوطنية وقامت بإفشال وتأخير عملية المرور من الهيئات الإدارية في مرحلته التأسيسية إلى هيئات دائمة دستورية، الأمر الذي افقد الهيئات قيمتها وإفراغها من محتواها.
واعتبر صهيب الخياطي أن الهيئات الدستورية كمؤسسات وطنية رقيب وحام للحقوق والحريات، كانت على الدوام مستهدفة على امتداد العشرية الأخيرة، ومن نراهم اليوم بصدد التباكي عليها لهم نفس المسؤولية ولم يقوموا بمهامهم لتقويتها وضمان بقائها.. وما قام به اليوم رئيس الجمهورية ليس الا مواصلة لمن سبقه.
وحسب مدير مكتب شمال إفريقيا لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، الرئيس قيس سعيد وجد الإطار جاهزا، ليقوم خلال الأشهر السابقة بتقويض كامل لشبه الضمانات او الخطوط الحمراء التي كانت موجودة من اجل عدم المساس بمسار الديمقراطية او بالمؤسسات الحامية للحقوق والحريات. ليتم تعطيل المسار التأسيسي للديمقراطية والالتفاف على الحوار المدني وتغييب كل ضمانة في شبه خروج من مسار الانتقال الديمقراطي.
وبين أن تواصل الوضع على ما هو عليه، والإمكانية واردة جدا أن يسجل تراجع ترتيب تونس للسنة الثانية على التوالي في مؤشر الحريات التي تصدره سنويا منظمة "مراسلون بلا حدود".
وأشار في نفس السياق الى ان تونس في ترتيبها، هي تتواجد ضمن الدول التي في وضعية صعبة وهشة، وصحيح هي في المرتبة الأولى عربيا لكن ذلك لا يعد مؤشرا تطمينيا، فتسبقها أيضا عديد الدول الإفريقية.
ويقول وضعية الصحفيين في تونس صعبة كما أن الوضع العام للحريات يعرف تراجعا وتدهورا، ولا يمكن العودة الى المشهد الرديء لما قبل 25 جويلية. لكن أيضا من غير المقبول تواصل الالتفاف على المسار الديمقراطي وإطلاق المبادرات المحفوفة بالمخاطر والتفرد بالرأي.
ونبه صهيب الخياطي إلى انه من الضروري إعادة تفعيل الهيئات والهياكل الرسمية المعنية بالحقوق والحريات ليكون لها دور في حوار جامع يؤسس لمرحلة ديمقراطية فعلية.
وتعتبر الهيئات المستقلة شكلاً جديداً من التنظيم للهياكل العمومية يجمع بين بعض القواعد الديمقراطية والتصرف الإداري الحديث ويقوم على مفاهيم النجاعة والحياد والشفافية في إدارة الشأن العام.
وجاءت منظومة الهيئات الدستورية كإجابة لأزمة مشروعية الدولة انطلاقا من سنوات السبعينات، وتحديداً لأزمة الثقة تجاه الدولة، وخاصةً تجاه الأساليب التقليدية للتدخل في المجال الاجتماعي والاقتصادي، وكانت الحجج تتراوح بين جانبين، الأول هو أن الدولة اثبتت عدم قدرتها على الاستجابة لخصوصية بعض القطاعات، والثانية، هي النزعة السلطوية التي هددت بعض الحقوق والحريات الأساسية. لكن لم يبلور المشرع نظرية متكاملة لهذا الصنف الجديد من أشخاص القانون العام، مما ساهم في عدم أخذها الحجم الذي تستحقه، وقد برزت هذه الذوات المعنوية للمرة الأولى في القانون الفرنسي سنة 2008، وفي القانون التونسي مع دستور 2014، وجاء هذا التكريس الدستوري للحفاظ على التراكم الذي تم عقب الثورة سنة 2011.
ويعتبر تشكيل الهيئات الدستورية في الآجال المحددة من أهم رهانات مرحلة التأسيس للديمقراطية. وتكمن أهمية هذه الهيئات في ضمانها لإحداث توازن جدي مع المؤسسات الوطنية الديمقراطية، وعمل السلطات الثلاث، البرلمانية، والتنفيذية، والقضائية.
ريم سوودي
تونس الصباح
تعيش غالبية الإدارات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والحريات ان لم نقل جميعها، على وقع حالة من العطالة والمصير الضبابي. فالي غاية اليوم يتواصل توقيف أشغال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وإحالة موظفيها على "البطالة" القسرية، كما لم يتم بعد تعويض رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والحريات بعد ان سمي رئيسها توفيق شرف الدين وزيرا للداخلية. في نفس الوقت تشهد خطة مدير عام حقوق الإنسان في كل من وزارة الداخلية شغورا ونفس الأمر تعرفه الخطة في رئاسة الحكومة بالرغم من انه في نفس الوقت يمثل نائب رئيس لجنة الملاءمة وله دور إبداء الرأي في المراسيم والقوانين الصادرة عن رئاسة الحكومة.. وبالتوازي مع ذلك تم الغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين فضلا على غياب كل نوايا لتفعيل لجنة التمييز العنصري.
ويأتي هذا الفراغ في سياق جاء ما بعد اتخاذ رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021، لجملة من التدابير الاستثنائية تم على أساسها تعليق جميع اختصاصات وأشغال مجلس نواب الشعب، وشبه تجميع للسلط مع تنظيم وقتي للشأن العام اعتمادا على مراسيم يتم إصدارها بصفة دورية من قبل رئاسة الجمهورية.
وضع رأى صهيب الخياطي مدير مكتب شمال إفريقيا لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، انه غير مفاجئ، فمن ناحية هو يؤكد سلوك الريبة الذي يتخذه الرئيس قيس سعيد في كل مرة من مختلف الأجسام الوسيطة والتي منها الهيئات الدستورية والإعلام ومنظمات المجتمع المدني.
كما انه نتيجة عادية، لتلكؤ ومماطلة الأطراف السياسية التي حكمت ما قبل 25 جويلية، فهي تعمدت عدم استكمال المسار التأسيسي لهذه المؤسسات الوطنية وقامت بإفشال وتأخير عملية المرور من الهيئات الإدارية في مرحلته التأسيسية إلى هيئات دائمة دستورية، الأمر الذي افقد الهيئات قيمتها وإفراغها من محتواها.
واعتبر صهيب الخياطي أن الهيئات الدستورية كمؤسسات وطنية رقيب وحام للحقوق والحريات، كانت على الدوام مستهدفة على امتداد العشرية الأخيرة، ومن نراهم اليوم بصدد التباكي عليها لهم نفس المسؤولية ولم يقوموا بمهامهم لتقويتها وضمان بقائها.. وما قام به اليوم رئيس الجمهورية ليس الا مواصلة لمن سبقه.
وحسب مدير مكتب شمال إفريقيا لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، الرئيس قيس سعيد وجد الإطار جاهزا، ليقوم خلال الأشهر السابقة بتقويض كامل لشبه الضمانات او الخطوط الحمراء التي كانت موجودة من اجل عدم المساس بمسار الديمقراطية او بالمؤسسات الحامية للحقوق والحريات. ليتم تعطيل المسار التأسيسي للديمقراطية والالتفاف على الحوار المدني وتغييب كل ضمانة في شبه خروج من مسار الانتقال الديمقراطي.
وبين أن تواصل الوضع على ما هو عليه، والإمكانية واردة جدا أن يسجل تراجع ترتيب تونس للسنة الثانية على التوالي في مؤشر الحريات التي تصدره سنويا منظمة "مراسلون بلا حدود".
وأشار في نفس السياق الى ان تونس في ترتيبها، هي تتواجد ضمن الدول التي في وضعية صعبة وهشة، وصحيح هي في المرتبة الأولى عربيا لكن ذلك لا يعد مؤشرا تطمينيا، فتسبقها أيضا عديد الدول الإفريقية.
ويقول وضعية الصحفيين في تونس صعبة كما أن الوضع العام للحريات يعرف تراجعا وتدهورا، ولا يمكن العودة الى المشهد الرديء لما قبل 25 جويلية. لكن أيضا من غير المقبول تواصل الالتفاف على المسار الديمقراطي وإطلاق المبادرات المحفوفة بالمخاطر والتفرد بالرأي.
ونبه صهيب الخياطي إلى انه من الضروري إعادة تفعيل الهيئات والهياكل الرسمية المعنية بالحقوق والحريات ليكون لها دور في حوار جامع يؤسس لمرحلة ديمقراطية فعلية.
وتعتبر الهيئات المستقلة شكلاً جديداً من التنظيم للهياكل العمومية يجمع بين بعض القواعد الديمقراطية والتصرف الإداري الحديث ويقوم على مفاهيم النجاعة والحياد والشفافية في إدارة الشأن العام.
وجاءت منظومة الهيئات الدستورية كإجابة لأزمة مشروعية الدولة انطلاقا من سنوات السبعينات، وتحديداً لأزمة الثقة تجاه الدولة، وخاصةً تجاه الأساليب التقليدية للتدخل في المجال الاجتماعي والاقتصادي، وكانت الحجج تتراوح بين جانبين، الأول هو أن الدولة اثبتت عدم قدرتها على الاستجابة لخصوصية بعض القطاعات، والثانية، هي النزعة السلطوية التي هددت بعض الحقوق والحريات الأساسية. لكن لم يبلور المشرع نظرية متكاملة لهذا الصنف الجديد من أشخاص القانون العام، مما ساهم في عدم أخذها الحجم الذي تستحقه، وقد برزت هذه الذوات المعنوية للمرة الأولى في القانون الفرنسي سنة 2008، وفي القانون التونسي مع دستور 2014، وجاء هذا التكريس الدستوري للحفاظ على التراكم الذي تم عقب الثورة سنة 2011.
ويعتبر تشكيل الهيئات الدستورية في الآجال المحددة من أهم رهانات مرحلة التأسيس للديمقراطية. وتكمن أهمية هذه الهيئات في ضمانها لإحداث توازن جدي مع المؤسسات الوطنية الديمقراطية، وعمل السلطات الثلاث، البرلمانية، والتنفيذية، والقضائية.