إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

زعامات أنتجت الفشل وعمقت الأزمة

تونس – الصباح

زفّت ثورة 2011 أسماء عديدة كانت عناوين بارزة في المشهد السياسي كما في الواقع والنشاط المدني الذي ميز الحقبة الزمنية الأخيرة من تاريخ تونس المعاصر، لاسيما الأمر المتعلق بأولئك الذين كانوا "زعامات" المرحلة بعد أن اكتسحوا المشهد الإعلامي وملؤوا والفضاءات العامة والخاصة وشغلوا الناس بخطاباتهم وتحاليلهم ووعودهم الرنانة. إذ لم تتوقف مزايا ثورة 2011 عند القطع مع المنظومة السابقة، ولو شكليا وتحرير المشهد السياسي ليتضاعف عدد الأحزاب عشرات المرات مقارنة بما كان عليه الوضع قبلا، إضافة إلى تعدد الأحزاب والحركات والتيارات السياسية والمؤسسات والمنظمات الوطنية والمدنية. فالأمر كان سواء بالنسبة للسياسيين الكلاسيكيين أو الجدد الذين أفرزهم المناخ السياسي الجديد والمنفتح خلال العشرية الأخيرة. ويكفي التوقف عند ذكر بعض من هذه الأسماء لإحالة الجميع على جانب من "الخطوط العناوين" التي ميزت المرحلة السياسية تلك سواء منهم لمن ينشطون في الخفاء أو في المهجر أو بعضهم الآخر ممن حافظ على موقعه على مستوى وطني أو من النقابيين والناشطين في الحقل المدني الذين اختاروا تغيير وجهتهم إلى عالم السياسية والتحزّب.

ليكون البدء مع مصطفى بن جعفر، أمين عام حزب التكتل وأحمد نجيب الشابي وعصام الشابي، من الحزب الجمهوري قبل أن يحدث الانشقاق، فالقطيعة بين الطرفين. وراشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وحمادي الجبالي وعلي العريض وغيرهم من النهضة والبحيري وسمير ديلو وعبداللطيف المكي، مرورا بحمة الهمامي، أمين عام حزب العمال، ومنذر ثابت بالحزب الاجتماعي التحرري وغيرهم من المناضلين الذين غيبهم الموت وفي مقدمتهم الراحلون مية الجريبي وأحمد إبراهيم والشهيد محمد البراهمي. لتضاف إلى قائمة هؤلاء الزعماء والنشاطين الذين استطاعوا أن يتحيزوا مواقع في المشهد السياسي قائمة موسعة على غرار الهاشمي الحامدي المقيم بلندن والذي نجح حزبه الفتي "العريضة الشعبية" في اقتلاع سبعة مقاعد في المجلس التأسيسي إضافة إلى منصف المرزوقي ومحمد عبو وسامية بن حمودة عبو بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وسليم الرياحي بالوطني الحر وياسين إبراهيم بآفاق تونس لتشهد نفس الفترة صعود نجم زعامات وناشطين جدد في المشهد السياسي من مختلف العائلات السياسية الفكرية والإيديولوجية والليبرالية واليسارية وفي مقدمتها أغلب قياديي "نداء تونس" قبل انفراط عقدهم ليساهموا في تعدد المشهد الحزبي عبر تكوين أحزاب جديدة أو الانضواء في "أجسام" سياسية أخرى على غرار محمد الناصر ومحسن مرزوق والأزهر القروي الشابي وسلمى اللومي وبوجمعة الرميلي ورضا بالحاج وسعيدة قراش وبشرى بالحاج حميدة وعبدالعزيز المزوغي ومصطفى بن أحمد ومنذر بالحاج علي وغيرهم إضافة إلى قيادات أحزاب وتيارات يسارية نذكر من بينها محمد الكيلاني ومنجي الرحوي وجيلاني الهمامي وأحمد الصديق وياسين إبراهيم وغيرهم.

لكن الأهم من سرد مثل هذه الأسماء التي استطاعت أن تفرض وجودها على شق كبير من التونسيين سواء منهم المهتمون بالمشغل والشأن السياسيين أو غيرهم من الحالمين بتغيير الواقع وحاملي انتظارات تحقيق أهداف الثورة خاصة أن نسبة كبيرة من هؤلاء عملت على بث خطاب وصورة المنقذين لتونس والمواطنين بمختلف شرائهم وانتماءاتهم. فبعضهم روج لفتح طريق تربط بأوروبا وبعضهم الآخر سوق لنفسه ولأجندة حزبه الحاملة "لصكوك" الغفران وتحويل تونس إلى أشبه بجنة على وجه الأرض لا تضاهيها القوى الكبرى والغنية. هذا دون العودة إلى شكل الخطاب والتحاليل والمضامين السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت يتكرر العهد معها مع كل ذكرى للثورة أو أثناء "الهزات" واحتداد أزمة الصراعات السياسية، وهي كثيرة.

الخطاب يعيد نفسه

ولعل الداعي للعودة لسرد مثل هذه الأسماء هو التشابه الكبير بين الأمس اليوم وتقاطع الجميع أمام صفة "الخطاب والصورة المستهلين"، ثم إن عددا كبيرا من هذه القيادات والزعامات السياسية قد غادر الساحة أو غاب عن المشهد العام والبعض الآخر ضاع أو تماهى وتلاشى حضوره في زحمة الأحداث والتطورات والتغيرات التي عرفتها بلادنا خلال هذا العقد من الزمن.

وموطن التشابه أن جل هذه الأسماء حافظت على الصورة والحضور النمطي وطرق التفكير والتعاطي مع القضايا والمسائل الحارقة الذي كان طابعا مميزا لها خلال نفس الفترة شكلا مضمونا. الأمر الذي يجعل إطلالات وخطابات هذه الأسماء خارج سياق أي "مقبولية" في مستوى القواعد الشعبية أو الرسمية أو قواعد الأحزاب التي تمثلها نفسها. وهو ما ساهم في تعميقه حراك 25 جويلية وما رافقها من قرارات رئاسية ومراسيم طيلة المرحلة التي تلت التاريخ الأخير. فلم يعد خطاب هؤلاء القياديين أو الزعامات السياسية يحظى بالاهتمام أو المصداقية لدى المواطن ولم تعد كل مبادرات وأفكار ودعوات التحركات والنشاط لهؤلاء اليوم، لتؤثر في المتلقي مهما كان انتماؤه.

إذ ظل الجميع يكرر نفسه ويغرد خارج السرب والواقع، في المقابل لم يقدموا أي مبادرة للإصلاح والمراجعة التي تقطع مع الشكل السابق وتبين مدى فهم الواقع واستيعاب مشاغل المواطن واستحقاقات الدولة. وهو ما ساهم في تعميق الأزمات في الدولة اليومي السياسية منها أو الاجتماعية والاقتصادية بعد الفراغ الكبير الذي أصبح يخيم على المشهد السياسي وتحديدا واقع التفكير والقرار وهو ما استغله رئيس الجمهورية غير المتحزب ليوظفه لصالح مشروعه وأجندته خاصة أمام الدعم والحشد الشعبي الكبير الذي وجده قيس سعيد بعد قرارات قطعه مع المنظومة السابقة التي كانت تحكم تونس خلال السنوات الأخيرة.

فعجز هذه الطبقة السياسية بمختلف أطيافها وتوجهاتها على صياغة مشروع وبرنامج بديل كفيل بإقناع الجهات الرسمية بجدوى هذه البرامج والمبادرات وطرحها على طاولة النقاش والتفاوض قبل المرور إلى إقناع الرأي العام بأهمية ذلك. فضلا عن مواصلة جل الأسماء سياستها في التعاطي مع الوضع بمتغيراته والإصرار على التفرد بالرأي والتشبث بالبقاء في المشهد السياسي والتسويق لصورته بنفس الطريقة كلها من العوامل ساهمت في تعميق الأزمة السياسية بما يخدم سعيد في إصراره على رفض مبدأ التشاركية في القرار والتفكير في هذه المرحلة ومواصلة هروبه إلى الأمام.

نزيهة الغضباني

زعامات أنتجت الفشل وعمقت الأزمة

تونس – الصباح

زفّت ثورة 2011 أسماء عديدة كانت عناوين بارزة في المشهد السياسي كما في الواقع والنشاط المدني الذي ميز الحقبة الزمنية الأخيرة من تاريخ تونس المعاصر، لاسيما الأمر المتعلق بأولئك الذين كانوا "زعامات" المرحلة بعد أن اكتسحوا المشهد الإعلامي وملؤوا والفضاءات العامة والخاصة وشغلوا الناس بخطاباتهم وتحاليلهم ووعودهم الرنانة. إذ لم تتوقف مزايا ثورة 2011 عند القطع مع المنظومة السابقة، ولو شكليا وتحرير المشهد السياسي ليتضاعف عدد الأحزاب عشرات المرات مقارنة بما كان عليه الوضع قبلا، إضافة إلى تعدد الأحزاب والحركات والتيارات السياسية والمؤسسات والمنظمات الوطنية والمدنية. فالأمر كان سواء بالنسبة للسياسيين الكلاسيكيين أو الجدد الذين أفرزهم المناخ السياسي الجديد والمنفتح خلال العشرية الأخيرة. ويكفي التوقف عند ذكر بعض من هذه الأسماء لإحالة الجميع على جانب من "الخطوط العناوين" التي ميزت المرحلة السياسية تلك سواء منهم لمن ينشطون في الخفاء أو في المهجر أو بعضهم الآخر ممن حافظ على موقعه على مستوى وطني أو من النقابيين والناشطين في الحقل المدني الذين اختاروا تغيير وجهتهم إلى عالم السياسية والتحزّب.

ليكون البدء مع مصطفى بن جعفر، أمين عام حزب التكتل وأحمد نجيب الشابي وعصام الشابي، من الحزب الجمهوري قبل أن يحدث الانشقاق، فالقطيعة بين الطرفين. وراشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وحمادي الجبالي وعلي العريض وغيرهم من النهضة والبحيري وسمير ديلو وعبداللطيف المكي، مرورا بحمة الهمامي، أمين عام حزب العمال، ومنذر ثابت بالحزب الاجتماعي التحرري وغيرهم من المناضلين الذين غيبهم الموت وفي مقدمتهم الراحلون مية الجريبي وأحمد إبراهيم والشهيد محمد البراهمي. لتضاف إلى قائمة هؤلاء الزعماء والنشاطين الذين استطاعوا أن يتحيزوا مواقع في المشهد السياسي قائمة موسعة على غرار الهاشمي الحامدي المقيم بلندن والذي نجح حزبه الفتي "العريضة الشعبية" في اقتلاع سبعة مقاعد في المجلس التأسيسي إضافة إلى منصف المرزوقي ومحمد عبو وسامية بن حمودة عبو بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وسليم الرياحي بالوطني الحر وياسين إبراهيم بآفاق تونس لتشهد نفس الفترة صعود نجم زعامات وناشطين جدد في المشهد السياسي من مختلف العائلات السياسية الفكرية والإيديولوجية والليبرالية واليسارية وفي مقدمتها أغلب قياديي "نداء تونس" قبل انفراط عقدهم ليساهموا في تعدد المشهد الحزبي عبر تكوين أحزاب جديدة أو الانضواء في "أجسام" سياسية أخرى على غرار محمد الناصر ومحسن مرزوق والأزهر القروي الشابي وسلمى اللومي وبوجمعة الرميلي ورضا بالحاج وسعيدة قراش وبشرى بالحاج حميدة وعبدالعزيز المزوغي ومصطفى بن أحمد ومنذر بالحاج علي وغيرهم إضافة إلى قيادات أحزاب وتيارات يسارية نذكر من بينها محمد الكيلاني ومنجي الرحوي وجيلاني الهمامي وأحمد الصديق وياسين إبراهيم وغيرهم.

لكن الأهم من سرد مثل هذه الأسماء التي استطاعت أن تفرض وجودها على شق كبير من التونسيين سواء منهم المهتمون بالمشغل والشأن السياسيين أو غيرهم من الحالمين بتغيير الواقع وحاملي انتظارات تحقيق أهداف الثورة خاصة أن نسبة كبيرة من هؤلاء عملت على بث خطاب وصورة المنقذين لتونس والمواطنين بمختلف شرائهم وانتماءاتهم. فبعضهم روج لفتح طريق تربط بأوروبا وبعضهم الآخر سوق لنفسه ولأجندة حزبه الحاملة "لصكوك" الغفران وتحويل تونس إلى أشبه بجنة على وجه الأرض لا تضاهيها القوى الكبرى والغنية. هذا دون العودة إلى شكل الخطاب والتحاليل والمضامين السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت يتكرر العهد معها مع كل ذكرى للثورة أو أثناء "الهزات" واحتداد أزمة الصراعات السياسية، وهي كثيرة.

الخطاب يعيد نفسه

ولعل الداعي للعودة لسرد مثل هذه الأسماء هو التشابه الكبير بين الأمس اليوم وتقاطع الجميع أمام صفة "الخطاب والصورة المستهلين"، ثم إن عددا كبيرا من هذه القيادات والزعامات السياسية قد غادر الساحة أو غاب عن المشهد العام والبعض الآخر ضاع أو تماهى وتلاشى حضوره في زحمة الأحداث والتطورات والتغيرات التي عرفتها بلادنا خلال هذا العقد من الزمن.

وموطن التشابه أن جل هذه الأسماء حافظت على الصورة والحضور النمطي وطرق التفكير والتعاطي مع القضايا والمسائل الحارقة الذي كان طابعا مميزا لها خلال نفس الفترة شكلا مضمونا. الأمر الذي يجعل إطلالات وخطابات هذه الأسماء خارج سياق أي "مقبولية" في مستوى القواعد الشعبية أو الرسمية أو قواعد الأحزاب التي تمثلها نفسها. وهو ما ساهم في تعميقه حراك 25 جويلية وما رافقها من قرارات رئاسية ومراسيم طيلة المرحلة التي تلت التاريخ الأخير. فلم يعد خطاب هؤلاء القياديين أو الزعامات السياسية يحظى بالاهتمام أو المصداقية لدى المواطن ولم تعد كل مبادرات وأفكار ودعوات التحركات والنشاط لهؤلاء اليوم، لتؤثر في المتلقي مهما كان انتماؤه.

إذ ظل الجميع يكرر نفسه ويغرد خارج السرب والواقع، في المقابل لم يقدموا أي مبادرة للإصلاح والمراجعة التي تقطع مع الشكل السابق وتبين مدى فهم الواقع واستيعاب مشاغل المواطن واستحقاقات الدولة. وهو ما ساهم في تعميق الأزمات في الدولة اليومي السياسية منها أو الاجتماعية والاقتصادية بعد الفراغ الكبير الذي أصبح يخيم على المشهد السياسي وتحديدا واقع التفكير والقرار وهو ما استغله رئيس الجمهورية غير المتحزب ليوظفه لصالح مشروعه وأجندته خاصة أمام الدعم والحشد الشعبي الكبير الذي وجده قيس سعيد بعد قرارات قطعه مع المنظومة السابقة التي كانت تحكم تونس خلال السنوات الأخيرة.

فعجز هذه الطبقة السياسية بمختلف أطيافها وتوجهاتها على صياغة مشروع وبرنامج بديل كفيل بإقناع الجهات الرسمية بجدوى هذه البرامج والمبادرات وطرحها على طاولة النقاش والتفاوض قبل المرور إلى إقناع الرأي العام بأهمية ذلك. فضلا عن مواصلة جل الأسماء سياستها في التعاطي مع الوضع بمتغيراته والإصرار على التفرد بالرأي والتشبث بالبقاء في المشهد السياسي والتسويق لصورته بنفس الطريقة كلها من العوامل ساهمت في تعميق الأزمة السياسية بما يخدم سعيد في إصراره على رفض مبدأ التشاركية في القرار والتفكير في هذه المرحلة ومواصلة هروبه إلى الأمام.

نزيهة الغضباني

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews