تسارع كبير للأحداث وطنيا ينبئ بأن حكومة نجلاء بودن أو حكومة الرئيس إن صح التعبير، وإن لم تلتقط أنفاسها بعد بمرور شهر فقط على تعيينها، تجد نفسها اليوم في مواجهة موجة احتجاجات متصاعدة، وفق المستجدات الأخيرة في عقارب والكامور وغيرها من الجهات.
واللافت أن موسم الاحتجاجات الذي يبدو أنه انطلق مبكرا، يأتي في سياق مغاير هذه المرة عن السنوات الماضية، التي لم يتخلف فيه الحراك الاجتماعي عن موعدي ديسمبر وجانفي شهري الاحتجاجات بامتياز، لكن تبدو المواجهة غير متكافئة اليوم، بين حكومة تصارع وضعا ماليا واقتصاديا خطيرا وغير مسبوق وفي شبه عزلة داخليا ودوليا للاعتبارات السياسية المرتبطة بما بعد 25 جويلية، وبين حراك اجتماعي وشعبي يلوح بدوره غير مسبوق في ظل تداعيات اجتماعية بعد أزمة كورونا ومطلبية وسقف انتظارات عال من الرئيس قيس سعيد في صفوف أنصاره، وتأجيج قد يلجأ إليه معارضو الرئيس لرفع ورقة الاحتجاجات في الشوارع في وجهه.
وكل هذا يطرح تساؤلا حارقا ماذا أعدت حكومة بودن لمواجهة هذا الوضع؟
تطورات عقارب
عاشت معتمدية عقارب ليلة أول أمس وأمس على وقع تطورات خطيرة بعد حالة الاحتقان والاحتجاجات التي انطلقت بداية بسبب محاولة السلطة فتح مصب النفايات بالمنطقة بالقوة وكسر القرار القضائي القاضي بغلقه، وانتهت إلى تطورات مأساوية وتصعيد اثر وفاة شاب اختناقا بالغاز المسيل للدموع تم استعماله لتفريق المحتجين الرافضين لعودة المصب للعمل.
وقد تطور الاحتقان بعقارب إلى مواجهات بين المواطنين وقوات الأمن بعد اقتحام مركز للحرس الوطني من قبل محتجين على وفاة الشاب وواصلت القوات الأمنية اللجوء إلى استعمال الغاز المسيل للدموع. اثر ذلك قرّر الاتحاد المحلي للشغل بعقارب تنفيذ إضراب عام اليوم بكامل المنطقة على خلفية التطورات الحاصلة وفق ما أفادت به مصادر إعلامية.
تجدر الإشارة أن قرار اللجوء إلى فتح المصب بالقوة كحل ارتأته السلطة التنفيذية لمواجهة أزمة النفايات بصفاقس كان على اثر الاجتماع الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد، أول أمس برئيسة الحكومة وتوفيق شرف الدّين، وزير الداخلية.
واعتبر كثيرون أن كلام الرئيس بالمناسبة كان الضوء الأخضر لفتح المصب حيث شدّد على أنه يجب تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة، وعلى أنه لا مجال للمسّ بصحّة المواطنين في كلّ مكان. كما أكد رئيس الدولة على أن هذا الوضع لا يُمكن أن يستمرّ، وعلى أن محاولة تأجيج الوضع الاجتماعي بمثل هذه الممارسات صار معلوما لدى عامة الشعب. وأمر وزير الداخلية بالتدخّل الفوري لوضع حدّ للأوضاع السائدة في مدينة صفاقس.
الكامور من جديد
ولعل غياب الحول العاجلة أمام الحكومة لمواجهة مشكل النفايات في صفاقس دفعها دفعا للمرور بقوة ومن ثمة الوقوع في محظور المعالجة الأمنية. غير أن مؤشرات تصاعد وتيرة الاحتجاجات والمطلبية تطرح تحديات جمة ومخاوف من شكل المعالجة التي قد تلجأ لها السلطة التنفيذية في التعاطي مع أحداث أخرى بدأت تطل برأسها.
فإلى جانب احتجاجات أهالي عقارب بسبب المصب سجل أمس احتجاج عمال الحضائر للمطالبة بإنزال الأوامر الترتيبية وتفعيل القانون عدد 27/2021 بساحة القصبة كما نفذ عشرات المعطلين عن العمل بولاية سوسة، ممن طالت بطالتهم 10 سنوات، أول أمس، وقفة احتجاجية بساحة حقوق الإنسان، للمطالبة بالانتداب الفوري في الوظيفة العمومية، للمعتصمين بمقر المندوبية الجهوية للتربية منذ 27 سبتمبر المنقضي. وردّد المحتجون، شعارات "يا رئيس الجمهورية وينو وعدك للقضية.. يا حكومة عار عار والمتخرج شاد الدار.. مطالبنا اجتماعية مش زيادة في الشهرية…"
عاد أيضا إلى السطح من جديد ملف الكامور كما رفع من جديد شعار "تطاوين الرخ لا " وذلك بعد عودة أعضاء تنسيقية اعتصام الكامور وأهالي ولاية تطاوين إلى المطالبة بتطبيق اتفاقية الكامور ملوحين بالتصعيد وبغلق كل المنافذ المؤدية للشركات النفطية يوم 20 نوفمبر الجاري إن لم يتم تطبيق الاتفاقية.
ونشرت التنسيقية أول أمس على صفحتها بموقع “فايسبوك” مقطع فيديو للناطق الرسمي باسم الاعتصام طارق الحداد أكد فيه أنه بعد انتظار 5 سنوات وما تعرضوا له من تسويف من قبل كل الحكومات والمنظمات على حد قوله فإنهم قرروا إعطاء مهلة للحكومة للتسريع في تطبيق اتفاق الكامور أو سيتم غلق جميع المنافذ المؤدية للشركات البترولية قائلا "..يوم 20 نوفمبر يا تجيبو اتفاق الكامور يا تجيبو 400 ألف كعبة كريموجان.. هذا ليس تهديدا.. قلتم إن السيادة للشعب واتفاق الكامور يجب أن يطبق ".
قصور المعالجة الأمنية
أمام هذه التطورات في عقارب وغيرها والمخاوف من تمادي الحكومة في اللجوء إلى المعالجة الأمنية في غياب الحلول العاجلة دعا أمس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان الدولة إلى ضرورة إنارة الرأي العام حول الإستراتيجية المزمع اتباعها لاحتواء نفايات صفاقس وتونس الكبرى مع اقتراب الآجال القانونية لغلق مصبي عقارب وبرج شاكير، مندّدا بالتزامها الصمت وتصدير أزمة عجزها عن إيجاد البدائل والحلول إلى المواطنين بخلق صراعات مناطقية وجهوية وفئوية.
واعتبر المنتدى أن أزمة التعامل مع النفايات في صفاقس "تعكس لا فقط العجز الإداري والمؤسساتي عن إيجاد حلول للمشاكل البيئية بل تبرز قصور التعامل السياسي مع الأزمات الاجتماعية ومواصلة سياسات التعامل الأمني مع المطالب الاجتماعية والبيئية وتؤبد لصورة الدولة المخلة بتعهداتها وغير الملتزمة بقرارات القضاء".
ودعا المنتدى رئاسة الجمهورية إلى "القطع مع السياسات السابقة في التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية وفرض حلول أثبتت فشلها وتجسيم وعودها بإيجاد حلول وبدائل وتصورات حقيقة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئة التي طالما تكررت في خطاباتها، محذّرا من عودة المعالجات الأمنية للتصدي للمطالب الاجتماعية المشروعة والتي لن تزيد الوضع الاجتماعي والسياسي إلا تعقيدا".
م.ي
تونس-الصباح
تسارع كبير للأحداث وطنيا ينبئ بأن حكومة نجلاء بودن أو حكومة الرئيس إن صح التعبير، وإن لم تلتقط أنفاسها بعد بمرور شهر فقط على تعيينها، تجد نفسها اليوم في مواجهة موجة احتجاجات متصاعدة، وفق المستجدات الأخيرة في عقارب والكامور وغيرها من الجهات.
واللافت أن موسم الاحتجاجات الذي يبدو أنه انطلق مبكرا، يأتي في سياق مغاير هذه المرة عن السنوات الماضية، التي لم يتخلف فيه الحراك الاجتماعي عن موعدي ديسمبر وجانفي شهري الاحتجاجات بامتياز، لكن تبدو المواجهة غير متكافئة اليوم، بين حكومة تصارع وضعا ماليا واقتصاديا خطيرا وغير مسبوق وفي شبه عزلة داخليا ودوليا للاعتبارات السياسية المرتبطة بما بعد 25 جويلية، وبين حراك اجتماعي وشعبي يلوح بدوره غير مسبوق في ظل تداعيات اجتماعية بعد أزمة كورونا ومطلبية وسقف انتظارات عال من الرئيس قيس سعيد في صفوف أنصاره، وتأجيج قد يلجأ إليه معارضو الرئيس لرفع ورقة الاحتجاجات في الشوارع في وجهه.
وكل هذا يطرح تساؤلا حارقا ماذا أعدت حكومة بودن لمواجهة هذا الوضع؟
تطورات عقارب
عاشت معتمدية عقارب ليلة أول أمس وأمس على وقع تطورات خطيرة بعد حالة الاحتقان والاحتجاجات التي انطلقت بداية بسبب محاولة السلطة فتح مصب النفايات بالمنطقة بالقوة وكسر القرار القضائي القاضي بغلقه، وانتهت إلى تطورات مأساوية وتصعيد اثر وفاة شاب اختناقا بالغاز المسيل للدموع تم استعماله لتفريق المحتجين الرافضين لعودة المصب للعمل.
وقد تطور الاحتقان بعقارب إلى مواجهات بين المواطنين وقوات الأمن بعد اقتحام مركز للحرس الوطني من قبل محتجين على وفاة الشاب وواصلت القوات الأمنية اللجوء إلى استعمال الغاز المسيل للدموع. اثر ذلك قرّر الاتحاد المحلي للشغل بعقارب تنفيذ إضراب عام اليوم بكامل المنطقة على خلفية التطورات الحاصلة وفق ما أفادت به مصادر إعلامية.
تجدر الإشارة أن قرار اللجوء إلى فتح المصب بالقوة كحل ارتأته السلطة التنفيذية لمواجهة أزمة النفايات بصفاقس كان على اثر الاجتماع الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد، أول أمس برئيسة الحكومة وتوفيق شرف الدّين، وزير الداخلية.
واعتبر كثيرون أن كلام الرئيس بالمناسبة كان الضوء الأخضر لفتح المصب حيث شدّد على أنه يجب تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة، وعلى أنه لا مجال للمسّ بصحّة المواطنين في كلّ مكان. كما أكد رئيس الدولة على أن هذا الوضع لا يُمكن أن يستمرّ، وعلى أن محاولة تأجيج الوضع الاجتماعي بمثل هذه الممارسات صار معلوما لدى عامة الشعب. وأمر وزير الداخلية بالتدخّل الفوري لوضع حدّ للأوضاع السائدة في مدينة صفاقس.
الكامور من جديد
ولعل غياب الحول العاجلة أمام الحكومة لمواجهة مشكل النفايات في صفاقس دفعها دفعا للمرور بقوة ومن ثمة الوقوع في محظور المعالجة الأمنية. غير أن مؤشرات تصاعد وتيرة الاحتجاجات والمطلبية تطرح تحديات جمة ومخاوف من شكل المعالجة التي قد تلجأ لها السلطة التنفيذية في التعاطي مع أحداث أخرى بدأت تطل برأسها.
فإلى جانب احتجاجات أهالي عقارب بسبب المصب سجل أمس احتجاج عمال الحضائر للمطالبة بإنزال الأوامر الترتيبية وتفعيل القانون عدد 27/2021 بساحة القصبة كما نفذ عشرات المعطلين عن العمل بولاية سوسة، ممن طالت بطالتهم 10 سنوات، أول أمس، وقفة احتجاجية بساحة حقوق الإنسان، للمطالبة بالانتداب الفوري في الوظيفة العمومية، للمعتصمين بمقر المندوبية الجهوية للتربية منذ 27 سبتمبر المنقضي. وردّد المحتجون، شعارات "يا رئيس الجمهورية وينو وعدك للقضية.. يا حكومة عار عار والمتخرج شاد الدار.. مطالبنا اجتماعية مش زيادة في الشهرية…"
عاد أيضا إلى السطح من جديد ملف الكامور كما رفع من جديد شعار "تطاوين الرخ لا " وذلك بعد عودة أعضاء تنسيقية اعتصام الكامور وأهالي ولاية تطاوين إلى المطالبة بتطبيق اتفاقية الكامور ملوحين بالتصعيد وبغلق كل المنافذ المؤدية للشركات النفطية يوم 20 نوفمبر الجاري إن لم يتم تطبيق الاتفاقية.
ونشرت التنسيقية أول أمس على صفحتها بموقع “فايسبوك” مقطع فيديو للناطق الرسمي باسم الاعتصام طارق الحداد أكد فيه أنه بعد انتظار 5 سنوات وما تعرضوا له من تسويف من قبل كل الحكومات والمنظمات على حد قوله فإنهم قرروا إعطاء مهلة للحكومة للتسريع في تطبيق اتفاق الكامور أو سيتم غلق جميع المنافذ المؤدية للشركات البترولية قائلا "..يوم 20 نوفمبر يا تجيبو اتفاق الكامور يا تجيبو 400 ألف كعبة كريموجان.. هذا ليس تهديدا.. قلتم إن السيادة للشعب واتفاق الكامور يجب أن يطبق ".
قصور المعالجة الأمنية
أمام هذه التطورات في عقارب وغيرها والمخاوف من تمادي الحكومة في اللجوء إلى المعالجة الأمنية في غياب الحلول العاجلة دعا أمس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان الدولة إلى ضرورة إنارة الرأي العام حول الإستراتيجية المزمع اتباعها لاحتواء نفايات صفاقس وتونس الكبرى مع اقتراب الآجال القانونية لغلق مصبي عقارب وبرج شاكير، مندّدا بالتزامها الصمت وتصدير أزمة عجزها عن إيجاد البدائل والحلول إلى المواطنين بخلق صراعات مناطقية وجهوية وفئوية.
واعتبر المنتدى أن أزمة التعامل مع النفايات في صفاقس "تعكس لا فقط العجز الإداري والمؤسساتي عن إيجاد حلول للمشاكل البيئية بل تبرز قصور التعامل السياسي مع الأزمات الاجتماعية ومواصلة سياسات التعامل الأمني مع المطالب الاجتماعية والبيئية وتؤبد لصورة الدولة المخلة بتعهداتها وغير الملتزمة بقرارات القضاء".
ودعا المنتدى رئاسة الجمهورية إلى "القطع مع السياسات السابقة في التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية وفرض حلول أثبتت فشلها وتجسيم وعودها بإيجاد حلول وبدائل وتصورات حقيقة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئة التي طالما تكررت في خطاباتها، محذّرا من عودة المعالجات الأمنية للتصدي للمطالب الاجتماعية المشروعة والتي لن تزيد الوضع الاجتماعي والسياسي إلا تعقيدا".