إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

اتهامات للأجهزة الأمنية وتشكيك في الطب الشرعي.. عشرات الوفيات المسترابة والفاعل مجهول!

تونس- الصباح

ما تزال الوفاة المسترابة للناشط المدني عبد الرزاق الأشهب، في مدينة عقارب والتي يرفض أهلها فتح المصب البلدي المغلق بقرار قضائي، تحوم حولها الكثير من الشبهات، رغم صدور التقرير الأولي الذي أجراه طبيبان شرعيان بمستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس وخلص في نهايته إلى أن الوفاة من الأرجح أن تكون طبيعية من جراء انسداد تام بالشريان التاجي الأيسر تسبب في قصور حاد بوظائف القلب.

لكن تزامن وفاة عبد الرزاق الاشهب مع القمع الأمني لتحركات أهالي عقارب الرافضين لإعادة فتح المصب بعد تكدس أطنان النفايات بولايات صفاقس لأكثر من شهر، أثار الكثير من الشكوك والتي طالت حتى تقرير الطب الشرعي خاصة وأن عائلة وأصدقاء الضحية يصرون على أنه توفي نتيجة الاختناق الشديد بالغاز المسيّل للدموع والذي تم استعماله بكثافة من طرف القوات الأمنية.

وأعادت قضية وفاة عبد الرزاق الأشهب تسليط الضوء على ملف بقي أشبه باللغز منذ الثورة إلى اليوم وهو مسألة وفاة عدد هام من المواطنين سواء في مراكز الاحتفاظ أو أثناء الملاحقات الأمنية أو عملية الإيقاف والتي طالما وضعت الأجهزة الأمنية في موضع الشبهة.. ففي سنة 2021 التي لم تنته بعد تم تسجيل أربع حالات مسترابة ومنها وفاة أحمد عمارة وعبد السلام زيان وهيكل الراشدي وآخرها وفاة عبد الرزاق الأشهب.. كما تطرح مسألة أخرى على غاية من الخطورة وهي مدى الثقة في تقارير الطب الشرعي عندما تكون الجهة محل النزاع هي جهة رسمية.

عشرات الضحايا.. الموت مستراب والجناة غير موجودين!

قبل عبد الرزاق الاشهب وفي جوان الماضي توفي الشاب أحمد عمارة بعد ساعات من توقيفه من قبل قوات الامن على خلفيات الاحتجاجات التي اندلعت في الاحياء الشعبية بكل من سيدي حسين وحي التضامن وذلك بسبب الاعتداء عليه بالعنف الشديد من طرف عدد من أعوان الأمن، حسب رواية عائلته ورغم فتح تحقيق في هذه القضية إلا أنه وإلى اليوم لا أحد يعرف مآل هذا التحقيق أو إلى ماذا انتهى!

وتبقى وفاة عبد السلام زيّان، في مارس الماضي، أبرز حادثة تؤكد مدى ما يتعرض له الموقوفون في مراكز الإيقاف من سوء معاملة بحيث توفي عبد السلام زيان بعد تعكّر حالته الصحيّة خلال إيقافه بالسجن المدني بصفاقس إثر إيداع بطاقة سجن ضدّه وضدّ شقيقه بسبب »خرق قانون حظر الجولان وهضم جانب موظّف عمومي «  وكان الزيان مصابا بالسكّري ويحتاج إلى جرعات من الأنسولين. وقد رفض أعوان الأمن عند الاحتفاظ به تمكينه من جرعات الأنسولين، التي يحتاجها رغم استغاثة شقيقه وقد أقرّ تقرير الطبّ الشرعي بوفاة الضحية بسبب عدم منحه جرعات الأنسولين.

وقبل ذلك في أواخر شهر جانفي الماضي توفي الشاب هيكل الراشدي بعد اصابته في الاحتجاجات التي شهدتها منطقة سبيطلة من ولاية القصرين .وقد ذكرت عائلته بأن ابنها تعرض إلى اعتداء أثناء الاحتجاجات الليلية التي عاش على وقعها حي السرور بالقصرين في تلك الفترة، في حين نفت وزارة الداخلية وجود اثبات عن تعرضه إلى إصابة بقذيفة غاز.

في ماي 2017 هزت وفاة أنور السكرافي جهة تطاوين التي كانت تعيش على وقع احتجاجات عارمة واعتصام الكامور، وتوفي أنور السكرافي اثر تدخل أمني بمنطقة الكامور لإعادة فتح الفانا المغلقة من طرف الشباب المحتج بالجهة على الحق في العمل والتشغيل في الشركات البترولية بالمنطقة، وفي 30 جانفي الماضي صدر حكم قضائي بعدم سماع الدعوى في قضية وفاة أنور السكرافي!

وكانت وفاة الشاب وليد دنقير في نوفمبر 2013 قد هزت الرأي العام والذي توفي بعد ساعة من ملاحقته من طرف دورية أمنية والقاء القبض عليه بسبب تورطه في الاتجار بالمخدرات وفي حين تُصرّ العائلة على أن ابنها توفي بعد الاعتداء عليه بالعنف الشديد، بالنظر إلى الآثار التي كانت بادية على جسده كذّب الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي وقتها العائلة وأكد أن تقرير الطبّ الشرعي وبعد عدد من التحاليل تبيّن أن الشاب المرحوم "وليد دنقير" توفي نتيجة إفراط في استهلاك مواد مخدرة.

ولم يكن مصير المواطن عبد المجيد الجدي أفضل من مصير دنقير حيث أعلمت منطقة الامن بسيدي بوزيد عائلته في ماي 2015 أنه انتحر باللحاف في غرفة الإيقاف بمركز الامن بعد القبض عليه بوقت وجيز!

والى اليوم ما تزال قضية الأختين أنس وأحلام الدلهومي التي جدت في ماي 2014 بمثابة اللغز خاصة بعد وفاتهما المحيرة والصادمة لعائلتيهما حيث توفيتا وهما في سيارتهما بعدما أمطرتهما سيارة أمنية بوابل من الرصاص وهما في طريق العودة الى المنزل بعد سهرة مع الأصدقاء وحسب الرواية الأمنية فإنّ أعوان أمن يرتدون الزي النّظامي تابعين لدورية مكونة من ثلاث سيارات أمنية أطلقوا النيران على البلور الخلفي لسيارة تحمل رقما منجميا أجنبيا على متنها سبعة أفراد بسبب مرورها بسرعة كبيرة في حين تؤكد شقيقتهما أنها كانت رفقة الفقيدتين وأحد أقاربهم في طريق العودة إلى منازلهم إثر قضائهم سهرة في أحد المنتزهات. وقد كانوا حوالي الساعة منتصف الليل والنصف على متن السيارة عائدين عبر طريق “العريش” حين لمحوا عند المفترق الفاصل بين حي الخضراء وحي البساتين سيارة واحدة وعددا من الأشخاص ظنوا أنهم قاطعو طرق أو لصوص فلم يمتثلوا لإشارات التوقف وواصلوا طريقهم ببطء نظرا لوجود حفر بالطريق وهو ما جعل السيارة في مرمى نيران الأمن.

ومثل بقية الشباب الذي قضى في ظروف غامضة، هزت وفاة عمر العبيدي محب النادي الافريقي كل الجماهير الرياضية في 2017 وهو الذي توفي بعد مطاردته من عناصر أمنية بعد مقابلة كروية، مطاردة انتهت به بإجباره على القفز في واد قريب من ملعب رادس ورغم استنجاده بعون الامن وتأكيده انه لا يعرف السباحة.. الا ان إجابة عون الامن وقوله لعمر »تعلم عوم «  ما تزال تستفز الجماهير الى اليوم لأن عمر الذي مات غرقا لم يكن يعرف كيف يسبح.

وكل الأمثلة المذكورة ليس الا عينة من عشرات الوفيات المسترابة دون ان نعرف الى اليوم حقيقة وملابسات وفاتهم.

منظمات حقوقية تندد..

منذ سنوات ومنظمات حقوقية دولية تندد بارتفاع مستويات العنف الأمني في تونس وبلوغها مؤشرات خطيرة تضع التكوين الأمني ومدى تشبع وزارة الداخلية بثقافة حقوق الانسان على محك النقد والاستهجان، حيث عبرت منظمة العفو الدولية الجمعة عن قلقها إزاء تواصل ظاهرة إفلات عناصر الشرطة من العقاب، كما أكدت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب في كل تقاريرها التي أصدرتها أن باحث البداية يُمارس أساليب وحشيّة في التعذيب مثل الرش بالغاز على الجهاز التناسلي أو المؤخرة والنقر بالعصا على عظم الركبة وهو ما يؤكّد أنّ تلك الأساليب مدروسة ويتمّ توريثها من جيل إلى جيل. كما لا يتورّع أعوان شرطة عن القيام بمطاردات مجانيّة ذات طابع انتقامي لا لشيء إلاّ لاستعراض القوة والتخويف. وبسبب تلك المطاردات يصاب الضحايا بأضرار بدنيّة جسيمة ثمّ تلفّق لهم قضايا هضم جانب موظّف لإجبارهم على إسقاط دعاويهم. في حين يتواصل الإهمال الصحي بمراكز الاحتجاز ويتسبّب في فقدان بعض المحتجزين لحياتهم.

وفي سياق تكرر الاعتداءات الأمنية أثناء الاحتجاجات أو الإيقاف أكد في تصريح لــ"الصباح" الأستاذ منذر الشارني رئيس المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب أن المنظمة وعددا من الجمعيات والمنظمات الوطنية تستنكر بأشد عبارات الرفض حادثة وفاة الناشط البيئي عبد الرزاق لشهب خنقا بالقنابل المسيلة للدموع والتي استعملت بشكل عشوائي ومشط في محاولة لتفريق المحتجين مضيفا ان "المنظمة تستنكر رواية وزارة الداخلية الكاذبة حول وفاة الشاب عبد الرزاق لشهب وتعتبرها مواصلة لسياسات اتصالية بائدة تقوم على المغالطة وتزييف المعطيات والأدلة، كما ترفض أي محاولات لتبرير تلك العملية من أي جهة كانت لأن ذلك لا يمكن إلا أن يضاعف من منسوب الاحتقان والتعفن الاجتماعي، ويكرس ثقافة العنف والقتل والجريمة".

نقص فادح في إجراءات الإيقاف والاحتفاظ من طرف الأجهزة الأمنية

أنجزت الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية مع توفيق بودربالة والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب دليلا عمليا ومبسطا حول منظومة الاحتفاظ لدى الضابطة العدلية أثناء إجراءات البحث الابتدائي. وقد ارتأت نشر دليل عملي حول حقوق المحتفظ بهم في القانون التونسي موجه للمختصين وللعموم على حد سواء في نطاق سعيهما للتعريف بالضمانات القانونية التي توفرها الاجراءات الجزائية في فترة خطيرة يحرم فيها الفرد من حريته. وانتهت الدراسة الى كون تطبيق القانون الجديد، بعد تنقيح مجلة الإجراءات الجزائية الى وجود عديد الثغرات التي من الواجب تداركها مثل اشكالية بداية احتساب مدة الاحتفاظ وغياب اي آلية للطعن في قرار النيابة العمومية بالاحتفاظ او بالتمديد فيه علاوة على ما أظهره التطبيق العملي من تجاهل من قبل بعض الباحثين العدليين لطلب المحتفظ بهم الاستعانة بمحام او العرض على الفحص الطبي دون وجود جزاء لذلك التجاهل او الرفض لتلك الطلبات.

وقد أوصى الدليل أنه يجب أن يتم التمديد في مدة الاحتفاظ بقرار معلل من وكيل الجمهورية وألا يتجاوز في الجنح 24 ساعة وفي الجنايات 48 ساعة وأنه يتوجب على السلط الأمنية احترام حقوق المحتفظ بهم منها الاعلام بقرار الاحتفاظ ومدته والاعلام اذا تم تمديد الاحتفاظ من طرف النيابة العمومية والحق في اختيار محام والحق في تسخير طبيب لإجراء الفحص الطبي اذا طلب المحتفظ به ذلك. بالإضافة الى اعلام قرين المحتفظ به او عائلته من الأصول والفروع بأنه قيد الاحتفاظ..

ورغم ان هذه الإجراءات تبدو بسيطة وغير مرهقة لأي طرف الا أنه والى اليوم وفي أغلبية عمليات الاحتفاظ لا تلتزم بها الأجهزة الأمنية وان التزمت ببند فإنها تُهمل البند الآخر.

 

منية العرفاوي

اتهامات للأجهزة الأمنية وتشكيك في الطب الشرعي.. عشرات الوفيات المسترابة والفاعل مجهول!

تونس- الصباح

ما تزال الوفاة المسترابة للناشط المدني عبد الرزاق الأشهب، في مدينة عقارب والتي يرفض أهلها فتح المصب البلدي المغلق بقرار قضائي، تحوم حولها الكثير من الشبهات، رغم صدور التقرير الأولي الذي أجراه طبيبان شرعيان بمستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس وخلص في نهايته إلى أن الوفاة من الأرجح أن تكون طبيعية من جراء انسداد تام بالشريان التاجي الأيسر تسبب في قصور حاد بوظائف القلب.

لكن تزامن وفاة عبد الرزاق الاشهب مع القمع الأمني لتحركات أهالي عقارب الرافضين لإعادة فتح المصب بعد تكدس أطنان النفايات بولايات صفاقس لأكثر من شهر، أثار الكثير من الشكوك والتي طالت حتى تقرير الطب الشرعي خاصة وأن عائلة وأصدقاء الضحية يصرون على أنه توفي نتيجة الاختناق الشديد بالغاز المسيّل للدموع والذي تم استعماله بكثافة من طرف القوات الأمنية.

وأعادت قضية وفاة عبد الرزاق الأشهب تسليط الضوء على ملف بقي أشبه باللغز منذ الثورة إلى اليوم وهو مسألة وفاة عدد هام من المواطنين سواء في مراكز الاحتفاظ أو أثناء الملاحقات الأمنية أو عملية الإيقاف والتي طالما وضعت الأجهزة الأمنية في موضع الشبهة.. ففي سنة 2021 التي لم تنته بعد تم تسجيل أربع حالات مسترابة ومنها وفاة أحمد عمارة وعبد السلام زيان وهيكل الراشدي وآخرها وفاة عبد الرزاق الأشهب.. كما تطرح مسألة أخرى على غاية من الخطورة وهي مدى الثقة في تقارير الطب الشرعي عندما تكون الجهة محل النزاع هي جهة رسمية.

عشرات الضحايا.. الموت مستراب والجناة غير موجودين!

قبل عبد الرزاق الاشهب وفي جوان الماضي توفي الشاب أحمد عمارة بعد ساعات من توقيفه من قبل قوات الامن على خلفيات الاحتجاجات التي اندلعت في الاحياء الشعبية بكل من سيدي حسين وحي التضامن وذلك بسبب الاعتداء عليه بالعنف الشديد من طرف عدد من أعوان الأمن، حسب رواية عائلته ورغم فتح تحقيق في هذه القضية إلا أنه وإلى اليوم لا أحد يعرف مآل هذا التحقيق أو إلى ماذا انتهى!

وتبقى وفاة عبد السلام زيّان، في مارس الماضي، أبرز حادثة تؤكد مدى ما يتعرض له الموقوفون في مراكز الإيقاف من سوء معاملة بحيث توفي عبد السلام زيان بعد تعكّر حالته الصحيّة خلال إيقافه بالسجن المدني بصفاقس إثر إيداع بطاقة سجن ضدّه وضدّ شقيقه بسبب »خرق قانون حظر الجولان وهضم جانب موظّف عمومي «  وكان الزيان مصابا بالسكّري ويحتاج إلى جرعات من الأنسولين. وقد رفض أعوان الأمن عند الاحتفاظ به تمكينه من جرعات الأنسولين، التي يحتاجها رغم استغاثة شقيقه وقد أقرّ تقرير الطبّ الشرعي بوفاة الضحية بسبب عدم منحه جرعات الأنسولين.

وقبل ذلك في أواخر شهر جانفي الماضي توفي الشاب هيكل الراشدي بعد اصابته في الاحتجاجات التي شهدتها منطقة سبيطلة من ولاية القصرين .وقد ذكرت عائلته بأن ابنها تعرض إلى اعتداء أثناء الاحتجاجات الليلية التي عاش على وقعها حي السرور بالقصرين في تلك الفترة، في حين نفت وزارة الداخلية وجود اثبات عن تعرضه إلى إصابة بقذيفة غاز.

في ماي 2017 هزت وفاة أنور السكرافي جهة تطاوين التي كانت تعيش على وقع احتجاجات عارمة واعتصام الكامور، وتوفي أنور السكرافي اثر تدخل أمني بمنطقة الكامور لإعادة فتح الفانا المغلقة من طرف الشباب المحتج بالجهة على الحق في العمل والتشغيل في الشركات البترولية بالمنطقة، وفي 30 جانفي الماضي صدر حكم قضائي بعدم سماع الدعوى في قضية وفاة أنور السكرافي!

وكانت وفاة الشاب وليد دنقير في نوفمبر 2013 قد هزت الرأي العام والذي توفي بعد ساعة من ملاحقته من طرف دورية أمنية والقاء القبض عليه بسبب تورطه في الاتجار بالمخدرات وفي حين تُصرّ العائلة على أن ابنها توفي بعد الاعتداء عليه بالعنف الشديد، بالنظر إلى الآثار التي كانت بادية على جسده كذّب الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي وقتها العائلة وأكد أن تقرير الطبّ الشرعي وبعد عدد من التحاليل تبيّن أن الشاب المرحوم "وليد دنقير" توفي نتيجة إفراط في استهلاك مواد مخدرة.

ولم يكن مصير المواطن عبد المجيد الجدي أفضل من مصير دنقير حيث أعلمت منطقة الامن بسيدي بوزيد عائلته في ماي 2015 أنه انتحر باللحاف في غرفة الإيقاف بمركز الامن بعد القبض عليه بوقت وجيز!

والى اليوم ما تزال قضية الأختين أنس وأحلام الدلهومي التي جدت في ماي 2014 بمثابة اللغز خاصة بعد وفاتهما المحيرة والصادمة لعائلتيهما حيث توفيتا وهما في سيارتهما بعدما أمطرتهما سيارة أمنية بوابل من الرصاص وهما في طريق العودة الى المنزل بعد سهرة مع الأصدقاء وحسب الرواية الأمنية فإنّ أعوان أمن يرتدون الزي النّظامي تابعين لدورية مكونة من ثلاث سيارات أمنية أطلقوا النيران على البلور الخلفي لسيارة تحمل رقما منجميا أجنبيا على متنها سبعة أفراد بسبب مرورها بسرعة كبيرة في حين تؤكد شقيقتهما أنها كانت رفقة الفقيدتين وأحد أقاربهم في طريق العودة إلى منازلهم إثر قضائهم سهرة في أحد المنتزهات. وقد كانوا حوالي الساعة منتصف الليل والنصف على متن السيارة عائدين عبر طريق “العريش” حين لمحوا عند المفترق الفاصل بين حي الخضراء وحي البساتين سيارة واحدة وعددا من الأشخاص ظنوا أنهم قاطعو طرق أو لصوص فلم يمتثلوا لإشارات التوقف وواصلوا طريقهم ببطء نظرا لوجود حفر بالطريق وهو ما جعل السيارة في مرمى نيران الأمن.

ومثل بقية الشباب الذي قضى في ظروف غامضة، هزت وفاة عمر العبيدي محب النادي الافريقي كل الجماهير الرياضية في 2017 وهو الذي توفي بعد مطاردته من عناصر أمنية بعد مقابلة كروية، مطاردة انتهت به بإجباره على القفز في واد قريب من ملعب رادس ورغم استنجاده بعون الامن وتأكيده انه لا يعرف السباحة.. الا ان إجابة عون الامن وقوله لعمر »تعلم عوم «  ما تزال تستفز الجماهير الى اليوم لأن عمر الذي مات غرقا لم يكن يعرف كيف يسبح.

وكل الأمثلة المذكورة ليس الا عينة من عشرات الوفيات المسترابة دون ان نعرف الى اليوم حقيقة وملابسات وفاتهم.

منظمات حقوقية تندد..

منذ سنوات ومنظمات حقوقية دولية تندد بارتفاع مستويات العنف الأمني في تونس وبلوغها مؤشرات خطيرة تضع التكوين الأمني ومدى تشبع وزارة الداخلية بثقافة حقوق الانسان على محك النقد والاستهجان، حيث عبرت منظمة العفو الدولية الجمعة عن قلقها إزاء تواصل ظاهرة إفلات عناصر الشرطة من العقاب، كما أكدت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب في كل تقاريرها التي أصدرتها أن باحث البداية يُمارس أساليب وحشيّة في التعذيب مثل الرش بالغاز على الجهاز التناسلي أو المؤخرة والنقر بالعصا على عظم الركبة وهو ما يؤكّد أنّ تلك الأساليب مدروسة ويتمّ توريثها من جيل إلى جيل. كما لا يتورّع أعوان شرطة عن القيام بمطاردات مجانيّة ذات طابع انتقامي لا لشيء إلاّ لاستعراض القوة والتخويف. وبسبب تلك المطاردات يصاب الضحايا بأضرار بدنيّة جسيمة ثمّ تلفّق لهم قضايا هضم جانب موظّف لإجبارهم على إسقاط دعاويهم. في حين يتواصل الإهمال الصحي بمراكز الاحتجاز ويتسبّب في فقدان بعض المحتجزين لحياتهم.

وفي سياق تكرر الاعتداءات الأمنية أثناء الاحتجاجات أو الإيقاف أكد في تصريح لــ"الصباح" الأستاذ منذر الشارني رئيس المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب أن المنظمة وعددا من الجمعيات والمنظمات الوطنية تستنكر بأشد عبارات الرفض حادثة وفاة الناشط البيئي عبد الرزاق لشهب خنقا بالقنابل المسيلة للدموع والتي استعملت بشكل عشوائي ومشط في محاولة لتفريق المحتجين مضيفا ان "المنظمة تستنكر رواية وزارة الداخلية الكاذبة حول وفاة الشاب عبد الرزاق لشهب وتعتبرها مواصلة لسياسات اتصالية بائدة تقوم على المغالطة وتزييف المعطيات والأدلة، كما ترفض أي محاولات لتبرير تلك العملية من أي جهة كانت لأن ذلك لا يمكن إلا أن يضاعف من منسوب الاحتقان والتعفن الاجتماعي، ويكرس ثقافة العنف والقتل والجريمة".

نقص فادح في إجراءات الإيقاف والاحتفاظ من طرف الأجهزة الأمنية

أنجزت الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية مع توفيق بودربالة والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب دليلا عمليا ومبسطا حول منظومة الاحتفاظ لدى الضابطة العدلية أثناء إجراءات البحث الابتدائي. وقد ارتأت نشر دليل عملي حول حقوق المحتفظ بهم في القانون التونسي موجه للمختصين وللعموم على حد سواء في نطاق سعيهما للتعريف بالضمانات القانونية التي توفرها الاجراءات الجزائية في فترة خطيرة يحرم فيها الفرد من حريته. وانتهت الدراسة الى كون تطبيق القانون الجديد، بعد تنقيح مجلة الإجراءات الجزائية الى وجود عديد الثغرات التي من الواجب تداركها مثل اشكالية بداية احتساب مدة الاحتفاظ وغياب اي آلية للطعن في قرار النيابة العمومية بالاحتفاظ او بالتمديد فيه علاوة على ما أظهره التطبيق العملي من تجاهل من قبل بعض الباحثين العدليين لطلب المحتفظ بهم الاستعانة بمحام او العرض على الفحص الطبي دون وجود جزاء لذلك التجاهل او الرفض لتلك الطلبات.

وقد أوصى الدليل أنه يجب أن يتم التمديد في مدة الاحتفاظ بقرار معلل من وكيل الجمهورية وألا يتجاوز في الجنح 24 ساعة وفي الجنايات 48 ساعة وأنه يتوجب على السلط الأمنية احترام حقوق المحتفظ بهم منها الاعلام بقرار الاحتفاظ ومدته والاعلام اذا تم تمديد الاحتفاظ من طرف النيابة العمومية والحق في اختيار محام والحق في تسخير طبيب لإجراء الفحص الطبي اذا طلب المحتفظ به ذلك. بالإضافة الى اعلام قرين المحتفظ به او عائلته من الأصول والفروع بأنه قيد الاحتفاظ..

ورغم ان هذه الإجراءات تبدو بسيطة وغير مرهقة لأي طرف الا أنه والى اليوم وفي أغلبية عمليات الاحتفاظ لا تلتزم بها الأجهزة الأمنية وان التزمت ببند فإنها تُهمل البند الآخر.

 

منية العرفاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews