إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سعيد يغير خطابه.. إستراتيجية ظرفية أم سياسة اضطرارية؟

 
 
تونس-الصباح
بكلمات متفائلة وخالية من التحريض والوعيد خاطب الرئيس قيس سعيد التونسيين بكل هدوء ليدعوهم على غير العادة للوحدة والتضامن ونبذ الخلافات والاستعداد للبناء المشترك.
كلمات الرئيس التي افتتح بها أول أمس اجتماع مجلس الأمن القومي سويعات قليلة بعد الحريق الذي اندلع بالمقر المركزي لحركة النهضة بالعاصمة لئن شكلت مدخلا عند البعض للتهدئة والتقليل من منسوب العنف الرمزي ولافتتاح حياة سياسية جديدة دون تشنج، فإنها مثلت للبعض الآخر تخوفا من أن تكون كلماته تلك مجرد انحناءة حتى تمر العاصفة في ظل الضغط العالي الداخلي والخارجي الذي تعيشه تونس منذ أكثر من سنتين لتزيد تأثيراته بعد إعلان الإجراءات الاستثنائية يوم 25 جويلية الماضي وانقسام الشعب بين قابل ورافض بشدة.
ونقلت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية "على أن الدولة التونسية واحدة وقائمة بمؤسساتها وستظل آمنة وقوية وتعمل وفق القانون، وحث التونسيات والتونسيين على عدم الانسياق وراء الإشاعات من أي طرف كان".
سعيد من خطاب "الهُم".. إلى خطاب "النَحنُ"
 
وأشار رئيس الدولة إلى أن تونس التي تتوفر على كل الإمكانيات بحاجة إلى مشروع اقتصادي واجتماعي يلبي تطلعات الشعب وأن تونس لن تتقدم إلا في ظل قبول الآخر والتنافس النزيه، مشيرا إلى أن الحسابات السياسية الضيقة لا تدوم ولن يبقى إلا من يقوم بعمل ويطبق برنامجا يخرج تونس من وضعها الحالي.
وأكد رئيس الجمهورية "على أن الاختلاف في التصورات والآراء لا يعني انعدام التعايش، وعلى أن الدولة تتسع للجميع والقانون فوق الجميع. ودعا، أيضا، إلى الوحدة بين التونسيين ووضع حد للقضايا التي تبرز بين الحين والآخر حتى يمر المواطن من حالة اليأس إلى حالة الأمل".
كما أعرب رئيس الدولة "عن تمنياته بالشفاء العاجل لجميع المصابين في حادث الحريق الذي جدّ اليوم، وطلب أن تأخذ العدالة مجراها."
 
تفاعلات.. تحول الخطاب
لم يمر اجتماع الرئيس دون أن يحقق أملا متجددا في عيون عدد من السياسيين وفي هذا الإطار قال الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي" بفاصل ساعات قليلة تغيرت مفردات خطاب رئيس الجمهورية من الاتهام والوعيد وتقسيم التونسيين عند اجتماعه بـ"خبراء القانون الدستوري" إلى التأكيد على قواسم العيش المشترك ووحدة التونسيين ودولتهم رغم الاختلاف والتنوع عند إشرافه على اجتماع "مجلس الأمن القومي ".
وعن سؤال ماذا حدث؟ قال الشابي "لا يهم كثيرا بقدر ما يهمنا تحويل الخطاب "الجديد" إلى واقع بوضع حد لحالة الاستثناء والعودة إلى المسار الدستوري وفتح قنوات الحوار والتواصل مع الشركاء في الوطن للبحث عن حلول لأزمة طالت أكثر من اللزوم وباتت تهدد اقتصادنا بالانهيار وهياكل الدولة ومؤسساتها بالتفكك ".
وفي تعليقه على تحول الخطاب وفارق التوقيت بين اجتماع سعيد بمجموعة أساتذة القانون الدستوري واجتماعه بقيادة مجلس الأمن القومي اعتبر الكاتب والمحلل السياسي عبد الرزاق حاج مسعود أن "الاجتماع جاء على عجل" وان من بين الملاحظات التغيير الواضح "بين خطاب الرئيس "العشية" مع شلة القانون واجتماعه مع مجلس الأمن القومي بعد ساعات قليلة وفارق جوهري وجذري في اللهجة والمضمون من التهديد إلى خطاب التهدئة والوحدة والتعايش."
وتساءل حاج مسعود "ما الذي حدث ليعقد الرئيس اجتماعا على أعلى مستوى فيه نقطة وحيدة وهو حريق في مقر النهضة أغلب التحاليل نفت عنه الطابع الإجرامي والسياسي ويعني انه حادث عادي يقع يوميا في أي منزل أو إدارة فلماذا استعمل الرئيس حدثا غير سياسي ليوجه كلاما سياسيا مفاجئا جدا لأنصاره وخصومه؟
وختم بالقول ''إن الخطاب قابل لتأويلات سياسية متناقضة. لكنها ستظل تأويلات في انتظار قرارات سبق للرئيس نفسه أن لوّح بها بنبرة تهديد."
 
الانحناء حتى تمر العاصفة
وبعيدا عن دعوات السياسيين بدوام موفور الاستقرار وعلى أهمية الخطوة الرئاسية في ضمان التهدئة والعودة الى خطاب التعقل فان ذلك لم يمنع البعض من اعتبار أن ما أتاه سعيد ما هو إلا محاولة للتقليل من حجم الضغط المسلط عليه حيث اتبع الرئيس سياسة الانحناء حتى تمر العاصفة بعد أن أججها سعيد بالتحريض على البرلمان والنواب والدستور.
وفي هذا الإطار قال رئيس المكتب التنفيذي لحزب الأمل وعضو حراك مواطنون ضد الانقلاب رضا بلحاج ان ما قاله سعيد أمام مجلس الأمن القومي ما هو الا نتيجة ضغط الشارع الذي دعا إلى تحركات كبرى يوم 17 ديسمبر للرد على الانقلاب وإجراءاته التعسفية وممارساته غير الدستورية. وأضاف بلحاج انه لا يمكن الاطمئنان لخطاب سعيد ما لم يكن متبوعا بإجراءات عملية على غرار رفع حالة الاستثناء وعودة البرلمان والتأكيد على حوار وطني جامع لكل الفرقاء.
ضغط الداخل.. ومأزق الخارج
وإذا كان للتحاليل والقراءات منطقها فان للواقع السياسي منطقه أيضا، إذ لا يمكن الحديث عن تراجع حدة الرئيس دون الإشارة إلى جملة التطورات الداخلية والخارجية.
أولى معطيات الضغط تؤكدها الوحدة التي يمر بها قيس سعيد بعد أن خسر آخر حلفائه وتنكر حركة الشعب له وقفزها في مركب الاتحاد العام التونسي للشغل الذي رفع لواء المعارضة عاليا وأضحى أبرز معارضي سعيد بعد أن كانت المنظمة الشغيلة تساند إجراءات 25جويلية.
وقد أكد القيادي بالاتحاد الشغل سامي الطاهري أمس الأول من مدينة جندوبة "ايا كان المنقذ وايا كانت شرعيته فإن دستور 2014 كتب بالدم والتاريخ ليس لحظة أو يوما أو موعدا عابرا فالتاريخ لا يكتب عنادا أو مغالبة أو تعسفا .''
يحصل كل ذلك مع إضافة العنصر الاجتماعي والقلق الشعبي المسجل نتيجة تباطؤ الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية مما ولد حالة من القلق المتنامي لدى عموم التونسيين وهو ما أشار إليه سعيد خلال اجتماع أمس.
كما تعيش الإدارة التونسية حالة من الغليان بعد إقرار إجبارية التلقيح على الموظفين وهو ما خلق حالة من الاحتقان داخل عدد كبير من الإدارات التونسية.
ولم تكن ضغوطات الخارج بعيدة بعد الانحباس الاقتصادي وتراجع الشركاء التقليديين لتونس عن دعم الميزانية واشتراطهم التطبيع الديمقراطي وعودة الحياة السياسية إلى مجراها العادي.
 
خليل الحناشي
 
 
 سعيد يغير خطابه.. إستراتيجية ظرفية أم سياسة اضطرارية؟
 
 
تونس-الصباح
بكلمات متفائلة وخالية من التحريض والوعيد خاطب الرئيس قيس سعيد التونسيين بكل هدوء ليدعوهم على غير العادة للوحدة والتضامن ونبذ الخلافات والاستعداد للبناء المشترك.
كلمات الرئيس التي افتتح بها أول أمس اجتماع مجلس الأمن القومي سويعات قليلة بعد الحريق الذي اندلع بالمقر المركزي لحركة النهضة بالعاصمة لئن شكلت مدخلا عند البعض للتهدئة والتقليل من منسوب العنف الرمزي ولافتتاح حياة سياسية جديدة دون تشنج، فإنها مثلت للبعض الآخر تخوفا من أن تكون كلماته تلك مجرد انحناءة حتى تمر العاصفة في ظل الضغط العالي الداخلي والخارجي الذي تعيشه تونس منذ أكثر من سنتين لتزيد تأثيراته بعد إعلان الإجراءات الاستثنائية يوم 25 جويلية الماضي وانقسام الشعب بين قابل ورافض بشدة.
ونقلت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية "على أن الدولة التونسية واحدة وقائمة بمؤسساتها وستظل آمنة وقوية وتعمل وفق القانون، وحث التونسيات والتونسيين على عدم الانسياق وراء الإشاعات من أي طرف كان".
سعيد من خطاب "الهُم".. إلى خطاب "النَحنُ"
 
وأشار رئيس الدولة إلى أن تونس التي تتوفر على كل الإمكانيات بحاجة إلى مشروع اقتصادي واجتماعي يلبي تطلعات الشعب وأن تونس لن تتقدم إلا في ظل قبول الآخر والتنافس النزيه، مشيرا إلى أن الحسابات السياسية الضيقة لا تدوم ولن يبقى إلا من يقوم بعمل ويطبق برنامجا يخرج تونس من وضعها الحالي.
وأكد رئيس الجمهورية "على أن الاختلاف في التصورات والآراء لا يعني انعدام التعايش، وعلى أن الدولة تتسع للجميع والقانون فوق الجميع. ودعا، أيضا، إلى الوحدة بين التونسيين ووضع حد للقضايا التي تبرز بين الحين والآخر حتى يمر المواطن من حالة اليأس إلى حالة الأمل".
كما أعرب رئيس الدولة "عن تمنياته بالشفاء العاجل لجميع المصابين في حادث الحريق الذي جدّ اليوم، وطلب أن تأخذ العدالة مجراها."
 
تفاعلات.. تحول الخطاب
لم يمر اجتماع الرئيس دون أن يحقق أملا متجددا في عيون عدد من السياسيين وفي هذا الإطار قال الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي" بفاصل ساعات قليلة تغيرت مفردات خطاب رئيس الجمهورية من الاتهام والوعيد وتقسيم التونسيين عند اجتماعه بـ"خبراء القانون الدستوري" إلى التأكيد على قواسم العيش المشترك ووحدة التونسيين ودولتهم رغم الاختلاف والتنوع عند إشرافه على اجتماع "مجلس الأمن القومي ".
وعن سؤال ماذا حدث؟ قال الشابي "لا يهم كثيرا بقدر ما يهمنا تحويل الخطاب "الجديد" إلى واقع بوضع حد لحالة الاستثناء والعودة إلى المسار الدستوري وفتح قنوات الحوار والتواصل مع الشركاء في الوطن للبحث عن حلول لأزمة طالت أكثر من اللزوم وباتت تهدد اقتصادنا بالانهيار وهياكل الدولة ومؤسساتها بالتفكك ".
وفي تعليقه على تحول الخطاب وفارق التوقيت بين اجتماع سعيد بمجموعة أساتذة القانون الدستوري واجتماعه بقيادة مجلس الأمن القومي اعتبر الكاتب والمحلل السياسي عبد الرزاق حاج مسعود أن "الاجتماع جاء على عجل" وان من بين الملاحظات التغيير الواضح "بين خطاب الرئيس "العشية" مع شلة القانون واجتماعه مع مجلس الأمن القومي بعد ساعات قليلة وفارق جوهري وجذري في اللهجة والمضمون من التهديد إلى خطاب التهدئة والوحدة والتعايش."
وتساءل حاج مسعود "ما الذي حدث ليعقد الرئيس اجتماعا على أعلى مستوى فيه نقطة وحيدة وهو حريق في مقر النهضة أغلب التحاليل نفت عنه الطابع الإجرامي والسياسي ويعني انه حادث عادي يقع يوميا في أي منزل أو إدارة فلماذا استعمل الرئيس حدثا غير سياسي ليوجه كلاما سياسيا مفاجئا جدا لأنصاره وخصومه؟
وختم بالقول ''إن الخطاب قابل لتأويلات سياسية متناقضة. لكنها ستظل تأويلات في انتظار قرارات سبق للرئيس نفسه أن لوّح بها بنبرة تهديد."
 
الانحناء حتى تمر العاصفة
وبعيدا عن دعوات السياسيين بدوام موفور الاستقرار وعلى أهمية الخطوة الرئاسية في ضمان التهدئة والعودة الى خطاب التعقل فان ذلك لم يمنع البعض من اعتبار أن ما أتاه سعيد ما هو إلا محاولة للتقليل من حجم الضغط المسلط عليه حيث اتبع الرئيس سياسة الانحناء حتى تمر العاصفة بعد أن أججها سعيد بالتحريض على البرلمان والنواب والدستور.
وفي هذا الإطار قال رئيس المكتب التنفيذي لحزب الأمل وعضو حراك مواطنون ضد الانقلاب رضا بلحاج ان ما قاله سعيد أمام مجلس الأمن القومي ما هو الا نتيجة ضغط الشارع الذي دعا إلى تحركات كبرى يوم 17 ديسمبر للرد على الانقلاب وإجراءاته التعسفية وممارساته غير الدستورية. وأضاف بلحاج انه لا يمكن الاطمئنان لخطاب سعيد ما لم يكن متبوعا بإجراءات عملية على غرار رفع حالة الاستثناء وعودة البرلمان والتأكيد على حوار وطني جامع لكل الفرقاء.
ضغط الداخل.. ومأزق الخارج
وإذا كان للتحاليل والقراءات منطقها فان للواقع السياسي منطقه أيضا، إذ لا يمكن الحديث عن تراجع حدة الرئيس دون الإشارة إلى جملة التطورات الداخلية والخارجية.
أولى معطيات الضغط تؤكدها الوحدة التي يمر بها قيس سعيد بعد أن خسر آخر حلفائه وتنكر حركة الشعب له وقفزها في مركب الاتحاد العام التونسي للشغل الذي رفع لواء المعارضة عاليا وأضحى أبرز معارضي سعيد بعد أن كانت المنظمة الشغيلة تساند إجراءات 25جويلية.
وقد أكد القيادي بالاتحاد الشغل سامي الطاهري أمس الأول من مدينة جندوبة "ايا كان المنقذ وايا كانت شرعيته فإن دستور 2014 كتب بالدم والتاريخ ليس لحظة أو يوما أو موعدا عابرا فالتاريخ لا يكتب عنادا أو مغالبة أو تعسفا .''
يحصل كل ذلك مع إضافة العنصر الاجتماعي والقلق الشعبي المسجل نتيجة تباطؤ الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية مما ولد حالة من القلق المتنامي لدى عموم التونسيين وهو ما أشار إليه سعيد خلال اجتماع أمس.
كما تعيش الإدارة التونسية حالة من الغليان بعد إقرار إجبارية التلقيح على الموظفين وهو ما خلق حالة من الاحتقان داخل عدد كبير من الإدارات التونسية.
ولم تكن ضغوطات الخارج بعيدة بعد الانحباس الاقتصادي وتراجع الشركاء التقليديين لتونس عن دعم الميزانية واشتراطهم التطبيع الديمقراطي وعودة الحياة السياسية إلى مجراها العادي.
 
خليل الحناشي
 
 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews