لا يزال شق كبير من مكونات المشهد السياسي في تونس لم يستوعب بعد تداعيات سياسته في التعاطي مع القضايا والمسائل الوطنية والسياسية سواء قبل 25 جويلية أو بعدها. لتواصل بذلك تقديم "الخدمات المجانية" لقيس سعيد وتدفعه ليواصل تغوله وتعنته والمضي قُدُما في تنفيذ وتفعيل مشروعه وخياراته دون مبالاة بانتقاداتهم وتحركاتهم.
فلم تنجح كل محاولات هؤلاء رغم تعدد المبادرات والجبهات والتجمعات والائتلافات المناهضة لقرارات وتوجه رئيس الجمهورية منذ يوم الاحتفال بذكرى عيد الجمهورية الماضي إلى اليوم في زحزحة سعيد أو الوقوف صدا ضد قراراته وإجباره على التراجع وقبول تشريكهم في القرارات وصياغة برنامج المرحلة القادمة ومناقشة القضايا والملفات الحارقة رغم مطالبهم العديدة المرفوعة في الغرض. والعامل الكبير الذي شجع سعيد في سياسة اللامبالاة بالطبقة السياسية وغيرها من المنظمات والهياكل الوطنية والمهنية والمدنية هو رفض شق واسع من المواطنين لجل مكونات المشهد السياسي بجميع أطيافهم وتوجهاتهم وتحميلهم مسؤولية الأزمات المتراكمة وما آلت إليه الأوضاع المتردية على جميع المستويات، سواء أكانت هذه الأسماء والأحزاب والحركات طرفا فاعلا وشريكا في المنظومة الحاكمة خلال السنوات العشر الأخيرة أو في المعارضة.
فلم يتجاوز "وهج" هذه المبادرات الإطار السياسي الضيق الذي تتركب منه ليكون مآله الأفول سريعا. وهو ما كان سببا لتعدد مثل هذه المبادرات على غرار الجبهة الوطنية التي تتكون من أربعة أحزاب وهي الاتحاد الشعبي الجمهوري وحراك تونس الإرادة والإرادة الشعبية وحركة وفاء ثم الجبهة التي تضم كل من أحزاب التكتل والتيار الديمقراطي والجمهوري وآفاق تونس إضافة إلى مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" التي تضم ثلة من المعارضين لسياسية رئيس الجمهورية والرافضين لقرارات 25 جويلية على اعتبار أن ذلك يعد انقلابا والذي تقف وراءه عدة أحزاب وشخصيات مدنية وسياسية بعضها كان فاعلا في الدولة.
ليلتحق بقائمة لتنظيمات مبادرة جديدة تم الإعلان عن تأسيسها أول أمس يتمثل في "اللقاء الوطني للإنقاذ" الذي يضم 14 شخصية تتوزع بين نواب من البرلمان المجدة اختصاصاته وسياسيين وغيرهم نذكر من بينهم كل عياض اللومي وحسونة الناصفي وأحمد نجيب الشابي ومصطفى بن أحمد وطارق الفتيتي وأمال الورتتاني وغازي معلى وعصام الشابي وفوزي عبدالرحمان وغيرهم.
عديد المؤشرات والمعطيات تبين أن كل هذه المبادرات والتنظيمات والجبهات سوف لن تحقق المرجو والمنشود لأصحابها والجهات التي تقف وراءها والداعمة لها، من المعارضين لرئيس الجمهورية بالقدر الذي تلعبه في دعم سعيد وتشجيعه على مواصلة التفرد في التموقع في المشهد السياسي. فجل الأسماء العناوين الممثلة للتحركات و"التجمعات" الرافضة لمسار تونس ما بعد 25 جويلية إلى اليوم قد لفظها الشعب ومل خطاباتها المألوفة خاصة أنها ظلت تردد نفس "الخطاب" ولم تقدم أي مشروع أو برنامج اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي حامل للحلول العملية وقادر على إقناع التونسيين وشدهم رغم اختلاف مسيرة الانتماء الحزبي لأي سياسي من هؤلاء الذي يعرضون خدماتهم داخل هذه المبادرات ويقدمون أنفسهم كبدائل لسعيد وما يحمله من مشروع لم تستقر الآراء حوله بعد، لأن لقاءاتهم لم تكن حول صياغة ووضع برامج واستراتجيات لتقديم الحلول الكفيلة بتجاوز المرحلة الصعبة على جميع الأصعدة بل كان لقاؤهم حول تكرار نفس الأفكار والاصطفافات ضد رئيس الجمهورية في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ تونس، دون سواه. الأمر الذي ساهم في تأزيم الوضع وتوسيع الهوة بين القواعد الشعبية والنخبة السياسية ليتواصل التشرذم والانقسام خاصة أن بعض الأحزاب والحركات والتيارات السياسية استغلت هذه الفترة في البحث عن مقومات عودتها للمشهد السياسي لاسيما بالنسبة للأحزاب المرحبة بتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها وفق ما أعلن عنه رئيس الجمهورية يوم 13 من الشهر الجاري لتكون يوم 17 ديسمبر 2022.
فبعد كل مبادرة جديدة يتعزز موقع سعيد في نتائج سبر الآراء وعبر ردود أفعال الداعمين له عبر شبكات التواصل الاجتماعية، ويكفي التذكير بآخر نتائج عملية سبر "البارومتر السياسي" لشهر ديسمبر صادرة في الغرض مؤسسة سبر الآراء "سيغما كونساي" الذي بيّن مواصلة تصدّر رئيس الجمهورية قيس سعيّد للمرتبة الأولى ضمن الشخصيات السياسية التي تحظى بثقة التونسيين بنسبة 62% تليه كل من نجلاء بودن وعبير موسي 20% لكل منهما.
ففشل هذه المجموعات السياسية في كسب مكانة متقدمة في المشهد السياسي وعدم قدرتها على تحقيق الدعم والحشد الشعبي حولها في مثل هذه المبادرات من شانه أن يساهم في خدمة مشروع خصمهم مهما كانت قيمته وفعاليته في تقديم الحلول للأزمات العديدة التي تتخبط فيها البلاد اليوم. لتتعدد بذلك مزايا هؤلاء إلى ما انفكوا يقدمونها إلى قيس سعيد بطريقة غير مباشرة، لأن كل مبادرة تعزز القواعد الشعبية لتلتف أكثر حول قيس سعيد أو ما يشابهه من المشاريع السياسية الراديكالية التي تقطع مع ما هو متعارف عليه من الأحزاب والسياسيين الكلاسيكيين وغيرهم ممن برزوا وكانوا جزءا من مكونات الحقل السياسي خلال العشرية الأخيرة.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
لا يزال شق كبير من مكونات المشهد السياسي في تونس لم يستوعب بعد تداعيات سياسته في التعاطي مع القضايا والمسائل الوطنية والسياسية سواء قبل 25 جويلية أو بعدها. لتواصل بذلك تقديم "الخدمات المجانية" لقيس سعيد وتدفعه ليواصل تغوله وتعنته والمضي قُدُما في تنفيذ وتفعيل مشروعه وخياراته دون مبالاة بانتقاداتهم وتحركاتهم.
فلم تنجح كل محاولات هؤلاء رغم تعدد المبادرات والجبهات والتجمعات والائتلافات المناهضة لقرارات وتوجه رئيس الجمهورية منذ يوم الاحتفال بذكرى عيد الجمهورية الماضي إلى اليوم في زحزحة سعيد أو الوقوف صدا ضد قراراته وإجباره على التراجع وقبول تشريكهم في القرارات وصياغة برنامج المرحلة القادمة ومناقشة القضايا والملفات الحارقة رغم مطالبهم العديدة المرفوعة في الغرض. والعامل الكبير الذي شجع سعيد في سياسة اللامبالاة بالطبقة السياسية وغيرها من المنظمات والهياكل الوطنية والمهنية والمدنية هو رفض شق واسع من المواطنين لجل مكونات المشهد السياسي بجميع أطيافهم وتوجهاتهم وتحميلهم مسؤولية الأزمات المتراكمة وما آلت إليه الأوضاع المتردية على جميع المستويات، سواء أكانت هذه الأسماء والأحزاب والحركات طرفا فاعلا وشريكا في المنظومة الحاكمة خلال السنوات العشر الأخيرة أو في المعارضة.
فلم يتجاوز "وهج" هذه المبادرات الإطار السياسي الضيق الذي تتركب منه ليكون مآله الأفول سريعا. وهو ما كان سببا لتعدد مثل هذه المبادرات على غرار الجبهة الوطنية التي تتكون من أربعة أحزاب وهي الاتحاد الشعبي الجمهوري وحراك تونس الإرادة والإرادة الشعبية وحركة وفاء ثم الجبهة التي تضم كل من أحزاب التكتل والتيار الديمقراطي والجمهوري وآفاق تونس إضافة إلى مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" التي تضم ثلة من المعارضين لسياسية رئيس الجمهورية والرافضين لقرارات 25 جويلية على اعتبار أن ذلك يعد انقلابا والذي تقف وراءه عدة أحزاب وشخصيات مدنية وسياسية بعضها كان فاعلا في الدولة.
ليلتحق بقائمة لتنظيمات مبادرة جديدة تم الإعلان عن تأسيسها أول أمس يتمثل في "اللقاء الوطني للإنقاذ" الذي يضم 14 شخصية تتوزع بين نواب من البرلمان المجدة اختصاصاته وسياسيين وغيرهم نذكر من بينهم كل عياض اللومي وحسونة الناصفي وأحمد نجيب الشابي ومصطفى بن أحمد وطارق الفتيتي وأمال الورتتاني وغازي معلى وعصام الشابي وفوزي عبدالرحمان وغيرهم.
عديد المؤشرات والمعطيات تبين أن كل هذه المبادرات والتنظيمات والجبهات سوف لن تحقق المرجو والمنشود لأصحابها والجهات التي تقف وراءها والداعمة لها، من المعارضين لرئيس الجمهورية بالقدر الذي تلعبه في دعم سعيد وتشجيعه على مواصلة التفرد في التموقع في المشهد السياسي. فجل الأسماء العناوين الممثلة للتحركات و"التجمعات" الرافضة لمسار تونس ما بعد 25 جويلية إلى اليوم قد لفظها الشعب ومل خطاباتها المألوفة خاصة أنها ظلت تردد نفس "الخطاب" ولم تقدم أي مشروع أو برنامج اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي حامل للحلول العملية وقادر على إقناع التونسيين وشدهم رغم اختلاف مسيرة الانتماء الحزبي لأي سياسي من هؤلاء الذي يعرضون خدماتهم داخل هذه المبادرات ويقدمون أنفسهم كبدائل لسعيد وما يحمله من مشروع لم تستقر الآراء حوله بعد، لأن لقاءاتهم لم تكن حول صياغة ووضع برامج واستراتجيات لتقديم الحلول الكفيلة بتجاوز المرحلة الصعبة على جميع الأصعدة بل كان لقاؤهم حول تكرار نفس الأفكار والاصطفافات ضد رئيس الجمهورية في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ تونس، دون سواه. الأمر الذي ساهم في تأزيم الوضع وتوسيع الهوة بين القواعد الشعبية والنخبة السياسية ليتواصل التشرذم والانقسام خاصة أن بعض الأحزاب والحركات والتيارات السياسية استغلت هذه الفترة في البحث عن مقومات عودتها للمشهد السياسي لاسيما بالنسبة للأحزاب المرحبة بتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها وفق ما أعلن عنه رئيس الجمهورية يوم 13 من الشهر الجاري لتكون يوم 17 ديسمبر 2022.
فبعد كل مبادرة جديدة يتعزز موقع سعيد في نتائج سبر الآراء وعبر ردود أفعال الداعمين له عبر شبكات التواصل الاجتماعية، ويكفي التذكير بآخر نتائج عملية سبر "البارومتر السياسي" لشهر ديسمبر صادرة في الغرض مؤسسة سبر الآراء "سيغما كونساي" الذي بيّن مواصلة تصدّر رئيس الجمهورية قيس سعيّد للمرتبة الأولى ضمن الشخصيات السياسية التي تحظى بثقة التونسيين بنسبة 62% تليه كل من نجلاء بودن وعبير موسي 20% لكل منهما.
ففشل هذه المجموعات السياسية في كسب مكانة متقدمة في المشهد السياسي وعدم قدرتها على تحقيق الدعم والحشد الشعبي حولها في مثل هذه المبادرات من شانه أن يساهم في خدمة مشروع خصمهم مهما كانت قيمته وفعاليته في تقديم الحلول للأزمات العديدة التي تتخبط فيها البلاد اليوم. لتتعدد بذلك مزايا هؤلاء إلى ما انفكوا يقدمونها إلى قيس سعيد بطريقة غير مباشرة، لأن كل مبادرة تعزز القواعد الشعبية لتلتف أكثر حول قيس سعيد أو ما يشابهه من المشاريع السياسية الراديكالية التي تقطع مع ما هو متعارف عليه من الأحزاب والسياسيين الكلاسيكيين وغيرهم ممن برزوا وكانوا جزءا من مكونات الحقل السياسي خلال العشرية الأخيرة.