إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تلاعب في الاختبارات وتغليب المقاييس الحزبية والمحسوبية.. "فساد" من الوزن الثقيل في ملف الملحقين الاجتماعيين بالخارج

 

تونس – الصباح

 

بعد فتح القضاء مؤخرا لملف الملحقين الاجتماعيين بالخارج الخاص بدورتي 2018 و2019 وإعادة البحث والتحقيق في ملف فساد يعد من الوزن الثقيل، هل يمكن القول أن القضاء بدأ فعلا في فتح بعض الملفات العالقة والحارقة التي تتعلق بشبهات فساد وجملة من الإخلالات المسجلة في السنوات الماضية بما يؤكد دخول الدولة عمليا في مسار الإصلاح ومقاومة الفساد الذي نخر الدولة ومؤسساتها في العشرية الأخيرة؟

ليكشف هذا الملف عديد المعطيات التي تبين جانبا آخر من الفساد المنتشر في مؤسسات الدولة تحت غطاء "الشفافية" والديمقراطية والقانون والمتمثل بالأساس في التلاعب بتغيير نتائج الاختبارات والضرب بعرض الحائط مسألة المقاييس والضوابط القانونية في المناظرات والاكتفاء بدورها الشكلي للتعمية على التجاوزات ليس في التعيينات فحسب وإنما في تكليف ممثلي قطاعات ومجالات خدماتية وعلمية واجتماعية وإدارية حساسة وعلى غاية من الأهمية في مهام وخطط وظيفية بالخارج في قيمة ودور الملحق الاجتماعي بالخارج.

هذا تقريبا ما يطرحه فتح ملف الملحقين الاجتماعيين بالخارج قضائيا في الفترة الأخيرة والمتعلق بتجاوزات مسجلة سنتي 2018 و2019 بعد أن رفع مرصد "رقابة" يوم 30 جوان الماضي شكاية جزائية لدى وكيل الجمهورية بخصوص جملة من الاخلالات وشبهات فساد شابت عملية تعيين دفعة من الملحقين الاجتماعيين بالخارج خلال السنتين المذكورتين أعلاه، وما يحيل إليه هذا الملف من تلاعب بنتائج الاختبارات المنتظمة للغرض وما شاب العملية من محسوبية سياسية ونقابية ومحاباة وفساد. خاصة أن نفس المرصد كان أثار عديد الشبهات في نفس القضية منذ أواخر 2019 وذلك بعد أن تحرك عدد من المشاركين في المناظرة وقدموا ملفا في الغرض لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ديسمبر 2019، خاصة أن هؤلاء كانوا اجتازوا الاختبار الخاص بهذه المناظرة بنجاح وكانوا في المراتب الأولى ولكن تم التغاضي عن ملفاتهم ليتم بعث أسماء أخرى أغلبهم لا تتوفر فيهم الشروط اللازمة وبعضهم الآخر لم يشارك في المناظرات المفتوحة للغرض. ومن بين هؤلاء مدير ديوان بوزارة الشؤون الاجتماعية وأسماء أخرى تنتمي لأحزاب كانت فاعلة في الساحة السياسية آنذاك .

 

تجاوزات بالجملة

 

وبالعودة إلى هذا الملف نتبين وفق ما تتضمنه الوثائق والمؤيدات التي قدمها المتضررون في هذه القضية إلى الجهات المعنية كالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئاستي الجمهورية وحكومة هشام مشيشي أواخر سنة 2019 والتي اعتمدها أيضا مرصد "رقابة" في الشكاية التي رفعها للقضاء وأيضا لدى وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري والحوكمة ومكافحة الفساد في حكومة إلياس الفخفاخ سنة 2020.

وشارك في المناظرة التي أعلن عنها ديوان التونسيين بالخارج لسنتي 2018 و2019 وفق ما تضمنه الملف 102 من بين أكثر من 500 مترشح ممن تتوفر فيهم الشروط التي تتطلبها هذه الخطة من انتماء لقطاع الشؤون الاجتماعية والمستوى التعليمي والخبرة والمعرفة بمجال الهجرة والتونسيين بالخارج، إضافة إلى إيجاد تقنيات التواصل ولغة أجنبية يختارها المترشح من بين لغات البلدان التي يتواجد فيها التونسيون في الخارج بكثافة علاوة على اللغة العربية. وأشراف على الاختبارات ممثلون عن وزارة الشؤون الاجتماعية وخبراء من منظمة العمل الدولية والمنظمة الدولية للهجرة ومختصين في اللغات الأجنبية وذلك في إطار إضفاء الشفافية وتثمينا للخبرة والكفاءة.  

لكن فوجئ عدد ممن اجتازوا المناظرة بنجاح بإقصائهم وإبعادهم من دائرة التعيين وتعويضهم بأسماء أخرى وردت في ترتيب الاختبار في مراكز متأخرة وبعضهم الآخر لم يشارك في المناظرة. الأمر الذي أثار حفيظة الجميع ودفعهم للتحرك رفضا لمثل هذه الممارسات ولهضم حقوقهم.

 

هيئة مراقبي الدولة تؤكد

 

تفاعلا مع سير التحركات ومطالب الإنصاف التي رفعها المتضررون من هذه التجاوزات والتلاعب بنتائج المناظرة، تم تخصيص فريق من هيئة مراقبي الدولة برئاسة الحكومة للتدقيق والبحث في هذا الملف. وخلصت نتائجه إلى تأكيد وجود تجاوزات بالجملة في هذا الملف الذي غابت عنه الشفافية وتحكمت في مساراته أساليب تلاعب وإيهام من ذلك غياب التنصيص على مقاييس الاختبار والاقتصار على الشروط الأساسية للترشح. فضلا عن غياب الدقة والاخلالات الجوهرية التي كان لها تأثير مباشر على نتائج الانتقاء الأمر الذي أثر على المعالجة الموضوعية لها، وفق ما أكده نفس التقرير.

كما تضمن تقرير لجنة التدقيق أن عددا من الأسماء الذين تم تعيينهم في هذه الخط لا تتوفر فيهم الشروط اللازمة أو أن ملفاتهم تم إلحاقها بعد الآجال المخصصة للغرض وأخرى غير مسجلة بمكتب الضبط المركزي وعدد آخر لم يقدم ملف ترشح للغرض فيما تم التصريح بقبولهم في خطة ملحق اجتماعي بالخارج، وغيرها من النقائص الأخرى التي تضمنها نفس التقرير.

 

التمسك بحق الإنصاف

 

ولئن عبر عدد من الذين وردت أسماءهم في المراكز الأولى إثر هذا الاختبار عن تمسكهم بحقوقهم في القيام بهذه المهمة مطالبين سلط الإشراف بإنصافهم، فإن تقرير مراقبي الدولة دعا في تقريره في الغرض إلى ضرورة  احداث لجنة مراجعة مشتركة بين ديوان التونسيين بالخارج ووزارة الشؤون الاجتماعية وإعادة عرض ملف التعيين بكامل حيثياته وإدخال التصحيحات الموضوعية المسجلة وحذف التغييرات المدخلة على مقاييس التناظر غير المبررة وإرجاع الحالة لما كانت عليه حسب المقاييس الاصلية وإصدار قائمة وعرضها على وزير الشؤون الاجتماعية لما يتعين الإنصاف ومنح الحقوق المهضومة للمترشحين الأوائل حسب مقاييس التناظر المحددة مسبقا. خاصة أن هذا التقرير لم يخف وجود مغالطة وتلاعب بالنتائج وتغيير الترتيب والقيام بتجاوزات في الغرض. ويذكر أن من بين هؤلاء الذين تم إقصاؤهم من التعيين رغم أنهم كانوا الأوائل في الاختبار نذكر كل من الأسعد بوزيان مدير  مراقبة التصرف بالصندوق الوطني للتأمين على المرض ونبيل طير الليل مهندس أول مدير الأنظمة والشبكات بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ونورالدين كريم مدير مساعد بالصندوق الوطني للتأمين على المرض. 

وعلمت "الصباح" أن 16 من بين هؤلاء تمت دعوتهم يوم 7 جانفي الجاري للاستماع لهم بالعوينة كشهود في القضية التي تمت إحالتها على القطب القضائي.

وهذه القضية تفتح المجال للبحث وإعادة النظر في عديد التجاوزات المسجلة في مؤسسات الدولة بما حرم عديد الكفاءات الجديرة من قيامها بدورها ومهامها داخل تونس وخارجها، بما يدفع لتكريس مبدأ الشفافية ومقاييس الكفاءة في التعيينات والمسؤوليات والانتداب بعيدا عن المقاييس والاعتبارات الحزبية والسياسية والمحاباة والقرابة والرشوة وغيرها من الممارسات المعتمدة والمتحكمة في مثل هذه المسائل.

نزيهة الغضباني

تلاعب في الاختبارات وتغليب المقاييس الحزبية والمحسوبية.. "فساد" من الوزن الثقيل في ملف الملحقين الاجتماعيين بالخارج

 

تونس – الصباح

 

بعد فتح القضاء مؤخرا لملف الملحقين الاجتماعيين بالخارج الخاص بدورتي 2018 و2019 وإعادة البحث والتحقيق في ملف فساد يعد من الوزن الثقيل، هل يمكن القول أن القضاء بدأ فعلا في فتح بعض الملفات العالقة والحارقة التي تتعلق بشبهات فساد وجملة من الإخلالات المسجلة في السنوات الماضية بما يؤكد دخول الدولة عمليا في مسار الإصلاح ومقاومة الفساد الذي نخر الدولة ومؤسساتها في العشرية الأخيرة؟

ليكشف هذا الملف عديد المعطيات التي تبين جانبا آخر من الفساد المنتشر في مؤسسات الدولة تحت غطاء "الشفافية" والديمقراطية والقانون والمتمثل بالأساس في التلاعب بتغيير نتائج الاختبارات والضرب بعرض الحائط مسألة المقاييس والضوابط القانونية في المناظرات والاكتفاء بدورها الشكلي للتعمية على التجاوزات ليس في التعيينات فحسب وإنما في تكليف ممثلي قطاعات ومجالات خدماتية وعلمية واجتماعية وإدارية حساسة وعلى غاية من الأهمية في مهام وخطط وظيفية بالخارج في قيمة ودور الملحق الاجتماعي بالخارج.

هذا تقريبا ما يطرحه فتح ملف الملحقين الاجتماعيين بالخارج قضائيا في الفترة الأخيرة والمتعلق بتجاوزات مسجلة سنتي 2018 و2019 بعد أن رفع مرصد "رقابة" يوم 30 جوان الماضي شكاية جزائية لدى وكيل الجمهورية بخصوص جملة من الاخلالات وشبهات فساد شابت عملية تعيين دفعة من الملحقين الاجتماعيين بالخارج خلال السنتين المذكورتين أعلاه، وما يحيل إليه هذا الملف من تلاعب بنتائج الاختبارات المنتظمة للغرض وما شاب العملية من محسوبية سياسية ونقابية ومحاباة وفساد. خاصة أن نفس المرصد كان أثار عديد الشبهات في نفس القضية منذ أواخر 2019 وذلك بعد أن تحرك عدد من المشاركين في المناظرة وقدموا ملفا في الغرض لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ديسمبر 2019، خاصة أن هؤلاء كانوا اجتازوا الاختبار الخاص بهذه المناظرة بنجاح وكانوا في المراتب الأولى ولكن تم التغاضي عن ملفاتهم ليتم بعث أسماء أخرى أغلبهم لا تتوفر فيهم الشروط اللازمة وبعضهم الآخر لم يشارك في المناظرات المفتوحة للغرض. ومن بين هؤلاء مدير ديوان بوزارة الشؤون الاجتماعية وأسماء أخرى تنتمي لأحزاب كانت فاعلة في الساحة السياسية آنذاك .

 

تجاوزات بالجملة

 

وبالعودة إلى هذا الملف نتبين وفق ما تتضمنه الوثائق والمؤيدات التي قدمها المتضررون في هذه القضية إلى الجهات المعنية كالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئاستي الجمهورية وحكومة هشام مشيشي أواخر سنة 2019 والتي اعتمدها أيضا مرصد "رقابة" في الشكاية التي رفعها للقضاء وأيضا لدى وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري والحوكمة ومكافحة الفساد في حكومة إلياس الفخفاخ سنة 2020.

وشارك في المناظرة التي أعلن عنها ديوان التونسيين بالخارج لسنتي 2018 و2019 وفق ما تضمنه الملف 102 من بين أكثر من 500 مترشح ممن تتوفر فيهم الشروط التي تتطلبها هذه الخطة من انتماء لقطاع الشؤون الاجتماعية والمستوى التعليمي والخبرة والمعرفة بمجال الهجرة والتونسيين بالخارج، إضافة إلى إيجاد تقنيات التواصل ولغة أجنبية يختارها المترشح من بين لغات البلدان التي يتواجد فيها التونسيون في الخارج بكثافة علاوة على اللغة العربية. وأشراف على الاختبارات ممثلون عن وزارة الشؤون الاجتماعية وخبراء من منظمة العمل الدولية والمنظمة الدولية للهجرة ومختصين في اللغات الأجنبية وذلك في إطار إضفاء الشفافية وتثمينا للخبرة والكفاءة.  

لكن فوجئ عدد ممن اجتازوا المناظرة بنجاح بإقصائهم وإبعادهم من دائرة التعيين وتعويضهم بأسماء أخرى وردت في ترتيب الاختبار في مراكز متأخرة وبعضهم الآخر لم يشارك في المناظرة. الأمر الذي أثار حفيظة الجميع ودفعهم للتحرك رفضا لمثل هذه الممارسات ولهضم حقوقهم.

 

هيئة مراقبي الدولة تؤكد

 

تفاعلا مع سير التحركات ومطالب الإنصاف التي رفعها المتضررون من هذه التجاوزات والتلاعب بنتائج المناظرة، تم تخصيص فريق من هيئة مراقبي الدولة برئاسة الحكومة للتدقيق والبحث في هذا الملف. وخلصت نتائجه إلى تأكيد وجود تجاوزات بالجملة في هذا الملف الذي غابت عنه الشفافية وتحكمت في مساراته أساليب تلاعب وإيهام من ذلك غياب التنصيص على مقاييس الاختبار والاقتصار على الشروط الأساسية للترشح. فضلا عن غياب الدقة والاخلالات الجوهرية التي كان لها تأثير مباشر على نتائج الانتقاء الأمر الذي أثر على المعالجة الموضوعية لها، وفق ما أكده نفس التقرير.

كما تضمن تقرير لجنة التدقيق أن عددا من الأسماء الذين تم تعيينهم في هذه الخط لا تتوفر فيهم الشروط اللازمة أو أن ملفاتهم تم إلحاقها بعد الآجال المخصصة للغرض وأخرى غير مسجلة بمكتب الضبط المركزي وعدد آخر لم يقدم ملف ترشح للغرض فيما تم التصريح بقبولهم في خطة ملحق اجتماعي بالخارج، وغيرها من النقائص الأخرى التي تضمنها نفس التقرير.

 

التمسك بحق الإنصاف

 

ولئن عبر عدد من الذين وردت أسماءهم في المراكز الأولى إثر هذا الاختبار عن تمسكهم بحقوقهم في القيام بهذه المهمة مطالبين سلط الإشراف بإنصافهم، فإن تقرير مراقبي الدولة دعا في تقريره في الغرض إلى ضرورة  احداث لجنة مراجعة مشتركة بين ديوان التونسيين بالخارج ووزارة الشؤون الاجتماعية وإعادة عرض ملف التعيين بكامل حيثياته وإدخال التصحيحات الموضوعية المسجلة وحذف التغييرات المدخلة على مقاييس التناظر غير المبررة وإرجاع الحالة لما كانت عليه حسب المقاييس الاصلية وإصدار قائمة وعرضها على وزير الشؤون الاجتماعية لما يتعين الإنصاف ومنح الحقوق المهضومة للمترشحين الأوائل حسب مقاييس التناظر المحددة مسبقا. خاصة أن هذا التقرير لم يخف وجود مغالطة وتلاعب بالنتائج وتغيير الترتيب والقيام بتجاوزات في الغرض. ويذكر أن من بين هؤلاء الذين تم إقصاؤهم من التعيين رغم أنهم كانوا الأوائل في الاختبار نذكر كل من الأسعد بوزيان مدير  مراقبة التصرف بالصندوق الوطني للتأمين على المرض ونبيل طير الليل مهندس أول مدير الأنظمة والشبكات بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ونورالدين كريم مدير مساعد بالصندوق الوطني للتأمين على المرض. 

وعلمت "الصباح" أن 16 من بين هؤلاء تمت دعوتهم يوم 7 جانفي الجاري للاستماع لهم بالعوينة كشهود في القضية التي تمت إحالتها على القطب القضائي.

وهذه القضية تفتح المجال للبحث وإعادة النظر في عديد التجاوزات المسجلة في مؤسسات الدولة بما حرم عديد الكفاءات الجديرة من قيامها بدورها ومهامها داخل تونس وخارجها، بما يدفع لتكريس مبدأ الشفافية ومقاييس الكفاءة في التعيينات والمسؤوليات والانتداب بعيدا عن المقاييس والاعتبارات الحزبية والسياسية والمحاباة والقرابة والرشوة وغيرها من الممارسات المعتمدة والمتحكمة في مثل هذه المسائل.

نزيهة الغضباني

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews