كان المشهد السياسي في تونس ما بعد ثورة 2011 متحولا والخارطة الحزبية أشبه بفسيفساء حزبية بعد أن تبع انفجار الثورة انفجار حزبي واسع وغير مسبوق، نزّله البعض في سياق تفعيل مكسب الحرية في تونس ما بعد منظومة بن علي "الديكتاتورية" ليتطور عدد الأحزاب من تسعة سنة 2010 تفرد فيها التجمع الدستوري الديمقراطي بالحكم والقرار فيما ظل البقية مجرد "ديكور" أو تابع في المشهد السياسي آنذاك ليصل حاليا عدد الأحزاب إلى 236 حزبا حاصلا على تراخيص، وفق تأكيد مصالح العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني برئاسة الحكومة لـ"الصباح". ورغم التعدد والاختلاف إلا أنها لم تخرج في مجملها من حيث التوجهات الفكرية والسياسية عن "العائلات" الليبرالية واليسارية والإسلامية والقومية والعربية وبعضها الآخر وعدده قليل بيئي.
لكن رغم التعددية الحزبية والطفرة السياسية والجمعياتية التي ميزت المشهد السياسي في تونس خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أنها لم تخرج عن الشكل الذي كان عليه الوضع خلال العقود السابقة، إذ برزت حركة النهضة كحزب سياسي فاعل ومسيطر على دائرة الحكم والقرار مع تبعية عدد قليل من الأحزاب الأخرى تختلف في توجهاتها حسب السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي سبقت المحطات الانتخابية التي عرفتها بلادنا في المناسبات الثلاث خلال هذا العقد من تاريخ تونس المعاصر.
واقع متحرك
رغم الطفرة الكبيرة لعدد الأحزاب سواء منها تلك التي انبثقت أو "توالدت" عن أحزاب ما قبل الثورة وأساسا منها التجمع الدستوري الديمقراطي أو غيرها من الأحزاب الأخرى على نحو جعلت واقع هذه الأحزاب يتسم بالتشرذم والتباين في موازين القوى الذي يصنعه التموقع والفاعلية في المشهد السياسي وهو بدوره يرتكز على مدى "شعبية" تلك الأحزاب والتيارات والحركات السياسية، فإن واقعها تميز بـ"التموج" والتحرك مع الانخراط في ظواهر جديدة من قبيل التحالفات والجبهات والائتلافات مقابل أفول واندثار "أجسام" حزبية أخرى في ظرف وجيز.
ولعبت هذه العوامل دورها في التأثير على مدى قوة وفاعلية هذه الأحزاب خلال السنوات العشر الأخيرة. وحركة النهضة صاحبة أكبر عدد من المقاعد في انتخابات أكتوبر 2011 اختارت الدخول في تحالفات تكونت من "ترويكا" النهضة والتكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية. وهي انتخابات سجلت حصول حزب العريضة الشعبية على ثالث ترتيب في عدد المقاعد بالمجلس. لتواصل الحركة المحافظة على موقعها في المشهد السياسي وتحديدا في دائرة الحكم بعد الفوز في انتخابات 2014 بالمركز الثاني بالحصول على 69 مقعدا بعد نجاح حزب "نداء تونس" الفتي الذي تأسس سنة 2012 الذي تحصل على 86 مقعدا في نفس الانتخابات ساهمت في إنجاحه عدة عوامل لعل أبرزها اجتماع القوى المدنية والليبرالية والناشطين في المجتمع المدني على مبدأ التصدي للإسلام السياسي وما شكله في تلك الفترة من خطر على "الهوية" والحريات والاستقرار والأمن وما رافق تلك المرحلة من "حرب" سياسية خلفت اغتيالات وعدة عمليات إرهابية فضلا عن الجدل الذي خلفته عملية كتابة دستور الجمهورية الثانية.
لكن سريعا ما تهاوى "النداء" بعد دخوله في "توافق" على الحكم مع حركة النهضة ليدخل على خط الانقسام والتصدع والانشقاقات والتحلل بعد أن دبت في صفوفه الصراعات "الزعاماتية" ليتفجر بدوره إلى أحزاب وتنظيمات سياسية أخرى، وهي نفس المنعرج الانتخابي الذي سجل دخول "اليسار" إلى مواقع القرار بعد توحد قرابة عشرة أحزاب في تكوين "الجبهة الشعبية لتفوز بـ15 مقعدا في البرلمان. فعدد كبير من الأحزاب أسسها أبناء التجمع الديمقراطي على غرار "المبادرة" الذي ترأسه كمال مرجان وحزب "الوطن" لمحمد جغام و"العدالة والحرية" لسهيل الصالحي إضافة إلى الحزب الدستوري الحر الذي جمع قياديين وناشطين في العائلة الدستورية أيضا.
فعدد كبير من الأحزاب لم تتحصل على تراخيص للنشاط والعمل إلا بعد ثورة 2011 رغم إعلام تقديمها مطالب في الغرض في السنوات السابقة على غرار حركتي النهضة والبعث والكرامة والمساواة.
انشقاقات وتصدعات
عكست نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 الواقع الحزبي والسياسي في تونس بعد أن أصبحت ثقافة التحالف والتجمعات واقعا وحقيقة سياسية في الوقت الذي كان هذا العامل سببا "أسقط" حليفي النهضة وشريكيها السابقين في الحكم أي التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية من خيارات القواعد الشعبية في الانتخابات. لكن تلك الحقيقة لم تدم طويلا إذ سريعا ما بدأت التشققات والتصدعات تنخر هذه "الأجسام" السياسية المجتمعة، كانت البداية بانهيار بناء "النداء" قبل نهاية المدة النيابية وكذلك الشأن بالنسبة للجبهة الشعبية بسبب الصراع على "الزعماتية" سواء تعلق الأمر بداء تونس أو غيرها من الأحزاب "الكلاسيكية" اليسارية واليبرالية وغيره. وهي عوامل ومعطيات "هزت عرش جل مكونات المشهد السياسي في تلك الفترة في المقابل شكلت عوامل أخرى خادمة لحركة النهضة لتستغلها في موصلة تنفيذ مشروعها وأجنداتها على مستويين وطني ودولي في محاولة لتغيير إستراتيجية الدولة الدبلوماسية لتعزز قبضتها على "المنظومة" والحكم في الداخل وتروج لصورتها كحزب سياسي ديمقراطي.
هشاشة وسطحية
بالعودة إلى البحث في الخارطة الحزبية لتونس في السنوات العشر الأخيرة يتبين المتابع أن المشهد كان متحولا من حيث سرعة ظهور وتأسيس أحزاب منها ما يعمل ويتميز بصيت وطني ودولي وأحزاب أخرى لا يتجاوز نشاطها وصداها الإطار الجهوي أو المحلي الضيق. ليطرح ذلك مسائل أخرى على غرار علاقتها بالأجندات الداخلية والخارجية.
لتكشف نتائج انتخابات 2019 مدى هشاشة الأحزاب المكونة للمشهد السياسي بعد أن أثبتت كلها عدم امتلاك أي برنامج واضح المعالم أو رؤية وأهداف وطنية كفيلة بتقديم حلول ورؤى تدفع لتطوير آليات عمل الدولة وتستجيب في أبعادها وأهدافها لانتظارات المواطنين واستحقاقاتهم. ليلعب عامل التشرذم أيضا واختلاف الرؤى والأهداف لكل هذه الأحزاب في توسيع دائرة الصراعات ليسرع بتآكل وتفكك النسيج الحزبي سواء منه المكون للمنظومة الحاكمة، والتي أكدت نفس سياسة النهضة صاحبة أعلى عدد من المقاعد في البرلمان في الانتخابات التشريعية الأخيرة بالمراهنة على التحالفات مع كل من ائتلاف الكرامة والحزب الفتي الآخر "قلب تونس" الذي تم تأسيسه على أنقاض "حزب السلام الاجتماعي".
وقد لعبت نفس العوامل في ولادة وبروز أحزاب سياسية من محطة انتخابية للأخرى خلال نفس الفترة، فبعد التكتل والمؤتمر في انتخابات أكتوبر 2011 برز النداء في 2014 ثم "قلب تونس" و"الدستوري الحر" في الانتخابات الأخيرة ليكون البديلين المناهضين للحزب الممثل للإسلام السياسي. لتؤكد سياسة النهضة مرة أخرى أنها عامل لأفول الأحزاب التي دخلت في تحالف مع النهضة ليكون مآل "قلب تونس" وائتلاف الكرامة ما آل إليه وضع الأحزاب الأخرى في السنوات السابقة رغم انه لم يمض على الانتخابات الخيرة سوى سنتين.
فجل الأحزاب التي تم تأسيسها خلال العشرية الأخيرة لم تستطع الصمود أمام الهزات السياسية والاجتماعية التي عرفتها الدولة خلال هذا العقد. الأمر الذي أكد ما ذهبت إليه عديد القراءات كون هذه "الفقاقيع" الحزبية التي كانت في مجملها أقرب إلى "دكاكين" محدودة الهدف ودون برامج واضحة سريعة الانفجار والأفول من المشهد السياسي ساهم في تكريس هذه الهشاشة والتحول وأدى إلى انتشار ثقافة السياحة الحزبية. وهي ظاهرة ساهمت في ترذيل العمل السياسي والحزبي بالأساس خاصة أن البعض وصف النواب المنتقلين إلى أحزاب وكتل أخرى بـ"النعاج"، ثم أن بعض الأحزاب السياسية قدمت مقترحات قوانين لمنع هذه السياحة الحزبية. فعدد كبير من الأحزاب أفلت سواء عن طريق إعلان حل نفسها أو الغياب الكلي عن المشهد والخارطة والاكتفاء بالنشاط المحلي بعد مغادرة بعض القياديين فيها أو أعضائه الحزب. فكانت هذه الهشاشة وانعدام توفر أي مشروع أو برنامج هادف وواضح دوره في نجاح حراك 25 جويلية في إيقاف عجلة المنظومة السابقة. الأمر الذي دفع عديد الأحزاب للبحث عن محاولات إعادة ترتيب الأوراق والتموضع في المشهد السياسي اليوم استعداد للاستحقاق الانتخابي القادم.
إذ لم يكن واقع المشهد الحزبي مختلفا عن وضع الجمعيات التي كانت مصدر نشاط و"غذاء" عديد الأحزاب إذ تجاوز عددها 24141 جمعية.
ويذكر أن تقرير محكمة المحاسبات الخاص بانتخابات 2019 أكد أن عديد الأحزاب منخرطة في التجاوزات المسجلة من قبل بعض الأحزاب في نفس الانتخابات.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
كان المشهد السياسي في تونس ما بعد ثورة 2011 متحولا والخارطة الحزبية أشبه بفسيفساء حزبية بعد أن تبع انفجار الثورة انفجار حزبي واسع وغير مسبوق، نزّله البعض في سياق تفعيل مكسب الحرية في تونس ما بعد منظومة بن علي "الديكتاتورية" ليتطور عدد الأحزاب من تسعة سنة 2010 تفرد فيها التجمع الدستوري الديمقراطي بالحكم والقرار فيما ظل البقية مجرد "ديكور" أو تابع في المشهد السياسي آنذاك ليصل حاليا عدد الأحزاب إلى 236 حزبا حاصلا على تراخيص، وفق تأكيد مصالح العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني برئاسة الحكومة لـ"الصباح". ورغم التعدد والاختلاف إلا أنها لم تخرج في مجملها من حيث التوجهات الفكرية والسياسية عن "العائلات" الليبرالية واليسارية والإسلامية والقومية والعربية وبعضها الآخر وعدده قليل بيئي.
لكن رغم التعددية الحزبية والطفرة السياسية والجمعياتية التي ميزت المشهد السياسي في تونس خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أنها لم تخرج عن الشكل الذي كان عليه الوضع خلال العقود السابقة، إذ برزت حركة النهضة كحزب سياسي فاعل ومسيطر على دائرة الحكم والقرار مع تبعية عدد قليل من الأحزاب الأخرى تختلف في توجهاتها حسب السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي سبقت المحطات الانتخابية التي عرفتها بلادنا في المناسبات الثلاث خلال هذا العقد من تاريخ تونس المعاصر.
واقع متحرك
رغم الطفرة الكبيرة لعدد الأحزاب سواء منها تلك التي انبثقت أو "توالدت" عن أحزاب ما قبل الثورة وأساسا منها التجمع الدستوري الديمقراطي أو غيرها من الأحزاب الأخرى على نحو جعلت واقع هذه الأحزاب يتسم بالتشرذم والتباين في موازين القوى الذي يصنعه التموقع والفاعلية في المشهد السياسي وهو بدوره يرتكز على مدى "شعبية" تلك الأحزاب والتيارات والحركات السياسية، فإن واقعها تميز بـ"التموج" والتحرك مع الانخراط في ظواهر جديدة من قبيل التحالفات والجبهات والائتلافات مقابل أفول واندثار "أجسام" حزبية أخرى في ظرف وجيز.
ولعبت هذه العوامل دورها في التأثير على مدى قوة وفاعلية هذه الأحزاب خلال السنوات العشر الأخيرة. وحركة النهضة صاحبة أكبر عدد من المقاعد في انتخابات أكتوبر 2011 اختارت الدخول في تحالفات تكونت من "ترويكا" النهضة والتكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية. وهي انتخابات سجلت حصول حزب العريضة الشعبية على ثالث ترتيب في عدد المقاعد بالمجلس. لتواصل الحركة المحافظة على موقعها في المشهد السياسي وتحديدا في دائرة الحكم بعد الفوز في انتخابات 2014 بالمركز الثاني بالحصول على 69 مقعدا بعد نجاح حزب "نداء تونس" الفتي الذي تأسس سنة 2012 الذي تحصل على 86 مقعدا في نفس الانتخابات ساهمت في إنجاحه عدة عوامل لعل أبرزها اجتماع القوى المدنية والليبرالية والناشطين في المجتمع المدني على مبدأ التصدي للإسلام السياسي وما شكله في تلك الفترة من خطر على "الهوية" والحريات والاستقرار والأمن وما رافق تلك المرحلة من "حرب" سياسية خلفت اغتيالات وعدة عمليات إرهابية فضلا عن الجدل الذي خلفته عملية كتابة دستور الجمهورية الثانية.
لكن سريعا ما تهاوى "النداء" بعد دخوله في "توافق" على الحكم مع حركة النهضة ليدخل على خط الانقسام والتصدع والانشقاقات والتحلل بعد أن دبت في صفوفه الصراعات "الزعاماتية" ليتفجر بدوره إلى أحزاب وتنظيمات سياسية أخرى، وهي نفس المنعرج الانتخابي الذي سجل دخول "اليسار" إلى مواقع القرار بعد توحد قرابة عشرة أحزاب في تكوين "الجبهة الشعبية لتفوز بـ15 مقعدا في البرلمان. فعدد كبير من الأحزاب أسسها أبناء التجمع الديمقراطي على غرار "المبادرة" الذي ترأسه كمال مرجان وحزب "الوطن" لمحمد جغام و"العدالة والحرية" لسهيل الصالحي إضافة إلى الحزب الدستوري الحر الذي جمع قياديين وناشطين في العائلة الدستورية أيضا.
فعدد كبير من الأحزاب لم تتحصل على تراخيص للنشاط والعمل إلا بعد ثورة 2011 رغم إعلام تقديمها مطالب في الغرض في السنوات السابقة على غرار حركتي النهضة والبعث والكرامة والمساواة.
انشقاقات وتصدعات
عكست نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 الواقع الحزبي والسياسي في تونس بعد أن أصبحت ثقافة التحالف والتجمعات واقعا وحقيقة سياسية في الوقت الذي كان هذا العامل سببا "أسقط" حليفي النهضة وشريكيها السابقين في الحكم أي التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية من خيارات القواعد الشعبية في الانتخابات. لكن تلك الحقيقة لم تدم طويلا إذ سريعا ما بدأت التشققات والتصدعات تنخر هذه "الأجسام" السياسية المجتمعة، كانت البداية بانهيار بناء "النداء" قبل نهاية المدة النيابية وكذلك الشأن بالنسبة للجبهة الشعبية بسبب الصراع على "الزعماتية" سواء تعلق الأمر بداء تونس أو غيرها من الأحزاب "الكلاسيكية" اليسارية واليبرالية وغيره. وهي عوامل ومعطيات "هزت عرش جل مكونات المشهد السياسي في تلك الفترة في المقابل شكلت عوامل أخرى خادمة لحركة النهضة لتستغلها في موصلة تنفيذ مشروعها وأجنداتها على مستويين وطني ودولي في محاولة لتغيير إستراتيجية الدولة الدبلوماسية لتعزز قبضتها على "المنظومة" والحكم في الداخل وتروج لصورتها كحزب سياسي ديمقراطي.
هشاشة وسطحية
بالعودة إلى البحث في الخارطة الحزبية لتونس في السنوات العشر الأخيرة يتبين المتابع أن المشهد كان متحولا من حيث سرعة ظهور وتأسيس أحزاب منها ما يعمل ويتميز بصيت وطني ودولي وأحزاب أخرى لا يتجاوز نشاطها وصداها الإطار الجهوي أو المحلي الضيق. ليطرح ذلك مسائل أخرى على غرار علاقتها بالأجندات الداخلية والخارجية.
لتكشف نتائج انتخابات 2019 مدى هشاشة الأحزاب المكونة للمشهد السياسي بعد أن أثبتت كلها عدم امتلاك أي برنامج واضح المعالم أو رؤية وأهداف وطنية كفيلة بتقديم حلول ورؤى تدفع لتطوير آليات عمل الدولة وتستجيب في أبعادها وأهدافها لانتظارات المواطنين واستحقاقاتهم. ليلعب عامل التشرذم أيضا واختلاف الرؤى والأهداف لكل هذه الأحزاب في توسيع دائرة الصراعات ليسرع بتآكل وتفكك النسيج الحزبي سواء منه المكون للمنظومة الحاكمة، والتي أكدت نفس سياسة النهضة صاحبة أعلى عدد من المقاعد في البرلمان في الانتخابات التشريعية الأخيرة بالمراهنة على التحالفات مع كل من ائتلاف الكرامة والحزب الفتي الآخر "قلب تونس" الذي تم تأسيسه على أنقاض "حزب السلام الاجتماعي".
وقد لعبت نفس العوامل في ولادة وبروز أحزاب سياسية من محطة انتخابية للأخرى خلال نفس الفترة، فبعد التكتل والمؤتمر في انتخابات أكتوبر 2011 برز النداء في 2014 ثم "قلب تونس" و"الدستوري الحر" في الانتخابات الأخيرة ليكون البديلين المناهضين للحزب الممثل للإسلام السياسي. لتؤكد سياسة النهضة مرة أخرى أنها عامل لأفول الأحزاب التي دخلت في تحالف مع النهضة ليكون مآل "قلب تونس" وائتلاف الكرامة ما آل إليه وضع الأحزاب الأخرى في السنوات السابقة رغم انه لم يمض على الانتخابات الخيرة سوى سنتين.
فجل الأحزاب التي تم تأسيسها خلال العشرية الأخيرة لم تستطع الصمود أمام الهزات السياسية والاجتماعية التي عرفتها الدولة خلال هذا العقد. الأمر الذي أكد ما ذهبت إليه عديد القراءات كون هذه "الفقاقيع" الحزبية التي كانت في مجملها أقرب إلى "دكاكين" محدودة الهدف ودون برامج واضحة سريعة الانفجار والأفول من المشهد السياسي ساهم في تكريس هذه الهشاشة والتحول وأدى إلى انتشار ثقافة السياحة الحزبية. وهي ظاهرة ساهمت في ترذيل العمل السياسي والحزبي بالأساس خاصة أن البعض وصف النواب المنتقلين إلى أحزاب وكتل أخرى بـ"النعاج"، ثم أن بعض الأحزاب السياسية قدمت مقترحات قوانين لمنع هذه السياحة الحزبية. فعدد كبير من الأحزاب أفلت سواء عن طريق إعلان حل نفسها أو الغياب الكلي عن المشهد والخارطة والاكتفاء بالنشاط المحلي بعد مغادرة بعض القياديين فيها أو أعضائه الحزب. فكانت هذه الهشاشة وانعدام توفر أي مشروع أو برنامج هادف وواضح دوره في نجاح حراك 25 جويلية في إيقاف عجلة المنظومة السابقة. الأمر الذي دفع عديد الأحزاب للبحث عن محاولات إعادة ترتيب الأوراق والتموضع في المشهد السياسي اليوم استعداد للاستحقاق الانتخابي القادم.
إذ لم يكن واقع المشهد الحزبي مختلفا عن وضع الجمعيات التي كانت مصدر نشاط و"غذاء" عديد الأحزاب إذ تجاوز عددها 24141 جمعية.
ويذكر أن تقرير محكمة المحاسبات الخاص بانتخابات 2019 أكد أن عديد الأحزاب منخرطة في التجاوزات المسجلة من قبل بعض الأحزاب في نفس الانتخابات.