على خلفية الاعتداء الأخير الذي تعرض له الصحبي بن سلامة أستاذ التاريخ والجغرافيا بمعهد ابن رشيق بالزهراء من طرف تلميذه تعالت أصوات المربين ومختلف الهياكل النقابية والمهنية مطالبة بضرورة سن قانون يجرم الاعتداء على المربي وعلى المؤسسة التربوية.
ويبدو الإجماع واسع على هذا المطلب مما يطرح تساؤلا جوهريا هل فعلا يكمن الحل في تشريع وقانون زجري جديد لمحاصرة ظاهرة العنف أم أن المسألة أعمق وأعقد وتحتاج إلى مقاربات وحول أخرى؟
الملاحظ أنه رغم الاختلاف حول مبدأ الإضراب كوسيلة للاحتجاج على الاعتداء والمس من صورة المربي والمدرسة اثر حادثة معهد الزهراء، مما دفع بعض الهياكل وفي مقدمتهم المنظمة الشغيلة إلى التملص من الدعوة إلى الإضراب العام غدا في قطاع التربية، إلا أن الجميع يصر على مسألة الدفع برئاسة الجمهورية والحكومة إلى إصدار مرسوم يجرم الاعتداءات على المدرسين والمؤسسات التربوية.
إجماع
فبعد أن أعلنت الجامعة العامة للتعليم الأساسي أول أمس أن الجامعات العامة لقطاعات التربية قررت بالإجماع خلال اجتماعها على هامش الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل تنفيذ إضراب عام بكل قطاعات التربية اليوم الجمعة 12 نوفمبر الجاري. موضحة في بلاغ لها أن قرار الجامعات “يأتي للمطالبة بإصدار قانون يُجرّم الاعتداء على الإطار التربوي ويصون حرمة المؤسسة التربوية “.
تنصلت بعض الأطراف من الدعوة إلى الإضراب على غرار الجامعات العامة لعملة التربية وموظفي التربية وأساتذة السلك المشترك والمرشدين التطبيقيين التي أعلنت أنها غير معنية بإضراب الجمعة. ودعت أمس منظوريها إلى مواصلة العمل مقابل تمسكها بمطلب تجريم الاعتداء على المربين والمؤسسة التربوية.
بدوره أعلن المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل أمس أن الهيئة الوطنية الإدارية المنعقدة الأربعاء لم تتخذ قرار دخول أسلاك التربية في إضراب داعيا مختلف أسلاك التربية إلى مواصلة عملها بصفة عادية.
لمن بدوره تمسك المكتب التنفيذي في بلاغه بدعمه المتواصل لكافة مطالب مختلف أسلاك التربية والتعليم وتمسكه بسن قانون يجرم الاعتداءات على المؤسسات التربوية والعاملين فيها والإصلاح العاجل للمنظومة التربوية.
دعوات سابقة
دعوة تجريم الاعتداء على المربين ليست الأولى من نوعها على امتداد العشرية الأخيرة حيث تكررت حالات العنف المسجلة في مختلف القطاعات أين تسارع الهياكل الممثلة لتلك القطاعات ونقاباتها إلى رفع مطلب سن قانون خاص بذلك السلك يجرم الاعتداء على منسوبيه .
وشمل ذلك الأمنيين الذين استبسلوا في المطالبة بقانون لجزء الاعتداءات على الأمنيين رغم معارضة المنظمات الحقوقية والمخاوف من تهديد الحريات وإطلاق يد الأمنيين، ومع كل مرة سجلت فيها أحداث أمنية أو إرهابية طفت على السطح من جديد مطالب حماية الأمنيين وعاد الجدل إلى أروقة السلطة التشريعية أين تتمسك النقابات الأمنية بمطلبها كحل وحيد تراه ناجعا لوقف الاعتداءات على السلك الأمني وصون حرمة منظوريها.
مع تكرر حالات العنف والاعتداءات على الإطار الطبي وشبه الطبي وعلى المؤسسات الاستشفائية تعالت أيضا أصوات هياكل الصحة للمطالبة بتشريع وقانون خاص يجرم تلك الاعتداءات.
ولم تتوقف مطالبة الأطباء والممرضين والعاملين في الصحة على امتداد العشرية الأخيرة وآخرها في جويلية الفارط بعد الاعتداء الذي تعرض له الطبيبان الشابان عيسى الدراجي ويوسف بن إبراهيم بقسم الاستعجالي بمستشفى الياسمينات بولاية بن عروس، حيث أدانت المنظمة التونسية للأطباء الحادثة ودعت كل الأطباء الشبان في مختلف الجهات إلى ارتداء الشارات الحمراء تنديدا بغياب التعامل الجدي مع ملفات الاعتداء على مهنيي الصحة واحتجاجا على تردي أوضاع العمل بالمستشفيات وغياب تأمينها.
وكانت المنظمة التونسية للأطباء الشبان قد دعت قبل ذلك وزارة الصحة إلى تحمل مسؤولياتها في تأمين أقسام الاستعجالي وذلك في أواخر أكتوبر 2020 تعمدت اثر اقتحام مجموعة من الأفراد قسم استعجالي الرابطة بباب سعدون بالسكاكين وترويع المرضى وتهشيم آليات غرفة الإنعاش والاعتداء على الإطار الطبي وشبه الطبي، مما تسبب لطبيب مقيم بالقسم في أضرار جسدية فادحة.
ومع كل حادث اقتحام مستشفى واعتداء على العاملين فيه يطالب هؤلاء بقانون لجزء الاعتداءات.
تكريس لـ"القطاعية "
يطال العنف في السنوات الأخيرة جميع القطاعات دون استثناء وسجل على الصحفيين أثناء أداء مهامهم حيث تنشر نقابة الصحفيين دوريا إحصائيات عن حالات الاعتداء. شهدنا أيضا اعتداءات متكررة وعنفا داخل أروقة المحاكم طل قضاة وكتبة. تسجل الاعتداءات باستمرار على أعوان المراقبة الاقتصادية أثناء ممارسة مهامهم الرقابية في التصدي للاحتكار والمضاربة والترفيع في الأسعار وتؤكد هياكلهم المهنية أن حالات الاعتداء تضاعفت في السنوات الأخيرة مما أثر على نجاعة عملهم وأصبح البعض يخشى على حياته فيتردد في تسجيل المحاضر ومعاقبة المخالفين.
يؤكد بدورهم أعوان الشركة الوطنية للكهرباء والغاز وشركة توزيع المياه أنهم يتعرضون للعنف والاعتداء خلال قيامهم بأعمالهم.
وقد لا نبالغ إذا ما قلنا أن مظاهر العنف والاعتداءات لا تكاد تستثنى قطاعا من القطاعات في السنوات الأخيرة. في المقابل لا يمكن أن يكون الحل التوجه إلى سن تشريع يجزر الاعتداء في كل مهنة فزيادة على إمكانية اعتبار ذلك تكريسا "للقطاعية" فإن المزيد من القوانين لن يقدم النجاعة المطلوبة في معالجة الظاهرة لاسيما في ظل وجود تشريعات ضمن المجلة الجزائية تسلط أقصى العقوبات على حالات العنف والاعتداءات والثابت أنها لم تقدر بمفردها على الحد من ظاهرة العنف.
المعالجة الهادئة
بالعودة إلى موضوع الاعتداء على المربين وعلى المدرسة ومسألة تحصينها من العنف يعتبر كثيرون أن المطالبة بالمزيد من التشريعات الزجرية لا يكاد يتجاوز مربع رد الفعل المتشنج على حادثة يتفق الجميع أنها مدانة وصادمة لكن ربى ضارة نافعة، فلماذا لا تكون منطلقا لإصلاحات عميقة وحقيقة تطال قطاع التربية وتتفرع منه إلى معالجة علل وأمراض المجتمع والأسرة ووسائل الإعلام والوقوف على الأسباب الحقيقية لكل هذا الانحطاط والدمار المجتمعي والأخلاقي والقيمي والأسري الذي يولد العنف وغيره من السلوكيات المنحرفة.
يقول بهذا الصدد المختص في علم الاجتماع والوزير السابق مهدي مبروك تعليقا على حادثة معهد الزهرة أنه يحرص "على تجنب التعليق على قضايا تهز الرأي العام لأن حالة المشاعر المستنفرة لا تترك حيزا للتفكير الهادئ".
ويضيف في تدوينها نشرها على موقعه على الفايسبوك "علينا حتى نفهم ما حدث في احد معاهدنا أن نتحلى كتونسيين بالكثير من الرصانة والتواضع. لن نخترع العجلة. سؤال العنف المدرسي شكل مبحثا متعدد الاختصاصات راكم دوليا آلاف المؤلفات والتقارير. لاشك أن حادثة الاعتداء على المربي بن سلامة هزت الرأي العام لفظاعتها غير أن المدرسة التونسية سجلت سنة 2018 ما يناهز 16000 حالة عنف أي ما يقارب 60 حالة عنف يوميا (بحساب السنة المدرسية وحسب الإحصائيات التي أوردتها مصادر عديدة).
الفرضيات التي تقدم لفهم العنف المدرسي تقريبا هي فرضيتان:
الأولى تقول إن المدرسة منتجة للعنف، بين جدرانها وأسوارها تنتج عنفا: الاكتظاظ، الزمن المدرسي، البنية التحتية، المناهج وتكوين المربين، الأنشطة الموازية للتدريس.. كلها "فابريكات" عنف إذا ما اختلت. فعلا مدرستنا إذا ما قاربناها من هذه الزاوية عنيفة بل ماكينة عنف: بنية رثة، مناهج قديمة، زمن مدرسي كارثي.. كفايات المدرسين في مجال بيداغوجيا الأطفال وأساليب التعامل مع المراهقين كارثية لغياب التكوين فيها إلا حالات الاستثناء النادرة والنقص الحاد في الموارد البشرية: قيمون، مربون الخ..
الفرضية الثانية التي تقدم لفهم العنف المدرسي هي أن المدرسة تتلقى العنف الّذي يستلل إليها/ أو يفيض عليها من الخارج: العنف الأسري، شبكات الأتراب، عنف الشارع، وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. هذا أيضا ينطبق على المدرسة التونسية التي يحاصرها العنف ويخلع أبوابها المهترئة أصلا".
ويختم مهدي مبروك "لذا فان المقاربة لن تكون إلا شاملة. هذا ليس تعويما بل شرط الإصلاح. تجارب مقارنة عديدة يمكن أن تجعل من العنف المدرسي ظاهرة يمكن علاجها وليست قدرا محتوما متى آمنا أن هذا ضرورة ملحة".
م.ي
تونس-الصباح
على خلفية الاعتداء الأخير الذي تعرض له الصحبي بن سلامة أستاذ التاريخ والجغرافيا بمعهد ابن رشيق بالزهراء من طرف تلميذه تعالت أصوات المربين ومختلف الهياكل النقابية والمهنية مطالبة بضرورة سن قانون يجرم الاعتداء على المربي وعلى المؤسسة التربوية.
ويبدو الإجماع واسع على هذا المطلب مما يطرح تساؤلا جوهريا هل فعلا يكمن الحل في تشريع وقانون زجري جديد لمحاصرة ظاهرة العنف أم أن المسألة أعمق وأعقد وتحتاج إلى مقاربات وحول أخرى؟
الملاحظ أنه رغم الاختلاف حول مبدأ الإضراب كوسيلة للاحتجاج على الاعتداء والمس من صورة المربي والمدرسة اثر حادثة معهد الزهراء، مما دفع بعض الهياكل وفي مقدمتهم المنظمة الشغيلة إلى التملص من الدعوة إلى الإضراب العام غدا في قطاع التربية، إلا أن الجميع يصر على مسألة الدفع برئاسة الجمهورية والحكومة إلى إصدار مرسوم يجرم الاعتداءات على المدرسين والمؤسسات التربوية.
إجماع
فبعد أن أعلنت الجامعة العامة للتعليم الأساسي أول أمس أن الجامعات العامة لقطاعات التربية قررت بالإجماع خلال اجتماعها على هامش الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل تنفيذ إضراب عام بكل قطاعات التربية اليوم الجمعة 12 نوفمبر الجاري. موضحة في بلاغ لها أن قرار الجامعات “يأتي للمطالبة بإصدار قانون يُجرّم الاعتداء على الإطار التربوي ويصون حرمة المؤسسة التربوية “.
تنصلت بعض الأطراف من الدعوة إلى الإضراب على غرار الجامعات العامة لعملة التربية وموظفي التربية وأساتذة السلك المشترك والمرشدين التطبيقيين التي أعلنت أنها غير معنية بإضراب الجمعة. ودعت أمس منظوريها إلى مواصلة العمل مقابل تمسكها بمطلب تجريم الاعتداء على المربين والمؤسسة التربوية.
بدوره أعلن المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل أمس أن الهيئة الوطنية الإدارية المنعقدة الأربعاء لم تتخذ قرار دخول أسلاك التربية في إضراب داعيا مختلف أسلاك التربية إلى مواصلة عملها بصفة عادية.
لمن بدوره تمسك المكتب التنفيذي في بلاغه بدعمه المتواصل لكافة مطالب مختلف أسلاك التربية والتعليم وتمسكه بسن قانون يجرم الاعتداءات على المؤسسات التربوية والعاملين فيها والإصلاح العاجل للمنظومة التربوية.
دعوات سابقة
دعوة تجريم الاعتداء على المربين ليست الأولى من نوعها على امتداد العشرية الأخيرة حيث تكررت حالات العنف المسجلة في مختلف القطاعات أين تسارع الهياكل الممثلة لتلك القطاعات ونقاباتها إلى رفع مطلب سن قانون خاص بذلك السلك يجرم الاعتداء على منسوبيه .
وشمل ذلك الأمنيين الذين استبسلوا في المطالبة بقانون لجزء الاعتداءات على الأمنيين رغم معارضة المنظمات الحقوقية والمخاوف من تهديد الحريات وإطلاق يد الأمنيين، ومع كل مرة سجلت فيها أحداث أمنية أو إرهابية طفت على السطح من جديد مطالب حماية الأمنيين وعاد الجدل إلى أروقة السلطة التشريعية أين تتمسك النقابات الأمنية بمطلبها كحل وحيد تراه ناجعا لوقف الاعتداءات على السلك الأمني وصون حرمة منظوريها.
مع تكرر حالات العنف والاعتداءات على الإطار الطبي وشبه الطبي وعلى المؤسسات الاستشفائية تعالت أيضا أصوات هياكل الصحة للمطالبة بتشريع وقانون خاص يجرم تلك الاعتداءات.
ولم تتوقف مطالبة الأطباء والممرضين والعاملين في الصحة على امتداد العشرية الأخيرة وآخرها في جويلية الفارط بعد الاعتداء الذي تعرض له الطبيبان الشابان عيسى الدراجي ويوسف بن إبراهيم بقسم الاستعجالي بمستشفى الياسمينات بولاية بن عروس، حيث أدانت المنظمة التونسية للأطباء الحادثة ودعت كل الأطباء الشبان في مختلف الجهات إلى ارتداء الشارات الحمراء تنديدا بغياب التعامل الجدي مع ملفات الاعتداء على مهنيي الصحة واحتجاجا على تردي أوضاع العمل بالمستشفيات وغياب تأمينها.
وكانت المنظمة التونسية للأطباء الشبان قد دعت قبل ذلك وزارة الصحة إلى تحمل مسؤولياتها في تأمين أقسام الاستعجالي وذلك في أواخر أكتوبر 2020 تعمدت اثر اقتحام مجموعة من الأفراد قسم استعجالي الرابطة بباب سعدون بالسكاكين وترويع المرضى وتهشيم آليات غرفة الإنعاش والاعتداء على الإطار الطبي وشبه الطبي، مما تسبب لطبيب مقيم بالقسم في أضرار جسدية فادحة.
ومع كل حادث اقتحام مستشفى واعتداء على العاملين فيه يطالب هؤلاء بقانون لجزء الاعتداءات.
تكريس لـ"القطاعية "
يطال العنف في السنوات الأخيرة جميع القطاعات دون استثناء وسجل على الصحفيين أثناء أداء مهامهم حيث تنشر نقابة الصحفيين دوريا إحصائيات عن حالات الاعتداء. شهدنا أيضا اعتداءات متكررة وعنفا داخل أروقة المحاكم طل قضاة وكتبة. تسجل الاعتداءات باستمرار على أعوان المراقبة الاقتصادية أثناء ممارسة مهامهم الرقابية في التصدي للاحتكار والمضاربة والترفيع في الأسعار وتؤكد هياكلهم المهنية أن حالات الاعتداء تضاعفت في السنوات الأخيرة مما أثر على نجاعة عملهم وأصبح البعض يخشى على حياته فيتردد في تسجيل المحاضر ومعاقبة المخالفين.
يؤكد بدورهم أعوان الشركة الوطنية للكهرباء والغاز وشركة توزيع المياه أنهم يتعرضون للعنف والاعتداء خلال قيامهم بأعمالهم.
وقد لا نبالغ إذا ما قلنا أن مظاهر العنف والاعتداءات لا تكاد تستثنى قطاعا من القطاعات في السنوات الأخيرة. في المقابل لا يمكن أن يكون الحل التوجه إلى سن تشريع يجزر الاعتداء في كل مهنة فزيادة على إمكانية اعتبار ذلك تكريسا "للقطاعية" فإن المزيد من القوانين لن يقدم النجاعة المطلوبة في معالجة الظاهرة لاسيما في ظل وجود تشريعات ضمن المجلة الجزائية تسلط أقصى العقوبات على حالات العنف والاعتداءات والثابت أنها لم تقدر بمفردها على الحد من ظاهرة العنف.
المعالجة الهادئة
بالعودة إلى موضوع الاعتداء على المربين وعلى المدرسة ومسألة تحصينها من العنف يعتبر كثيرون أن المطالبة بالمزيد من التشريعات الزجرية لا يكاد يتجاوز مربع رد الفعل المتشنج على حادثة يتفق الجميع أنها مدانة وصادمة لكن ربى ضارة نافعة، فلماذا لا تكون منطلقا لإصلاحات عميقة وحقيقة تطال قطاع التربية وتتفرع منه إلى معالجة علل وأمراض المجتمع والأسرة ووسائل الإعلام والوقوف على الأسباب الحقيقية لكل هذا الانحطاط والدمار المجتمعي والأخلاقي والقيمي والأسري الذي يولد العنف وغيره من السلوكيات المنحرفة.
يقول بهذا الصدد المختص في علم الاجتماع والوزير السابق مهدي مبروك تعليقا على حادثة معهد الزهرة أنه يحرص "على تجنب التعليق على قضايا تهز الرأي العام لأن حالة المشاعر المستنفرة لا تترك حيزا للتفكير الهادئ".
ويضيف في تدوينها نشرها على موقعه على الفايسبوك "علينا حتى نفهم ما حدث في احد معاهدنا أن نتحلى كتونسيين بالكثير من الرصانة والتواضع. لن نخترع العجلة. سؤال العنف المدرسي شكل مبحثا متعدد الاختصاصات راكم دوليا آلاف المؤلفات والتقارير. لاشك أن حادثة الاعتداء على المربي بن سلامة هزت الرأي العام لفظاعتها غير أن المدرسة التونسية سجلت سنة 2018 ما يناهز 16000 حالة عنف أي ما يقارب 60 حالة عنف يوميا (بحساب السنة المدرسية وحسب الإحصائيات التي أوردتها مصادر عديدة).
الفرضيات التي تقدم لفهم العنف المدرسي تقريبا هي فرضيتان:
الأولى تقول إن المدرسة منتجة للعنف، بين جدرانها وأسوارها تنتج عنفا: الاكتظاظ، الزمن المدرسي، البنية التحتية، المناهج وتكوين المربين، الأنشطة الموازية للتدريس.. كلها "فابريكات" عنف إذا ما اختلت. فعلا مدرستنا إذا ما قاربناها من هذه الزاوية عنيفة بل ماكينة عنف: بنية رثة، مناهج قديمة، زمن مدرسي كارثي.. كفايات المدرسين في مجال بيداغوجيا الأطفال وأساليب التعامل مع المراهقين كارثية لغياب التكوين فيها إلا حالات الاستثناء النادرة والنقص الحاد في الموارد البشرية: قيمون، مربون الخ..
الفرضية الثانية التي تقدم لفهم العنف المدرسي هي أن المدرسة تتلقى العنف الّذي يستلل إليها/ أو يفيض عليها من الخارج: العنف الأسري، شبكات الأتراب، عنف الشارع، وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. هذا أيضا ينطبق على المدرسة التونسية التي يحاصرها العنف ويخلع أبوابها المهترئة أصلا".
ويختم مهدي مبروك "لذا فان المقاربة لن تكون إلا شاملة. هذا ليس تعويما بل شرط الإصلاح. تجارب مقارنة عديدة يمكن أن تجعل من العنف المدرسي ظاهرة يمكن علاجها وليست قدرا محتوما متى آمنا أن هذا ضرورة ملحة".