مرة أخرى، تثبت حركة النهضة والشق السياسي التابع لها أنهم جميعا لم يستوعبوا الدرس بعد، ولم يقوموا بالمراجعات المطلوبة التي فرضتها التغيرات الراهنة الاجتماعية والسياسية بالأساس، فضلا عن تداعيات التطورات المسجلة على مستويات وطنية وإقليمية وعالمية بما يمكنها من تعديل سياستها في التعاطي مع الوضع في تونس لاسيما في هذه المرحلة الاستثنائية، وهو ما أكده التحرك الأخير لحملة "ضد الانقلاب" بتنظيم وقفة احتجاجية يوم أول أمس الأحد في ساحة باردو وما عرفته من تحشيد شعبي تحت عنوان المطالبة بإنهاء حالة الاستثناء والدفاع عن الشرعية البرلمانية والدستورية، والذي يأتي بعد سلسلة من التحركات بعد ما يقارب أربعة أشهر من تاريخ دخول بلادنا تحت تدابير تسيير استثنائية بقيادة رئاسة الجمهورية بعد جملة القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية الماضي.
فالحركة لازالت تنتهج نفس أسلوب المخاتلة وتبادل الأدوار والمراهنة على توظيف أسماء معينة في الدفاع عن مطالبها وأجنداتها وأهدافها من خارج "دائرتها" الرسمية ومواصلة سياسة الهروب إلى الأمام والتنصل من المسؤولية إضافة إلى حمل نفس الشعارات المرفوعة في مختلف المحطات الاحتجاجية أو غيرها على شبكات التواصل الاجتماعي والصفحات الرسمية لحركة النهضة وغيرها من الأحزاب والسياسيين الموالين لها أو ممن يتقاطعون معها في نفس المواقف، ظلت هي نفسها ولم تتغير لا بل بدت اليوم أكثر وضوحا.
فما يشد الانتباه في هذه الحملة وبشكل مباشر في الوقفة الاحتجاجية الأخيرة هو نوعية "الفاعلين" فيها بشكل علني وهم في مجملهم يمثلون طيفا من السياسيين "الرحّل" ممن عرفوا ولم يعرفوا الاستقرار الحزبي ومثل بعضهم عنوانا بارزا للسياحة الحزبية وفي مقدمتهم سميرة الشواشي التي تتحرك اليوم بصفتها نائب رئيس البرلمان المجمدة اختصاصاته، وبِنَفَس "نهضاوي"، رغم أنها تنتمي لحزب قلب تونس الذي يمر بصعوبات كبيرة. وقد التحقت بهذا الحزب بعد مسيرة حافلة بالمحطات الحزبية منها "الوحدة الشعبية" ثم "المبادرة" فـ"الاتحاد الوطني الحر"، ثم "نداء تونس" وذلك قبل التحاقها بـ"قلب تونس" في 2019.
ولم يقتصر الأمر في مشاركة أسماء سياسية في هذه الحملة على رموز السياحة الحزبية على سميرة الشواشي بل شملت أيضا رضا بالحاج الذي "تمرغ" بدوره في عدة موائد حزبية منها نداء تونس وحزب "أمل" وتقلد عدة مناصب في الدولة في سنوات ما بعد الثورة، إضافة إلى عبد الرؤوف الطبيب الدبلوماسي السابق المحسوب على انتمائه لـ"حزب المؤتمر" من اجل الجمهورية سابقا وحركة النهضة لاحقا وشغل أيضا مستشارا لدى رئاسة الجمهورية في بداية عهدة قيس سعيد الرئاسية، الأمر الذي دفع نقابة السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية إلى إصدار بيان تستنكر فيه ما قام به هذا الأخير في هذه الحملة وتدعو إلى مقاضاته.
كما هو الشأن تقريبا لجوهر بن مبارك الذي كان ينشط في الحقل السياسي ضمن "شبكة دستورنا" بعد ثورة 2011 وتقلد في نفس الفترة مناصب في الدولة وعمل مستشارا للحملة الانتخابية لمحمد عبو في الانتخابات الرئاسية 2019 ويعد من بين المقربين للنهضة. ليكون هؤلاء إلى جانب مجموع من القياديين في نفس الحركة ممن أعلنوا استقالتهم من الحزب بعد 25 جويلية أو قبله باعتبار أن خطة النهضة المتمثلة في المراهنة على الشق المنسحب أو المستقيل للدفاع عنها والمراهنة على ذلك من أجل إخراج الحركة من العزلة التي أوجبتها المرحلة الاستثنائية بعد إجماع الآلاف من المواطنين على أن النهضة التي كانت تمسك بزمام منظومة الحكم خلال السنوات العشرة الأخيرة هي من تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من ترد على جميع المستويات. لنجد في نفس صف هذه الوقفة الداعية إلى العودة إلى مربع ما قبل 25 جويلية بعض هؤلاء المستقيلين على غرار عبد اللطيف المكي وسمير ديلو ويمينة الزغلامي وغيرهم. وهي صور ومشاهد أصبحت مألوفة في مثل هذه التحركات في الشهر الأخيرة ليكون هؤلاء إلى جانب نواب من البرلمان المجمد وفي مقدمتهم نورالدين البحيري.
وهو ما يبين أن النهضة تواصل نفس المنهج الذي يعتمد على مقاربة لم تعد خفية على الجميع وتتمثل في الحكم والتحرك خلف الستار، دون تحمل قياداتها المسؤولية أو المواجهة المباشرة والعمل على التحكم في قواعد وقوانين اللعبة عن بعد ولكن عبر توظيف أسماء منتقاة ممن يبدون أكثر استعدادا "للخدومية".
ولكن مراهنة النهضة في دفاعها عن مشروعها ومسألة بقائها والحفاظ على منظومتها في الحكم يطرح عديد الاستفهامات من قبيل أن قياداتها على يقين بفشل مثل هذه التحركات والمحاولات التي تراهن فيها على "أسماء" لا تحظى بثقة جماهيرية واسعة بسبب تلويناتها الحزبية وعدم الثبات في مواقفها وتاريخ تونس المعاصر والقريب يحفظ ذلك خاصة أن كل الأحزاب والتيارات والشخصيات السياسية وغيرها التي استجابت لطموحات "النهضة" كان مآلها الاندثار والزوال والفشل بدءا بأحزاب "الترويكا" مرورا بنداء تونس وصولا إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد وهشام مشيشي دون اعتبار مآل قلب تونس وائتلاف الكرامة.
إن المراهنة على التحرك خلف الستار هذا يطرح أيضا تخوف النهضاويين من مقاربة العنف والتوجه الإخواني الرافض والمعادي لمدنية الدولية، وهو ما نبهت له عديد القراءات وآراء المتابعين للمشهد السياسي في تونس والعالم، على اعتبار أن نزول النهضة إلى المواجهة المباشرة يكون فيه الاحتكام إلى العنف لا غير مما يعجل بنهايتها.
لذلك كانت المراهنة على مثل هذه النوعية من التحركات تأكيدا على أن النهضة كما السياسيين الموالين لها اليوم ليس لهم أي استعداد للتطور والتغيير ومراجعة سياسيتهم في التعاطي مع الوضعين العام والخاص لاسيما في ظل الأزمات والصعوبات التي تمر بها البلاد، والوضع الاجتماعي المتأزم الذي ينذر بالانفجار، الأمر الذي سهل مهمة رئيس الجمهورية ليأخذ بزمام السلط والنظام على النحو الذي عليه الحال اليوم وتعالي أصوات عديد الجهات السياسية والمنظمات الوطنية والحقوقية والمدنية والمواطنين مطالبة بضرورة عدم العودة إلى الوراء لكن مع تقديم الخطوط العريضة في المسار الإصلاحي الوطني الذي تشرئب له أنظار الداخل والخارج.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
مرة أخرى، تثبت حركة النهضة والشق السياسي التابع لها أنهم جميعا لم يستوعبوا الدرس بعد، ولم يقوموا بالمراجعات المطلوبة التي فرضتها التغيرات الراهنة الاجتماعية والسياسية بالأساس، فضلا عن تداعيات التطورات المسجلة على مستويات وطنية وإقليمية وعالمية بما يمكنها من تعديل سياستها في التعاطي مع الوضع في تونس لاسيما في هذه المرحلة الاستثنائية، وهو ما أكده التحرك الأخير لحملة "ضد الانقلاب" بتنظيم وقفة احتجاجية يوم أول أمس الأحد في ساحة باردو وما عرفته من تحشيد شعبي تحت عنوان المطالبة بإنهاء حالة الاستثناء والدفاع عن الشرعية البرلمانية والدستورية، والذي يأتي بعد سلسلة من التحركات بعد ما يقارب أربعة أشهر من تاريخ دخول بلادنا تحت تدابير تسيير استثنائية بقيادة رئاسة الجمهورية بعد جملة القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية الماضي.
فالحركة لازالت تنتهج نفس أسلوب المخاتلة وتبادل الأدوار والمراهنة على توظيف أسماء معينة في الدفاع عن مطالبها وأجنداتها وأهدافها من خارج "دائرتها" الرسمية ومواصلة سياسة الهروب إلى الأمام والتنصل من المسؤولية إضافة إلى حمل نفس الشعارات المرفوعة في مختلف المحطات الاحتجاجية أو غيرها على شبكات التواصل الاجتماعي والصفحات الرسمية لحركة النهضة وغيرها من الأحزاب والسياسيين الموالين لها أو ممن يتقاطعون معها في نفس المواقف، ظلت هي نفسها ولم تتغير لا بل بدت اليوم أكثر وضوحا.
فما يشد الانتباه في هذه الحملة وبشكل مباشر في الوقفة الاحتجاجية الأخيرة هو نوعية "الفاعلين" فيها بشكل علني وهم في مجملهم يمثلون طيفا من السياسيين "الرحّل" ممن عرفوا ولم يعرفوا الاستقرار الحزبي ومثل بعضهم عنوانا بارزا للسياحة الحزبية وفي مقدمتهم سميرة الشواشي التي تتحرك اليوم بصفتها نائب رئيس البرلمان المجمدة اختصاصاته، وبِنَفَس "نهضاوي"، رغم أنها تنتمي لحزب قلب تونس الذي يمر بصعوبات كبيرة. وقد التحقت بهذا الحزب بعد مسيرة حافلة بالمحطات الحزبية منها "الوحدة الشعبية" ثم "المبادرة" فـ"الاتحاد الوطني الحر"، ثم "نداء تونس" وذلك قبل التحاقها بـ"قلب تونس" في 2019.
ولم يقتصر الأمر في مشاركة أسماء سياسية في هذه الحملة على رموز السياحة الحزبية على سميرة الشواشي بل شملت أيضا رضا بالحاج الذي "تمرغ" بدوره في عدة موائد حزبية منها نداء تونس وحزب "أمل" وتقلد عدة مناصب في الدولة في سنوات ما بعد الثورة، إضافة إلى عبد الرؤوف الطبيب الدبلوماسي السابق المحسوب على انتمائه لـ"حزب المؤتمر" من اجل الجمهورية سابقا وحركة النهضة لاحقا وشغل أيضا مستشارا لدى رئاسة الجمهورية في بداية عهدة قيس سعيد الرئاسية، الأمر الذي دفع نقابة السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية إلى إصدار بيان تستنكر فيه ما قام به هذا الأخير في هذه الحملة وتدعو إلى مقاضاته.
كما هو الشأن تقريبا لجوهر بن مبارك الذي كان ينشط في الحقل السياسي ضمن "شبكة دستورنا" بعد ثورة 2011 وتقلد في نفس الفترة مناصب في الدولة وعمل مستشارا للحملة الانتخابية لمحمد عبو في الانتخابات الرئاسية 2019 ويعد من بين المقربين للنهضة. ليكون هؤلاء إلى جانب مجموع من القياديين في نفس الحركة ممن أعلنوا استقالتهم من الحزب بعد 25 جويلية أو قبله باعتبار أن خطة النهضة المتمثلة في المراهنة على الشق المنسحب أو المستقيل للدفاع عنها والمراهنة على ذلك من أجل إخراج الحركة من العزلة التي أوجبتها المرحلة الاستثنائية بعد إجماع الآلاف من المواطنين على أن النهضة التي كانت تمسك بزمام منظومة الحكم خلال السنوات العشرة الأخيرة هي من تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من ترد على جميع المستويات. لنجد في نفس صف هذه الوقفة الداعية إلى العودة إلى مربع ما قبل 25 جويلية بعض هؤلاء المستقيلين على غرار عبد اللطيف المكي وسمير ديلو ويمينة الزغلامي وغيرهم. وهي صور ومشاهد أصبحت مألوفة في مثل هذه التحركات في الشهر الأخيرة ليكون هؤلاء إلى جانب نواب من البرلمان المجمد وفي مقدمتهم نورالدين البحيري.
وهو ما يبين أن النهضة تواصل نفس المنهج الذي يعتمد على مقاربة لم تعد خفية على الجميع وتتمثل في الحكم والتحرك خلف الستار، دون تحمل قياداتها المسؤولية أو المواجهة المباشرة والعمل على التحكم في قواعد وقوانين اللعبة عن بعد ولكن عبر توظيف أسماء منتقاة ممن يبدون أكثر استعدادا "للخدومية".
ولكن مراهنة النهضة في دفاعها عن مشروعها ومسألة بقائها والحفاظ على منظومتها في الحكم يطرح عديد الاستفهامات من قبيل أن قياداتها على يقين بفشل مثل هذه التحركات والمحاولات التي تراهن فيها على "أسماء" لا تحظى بثقة جماهيرية واسعة بسبب تلويناتها الحزبية وعدم الثبات في مواقفها وتاريخ تونس المعاصر والقريب يحفظ ذلك خاصة أن كل الأحزاب والتيارات والشخصيات السياسية وغيرها التي استجابت لطموحات "النهضة" كان مآلها الاندثار والزوال والفشل بدءا بأحزاب "الترويكا" مرورا بنداء تونس وصولا إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد وهشام مشيشي دون اعتبار مآل قلب تونس وائتلاف الكرامة.
إن المراهنة على التحرك خلف الستار هذا يطرح أيضا تخوف النهضاويين من مقاربة العنف والتوجه الإخواني الرافض والمعادي لمدنية الدولية، وهو ما نبهت له عديد القراءات وآراء المتابعين للمشهد السياسي في تونس والعالم، على اعتبار أن نزول النهضة إلى المواجهة المباشرة يكون فيه الاحتكام إلى العنف لا غير مما يعجل بنهايتها.
لذلك كانت المراهنة على مثل هذه النوعية من التحركات تأكيدا على أن النهضة كما السياسيين الموالين لها اليوم ليس لهم أي استعداد للتطور والتغيير ومراجعة سياسيتهم في التعاطي مع الوضعين العام والخاص لاسيما في ظل الأزمات والصعوبات التي تمر بها البلاد، والوضع الاجتماعي المتأزم الذي ينذر بالانفجار، الأمر الذي سهل مهمة رئيس الجمهورية ليأخذ بزمام السلط والنظام على النحو الذي عليه الحال اليوم وتعالي أصوات عديد الجهات السياسية والمنظمات الوطنية والحقوقية والمدنية والمواطنين مطالبة بضرورة عدم العودة إلى الوراء لكن مع تقديم الخطوط العريضة في المسار الإصلاحي الوطني الذي تشرئب له أنظار الداخل والخارج.