إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في الذكرى11.. منعرج إعادة كتابة تاريخ الثورة

تونس –الصباح

قطعا لن يكون الاحتفال هذه السنة بذكرى ثورة الحرية والكرامة كالمعتاد لأن حدث 25 جويلية وما تلاها من تطورات قلب المشهد رأسا على عقب.

وقرار رئيس الجمهورية الأخير القاضي بتغيير موعد الاحتفال بذكرى ثورة 2011 من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر يعد المنعرج الحاسم لما يحمل في طياته من محاولة لإعادة كتابة تاريخ الثورة التونسية من منظور رئيس الجمهروية قيس سعيد.

المتعارف عليه أن التاريخ  يكتبه المنتصرون والأقوياء وعلى اعتبار أن الرئيس قيس سعيد يعد اليوم المنتصر في مواجهة خصومه السياسيين بعد أن نجح في فرض خيار 25 جويلية على الجميع، فهو يتجه إلى إعادة رسم كامل مسار ما بعد 14 جانفي وفق رؤية وتوجهات جديدة وسط معارضة شديدة من الأحزاب والمنظمات الوطنية.

جدل قديم متجدد

كان رئيس الجمهورية واضحا منذ كلمته  المباشرة من سيدي بوزيد، حين قال بصريح العبارة بأن "الثورة انطلقت من سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر لأنّ 14 جانفي 2011 هو تاريخ إجهاضها''. ويلتقي الرئيس سعيد مع أنصاره في اعتبار أن لحظة تسليم السلطة، منذ الوهلة الأولى بعد هروب الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، إلى رموز النظام السابق (رئيس مجلس نواب ما قبل الثورة فؤاد المبزع والوزير الأول محمد الغنوشي وحتى الفترة الأولى للراحل الباجي قائد السبسي)  لقيادة بداية  المرحلة الانتقالية، تعد منعرجا خاطئا أثر على كامل المسار وأجهض الثورة.

وقد طرح هذا النقاش في تلك الحقبة وله مؤيدوه ومعارضوه ممن اعتبروا أن مواصلة رجال بن علي في تلك الفترة كان ضرورة لتجنيب البلاد الفوضى في غياب بدائل جاهزة لاستلام السلطة وامتناع الجيش عن خوض تلك المغامرة.

اليوم من موقع قوة الماسك بزمام السلطة والمبادرة يعيد قيس سعيد الجدل من جديد بعد مضيه في تغيير تاريخ الاحتفال الذكرى 11 للثورة من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر.

وتتعالى الأصوات المنتقدة لفرض إعادة كتابة تاريخ الثورة من رؤية واحدة وبعيدا عن أبحاث وأدوار المؤرخين، حيث يعتبر كثيرون أن خيار العودة إلى تاريخ 17 ديسمبر فيه الكثير من الإجحاف في حق  دور شهداء تالة والقصرين وسيدي بوزيد وبقية الولايات التي انخرطت في مسار الإطاحة بالنظام السابق  والتظاهرات التي اندلعت بحي التضامن وسط العاصمة وعديد الأحياء وكذلك دور النقابات والإضرابات التي كانت محطات حاسمة في خلخلة نظام بن علي تمهيدا لسقوطه. وبالتالي كان بإمكان الثورة  أن تجهض في سيدي بوزيد لو لم تتواصل في مناطق أخرى.

كما يرى البعض أن للثورة  مسارها وتراكماتها وهي لم تبدأ من تاريخ 17 ديسمبر بل قبل ذلك منذ أحداث الحوض المنجمي في 2008 وبن قردان وعديد من التحركات والانتفاضات التي اندلعت في عدة جهات.

انتقادات

يعتبر الباحث سامي براهم  الفصل بين تاريخي 17 ديسمبر و14جانفي، كأنه محاولة للفصل بين الرّوح والجسد.

وكان قد دون على صفحته الرسمية على الفايسبوك، مباشرة إثر اعتبار الرئيس موعد 14 جانفي إجهاضا للثورة،  أن "الادّعاء بأنّ حراك 14 جانفي كان إجهاضاً للثّورة سفسطة سطحيّة بدون معنى، وتزوير مبتذل للتّاريخ لغايات ذرائعيّة انتهازيّة، وهذا ادّعاء لا يصدر إلّا عمّن لم يواكب حراك الثّورة ووقائعها ونسقها التّراكمي ولم يستوعب حراكها الدّاخلي وأبعادها".

ويضيف براهم "كان 14 جانفي تتويجاً للثّورة، احتشد فيه الآلاف أمام مبنى الدّاخليّة نصرة للحظة 17 ديسمبر وما تلاها عبر الولايات المنتفضة رافعين نفس الشعارات والمطالب التي تردّد صداها على امتداد البلد طيلة أسابيع (...) 14 جانفي ليس حراك المركز ولا البرجوازيّة كما يدندن بعض المتذاكين المتحذلقين في التّحليل، هو حراك العاصمة بكلّ ساكنتها وفئاتها النّازحة من كلّ الأعماق والجهات، من كلّ الطّبقات والأحياء والانتماءات والوظائف".

بدوره رفض الأمين العام للحزب الجمهوي عصام الشابي،  تغيير تاريخ الثورة التونسية، ودون عبر حسابه على "فيسبوك"، قائلا: "من لم يشارك في فعاليات الثورة، يريد اليوم إعادة كتابة تاريخها"، معتبرا الخطوة فيها "مزيدا من تقسيم التونسيين في الوقت الذي هم في أمس الحاجة إلى توحيد جهودهم لتجاوز..أزمة طالت أكثر من اللزوم".

إعادة هندسة المشهد

ويعتبر البعض أن قرار تغيير تاريخ الثورة هو إعادة لهندسة المشهد وفق أهواء وإرادة فردية وشخصية حيث أكّد القيادي المستقيل من حركة النهضة سمير ديلو أنّ قيس سعيد يكرّس لحُكم الفرد.

وقال مؤخرا في تصريح إذاعي إن الرئيس قيس سعيد ''يسير في خط اسمه تركيز وشرعنة حُكم الفرد''. وأوضح أنّ حكم الفرد يقوم على الإرادة المُنفردة للشخص الواحد ويُعيد هندسة المشهد.

م.ي

في الذكرى11.. منعرج إعادة كتابة تاريخ الثورة

تونس –الصباح

قطعا لن يكون الاحتفال هذه السنة بذكرى ثورة الحرية والكرامة كالمعتاد لأن حدث 25 جويلية وما تلاها من تطورات قلب المشهد رأسا على عقب.

وقرار رئيس الجمهورية الأخير القاضي بتغيير موعد الاحتفال بذكرى ثورة 2011 من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر يعد المنعرج الحاسم لما يحمل في طياته من محاولة لإعادة كتابة تاريخ الثورة التونسية من منظور رئيس الجمهروية قيس سعيد.

المتعارف عليه أن التاريخ  يكتبه المنتصرون والأقوياء وعلى اعتبار أن الرئيس قيس سعيد يعد اليوم المنتصر في مواجهة خصومه السياسيين بعد أن نجح في فرض خيار 25 جويلية على الجميع، فهو يتجه إلى إعادة رسم كامل مسار ما بعد 14 جانفي وفق رؤية وتوجهات جديدة وسط معارضة شديدة من الأحزاب والمنظمات الوطنية.

جدل قديم متجدد

كان رئيس الجمهورية واضحا منذ كلمته  المباشرة من سيدي بوزيد، حين قال بصريح العبارة بأن "الثورة انطلقت من سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر لأنّ 14 جانفي 2011 هو تاريخ إجهاضها''. ويلتقي الرئيس سعيد مع أنصاره في اعتبار أن لحظة تسليم السلطة، منذ الوهلة الأولى بعد هروب الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، إلى رموز النظام السابق (رئيس مجلس نواب ما قبل الثورة فؤاد المبزع والوزير الأول محمد الغنوشي وحتى الفترة الأولى للراحل الباجي قائد السبسي)  لقيادة بداية  المرحلة الانتقالية، تعد منعرجا خاطئا أثر على كامل المسار وأجهض الثورة.

وقد طرح هذا النقاش في تلك الحقبة وله مؤيدوه ومعارضوه ممن اعتبروا أن مواصلة رجال بن علي في تلك الفترة كان ضرورة لتجنيب البلاد الفوضى في غياب بدائل جاهزة لاستلام السلطة وامتناع الجيش عن خوض تلك المغامرة.

اليوم من موقع قوة الماسك بزمام السلطة والمبادرة يعيد قيس سعيد الجدل من جديد بعد مضيه في تغيير تاريخ الاحتفال الذكرى 11 للثورة من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر.

وتتعالى الأصوات المنتقدة لفرض إعادة كتابة تاريخ الثورة من رؤية واحدة وبعيدا عن أبحاث وأدوار المؤرخين، حيث يعتبر كثيرون أن خيار العودة إلى تاريخ 17 ديسمبر فيه الكثير من الإجحاف في حق  دور شهداء تالة والقصرين وسيدي بوزيد وبقية الولايات التي انخرطت في مسار الإطاحة بالنظام السابق  والتظاهرات التي اندلعت بحي التضامن وسط العاصمة وعديد الأحياء وكذلك دور النقابات والإضرابات التي كانت محطات حاسمة في خلخلة نظام بن علي تمهيدا لسقوطه. وبالتالي كان بإمكان الثورة  أن تجهض في سيدي بوزيد لو لم تتواصل في مناطق أخرى.

كما يرى البعض أن للثورة  مسارها وتراكماتها وهي لم تبدأ من تاريخ 17 ديسمبر بل قبل ذلك منذ أحداث الحوض المنجمي في 2008 وبن قردان وعديد من التحركات والانتفاضات التي اندلعت في عدة جهات.

انتقادات

يعتبر الباحث سامي براهم  الفصل بين تاريخي 17 ديسمبر و14جانفي، كأنه محاولة للفصل بين الرّوح والجسد.

وكان قد دون على صفحته الرسمية على الفايسبوك، مباشرة إثر اعتبار الرئيس موعد 14 جانفي إجهاضا للثورة،  أن "الادّعاء بأنّ حراك 14 جانفي كان إجهاضاً للثّورة سفسطة سطحيّة بدون معنى، وتزوير مبتذل للتّاريخ لغايات ذرائعيّة انتهازيّة، وهذا ادّعاء لا يصدر إلّا عمّن لم يواكب حراك الثّورة ووقائعها ونسقها التّراكمي ولم يستوعب حراكها الدّاخلي وأبعادها".

ويضيف براهم "كان 14 جانفي تتويجاً للثّورة، احتشد فيه الآلاف أمام مبنى الدّاخليّة نصرة للحظة 17 ديسمبر وما تلاها عبر الولايات المنتفضة رافعين نفس الشعارات والمطالب التي تردّد صداها على امتداد البلد طيلة أسابيع (...) 14 جانفي ليس حراك المركز ولا البرجوازيّة كما يدندن بعض المتذاكين المتحذلقين في التّحليل، هو حراك العاصمة بكلّ ساكنتها وفئاتها النّازحة من كلّ الأعماق والجهات، من كلّ الطّبقات والأحياء والانتماءات والوظائف".

بدوره رفض الأمين العام للحزب الجمهوي عصام الشابي،  تغيير تاريخ الثورة التونسية، ودون عبر حسابه على "فيسبوك"، قائلا: "من لم يشارك في فعاليات الثورة، يريد اليوم إعادة كتابة تاريخها"، معتبرا الخطوة فيها "مزيدا من تقسيم التونسيين في الوقت الذي هم في أمس الحاجة إلى توحيد جهودهم لتجاوز..أزمة طالت أكثر من اللزوم".

إعادة هندسة المشهد

ويعتبر البعض أن قرار تغيير تاريخ الثورة هو إعادة لهندسة المشهد وفق أهواء وإرادة فردية وشخصية حيث أكّد القيادي المستقيل من حركة النهضة سمير ديلو أنّ قيس سعيد يكرّس لحُكم الفرد.

وقال مؤخرا في تصريح إذاعي إن الرئيس قيس سعيد ''يسير في خط اسمه تركيز وشرعنة حُكم الفرد''. وأوضح أنّ حكم الفرد يقوم على الإرادة المُنفردة للشخص الواحد ويُعيد هندسة المشهد.

م.ي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews