تونس-الصباح
"لدينا نقص في صابة الأشجار المثمرة بـ 20%..، ولن نتجاوز هذه السنة 240 ألف طن، كذلك شهدت صابة الزيتون نقصا لدينا تقريبا 200 ألف طن". هذا ما أكده مؤخرا رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار وهذا ما تؤكده جل مؤشرات مساهمة القطاع الفلاحي هذه السنة التي تشهد تراجعا ملحوظا في تغطية عجز الميزانية بعد أن مثلت الفلاحة على امتداد السنوات الأخيرة طوق النجاة بتسجيل مردود إيجابي وموارد من العملة الصعبة من صابات التمور وزيت الزيتون والأشجار المثمرة كالقوارص وغيرها.
تحول الفلاحة من المساهمة الإيجابية إلى الأفق السلبية في اقتصادنا الوطني ليس وليد الصدفة فزيادة على العوامل المناخية والجفاف ونقص الموارد المائية التي عمقت أزمة الفلاح والقطاع في الآونة الأخيرة، تظل سياسات الحكومات المتعاقبة المهملة للفلاحة أبرز الأسباب مع تأخر الإصلاح الزراعي المنشود لتغيير المعادلة بشكل جذري يحول تونس من مورد لحاجياتها من الحبوب وعديد المواد الفلاحية الأخرى إلى مصدر فلاحي بامتياز في كامل المنطقة ودون منافس.
مؤشرات ولقاءات
كشف أيضا المعهد الوطني للإحصاء بداية الأسبوع الجاري عن جملة من المؤشرات حول الوضع الاقتصادي كان للفلاحة نصيبها الأكبر من التراجع. فلم تتجاوز نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الثلاثي الثالث من السنة الجارية 0.3 بالمائة مقارنة بالثلاثي الثالث من سنة 2020.
وأكد المعهد تباينا في أداء الأنشطة الاقتصادية مشيرا إلى أن القيمة المضافة لقطاع الفلاحة والصيد البحري سجلت تراجعا بنسبة 2.6 في المائة بحساب الانزلاق السنوي كما تراجع الإنتاج في أنشطة قطاع الصناعات الفلاحية والغذائية.
وضع مقلق في القطاع الفلاحي ينضاف إلى التحديات التي تواجه حكومة نجلاء بودن مع تنامي حاجتها لتعبئة موارد الميزانية. وتبدو الحكومة على وعي بقيمة القطاع الفلاحي في تحقيق بعض التوازنات ولعل ذلك ما يفسر حرص رئيسة الحكومة على التواصل مع الهياكل الممثلة للفلاحين ولقاءاتها مع رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.
وآخرها بتاريخ 08 نوفمبر الجاري بقصر الحكومة بالقصبة، أين أكدت على اهتمامها بقطاع الفلاحة والمياه والصيد البحري نظرا للدور الهام والاستراتيجي في دفع التنمية.
كما دعت رئيسة الحكومة إلى ضرورة البحث عن أسواق جديدة لتصدير المنتوجات الفلاحية التونسية، وأهمية الشركات الناشئة التي تنشط في المجال الفلاحي، والتي يمكن أن توفر مواطن شغل جديدة للشباب، كما دعت إلى تثمين المنتوج الفلاحي التونسي والتفكير في خلق وحدات إنتاجية لتحويل هذه المنتوجات.
وعود لا تتحقق
لكن حسن النوايا بمفردها لا تكفي لإنقاذ فلاحتنا مما تردت إليه لأن الكثير من الوعود واللقاءات على امتداد السنوات الأخيرة لم تجد طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع حتى الاستبشار سابقا بتولي رؤساء حكومات لهم تكوين فلاحي في الأصل على غرار الحبيب الصيد ويوسف الشاهد لم يجعل الفلاحة على رأس الأوليات إن لم تكن بعض الخيارات وتحديدا في فترة الشاهد ووزير فلاحته سمير بالطيب الذي يواجه اليوم تتبعات عدلية مرتبطة بسوء تصرف وحوكمة إبان إشرافه على وزارة الفلاحة، تقيم الدليل على حجم العبث الذي تمت به إدارة عديد الملفات ومن بينها قطاعات إستراتيجية كانت فرصة تونس الحقيقية للإقلاع على غرار قطاع الفلاحة.
ويطرح هنا سؤال محوري هل تستطيع بودن القيام بما أهمله رؤساء الحكومات المتعاقبين؟
بدا رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري السيد عبد المجيد الزار، متفائلا حين أعتبر أن اللقاء مع رئيسة الحكومة الأخير كان مثمرا وقال خلال حضوره في برنامج إذاعي مؤخرا“..تفاعلت معنا ايجابيا وطلبنا عقد اجتماع للجنة 5+5 لتناول جملة المواضيع التي تهم القطاع وهناك تعاون مع وزارة الفلاحة لإعداد هذه الملفات “.
في المقابل يضيف الزار أنه رغم الوعي والتأكيد المستمر على أن الفلاحة هي الحل ويجب الاهتمام بها لتحقيق الأمن الغذائي "ولكن حقيقة لا يوجد منوال تنمية ورؤية واضحة لاعتماد الفلاحة كمنهج ومخرج لوضعية اقتصادنا..، عادة ما اعتبرت تنمية الفلاحة وكأنها مورد رزق لضعاف الحال”.
وتابع “لا يوجد اهتمام بالفلاحة وهي تتطلب الاهتمام عند البذر والزراعة والغراسة وتوفير الأسمدة.. هذه السنة الأسمدة مفقودة.. الكمية منقوصة جدا بالإضافة إلى غلاء البذور المثبّتة الممتازة الذي تسبب في غلاء الكلفة تقريبا بـ20%”.
وأضاف الزار “في تونس لا ننتج من الفارينة إلا ما بين 5 و6 % من حاجاتنا ..اغلب حاجاتنا موردة .. نورد القمح اللين ولا ننتجه وهو القمح الذي نستخرج منه الفارينة وبخصوص القمح الصلب ننتج تقريبا حوالي 45% من حاجاتنا ولكن بخصوص البذور ككل ننتج 28% من حاجاتنا والبقية موردة.. وهناك هروب من زراعة الحبوب غالى زراعة الأشجار المثمرة لأنها اقل كلفة وهذا إشكال قائم الذات”.
مشاكل بالجملة
ويواجه القطاع الفلاحي مشاكل بالجملة تهدد بانهيار كاملة منظومات الإنتاج وقد أتى آخر بيان صادر عن المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، المنعقد في أكتوبر الفارط على أبرزها من بينها تحذيره من بداية انهيار منظومة الفلاحة البيولوجية بسبب الفساد الذي ينخر كيانها وانعدام المردودية المجزية للفلاح، داعيا إلى إحكام حلقات هذه المنظومة بما يضمن حقوق المنتجين.
ودعا أيضا إلى التخفيض في الكميات الموردة من الزيوت النباتية المدعمة وتوجيه الدعم إلى إنتاجنا من زيت الزيتون وتثمينه والتشجيع على استهلاكه محليا ومنع تصدير الزيت الوقاد وزيت الفيتورة.
كما عبر عن رفضه لسياسة تسقيف الأسعار على حساب الفلاح، داعيا إلى وضع هيكلة للأسعار تضبط كلفة الإنتاج الحقيقية وتضمن هامش ربح مجز للمنتج، كما دعا إلى مزيد التشجيع على التخزين بالضيعة لمقاومة ظاهرة الإتلاف والحد من التكلفة ومن التوريد، وأكد أن هذه الآلية تمثل إحدى حلقات الإنتاج المهمة.
وتضمن البيان التأكيد على الانشغال من تأخر الاستعداد لموسم الزراعات الكبرى والاستياء من الزيادة غير المبررة في أسعار البذور الممتازة مما يعمق خسائر الفلاحين وينفرهم من هذا النشاط.
ومن المشاغل الأخرى النقص الحاد المسجل في الأسمدة، والتجاوزات في توزيعها إلى جانب تفاقم مشاكل قطاع الصيد البحري بسبب غلاء المستلزمات وتدهور مردودية البحارة وعدم جدية السلط المعنية في معالجة ملفات القطاع، على غرار مقاومة الصيد العشوائي وتماديها في غض الطرف عن مطالب المهنة بخصوص تطبيق منظومة مراقبة المراكب بالأقمار الاصطناعية...
برنامج الحكومة
في غياب توضيح الرؤية في علاقة ببرنامج الحكومة المستقبلي على أكثر من صعيد ومن بينها تعاطيها مع ملف الفلاحة وبوصلتها في هذا الاتجاه، يظل الحكم مؤجلا إلى حين عن مدى استجابة بودن لمقترحات أهل المهنة وإيلاء الفلاحة الأهمية والأولوية التي تستحقها. وربما سيكون أول مؤشر للتقييم هو مستوى إدراج هذا القطاع الاستراتيجي في خطة الإنعاش الاقتصادي التي كشف عنها وزير الاقتصاد والتخطيط، سمير سعيد مؤخرا مؤكدا انه سيتم الإعلان عنها قريبا وإنها نتاج عمل تشاركي مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين مبينا أن الوزارة بصدد إعداد هذه الخطة للفترة 2023 ـ 2025، وإنها تندرج في إطار “رؤية 2020 ـ 2035”.
حيث نقلت وكالة تونس إفريقيا للأنباء، عن سعيد تشديده على انه "تم تدارس كل البرامج على المديين القصير والمتوسط، للقيام بالإصلاحات الضرورية بهدف تحسين الوضع الاقتصادي وعلى “ضرورة العودة إلى الإصلاحات الهيكلية، باعتبار أن التوازنات المالية على المدى الطويل لا يمكن أن تتواصل بنفس الطريقة”.
م.ي