* من بينهم 20 ألف إيفواري ويتمركزون في 4 ولايات المهاجرون الأفارقة في تونس.. القانون لا يعترف بهم.. والتمييز المهني "زج" بهم في عالم الجريمة
* ارتفع نسق تدفقهم بشكل كبير منذ اندلاع الثورة والإطار التشريعي غامض لعدم الموافقة على قانون اللجوء
تونس- الصباح
حادثتان متتاليتان جدتا خلال الأسبوع الجاري بولاية أريانة بعد اختطاف طفل من قبل مهاجر إفريقي وكذلك الكشف عن شبكة دعارة تضم أفارقة طرحت مجددا موضوع تواجد المهاجرين الأفارقة ببلادنا والذين أصبحوا محل تتبع في قضايا مختلفة واندمجوا في مجال الجريمة بشكل لافت مما جعلنا نتساءل حول ظروف إقامتهم في بلادنا والدوافع التي زجت بهم في عالم الجريمة.
فقد تمكن أعوان الأمن بأريانة خلال الأسبوع الجاري من الكشف عن شبكة دعارة تضم 11 إفريقيا من بينهم امرأتان.
وكان منطلق التتبع في القضية إثر ورود تشكيات بخصوص مجموعة من الأفارقة قاموا باستئجار منزل بجهة دار فضال بسكرة بسبب تنظيمهم لسهرات مما أزعج الاجوار وبإعلام النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة أذنت لأعوان الأمن بمداهمة المحل حيث اتضح بأن مهاجرين من أصول افريقية وتحديدا من جنوب الصحراء استأجرا المنزل إلا أنه بعد أقل من شهرين أصبح يقيم بالمحل أكثر من ستة أشخاص لدرجة أن صاحبه لم يعرف مع من يتعامل في مسألة الإيجار بالإضافة إلى أنه يتم كل مساء تنظيم سهرات إلى مطلع الفجر مع كثرة الضجيج الشيء الذي تسبب في إزعاج الأجوار .
وبمداهمة الأعوان للمحل المذكور تم العثور على 11 شخصا بصدد احتساء الخمر بالإضافة إلى وجود أشخاص في حالة تلبس بتعاطي البغاء السري فتم إيقافهم وحجز كمية هامة من المشروبات الكحولية ووسائل منع الحمل بالإضافة إلى مبالغ مالية متأتية من عملية بيع الخمر ومن تعاطي البغاء السري وباستشارة النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة أذنت بالاحتفاظ بهم.
اختطاف
كما تقدم نهاية الأسبوع الفارط مواطن إلى السلط الأمنية بولاية نابل يعلم عن تعرض ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات إلى عملية اختطاف أثناء خروجه مع والدته بأحد الأنهج وقد تم الاتصال به هاتفيا مباشرة بعد الواقعة من طرف شخص من جنسية افريقية جنوب الصحراء طالبا منه تمكينه من مبلغ مالي قدره 75 ألف دينار وهدده بكونه سيقوم بنزع أعضاء ابنه المختطف بدءا من كليتيه.
وبعرض صورة الطفل على كافة المقرات الأمنية ومنها منطقة الأمن الوطني بأريانة الشمالية تم ايلاء الموضوع الأهمية القصوى خاصة بتواجد الجالية الإفريقية بكثافة في مرجع النظر وبعد تحريات ميدانية من طرف فريق الاستمرار تمت مداهمة منزل بجهة طريق رواد اثر ورود معلومات مؤكدة حول سماع صراخ متواصل لطفل صغير من داخل شقة تقطنها مجموعة من الأفارقة ليس لديهم أطفال، وقد وقع القبض على المهتم الرئيسي واسترجاع الطفل وإعادته لمصدر التفتيش .
أوكار دعارة
وفي أواخر شهر نوفمبر الفارط تمكن أعوان منطقة الأمن الوطني بأريانة المدينة من مداهمة شقة تم إعدادها لبيع وشرب الخمر وتعاطي البغاء السري بمقابل مالي أين وقع القبض على أربعة أشخاص من المهاجرين الأفارقة بحالة تلبس وحجز كمية هامة من المشروبات الكحولية ووسائل منع الحمل .
وبالتوازي مع ذلك قام الأعوان بمداهمة شقة بجهة برج الوزير تم إعدادها لتعاطي البغاء السري بمقابل مالي واستقطاب الحرفاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أين وقع القبض على فتاتين وشابين من الأفارقة كذلك بحالة تلبس كما أمكن القبض أيضاً على صاحب الصفحة الالكترونية والذي اتضح أنه من يتولى إدارة هذه الشقة كما وقع حجز كمية هامة من المشروبات الكحولية ووسائل منع الحمل .
هذا بالإضافة إلى المعركة العنيفة التي جدّت خلال يومي 13 و14 جوان الفارط والتي انطلقت بمناوشات لتتحول إلى عنف وتراشق بالحجارة بين مجموعة من الأفارقة من جنوب الصحراء وعدد من متساكني حي الأنس من معتمدية ساقية الزيت من ولاية صفاقس وذلك على خلفية رفض المتساكنين تسويغ محلاّت سُكنى لهم.
غموض
ولمعرفة الوضعية الاجتماعية والقانونية للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في تونس اتصلت "الصباح" برمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي ذكر في تصريح لـ"الصباح" بأن بلادنا شهدت منذ سنة 2011 ارتفاعا كبيرا في نسق تدفقات المهاجرين القادمين من ليبيا، وأصبحت في السنوات الأخيرة محل اهتمام وطني ودولي في ظل تزايد التحديات والرهانات التي تطرحها ظاهرة الهجرة المختلطة من جهة، وضغوطات الإتحاد الأوروبي لجعلها أكبر مخيم للّاجئين من جهة أخرى.
ورغم أنّ الدولة التونسية من أولى الأطراف التي وافقت على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951 وبروتوكولها لعام 1968، مازال الإطار القانوني غامضا في ظلّ عدم الموافقة على قانون اللجوء إلى حدود اليوم.
وأضاف بن عمر بان الوعي بالمشاكل والصعوبات التي تعترض كلّ من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء ما يزال محدودا، وعليه وقع اعتبار قضية الهجرة واللجوء "شأن ثانوي" في ظل التحديات التي تواجهها تونس.
وأوضح بن عمر بان الإشكالية الحقيقية في تونس بالنسبة للمهاجرين هي أولئك الذين يتواجدون بطريقة غير نظامية وهم خارج إحصائيات الدولة والمنظمات الأممية وهم الغالبية المطلقة حيث أن رئيس الجالية الايفوارية في تونس قدر عدد المقيمين في تونس من الجنسية الايفوارية بـ20 ألفا منهم 15 ألفا دون وثائق إقامة.
نقطة عبور
وأضاف محدثنا بأنه نتيجة موقعها الجغرافي والظروف الاقتصادية والاجتماعية خاصة منذ مطلع الألفية الثانية جمعت تونس خاصيات متعددة للهجرة فمنذ نهاية التسعينات أصبحت تونس نقطة عبور لأوروبا بطريقة غير نظامية لتتعمق الظاهرة اثر سنة 2011 كما أصبحت مقصدا لعديد المهاجرين من دول جنوب الصحراء سواء للدراسة أو للاستقرار خاصة بعد احتضان تونس لمؤسسات افريقية كالبنك الإفريقي للتنمية، ومثلت تونس أيضا نقطة عبور للمهاجرين من جنوب الصحراء نحو أوروبا خاصة خلال السنوات الأخيرة وأصبحت تونس محطة أولى لمشروع هجري نحو دول الشمال سواء بطريقة نظامية أو خاصة بطريقة غير نظامية وهذه الوضعية الاستثنائية فرضت تحديات عديدة لكنها مثلت تقاطعا لانتهاكات واسعة تطال فئات عديدة من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.
أسباب الهجرة
وأضاف بن عمر بأنّ أسباب الهجرة يمكن حوصلتها في الهروب من الظروف الأمنية والسياسية ببلد المنشأ حيث توجد الحروب والاضطهاد والمسّ بالحقوق السياسية والمدنية والهروب من آفات البطالة والفقر والرغبة في تحسين مستوى العيش.
كما أنّ بلوغ الأراضي الأوروبية يمثل حلما وهاجسا يعمل عدد هام من المتدفقين على تحقيقه بسبل مختلفة أفضت في بعض الحالات إلى تواجدهم بتونس كمنطقة عبور.
انتهاكات متعددة
وبما أنّ تونس لم تتبن إلى حدود اليوم مشروع قانون اللجوء وفي ظلّ غياب إطار تشريعي واضح، تتحمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة بالتعاون مع شركائهما مسؤولية تنظيم الهجرة المختلطة من خلال النظر في حاجيات المهاجرين، كما أنها تقوم بدراسة ومتابعة جميع طلبات اللجوء وفق الشروط المتعارف عليها دوليا، وعند البتّ في ملف الوافد، هناك ثلاث احتمالات واردة، أولها تمكينه من بطاقة لجوء في حالة وجود أسباب موضوعية تمكنه من ذلك، فيتحصل على شهادة الإقامة وتكون له حقوق كأي تونسي، وثانيها مساعدته على العودة "الطوعية" لبلده، وفي حالة ثالثة بمجرد تعبيره عن عدم رغبته في طلب اللجوء أو العودة لبلده الأصل يعتبر مهاجر غير نظامي لا تتكفل المفوضية به وعليه تحمّل مسؤوليّته. وتعمل المنظمات الإنسانية على تقديم خدمات أكد المهاجرون واللاجئون أنها لا ترتقي إلى المستوى المطلوب.
وأعرب عدد من المهاجرين وطالبي اللجوء عن الصعوبات التي تعترضهم أثناء وجودهم بالمنطقة من قبيل النقص الذي يعيشونه في الموارد المالية وقيمة الوصولات التي تسلم لهم من المنظمات المتدخلة والتي لا تغطي احتياجاتهم الأساسية بالإضافة إلى عدم تمكنهم من الحصول على عمل قانوني أو سكن لائق خاصة وأنهم لا يمتلكون وثائق قانونية، هذا زيادة على الإشكاليات الأخرى مثل الاستغلال والميز العنصري وعدم القدرة على الاتصال بالأهل ببلد المنشأ وصنّف قسم منهم وضعهم بالكارثي لما يعانونه من حرمان على شتى الأصعدة.
حيث أطلق المهاجرون واللاجئون خلال الجائحة خاصة عبر الشبكات الاجتماعية نداءات استغاثة للمطالبة بالمساعدة نتيجة غياب وسائل الوقاية ونقص المؤونة وتهديد بعض أصحاب العقارات لهم بالطرد نتيجة العجز عن دفع معلوم الكراء.
سياسة شاملة
وأقر بن عمر بوجود أزمة تعانيها الهجرة في تونس، هذه الأزمة إما تتمثل في نقص الخدمات التي لا تستجيب لاحتياجات وتطلعات الوافدين ولا تكفيهم ولقصور تدخلات المنظمات الدولية، وإمّا لعدم رضاء المهاجرين بما هو موجود.
وأمام التزايد الملحوظ في أعداد المهاجرين واللاجئين واحتراما لحقوق لإنسان وفقا لما جاءت به الاتفاقيات الدولية، على الدولة بلورة سياسة شاملة جديدة لقضايا الهجرة واللجوء وفق مقاربة إنسانية تحترم الالتزامات الدولية لبلادنا وتراعي حقوق المهاجرين.
وضعية النساء المهاجرات
وتحدث بن عمر عن وضعية النساء المهاجرات مؤكدا بأن المهاجرات واللاجئات وطالبات اللجوء يتعرضن عند وصولهن إلى تونس الى المضايقات والعنف من مصادر غير متوقعة بسبب وضعياتهن الاقتصادية والاجتماعية والقانونية الهشة (عدم الحصول أو انتهاء مدة تراخيص الإقامة) من جهة وبسبب هويتهن الجنسية كنساء مهاجرات من جهة أخرى.
ويزداد الوضع سوءا في غياب آليات لحماية المهاجرات، وينضاف خطر شبكات المتاجرة بالبشر والعنف المسلط من طرف موظفي الإدارات وحتى المواطنين إلى حملات مراقبة الهوية الدورية والمعاملات القاسية غير الإنسانية والإيقافات وعمليات الترحيل خارج الحدود والتي ينجر عنها انتهاكات عديدة لحقوق المهاجرين.
وتتعرض المهاجرات المستجوبات لأشكال مختلفة من العنف بشكل يومي، يسلطه عليهن أعوان السلطات العمومية، والمشغلون وحتى أيضا من قبل المهاجرين من أبناء جاليتهن.
ويتسبب هذا العنف في أذى نفسي شديد للمهاجرات ويزداد شعورهن بالاكتئاب في ظل وضعياتهن القانونية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة.
بالإضافة إلى العنف المسلط من طرف السلطات العمومية وعدم التمكن من النفاذ إلى العدالة في حالة حدوث خلافات مع أي كان، أو في حالة تعرض المهاجرات للتعنيف والانتهاكات وتبني مقاربة أمنية مطلقة عند الإيقافات وسوء الاستقبال وضرورة إجراء فحص طبي للكشف عن الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة (قطاع الصحة العمومية).
بالإضافة إلى التعرض للتمييز عند التقدم بشكايات (يتم معاملتهن دائما على أنهن حاملات لفيروس نقص المناعة المكتسبة).
سياسات الترحيل القسري للمهاجرين
وقال بن عمر "قد يبدو احتجاز المهاجرين غير النظاميين ومن ثمّة ترحيلهم أو إعادتهم قسريا إلى بلدانهم حلاّ عمليا وسهلا بل ومعمولا به في عدد من دول العالم خاصّة إذا ما جاء مغلّفا بـ"مفاهيم دولية منمّقة" على غرار "العودة الطوعية"، الأمر الذي قد يخوّل للسلطات التونسية تبرير ذلك بمقولة أنّها "تفعل ما يفعله الآخرون" و"أنّ دولا أكثر رسوخا منا في الديمقراطية تحتجز المهاجرين فلم لا نفعل ذلك، ونحن الديمقراطية الناشئة؟".
وأضاف بان مركز الإيواء والتوجيه بالوردية ومركز بن قردان خير مثال على هذا التعتيم والغموض، من حيث ضبابية شرعيته ومشروعيته القانونية، والتباس المهامّ داخلهما بين إدارتي الحرس الوطني وإدارة الحدود والأجانب، وشحّ المعلومات الرسمية المقدّمة حول حيثيات إيقاف المهاجرين المحتجزين به وظروف إقامتهم بالمركز واختلاف مصائرهم.".
حيث تؤكد شهادات عديدة أن تجربة مركز الاحتجاز سيّئة بالنسبة لمعظم المهاجرين، فهم يدركون أنّهم موجودون في فضاء سالب للحرية، ويسمعون عن قصص "الأوّلين" الذين رحّلوا نحو الحدود، والآخرين الذين عادوا "طوعا" أو "قسرا"، ويقضّون ساعات النهار في الانتظار.
أمّا الذين انتهت بهم رحلة الانتظار وغادروا المركز، فقد صارت المعلومات عنهم أكثر شحّا ومنهم من ترك على الحدود يواجه مصيره وحده حتى الوصول إلى منطقة آهلة أو الموت جوعا وعطشا، ومنهم من ركب الطائرة وانقطعت أخباره وصار مجرّد رقم في إحصائيات وسجلات برنامج العودة الطوعية وإعادة الإدماج، وآخرون لم نسمع عنهم ولا عمّا حلّ بهم لأنّهم لا يوجدون في سجلاّت الدولة الرسمية الخاصّة بــ"الأجانب" كما تسمّيهم جميعا ليبقوا نسيّا منسيّا و"غرباء الجمهورية".
احتجاز المهاجرين
وأوضح بأن تونس تواصل القيام بعمليات احتجاز للمهاجرين فاقدة لكل أساس قانوني وتعمد إلى ترحيل بعضهم بطريقة لا تراعي كرامتهم ولا حرمتهم البشرية وتعرّضهم إلى الخطر، كما أنها منخرطة في سياسات الإعادة "القسرية" التي تتوخّاها الدول الأوروبية بعنوان المساعدة على "العودة الطوعية" و"إعادة الإدماج" كبديل "أكثر جاذبية وقبولا" من الاحتجاز.
إقبال متزايد
وأكد رمضان بن عمر بأن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنجز دراسة كمية على عينة تتكون من ألف مهاجر أنجزت في ولايات تونس الكبرى وسوسة وصفاقس ومدنين استندت على تقنية الاستبيان كوسيلة لجمع المعطيات وتم تمرير الاستبيان خلال الفترة الممتدة من شهر جوان إلي النصف الأول من شهر سبتمبر لسنة 2019.
وقد أفرزت هذه الدراسة بأن جميع ولايات الجمهورية التونسية تستقبل المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء إلا أن الولايات أو الجهات التي تعتبر الأكثر استقبالا للمهاجرين هي المناطق الحضرية وبشكل رئيسي في تونس العاصمة 34٪، ثم صفاقس 20.10٪، وبدرجة متساوية نجد مدنين 14.50٪ وأريانة 14.10٪ وبدرجة اقل نجد سوسة 12.30٪. وهذا التنوع في الوجهات تبرره تعدد المسارات وأهداف الهجرة الخاصة بكل فرد وكذلك الموقع والانتساب الجغرافي للجهات الفاعلة التي تتدخل في هذه العملية كما أشار 92٪ من المهاجرين إلى أن الإقامة في هذه الولايات هي إقامة دائمة.
كما بينت الدراسة أن تونس استقبلت في السنوات الأخيرة وخاصة ما بين سنوات 2015 و2018 أعدادا هامة من المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء ويتمركز المهاجرين في المناطق الحضرية للمدن الكبرى للبلاد التونسية، وقد طغى على هذه التدفقات من المهاجرين من هم من حاملي الجنسية الايفوارية، كما بينت الدراسة أن غالبية المهاجرين هم من الأطفال والشباب وقدموا إلى تونس لأسباب متعددة ولعل أهمها الدراسة والعمل.
كما أكدت الدراسة إلي أن تجربة الهجرة لم تعد تلك التجربة التي تستقطب الرجال فقط وإنما أصبحت تستقطب أعدادا كبيرة من النساء.
في حين كان يأمل مهاجرو جنوب الصحراء وخاصة الذين قدموا إلي تونس طلبا للجوء أو للعمل لتحسين ظروفهم إلا أنهم وجدوا أنفسهم أمام إطار قانوني لا يعترف بهم بالإضافة إلى وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية الهشة.
وأضاف محدثنا بأن اغلب المهاجرين وجدوا أنفسهم يتعرضون للاستغلال في سوق الشغل وهم في معظم الأحيان يسدون النقص الحاصل لليد العاملة في بعض القطاعات والتي تكون غالبا قطاعات هشة وتتسم بالخطورة كما تتطلب مجهودا كبيرا كحضائر البناء والأعمال المنزلية. فمهاجرو جنوب الصحراء يتعرضون إلي الميز العنصري المهني فهم يعملون في غياب تام لإطار قانوني قادر أن يؤمن لهم التغطية الصحية والضمان الاجتماعي.
وأكد بن عمر بأن تونس لم يعد بالإمكان أن تواصل في سياسة التعتيم والغموض في تعاملها مع قضايا الهجرة، أو مواصلة الادّعاء بأنها "منطقة عبور" فقط لا غير والحال أنّ كثيرا من المهاجرين يقصدونها إلى العمل والاستقرار بها عدا من يحتمون بها طالبين اللجوء على أراضيها.
كما أصبح من المعيب في حق الجمهورية الثانية تواصل الانتهاكات التي تطال المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء وخاصة الوضعيات الأكثر هشاشة من النساء والأطفال في غياب إطار قانون محيّن يحمي حقوق الأشخاص ضمن تدفقات الهجرة المختلطة ويدفع بهم نحو براثن الهشاشة والاتّجار بالبشر والعنصرية والاحتجاز.
فاطمة الجلاصي
* من بينهم 20 ألف إيفواري ويتمركزون في 4 ولايات المهاجرون الأفارقة في تونس.. القانون لا يعترف بهم.. والتمييز المهني "زج" بهم في عالم الجريمة
* ارتفع نسق تدفقهم بشكل كبير منذ اندلاع الثورة والإطار التشريعي غامض لعدم الموافقة على قانون اللجوء
تونس- الصباح
حادثتان متتاليتان جدتا خلال الأسبوع الجاري بولاية أريانة بعد اختطاف طفل من قبل مهاجر إفريقي وكذلك الكشف عن شبكة دعارة تضم أفارقة طرحت مجددا موضوع تواجد المهاجرين الأفارقة ببلادنا والذين أصبحوا محل تتبع في قضايا مختلفة واندمجوا في مجال الجريمة بشكل لافت مما جعلنا نتساءل حول ظروف إقامتهم في بلادنا والدوافع التي زجت بهم في عالم الجريمة.
فقد تمكن أعوان الأمن بأريانة خلال الأسبوع الجاري من الكشف عن شبكة دعارة تضم 11 إفريقيا من بينهم امرأتان.
وكان منطلق التتبع في القضية إثر ورود تشكيات بخصوص مجموعة من الأفارقة قاموا باستئجار منزل بجهة دار فضال بسكرة بسبب تنظيمهم لسهرات مما أزعج الاجوار وبإعلام النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة أذنت لأعوان الأمن بمداهمة المحل حيث اتضح بأن مهاجرين من أصول افريقية وتحديدا من جنوب الصحراء استأجرا المنزل إلا أنه بعد أقل من شهرين أصبح يقيم بالمحل أكثر من ستة أشخاص لدرجة أن صاحبه لم يعرف مع من يتعامل في مسألة الإيجار بالإضافة إلى أنه يتم كل مساء تنظيم سهرات إلى مطلع الفجر مع كثرة الضجيج الشيء الذي تسبب في إزعاج الأجوار .
وبمداهمة الأعوان للمحل المذكور تم العثور على 11 شخصا بصدد احتساء الخمر بالإضافة إلى وجود أشخاص في حالة تلبس بتعاطي البغاء السري فتم إيقافهم وحجز كمية هامة من المشروبات الكحولية ووسائل منع الحمل بالإضافة إلى مبالغ مالية متأتية من عملية بيع الخمر ومن تعاطي البغاء السري وباستشارة النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة أذنت بالاحتفاظ بهم.
اختطاف
كما تقدم نهاية الأسبوع الفارط مواطن إلى السلط الأمنية بولاية نابل يعلم عن تعرض ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات إلى عملية اختطاف أثناء خروجه مع والدته بأحد الأنهج وقد تم الاتصال به هاتفيا مباشرة بعد الواقعة من طرف شخص من جنسية افريقية جنوب الصحراء طالبا منه تمكينه من مبلغ مالي قدره 75 ألف دينار وهدده بكونه سيقوم بنزع أعضاء ابنه المختطف بدءا من كليتيه.
وبعرض صورة الطفل على كافة المقرات الأمنية ومنها منطقة الأمن الوطني بأريانة الشمالية تم ايلاء الموضوع الأهمية القصوى خاصة بتواجد الجالية الإفريقية بكثافة في مرجع النظر وبعد تحريات ميدانية من طرف فريق الاستمرار تمت مداهمة منزل بجهة طريق رواد اثر ورود معلومات مؤكدة حول سماع صراخ متواصل لطفل صغير من داخل شقة تقطنها مجموعة من الأفارقة ليس لديهم أطفال، وقد وقع القبض على المهتم الرئيسي واسترجاع الطفل وإعادته لمصدر التفتيش .
أوكار دعارة
وفي أواخر شهر نوفمبر الفارط تمكن أعوان منطقة الأمن الوطني بأريانة المدينة من مداهمة شقة تم إعدادها لبيع وشرب الخمر وتعاطي البغاء السري بمقابل مالي أين وقع القبض على أربعة أشخاص من المهاجرين الأفارقة بحالة تلبس وحجز كمية هامة من المشروبات الكحولية ووسائل منع الحمل .
وبالتوازي مع ذلك قام الأعوان بمداهمة شقة بجهة برج الوزير تم إعدادها لتعاطي البغاء السري بمقابل مالي واستقطاب الحرفاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أين وقع القبض على فتاتين وشابين من الأفارقة كذلك بحالة تلبس كما أمكن القبض أيضاً على صاحب الصفحة الالكترونية والذي اتضح أنه من يتولى إدارة هذه الشقة كما وقع حجز كمية هامة من المشروبات الكحولية ووسائل منع الحمل .
هذا بالإضافة إلى المعركة العنيفة التي جدّت خلال يومي 13 و14 جوان الفارط والتي انطلقت بمناوشات لتتحول إلى عنف وتراشق بالحجارة بين مجموعة من الأفارقة من جنوب الصحراء وعدد من متساكني حي الأنس من معتمدية ساقية الزيت من ولاية صفاقس وذلك على خلفية رفض المتساكنين تسويغ محلاّت سُكنى لهم.
غموض
ولمعرفة الوضعية الاجتماعية والقانونية للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في تونس اتصلت "الصباح" برمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي ذكر في تصريح لـ"الصباح" بأن بلادنا شهدت منذ سنة 2011 ارتفاعا كبيرا في نسق تدفقات المهاجرين القادمين من ليبيا، وأصبحت في السنوات الأخيرة محل اهتمام وطني ودولي في ظل تزايد التحديات والرهانات التي تطرحها ظاهرة الهجرة المختلطة من جهة، وضغوطات الإتحاد الأوروبي لجعلها أكبر مخيم للّاجئين من جهة أخرى.
ورغم أنّ الدولة التونسية من أولى الأطراف التي وافقت على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951 وبروتوكولها لعام 1968، مازال الإطار القانوني غامضا في ظلّ عدم الموافقة على قانون اللجوء إلى حدود اليوم.
وأضاف بن عمر بان الوعي بالمشاكل والصعوبات التي تعترض كلّ من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء ما يزال محدودا، وعليه وقع اعتبار قضية الهجرة واللجوء "شأن ثانوي" في ظل التحديات التي تواجهها تونس.
وأوضح بن عمر بان الإشكالية الحقيقية في تونس بالنسبة للمهاجرين هي أولئك الذين يتواجدون بطريقة غير نظامية وهم خارج إحصائيات الدولة والمنظمات الأممية وهم الغالبية المطلقة حيث أن رئيس الجالية الايفوارية في تونس قدر عدد المقيمين في تونس من الجنسية الايفوارية بـ20 ألفا منهم 15 ألفا دون وثائق إقامة.
نقطة عبور
وأضاف محدثنا بأنه نتيجة موقعها الجغرافي والظروف الاقتصادية والاجتماعية خاصة منذ مطلع الألفية الثانية جمعت تونس خاصيات متعددة للهجرة فمنذ نهاية التسعينات أصبحت تونس نقطة عبور لأوروبا بطريقة غير نظامية لتتعمق الظاهرة اثر سنة 2011 كما أصبحت مقصدا لعديد المهاجرين من دول جنوب الصحراء سواء للدراسة أو للاستقرار خاصة بعد احتضان تونس لمؤسسات افريقية كالبنك الإفريقي للتنمية، ومثلت تونس أيضا نقطة عبور للمهاجرين من جنوب الصحراء نحو أوروبا خاصة خلال السنوات الأخيرة وأصبحت تونس محطة أولى لمشروع هجري نحو دول الشمال سواء بطريقة نظامية أو خاصة بطريقة غير نظامية وهذه الوضعية الاستثنائية فرضت تحديات عديدة لكنها مثلت تقاطعا لانتهاكات واسعة تطال فئات عديدة من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.
أسباب الهجرة
وأضاف بن عمر بأنّ أسباب الهجرة يمكن حوصلتها في الهروب من الظروف الأمنية والسياسية ببلد المنشأ حيث توجد الحروب والاضطهاد والمسّ بالحقوق السياسية والمدنية والهروب من آفات البطالة والفقر والرغبة في تحسين مستوى العيش.
كما أنّ بلوغ الأراضي الأوروبية يمثل حلما وهاجسا يعمل عدد هام من المتدفقين على تحقيقه بسبل مختلفة أفضت في بعض الحالات إلى تواجدهم بتونس كمنطقة عبور.
انتهاكات متعددة
وبما أنّ تونس لم تتبن إلى حدود اليوم مشروع قانون اللجوء وفي ظلّ غياب إطار تشريعي واضح، تتحمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة بالتعاون مع شركائهما مسؤولية تنظيم الهجرة المختلطة من خلال النظر في حاجيات المهاجرين، كما أنها تقوم بدراسة ومتابعة جميع طلبات اللجوء وفق الشروط المتعارف عليها دوليا، وعند البتّ في ملف الوافد، هناك ثلاث احتمالات واردة، أولها تمكينه من بطاقة لجوء في حالة وجود أسباب موضوعية تمكنه من ذلك، فيتحصل على شهادة الإقامة وتكون له حقوق كأي تونسي، وثانيها مساعدته على العودة "الطوعية" لبلده، وفي حالة ثالثة بمجرد تعبيره عن عدم رغبته في طلب اللجوء أو العودة لبلده الأصل يعتبر مهاجر غير نظامي لا تتكفل المفوضية به وعليه تحمّل مسؤوليّته. وتعمل المنظمات الإنسانية على تقديم خدمات أكد المهاجرون واللاجئون أنها لا ترتقي إلى المستوى المطلوب.
وأعرب عدد من المهاجرين وطالبي اللجوء عن الصعوبات التي تعترضهم أثناء وجودهم بالمنطقة من قبيل النقص الذي يعيشونه في الموارد المالية وقيمة الوصولات التي تسلم لهم من المنظمات المتدخلة والتي لا تغطي احتياجاتهم الأساسية بالإضافة إلى عدم تمكنهم من الحصول على عمل قانوني أو سكن لائق خاصة وأنهم لا يمتلكون وثائق قانونية، هذا زيادة على الإشكاليات الأخرى مثل الاستغلال والميز العنصري وعدم القدرة على الاتصال بالأهل ببلد المنشأ وصنّف قسم منهم وضعهم بالكارثي لما يعانونه من حرمان على شتى الأصعدة.
حيث أطلق المهاجرون واللاجئون خلال الجائحة خاصة عبر الشبكات الاجتماعية نداءات استغاثة للمطالبة بالمساعدة نتيجة غياب وسائل الوقاية ونقص المؤونة وتهديد بعض أصحاب العقارات لهم بالطرد نتيجة العجز عن دفع معلوم الكراء.
سياسة شاملة
وأقر بن عمر بوجود أزمة تعانيها الهجرة في تونس، هذه الأزمة إما تتمثل في نقص الخدمات التي لا تستجيب لاحتياجات وتطلعات الوافدين ولا تكفيهم ولقصور تدخلات المنظمات الدولية، وإمّا لعدم رضاء المهاجرين بما هو موجود.
وأمام التزايد الملحوظ في أعداد المهاجرين واللاجئين واحتراما لحقوق لإنسان وفقا لما جاءت به الاتفاقيات الدولية، على الدولة بلورة سياسة شاملة جديدة لقضايا الهجرة واللجوء وفق مقاربة إنسانية تحترم الالتزامات الدولية لبلادنا وتراعي حقوق المهاجرين.
وضعية النساء المهاجرات
وتحدث بن عمر عن وضعية النساء المهاجرات مؤكدا بأن المهاجرات واللاجئات وطالبات اللجوء يتعرضن عند وصولهن إلى تونس الى المضايقات والعنف من مصادر غير متوقعة بسبب وضعياتهن الاقتصادية والاجتماعية والقانونية الهشة (عدم الحصول أو انتهاء مدة تراخيص الإقامة) من جهة وبسبب هويتهن الجنسية كنساء مهاجرات من جهة أخرى.
ويزداد الوضع سوءا في غياب آليات لحماية المهاجرات، وينضاف خطر شبكات المتاجرة بالبشر والعنف المسلط من طرف موظفي الإدارات وحتى المواطنين إلى حملات مراقبة الهوية الدورية والمعاملات القاسية غير الإنسانية والإيقافات وعمليات الترحيل خارج الحدود والتي ينجر عنها انتهاكات عديدة لحقوق المهاجرين.
وتتعرض المهاجرات المستجوبات لأشكال مختلفة من العنف بشكل يومي، يسلطه عليهن أعوان السلطات العمومية، والمشغلون وحتى أيضا من قبل المهاجرين من أبناء جاليتهن.
ويتسبب هذا العنف في أذى نفسي شديد للمهاجرات ويزداد شعورهن بالاكتئاب في ظل وضعياتهن القانونية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة.
بالإضافة إلى العنف المسلط من طرف السلطات العمومية وعدم التمكن من النفاذ إلى العدالة في حالة حدوث خلافات مع أي كان، أو في حالة تعرض المهاجرات للتعنيف والانتهاكات وتبني مقاربة أمنية مطلقة عند الإيقافات وسوء الاستقبال وضرورة إجراء فحص طبي للكشف عن الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة (قطاع الصحة العمومية).
بالإضافة إلى التعرض للتمييز عند التقدم بشكايات (يتم معاملتهن دائما على أنهن حاملات لفيروس نقص المناعة المكتسبة).
سياسات الترحيل القسري للمهاجرين
وقال بن عمر "قد يبدو احتجاز المهاجرين غير النظاميين ومن ثمّة ترحيلهم أو إعادتهم قسريا إلى بلدانهم حلاّ عمليا وسهلا بل ومعمولا به في عدد من دول العالم خاصّة إذا ما جاء مغلّفا بـ"مفاهيم دولية منمّقة" على غرار "العودة الطوعية"، الأمر الذي قد يخوّل للسلطات التونسية تبرير ذلك بمقولة أنّها "تفعل ما يفعله الآخرون" و"أنّ دولا أكثر رسوخا منا في الديمقراطية تحتجز المهاجرين فلم لا نفعل ذلك، ونحن الديمقراطية الناشئة؟".
وأضاف بان مركز الإيواء والتوجيه بالوردية ومركز بن قردان خير مثال على هذا التعتيم والغموض، من حيث ضبابية شرعيته ومشروعيته القانونية، والتباس المهامّ داخلهما بين إدارتي الحرس الوطني وإدارة الحدود والأجانب، وشحّ المعلومات الرسمية المقدّمة حول حيثيات إيقاف المهاجرين المحتجزين به وظروف إقامتهم بالمركز واختلاف مصائرهم.".
حيث تؤكد شهادات عديدة أن تجربة مركز الاحتجاز سيّئة بالنسبة لمعظم المهاجرين، فهم يدركون أنّهم موجودون في فضاء سالب للحرية، ويسمعون عن قصص "الأوّلين" الذين رحّلوا نحو الحدود، والآخرين الذين عادوا "طوعا" أو "قسرا"، ويقضّون ساعات النهار في الانتظار.
أمّا الذين انتهت بهم رحلة الانتظار وغادروا المركز، فقد صارت المعلومات عنهم أكثر شحّا ومنهم من ترك على الحدود يواجه مصيره وحده حتى الوصول إلى منطقة آهلة أو الموت جوعا وعطشا، ومنهم من ركب الطائرة وانقطعت أخباره وصار مجرّد رقم في إحصائيات وسجلات برنامج العودة الطوعية وإعادة الإدماج، وآخرون لم نسمع عنهم ولا عمّا حلّ بهم لأنّهم لا يوجدون في سجلاّت الدولة الرسمية الخاصّة بــ"الأجانب" كما تسمّيهم جميعا ليبقوا نسيّا منسيّا و"غرباء الجمهورية".
احتجاز المهاجرين
وأوضح بأن تونس تواصل القيام بعمليات احتجاز للمهاجرين فاقدة لكل أساس قانوني وتعمد إلى ترحيل بعضهم بطريقة لا تراعي كرامتهم ولا حرمتهم البشرية وتعرّضهم إلى الخطر، كما أنها منخرطة في سياسات الإعادة "القسرية" التي تتوخّاها الدول الأوروبية بعنوان المساعدة على "العودة الطوعية" و"إعادة الإدماج" كبديل "أكثر جاذبية وقبولا" من الاحتجاز.
إقبال متزايد
وأكد رمضان بن عمر بأن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنجز دراسة كمية على عينة تتكون من ألف مهاجر أنجزت في ولايات تونس الكبرى وسوسة وصفاقس ومدنين استندت على تقنية الاستبيان كوسيلة لجمع المعطيات وتم تمرير الاستبيان خلال الفترة الممتدة من شهر جوان إلي النصف الأول من شهر سبتمبر لسنة 2019.
وقد أفرزت هذه الدراسة بأن جميع ولايات الجمهورية التونسية تستقبل المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء إلا أن الولايات أو الجهات التي تعتبر الأكثر استقبالا للمهاجرين هي المناطق الحضرية وبشكل رئيسي في تونس العاصمة 34٪، ثم صفاقس 20.10٪، وبدرجة متساوية نجد مدنين 14.50٪ وأريانة 14.10٪ وبدرجة اقل نجد سوسة 12.30٪. وهذا التنوع في الوجهات تبرره تعدد المسارات وأهداف الهجرة الخاصة بكل فرد وكذلك الموقع والانتساب الجغرافي للجهات الفاعلة التي تتدخل في هذه العملية كما أشار 92٪ من المهاجرين إلى أن الإقامة في هذه الولايات هي إقامة دائمة.
كما بينت الدراسة أن تونس استقبلت في السنوات الأخيرة وخاصة ما بين سنوات 2015 و2018 أعدادا هامة من المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء ويتمركز المهاجرين في المناطق الحضرية للمدن الكبرى للبلاد التونسية، وقد طغى على هذه التدفقات من المهاجرين من هم من حاملي الجنسية الايفوارية، كما بينت الدراسة أن غالبية المهاجرين هم من الأطفال والشباب وقدموا إلى تونس لأسباب متعددة ولعل أهمها الدراسة والعمل.
كما أكدت الدراسة إلي أن تجربة الهجرة لم تعد تلك التجربة التي تستقطب الرجال فقط وإنما أصبحت تستقطب أعدادا كبيرة من النساء.
في حين كان يأمل مهاجرو جنوب الصحراء وخاصة الذين قدموا إلي تونس طلبا للجوء أو للعمل لتحسين ظروفهم إلا أنهم وجدوا أنفسهم أمام إطار قانوني لا يعترف بهم بالإضافة إلى وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية الهشة.
وأضاف محدثنا بأن اغلب المهاجرين وجدوا أنفسهم يتعرضون للاستغلال في سوق الشغل وهم في معظم الأحيان يسدون النقص الحاصل لليد العاملة في بعض القطاعات والتي تكون غالبا قطاعات هشة وتتسم بالخطورة كما تتطلب مجهودا كبيرا كحضائر البناء والأعمال المنزلية. فمهاجرو جنوب الصحراء يتعرضون إلي الميز العنصري المهني فهم يعملون في غياب تام لإطار قانوني قادر أن يؤمن لهم التغطية الصحية والضمان الاجتماعي.
وأكد بن عمر بأن تونس لم يعد بالإمكان أن تواصل في سياسة التعتيم والغموض في تعاملها مع قضايا الهجرة، أو مواصلة الادّعاء بأنها "منطقة عبور" فقط لا غير والحال أنّ كثيرا من المهاجرين يقصدونها إلى العمل والاستقرار بها عدا من يحتمون بها طالبين اللجوء على أراضيها.
كما أصبح من المعيب في حق الجمهورية الثانية تواصل الانتهاكات التي تطال المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء وخاصة الوضعيات الأكثر هشاشة من النساء والأطفال في غياب إطار قانون محيّن يحمي حقوق الأشخاص ضمن تدفقات الهجرة المختلطة ويدفع بهم نحو براثن الهشاشة والاتّجار بالبشر والعنصرية والاحتجاز.