تونس – الصباح
عرفت أغلب الأحزاب المكونة للمشهد السياسي في تونس هزات ورجات بعد 25 جويلية على نحو أحدث ارتباكا في أوساطها بشكل غير مسبوق وبشكل خاص تلك الأحزاب المكونة لمنظومة الحكم والداعمة لها، لكن الوضع والوقع في حزب "قلب تونس"، الذي كان طرفا قويا في نفس المنظومة، كان مدويا ومختلفا عن البقية وفي ترد متواصل وفق قراءات المتابعين لتطورات الأوضاع وواقع هذا الحزب، لعدة اعتبارات.
إذ تراكمت جملة من المعطيات التي كانت كفيلة بوضع مسألة وجود هذا الحزب في الميزان، منها ما يتعلق بأعضاء هذا الحزب بدءا برئيسه نبيل القروي الذي تلاحقه عدة قضايا وهو حاليا في سجن بالجزائر بعد أن تم القبض عليه بسبب دخوله ترابها بطريقة غير شرعية بعد 25 جويلية، مرورا بمواقف بعض أعضاء كتلة هذا الحزب في البرلمان المجمد، لعل أبرزها ما أقدم عليه رئيس نفس الكتلة أسامة الخليفي في سبتمبر الماضي بعد حضوره وتدخله في مؤتمر برلمانات العالم ليدعو إلى التدخل لإرجاع البرلمان المجمد للمواصلة مهامه. وهو ما اعتبره البعض تجاوزا واستنجادا بالأجنبي للتدخل في الشأن الوطني، إضافة إلى ما تضمنه تقرير محكمة المحاسبات حول تسجيل تجاوزات لهذا الحزب في الانتخابات الأخيرة، وصولا إلى موجة الاستقالات بالجملة التي عرفها الحزب في مراحل مختلفة منذ صعوده إلى دائرة الحكم لكن أبرزها ما سجل بعد 25/7 التي تعد بمثابة دق آخر مسمار في نعش هذا الحزب الذي لم يعد له وزن باستثناء تحركات وتصريحات بعض قياداته بصفات سياسية فردية أو أخرى تحسب على البرلمان المجمد على غرار "سميرة الشواشي " كنائب لرئيس البرلمان المجمد أو أسامة الخليفي رئيس كتلة بنفس البرلمان المجمد.
"الهايكا" تنسف آخر أمل
وقد كان لقرار الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري "الهياكا" بإيقاف بث قناة نسمة ومطالبة إدارتها بتسوية وضعيتها الإدارية والقانونية، منذ مدة قصيرة بمثابة نسف لآخر أمل لوجود هذا الحزب في المشهد العام نظرا لعدم وجود قواعد شعبية له وغياب أي نشاط أو برامج تؤكد وجوده وفعاليته على المستوى الوطني والاجتماعي والمؤسساتي. فيما كان الاستثناء الوحيد هو اتخاذ قيادات هذا الحزب قناة نسمة "منصة" إعلامية وقلعة للنضال" وللإدلاء بدلوهم في القضايا العامة والخاصة وللظهور وإبداء الآراء والتعبير عن المواقف المعارضة لسياسة قيس سعيد.
ويذكر أن نبيل القروي هو مدير عام قناة نسمة وهو صاحب مشروع بعثها قبل أن دخول مجموعة من الشركاء في رأس مالها.
ليساهم هذا القرار في تأزيم وضع هذا الحزب خاصة أن صفحاته على شبكات التواصل الاجتماعي غير محيّنة وبالعودة لها نتبين أنها توقفت عن النشاط منذ 26 جويلية الماضي.
فبالعودة إلى قراءة سريعة لأهم المحطات المفصلية في تاريخ هذا الحزب الفتي الذي تم بعثه على أنقاض "الحزب التونسي للسلام الاجتماعي" ليحمل اسم "قلب تونس" في صائفة 2019 أي قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد إعلان نبيل القروي رئيسا له ومرشحه للرئاسية، ليجد نفسه في الثاني في البرلمان بـ38 مقعدا ومرشحه متأهل للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية التي فاز بنتيجتها قيس سعيد، يجد نفسه اليوم في مهب "الظروف" وهو غير قادر على الصمود ومواجهة المستجدات السياسية، بعد ما عرفه من موجة من الاستقالات في مرحلة أولى بعد أشهر قليلة من مباشرة البرلمان لمهامه وإعلان القروي الدخول في وفاق مع حركة النهضة وغيرها من التوجهات التي دفعت 11 نائبا لتقديم استقالتهم من الحزب وهم كل من حاتم المليكي ورضا شرف الدين وخالد قسومة ونعيمة المنصوري وحسان بلحاج وأميرة شرف الدين وصفاء الغريبي وسهير العسكري ومريم اللغماني وسميرة بن سلامة وإبراهيم وعماد أولاد جبريل. ليتواصل مسلسل الاستقالات بعد قرار عياض اللومي مغادرة الحزب بسبب ما وصفه بسيطرة "لوبي الفساد" بقيادة سفيان طوبال داخل الحزب. علما أن عديد الجهات ترجع الصعود الصاروخي للحزب ونجاحه في الفوز بمقاعد في البرلمان والمرور إلى المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية، إلى الدور الكبير الذي لعبته قناة نسمة في الترويج لهذا الحزب خاصة أن مديرها العام هو نفسه رئيس الحزب ثم أنه كان يشرف بنفسه على تقديم البرنامج الاجتماعي الذي يجمع ويقدم مساعدات للمحتاجين والفقراء في كامل جهات الجمهورية. وذلك بقطع النظر عما يحوم حول رئيس الحزب من تهم فساد مالي وتهرب ضريبي كانت سببا في سجنه بعد إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه نهاية العام الماضي.
وهي كلها تطورات كان لها وقعها السياسي الكبير على الحزب وأثرت سلبا على صورته لدى الرأيين الخاص والعام. خاصة أن محكمة المحاسبات كانت قد أشارت في تقريرها حول الانتخابات الأخيرة إلى وجود تجاوزات تشمل عدة أحزاب من بينها "قلب تونس" بما يضع بقاءه ضمن خارطة الأحزاب السياسية اليوم أو في المستقبل، في الميزان.
الانهيار
ليأتي التاريخ المفصلي في تاريخ تونس السياسي بعد القرارات الرئاسية التي تزامنت مع عيد الجمهورية لتنسف ما بقي من هذا الحزب الذي يؤكد عديد المتابعين للشأن السياسي أنه لا قواعد شعبية له وأنه يستمد وجوده في المشهد السياسي من عدد أعضاء كتلته في البرلمان المجمد فقط خاصة أمام الغموض الذي يحوم حول المكتب السياسي للحزب.
لكن الحزب وبشهادة متابعين له، أصبح على حافة الانهيار بعد أن شهد موجة جديدة من الاستقالات في المدة الأخيرة شملت كلا من الناطق الرسمي باسم الحزب محمد الصادق جبنون وجوهر المغيربي إضافة إلى فؤاد ثامر وشيراز الشابي ومحمد السخيري والجديدي السبوعي وسهام الشريقي. فيما لا يزال وضع غازي القروي غامضا مع شقيقه نبيل بالجزائر. ويذكر أنه سبق أن صرحت أمال الورتاني أنها قدمت استقالتها من الحزب ولكنها لا تزال معلقة، لأنها تريد العودة إلى ممارسة مهنتها الأصلية قبل التحاقها بالحزب والبرلمان.
وما يؤكد هذا المنحى هو غياب البيانات أو المواقف الرسمية للحزب وغيابه عن ساحة الأحداث والمشهد العام بشكل لافت خلال الأسابيع الأخيرة خاصة أنه برز بغياب مواقفه الرسمية تجاه ما عرفته تونس من مستجدات وتطورات في الأحداث والمواقف والقرارات على أصعدة مختلفة منذ قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية إيقاف عجلة نشاط منظومة الحكم وتجميد البرلمان، باعتبارهما مجال تواجد وتحرك هذا الحزب مع حليفيه حزب حركة النهضة وائتلاف الكرامة.
نزيهة الغضباني