اليسار بتصنيفاته المتعدّدة والمختلفة في قطيعة خاصّة مع الجماهير الشّعبيّة
لا ديمقراطية في الأحزاب اليسارية ما أدّى إلى الكثير من الانسحابات والانقسامات
في إطار إحياء مائوية انطلاق النشاط الشيوعي بالبلاد التونسية، نظم قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس بالتعاون مع مخبر التراث بكلية الآداب والفنون والانسانيات بمنوبة وبدعم من مكتب التعاون الأكاديمي لمؤسسة روزا لوكسمبورغ ندوة تحت عنوان :"محطات في تاريخ وذاكرة اليسار بصفاقس" بالمركز الجامعي للتنشيط الثقافي والرياضي بصفاقس. وكانت هذه المناسبة فرصة قدّم من خلالها السيّد عبد المجيد الجمل الأستاذ المساعد بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس كتاب" تراجم نشطاء الحركة الشيوعية في تونس زمن الاستعمار الفرنسي وبدايات عهد الاستقلال(1921-1963) "، لمؤلّفه الحبيب رمضان. وتناقش الحضور حول الكتاب بإدارة الأستاذ المحاضر ومدير قسم علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس منصف القابسي. ثم تمّ الاستماع إلى شهادة عدد من مناضلي جهة صفاقس تحت إشراف الأستاذ نور الدّين الفلاّح.
استهلّت النّدوة بكلمة السيّدة ألفة بوديّة مديرة قسم التاريخ بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس التي رحّبت بالحضور وسلّطت الضّوء على تغييب الكتب المدرسيّة تاريخ اليسار مختزلة التاريخ السياسي في بعض الأشخاص والحركة الوطنية في حزب واحد فلا أثر للاشتراكية ولا للشيوعية مثلا رغم الكتابات الأكاديمية المهمة المتوفرة حسب الأستاذة بوديّة.
وفي مداخلته قال السيّد عبد المجيد الجمل الأستاذ المساعد بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس التي من خلالها قدّم كتاب تراجم نشطاء الحركة الشيوعية في تونس زمن الاستعمار الفرنسي وبدايات عهد الاستقلال (1921-1963) للحبيب رمضان:
" الحبيب رمضان درس بكلية الحقوق بتونس ثم انقطع ليعمل في مركز الضمان الاجتماعي، عصامي التكوين في ميدان التاريخ لكنّ ذلك لم يمنعه من الابداع في هذا المجال. ومن أبرز مؤلّفاته جون "بول فينيدوري" Jean –Paul Finidori، الصادر في أكتوبر 2018 وهو عبارة عن دراسة بيوغرافية لهذا المناضل الشيوعي الفرنسي الذي عُرف بدعمه للنشاط الوطني التونسي سواء السياسي أو النقابي. ويعتبر كتاب تراجم نشطاء الحركة الشيوعية بتونس تواصلا لهذا الكتاب. صدر كتاب تراجم نشطاء الحركة الشيوعية بتونس عن دار محمد علي للنشر بالتعاون مع "مكتب التعاون لمؤسسة روزا لكسمبورغ". الكتاب من الحجم الكبير وعدد صفحاته 351 صفحة قدّم فيها الكاتب مسيرات مناضلين شيوعيين من جنسيات مختلفة. ويعتبر هذا الكتاب وثيقة أساسية لكلّ طالب مختص في التاريخ السياسي والاجتماعي بتونس.
يجد قارئ كتاب تراجم نشطاء الحركة الشيوعية بتونس مادة متنوعة ودسمة لجانب مهم من نشاط الشيوعيين بتونس منذ سنة1919، تاريخ تأسيس أول خلية للنشاط الشيوعي وكانت في تلك الفترة مرتبطة بالأممية الثالثة والحزب الشيوعي الفرنسي. إن هذا الكتاب يندرج في سياق الدراسات الني تهتم بالتراجم أو ما يعرف بالسير أو البيوغرافياBiographies، حيث شهد هذا المجال عودة للاهتمام به سواء على المستوى العالمي أو على مستوى العديد من البلدان الأخرى مثل تونس. وبقطع النظر عن الانتقادات التي تم توجيهها لهذا المجال من الدراسات، فإن الاهتمام به في تونس ازداد في الفترات الأخيرة (حشاد، الطاهر بن عمار، بلقاسم القناوي وغيرها).
قدّم لهذا الكتاب الأستاذ الحبيب القزدغلي، المختص في التاريخ المعاصر وبالخصوص الحركة الشيوعية بتونس. ومما قاله حول هذا الكتاب نذكر " يوفر كتاب التراجم مادة بيوغرافية لحوالي 300 شخصية أسهمت في الكفاح الوطني والاجتماعي التونسي، وهي المرة الأولى التي يقع فيها تجميع هذا العدد".
يجد قارئ هذا الكتاب أشكال نضال الشيوعيين بتونس بين 1919 و1963 وهو نضال نقابيّي الصناعات الحرفية، التجار والعمال وكذلك النضال الصحفي والسياسي".
وتدخّل الأستاذ الحبيب القزدعلي مدير مخبر التراث بكلّية الآداب والفنون والانسانيات بجامعة منوبة مؤكّدا أن التّطرق إلى تاريخ النشاط الشيوعي في تونس بعد قرن من انطلاقه هو بحث في التراث الفكري اللاّمادي. واعتبر القزدعلي أنّ الاهتمام بمسيرة الشيوعيّة في تونس يجب ألاّ يبقى منحصرا في النّطاق المركزي باعتباره تاريخا محليّا ووطنيّا.
ومن جهة أخرى، عرّج الأستاذ المحاضر ومدير قسم علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس منصف القابسي على أهميّة كتاب تراجم نشطاء الحركة الشيوعية في تونس زمن الاستعمار الفرنسي وبدايات عهد الاستقلال (1921-1963) وأشار إلى قصوره في التعريف ببعض الشخصيات مرجعا الأمر إلى شحّ المادّة التاريخية. وقد نوّه الأستاذ القابسي بالمجهودات الحثيثة في إصدار مؤلفات تتحدّث عن تاريخ اليسار بجميع أطيافه إبّان سنة 2011 بعد أن كانت ممنوعة من النشر.
أما السيد إبراهيم بن صالح المتفقد العام المتقاعد في مادّة العربية فقد أشاد بدور الكتاب المذكور في اطّلاعه على نضال الكثير من المناضلين والمناضلات، وأشار إلى أنه استخلص من خلال التراجم أن اليسار التونسي ناجح كثيرا في قدح بعضه بعضا وفي إضعاف بعضه بعضا والحال أنه قدّم التضحيات الجسام وأنه متكامل. وأشار بن صالح إلى افتقار اليسار في تونس إلى بناء ذاكرة جماعية يمكن أن تكون علامة على الطّريق لتقريب وجهات النظر معتبرا أن غياب الذاكرة الجماعية سبب في تواصل الانقسام داخله. ولاحظ الأستاذ إبراهيم بن صالح أنّ الأحزاب اليسارية في تونس هي أحزاب شمولية تقتل الفرد قتلا ويؤيّد الكتاب رأيه في الموضوع فهو لم يعثر حسب قوله على ما هو حميميّ شخصيّ فرديّ وكأن هؤلاء المناضلين قُدّوا من مادة نضالية حتى إنّهم لا يعرفون إلاّ النضال في حياتهم. وأضاف بن صالح أنّ المناضلين اليسارييّن ليست لهم حياة خاصة فالفرد يذوب في الحزب، وفي المقابل، لا ديمقراطية في الأحزاب. ولعلّ هذا ما أدّى حسب رأيه إلى الكثير من الانسحابات والانقسامات والصّراعات. وأكّد الأستاذ بن صالح أنّ ما لفت انتباهه هو أنّ المحاضرات الاجتماعية والثقافية لهؤلاء المناضلين متنوعة بل متباعدة ولكنّ الذي جمعهم هو مثال يطمحون إليه وما أحوجنا إلى هذا المثال، حسب تعبيره.
وكان من بين المتدخلين كذلك السيّد فتحي الهمامي وهو إطار في مؤسسة عمومية وعضو الهيأة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سابقا وعضو نقابيّ سابقا، وقد أدلى بالشهادة التالية:
" بدأ تعلقي بالمذهب الاشتراكي مبكرا وأنا تلميذ في المعهد الثانوي عن طريق مطالعة بعض كتب ماركس ولينين وترافق ذلك بالاهتمام بالشأن السياسي. وكان لرفع الحظر عن الحزب الشيوعي التونسي في 18 جويلية 1981 وإصدار العدد الأول لصحيفة "الطريق الجديد" لسان حاله في أكتوبر 1981 بذلك العنوان المثير في الصفحة الأولى:"مستقبل تونس أم مستقبل البورجوازية"، وقعهما الكبير في نفسي ودفعاني إلى الرغبة في الانتماء السياسي وإلى الحزب الشيوعي التونسي تحديدا. وبالفعل انطلق انتمائي السياسي للحزب في عام 1982 ثم التنظيمي لخلية الحزب في صفاقس في 1983 بإشراف الاستاذ محمود بن جماعة وقتها. وقد تواصل الانتساب إلى حزب إلى جوان 1993 أي إلى مؤتمره العاشر الذي حضرته نائبا والذي أنهى الوجود التنظيمي للحزب ليتحول إلى حركة التجديد... في سنوات الانتساب تلك إلى حزب كانت علاقات الاعضاء في ما بينهم قائمة على الصداقة والاحترام والاشتراك في المبادئ. وكانت الغاية من الانتماء خدمة الوطن فقط بنشر قيم الحرية والتضامن والديمقراطية والنضال من أجلها."
من ناحية أخرى، اعتبر أستاذ التعليم الثانوي المتقاعد محمد العزعوزوي أن اليسار مدرسة أولى في النّضال السياسي وقد لعبت دورا كبيرا في نضالات الجماهير الطّلابيّة والعمّاليّة والتي حققت العديد من المكاسب لعلّ أبرزها حريّة التعبير والفكر والضّمير بعد انتفاضة 17 ديسمبر 2010/ 14 جانفي 2011. وعاب الأستاذ العزعوزي على الكثير من اليساريّين فكرهم الاقصائيّ الذي كانوا يُمارسونه ضدّ من لا يحمل أفكارهم نفسها لا يكون على مقاسهم تماما. وقد أدّى هذا التمشي حسب رأيه إلى تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ فكانت النتيجة رغم السّجون والتعذيب والنّفي والطّرد من العمل التي لقيها الكثير من اليساريين ضئيلة جدّا ولم تكن على قدر ما قدّمته العائلة اليساريّة من تضحيات جسام. وقال الأستاذ العزعوزي بصوت عال:"كفانا من اللّغة المفعمة بحماس الشباب ولا بدّ من المرونة مع من نلتقي معهم حتى في نقطة واحدة".
كما أثارت تجربة الأستاذ مكّي الجزيري المحامي لدى التّعقيب اهتمام الحاضرين وجاءت على النّحو التّالي:"كنت في بداية حياتي الشّبابيّة ملتزما بالفكر الماركسي اللّينيني في نشاطي الطّلّابي (1976-1980) ثم وبعد انخراطي في النّشاط المهني وخاصّة في شركة السّكك الحديديّة وانتمائي إلى الاتحاد العام التونسي للشّغل وبروز العديد من التّناقضات داخل الأسرة الفكريّة نفسها، بدأت المراجعات تدفعني نحو تعميق الدّراسة للفكر الماركسي اللّينيني انطلاقا من مبدأ أساسي للفلسفة المادّية التي تُعنى بالواقع الذي من خلاله تتبلور الأفكار باعتبار أنّ الفكر الذي آمنت به ينطلق من التّحليل الملموس للواقع الملموس ويعتبر أنّ فكر الإنسان هو نتاج الصّراع اليوميّ والظروف المادّية التي يعيشها الإنسان. وبالتالي لا يمكن أن يكون الفكر هو المنطلق لأيّ قرار وإنّما يجب أن يكون ذلك الفكر هو نتيجة للواقع الذي يُكيّف الفكر حيث ظروفه. وعند انتمائي لمهنة المحاماة بمدينة صفاقس وتطّوّر علاقتي ببعض المنظّمات اليساريّة السّريّة خيّرت بعد تجربة المبادرة الديمقراطيّة التي احتضنتها حركة التّجديد سنة 2004 المشاركة في المؤتمر التوحيدي الذي انعقد سنة 2007 وانخرطت نهائيّا في هذه الحركة. وقد لمست منذ البداية صدقا كبيرا لقيادة هذا الحزب واخلاصا عميقا للوطن وتيقّنت بأنّ الصّراع مع النّظام القائم يجب أن يكون مهيكلا داخل تنظيم سياسيّ علنيّ يعمل مع غيره في المنظّمات والأحزاب من أجل تحقيق مكاسب في المجال الديمقراطي وتوحيد القوى الوطنيّة الديمقراطيّة لتأسيس حزب كبير قادر على المواجهة وفرض المكاسب.
مصدّق الشّريف
اليسار بتصنيفاته المتعدّدة والمختلفة في قطيعة خاصّة مع الجماهير الشّعبيّة
لا ديمقراطية في الأحزاب اليسارية ما أدّى إلى الكثير من الانسحابات والانقسامات
في إطار إحياء مائوية انطلاق النشاط الشيوعي بالبلاد التونسية، نظم قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس بالتعاون مع مخبر التراث بكلية الآداب والفنون والانسانيات بمنوبة وبدعم من مكتب التعاون الأكاديمي لمؤسسة روزا لوكسمبورغ ندوة تحت عنوان :"محطات في تاريخ وذاكرة اليسار بصفاقس" بالمركز الجامعي للتنشيط الثقافي والرياضي بصفاقس. وكانت هذه المناسبة فرصة قدّم من خلالها السيّد عبد المجيد الجمل الأستاذ المساعد بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس كتاب" تراجم نشطاء الحركة الشيوعية في تونس زمن الاستعمار الفرنسي وبدايات عهد الاستقلال(1921-1963) "، لمؤلّفه الحبيب رمضان. وتناقش الحضور حول الكتاب بإدارة الأستاذ المحاضر ومدير قسم علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس منصف القابسي. ثم تمّ الاستماع إلى شهادة عدد من مناضلي جهة صفاقس تحت إشراف الأستاذ نور الدّين الفلاّح.
استهلّت النّدوة بكلمة السيّدة ألفة بوديّة مديرة قسم التاريخ بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس التي رحّبت بالحضور وسلّطت الضّوء على تغييب الكتب المدرسيّة تاريخ اليسار مختزلة التاريخ السياسي في بعض الأشخاص والحركة الوطنية في حزب واحد فلا أثر للاشتراكية ولا للشيوعية مثلا رغم الكتابات الأكاديمية المهمة المتوفرة حسب الأستاذة بوديّة.
وفي مداخلته قال السيّد عبد المجيد الجمل الأستاذ المساعد بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس التي من خلالها قدّم كتاب تراجم نشطاء الحركة الشيوعية في تونس زمن الاستعمار الفرنسي وبدايات عهد الاستقلال (1921-1963) للحبيب رمضان:
" الحبيب رمضان درس بكلية الحقوق بتونس ثم انقطع ليعمل في مركز الضمان الاجتماعي، عصامي التكوين في ميدان التاريخ لكنّ ذلك لم يمنعه من الابداع في هذا المجال. ومن أبرز مؤلّفاته جون "بول فينيدوري" Jean –Paul Finidori، الصادر في أكتوبر 2018 وهو عبارة عن دراسة بيوغرافية لهذا المناضل الشيوعي الفرنسي الذي عُرف بدعمه للنشاط الوطني التونسي سواء السياسي أو النقابي. ويعتبر كتاب تراجم نشطاء الحركة الشيوعية بتونس تواصلا لهذا الكتاب. صدر كتاب تراجم نشطاء الحركة الشيوعية بتونس عن دار محمد علي للنشر بالتعاون مع "مكتب التعاون لمؤسسة روزا لكسمبورغ". الكتاب من الحجم الكبير وعدد صفحاته 351 صفحة قدّم فيها الكاتب مسيرات مناضلين شيوعيين من جنسيات مختلفة. ويعتبر هذا الكتاب وثيقة أساسية لكلّ طالب مختص في التاريخ السياسي والاجتماعي بتونس.
يجد قارئ كتاب تراجم نشطاء الحركة الشيوعية بتونس مادة متنوعة ودسمة لجانب مهم من نشاط الشيوعيين بتونس منذ سنة1919، تاريخ تأسيس أول خلية للنشاط الشيوعي وكانت في تلك الفترة مرتبطة بالأممية الثالثة والحزب الشيوعي الفرنسي. إن هذا الكتاب يندرج في سياق الدراسات الني تهتم بالتراجم أو ما يعرف بالسير أو البيوغرافياBiographies، حيث شهد هذا المجال عودة للاهتمام به سواء على المستوى العالمي أو على مستوى العديد من البلدان الأخرى مثل تونس. وبقطع النظر عن الانتقادات التي تم توجيهها لهذا المجال من الدراسات، فإن الاهتمام به في تونس ازداد في الفترات الأخيرة (حشاد، الطاهر بن عمار، بلقاسم القناوي وغيرها).
قدّم لهذا الكتاب الأستاذ الحبيب القزدغلي، المختص في التاريخ المعاصر وبالخصوص الحركة الشيوعية بتونس. ومما قاله حول هذا الكتاب نذكر " يوفر كتاب التراجم مادة بيوغرافية لحوالي 300 شخصية أسهمت في الكفاح الوطني والاجتماعي التونسي، وهي المرة الأولى التي يقع فيها تجميع هذا العدد".
يجد قارئ هذا الكتاب أشكال نضال الشيوعيين بتونس بين 1919 و1963 وهو نضال نقابيّي الصناعات الحرفية، التجار والعمال وكذلك النضال الصحفي والسياسي".
وتدخّل الأستاذ الحبيب القزدعلي مدير مخبر التراث بكلّية الآداب والفنون والانسانيات بجامعة منوبة مؤكّدا أن التّطرق إلى تاريخ النشاط الشيوعي في تونس بعد قرن من انطلاقه هو بحث في التراث الفكري اللاّمادي. واعتبر القزدعلي أنّ الاهتمام بمسيرة الشيوعيّة في تونس يجب ألاّ يبقى منحصرا في النّطاق المركزي باعتباره تاريخا محليّا ووطنيّا.
ومن جهة أخرى، عرّج الأستاذ المحاضر ومدير قسم علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس منصف القابسي على أهميّة كتاب تراجم نشطاء الحركة الشيوعية في تونس زمن الاستعمار الفرنسي وبدايات عهد الاستقلال (1921-1963) وأشار إلى قصوره في التعريف ببعض الشخصيات مرجعا الأمر إلى شحّ المادّة التاريخية. وقد نوّه الأستاذ القابسي بالمجهودات الحثيثة في إصدار مؤلفات تتحدّث عن تاريخ اليسار بجميع أطيافه إبّان سنة 2011 بعد أن كانت ممنوعة من النشر.
أما السيد إبراهيم بن صالح المتفقد العام المتقاعد في مادّة العربية فقد أشاد بدور الكتاب المذكور في اطّلاعه على نضال الكثير من المناضلين والمناضلات، وأشار إلى أنه استخلص من خلال التراجم أن اليسار التونسي ناجح كثيرا في قدح بعضه بعضا وفي إضعاف بعضه بعضا والحال أنه قدّم التضحيات الجسام وأنه متكامل. وأشار بن صالح إلى افتقار اليسار في تونس إلى بناء ذاكرة جماعية يمكن أن تكون علامة على الطّريق لتقريب وجهات النظر معتبرا أن غياب الذاكرة الجماعية سبب في تواصل الانقسام داخله. ولاحظ الأستاذ إبراهيم بن صالح أنّ الأحزاب اليسارية في تونس هي أحزاب شمولية تقتل الفرد قتلا ويؤيّد الكتاب رأيه في الموضوع فهو لم يعثر حسب قوله على ما هو حميميّ شخصيّ فرديّ وكأن هؤلاء المناضلين قُدّوا من مادة نضالية حتى إنّهم لا يعرفون إلاّ النضال في حياتهم. وأضاف بن صالح أنّ المناضلين اليسارييّن ليست لهم حياة خاصة فالفرد يذوب في الحزب، وفي المقابل، لا ديمقراطية في الأحزاب. ولعلّ هذا ما أدّى حسب رأيه إلى الكثير من الانسحابات والانقسامات والصّراعات. وأكّد الأستاذ بن صالح أنّ ما لفت انتباهه هو أنّ المحاضرات الاجتماعية والثقافية لهؤلاء المناضلين متنوعة بل متباعدة ولكنّ الذي جمعهم هو مثال يطمحون إليه وما أحوجنا إلى هذا المثال، حسب تعبيره.
وكان من بين المتدخلين كذلك السيّد فتحي الهمامي وهو إطار في مؤسسة عمومية وعضو الهيأة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سابقا وعضو نقابيّ سابقا، وقد أدلى بالشهادة التالية:
" بدأ تعلقي بالمذهب الاشتراكي مبكرا وأنا تلميذ في المعهد الثانوي عن طريق مطالعة بعض كتب ماركس ولينين وترافق ذلك بالاهتمام بالشأن السياسي. وكان لرفع الحظر عن الحزب الشيوعي التونسي في 18 جويلية 1981 وإصدار العدد الأول لصحيفة "الطريق الجديد" لسان حاله في أكتوبر 1981 بذلك العنوان المثير في الصفحة الأولى:"مستقبل تونس أم مستقبل البورجوازية"، وقعهما الكبير في نفسي ودفعاني إلى الرغبة في الانتماء السياسي وإلى الحزب الشيوعي التونسي تحديدا. وبالفعل انطلق انتمائي السياسي للحزب في عام 1982 ثم التنظيمي لخلية الحزب في صفاقس في 1983 بإشراف الاستاذ محمود بن جماعة وقتها. وقد تواصل الانتساب إلى حزب إلى جوان 1993 أي إلى مؤتمره العاشر الذي حضرته نائبا والذي أنهى الوجود التنظيمي للحزب ليتحول إلى حركة التجديد... في سنوات الانتساب تلك إلى حزب كانت علاقات الاعضاء في ما بينهم قائمة على الصداقة والاحترام والاشتراك في المبادئ. وكانت الغاية من الانتماء خدمة الوطن فقط بنشر قيم الحرية والتضامن والديمقراطية والنضال من أجلها."
من ناحية أخرى، اعتبر أستاذ التعليم الثانوي المتقاعد محمد العزعوزوي أن اليسار مدرسة أولى في النّضال السياسي وقد لعبت دورا كبيرا في نضالات الجماهير الطّلابيّة والعمّاليّة والتي حققت العديد من المكاسب لعلّ أبرزها حريّة التعبير والفكر والضّمير بعد انتفاضة 17 ديسمبر 2010/ 14 جانفي 2011. وعاب الأستاذ العزعوزي على الكثير من اليساريّين فكرهم الاقصائيّ الذي كانوا يُمارسونه ضدّ من لا يحمل أفكارهم نفسها لا يكون على مقاسهم تماما. وقد أدّى هذا التمشي حسب رأيه إلى تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ فكانت النتيجة رغم السّجون والتعذيب والنّفي والطّرد من العمل التي لقيها الكثير من اليساريين ضئيلة جدّا ولم تكن على قدر ما قدّمته العائلة اليساريّة من تضحيات جسام. وقال الأستاذ العزعوزي بصوت عال:"كفانا من اللّغة المفعمة بحماس الشباب ولا بدّ من المرونة مع من نلتقي معهم حتى في نقطة واحدة".
كما أثارت تجربة الأستاذ مكّي الجزيري المحامي لدى التّعقيب اهتمام الحاضرين وجاءت على النّحو التّالي:"كنت في بداية حياتي الشّبابيّة ملتزما بالفكر الماركسي اللّينيني في نشاطي الطّلّابي (1976-1980) ثم وبعد انخراطي في النّشاط المهني وخاصّة في شركة السّكك الحديديّة وانتمائي إلى الاتحاد العام التونسي للشّغل وبروز العديد من التّناقضات داخل الأسرة الفكريّة نفسها، بدأت المراجعات تدفعني نحو تعميق الدّراسة للفكر الماركسي اللّينيني انطلاقا من مبدأ أساسي للفلسفة المادّية التي تُعنى بالواقع الذي من خلاله تتبلور الأفكار باعتبار أنّ الفكر الذي آمنت به ينطلق من التّحليل الملموس للواقع الملموس ويعتبر أنّ فكر الإنسان هو نتاج الصّراع اليوميّ والظروف المادّية التي يعيشها الإنسان. وبالتالي لا يمكن أن يكون الفكر هو المنطلق لأيّ قرار وإنّما يجب أن يكون ذلك الفكر هو نتيجة للواقع الذي يُكيّف الفكر حيث ظروفه. وعند انتمائي لمهنة المحاماة بمدينة صفاقس وتطّوّر علاقتي ببعض المنظّمات اليساريّة السّريّة خيّرت بعد تجربة المبادرة الديمقراطيّة التي احتضنتها حركة التّجديد سنة 2004 المشاركة في المؤتمر التوحيدي الذي انعقد سنة 2007 وانخرطت نهائيّا في هذه الحركة. وقد لمست منذ البداية صدقا كبيرا لقيادة هذا الحزب واخلاصا عميقا للوطن وتيقّنت بأنّ الصّراع مع النّظام القائم يجب أن يكون مهيكلا داخل تنظيم سياسيّ علنيّ يعمل مع غيره في المنظّمات والأحزاب من أجل تحقيق مكاسب في المجال الديمقراطي وتوحيد القوى الوطنيّة الديمقراطيّة لتأسيس حزب كبير قادر على المواجهة وفرض المكاسب.