تونس-الصباح
في نسخة سياسية تبدو للبعض مطابقة للأصل تعيش تونس ودولة السودان نفس السيناريو وذات الأحداث والمخرجات.
ولم تكن الأحداث المسجلة ببلادنا وبالخرطوم محل توافق سياسي وشعبي ودولي واضح حيث اختلفت التسميات بين من يصفها هنا بالانقلاب في حين يراها آخرون تصحيحا للمسار.
أما هناك،في السودان، فلم تخرج التطورات عن ذات التوصيف الحاصل عندنا حيث تتراوح هي الأخرى بين الانقلاب وتصحيح المسار أيضا.
تحولات المشهد في البلدين دفعت بالعديد من المتابعين المحليين والدوليين للبحث عن الأسباب الحقيقية لتسارع الأحداث في مشهد شبيه بسقوط قطع الدومينو حيث الواحدة تلو الأخرى مع فارق طفيف في التوقيت الزمني.
ففي يوم 25جويليةالمنقضيأعلن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد عن دخول البلاد في جملة من الإجراءات الاستثنائية التي تم بمقتضاها تجميد البرلمان والإلغاء المؤقت للدستور ورفع الحصانة على عدد من النواب وإحالة البعض منهم إلى السجون.
ولئن استبشر تونسيون بهذه الإجراءات واعتبروها بداية للإصلاح السياسي العميق وإنهاء لفساد جاثم فقد كانت أيضا محل انتقادات واسعة تراوحت بين الرفض والدعوة للنضال والدفاع عن الديمقراطية في وجه الانقلاب.
وفي أول تعليق له عن الإجراءات الجديدة قال سعيد عبر قناة سكاي نيوز وتحديدا من شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة جملته الشهيرة "ان ما حصل ليس انقلابا وان المسؤولية تقتضي أن أتحملها وسأتحملها لأنني عاهدت ربي والشعب على تحملها، ولن أترك تونس لقمة سائغة يتلاعب بها هؤلاء تلاعبوا بها على مدار سنوات، انتهى مثل هذا الوضع. ومن يتحدث عن الانقلاب فليقرأ الدستور جيدا أو يعد إلى الصف الأول من التعديل الابتدائي".
أما بالسودان،ففي يوم 25اكتوبر الجاري تحركت الماكينة العسكرية بعدما أعلن قائد القوات المسلحة السودانية الفريق أول عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في البلاد وتعليق العمل بمواد من الوثيقة الدستورية مع الإبقاء على البعض من فصولها.
كما قام الجيش وبإذن من البرهان باحتجاز رئيسة الحكومة عبد الله حمدوك ،وفيأول تعليق له عن الأحداث السودانية قال الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إن الجيش السوداني استولى على السلطة الاثنين لتجنب اندلاع حرب أهلية.
ووصف البرهان في تعليق له تحركاته بأنها "ليس انقلابا وانما محاولة لتصحيح المسار الانتقالي في البلاد."
ونقلت قناة البي بي سي عن البرهان "أنه يحتفظ برئيس الوزراء المدني المخلوع، عبد الله حمدوك، في منزله "من أجل سلامته".
بين المشيشي ورئيس الحكومة في السودان
قاسم مشترك جمع بين المقالين هشام المشيشي في تونس وعبدالله حمدوك في السودان أبرزها الاحتفاظ برئيسي الحكومة هنا وهناك.
أما الفارق الكبير بينهما أن عبد الله حمدوك قد عبر عن موقفه من الإجراءات السياسية في بلاده واعتبرها "تراجعا عن المسار الديمقراطي وتهديداً لاستقرار السودان وأمنه" في حين اختفى هشام المشيشي ولم يدافع حتى عن حكومته وبقى مجرد ثغرة سوداء في ذاكرة التونسيين.
التطبيع.. هل مازال خيانة؟
لئن لا يشكك احد في تسابق القيادات السودانية نحو التطبيع فان الموضوع أضحى محل تجاذب كبير ومنطلقا لحملات انتخابية عند البعض مما حوله إلى وسيط بين السياسي والناخب،وقد كان موضوع تجريم التطبيع حافزا انتخابيا لعموم التونسيين لانتخاب الرئيس قيس سعيد بعد رفعه لشعار "التطبيع خيانة".
وقد وجد التونسيون في سعيد ضالتهم لتجريم التعامل التونسي مع الكيان الإسرائيلي بيد أن الرئيس لم يتخذ أي خطوة في هذا الاتجاه مما دفع بخصومه للتساؤل عن الأسباب الحقيقية لتخلف ساكن قرطاج عن اتخاذه لنهج المبادرة بمشروع قانون يجرم التطبيع.
ولم يكن سعيد وحده محل إحراج سياسي خاصة بعد تطور علاقاته مع جهات مطبعة على غرار جمهورية مصر العربية والإمارات العربية المتحدة والتي رأى سعيد في تطبيعها مع الجانب الإسرائيلي مسالة داخلية لا تهم الشعوب.
وفي محاولة منها لإيجاد الخيط الناظم بينتونس والسودان والأسباب الحقيقية لتقاطع تحرك 25جويلية و25أكتوبر طرحت "الصباح" جملة من الأسئلة على عدد من السياسيين والنشطاء حول ما إذا كان هناك تشابه في المسار "الانقلابي" أو التصحيحي في تونس والسودان.
وهل يمكن أن تؤدي ذات الأحداثإلى نفس النتائج من ناحية الذهاب إلى التطبيع؟
خالد شوكات لــ"الصباح":
نعم هناك بعض التشابه بين الحالة التونسية والسودانية.. وسعيد لن يذهب للتطبيع
قال المستشار الأسبق والكاتب الدكتور خالد شوكات في تصريح لـ"الصباح"أن "هناك بعض التشابه ولكن الاختلاف بين الحالتين التونسية والسودانية أكبر، فتونس عاشت عقدا كاملا من التحول الديمقراطي، وشهدت تنظيم عديد الانتخابات التأسيسية والبرلمانية والرئاسية والبلدية، انتخابات شفافة ونزيهة شهد لها العالم، بينما لم يتمكن السودان من رسم معالم الانتقال الديمقراطي وعدا تشكيل حكومة انتقالية فان المسار بدا غير قادر على الانطلاق. "
وقارن شوكات بين التدخل العسكري في الشأن السياسي لكل من تونس والسودان واعتبر في هذا الباب" في تونس حافظ الجيش على حياديته وعدم تدخله في الشأن السياسي، فيما بدا الجيش السوداني متورطا إلى عنقه في ممارسة السياسة والسعي للهيمنة على السلطة. بالإضافةإلى تمكن التونسيين من التوافق حول دستور جديد، فيما لم يتمكن السودانيون للأسف من ذلك. "
وعن انحرافات إجراءات 25جويلية و25أكتوبر قال المتحدث "على الرغم من الانحراف الذي أسست له إجراءات 25 جويلية و22 سبتمبر إلاأن مرجعية الدستور التونسي لم تسقط بعد، على الأقل من الناحية الشكلية، فيما تدار الأحداث في السودان خارج إطار دستوري واضح، ولهذه الأسباب وغيرها، رأيي ان لا صلة بين ما يحدث في تونس وما يجري في السودان، فالسياقات الفكرية والسياسية والتاريخية وحتى الاجتماعية والثقافية متباينة بين البلدين، وهو قول لا ينفي وجود بعض أوجه الشبه القليلة، ففي نهاية الأمر تونس والسودان جزءان من العالم العربي."
وفي سؤال عن التخوفات من مسالة التطبيع رد شوكات "لا أظنأن تونس ستقبل بمشروع التطبيع، فهناك التزام واضح لدى الرئيس سعيّد بذلك، ولا أظنأن لديه الاستعداد أو القدرة على تجاوز هذا الالتزام مهما كانت الصعوبات والضغوطات، كما أن هناك إجماع وطني سياسي ومدني ازاء هذا الأمر، فيما تبدو ظروف السودان مختلفة، فحتى في هذا البلد الشقيق يبدو التطبيع اختراقا فوقيا على مستوى سلطة ليست منتخبة ولا تنوي ان تنتخب مستقبلا، بين الشعب السوداني معارضا لهذا التوجه وسيظل ممتنعا عن أي فعل تطبيعي كما اقدر."
أحمد الكحلاوي لـ"الصباح":
لا مقارنة بين إجراءات 25جويلية وأحداث السودان.. ولهذه الأسباب لن يُطبّع سعيد
قال رئيس جمعية الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية احمد الكحلاوي "لا اعتقد ان الوضع متشابه بل ان الواقع يؤكد الاختلاف الكبير بين السودان وتونس".
وأضاف الكحلاوي "أولاأن في تونس رئيس جمهورية منتخب بأعداد كبيرة وان شرعية الصناديق تعطيه أسبقية مطلقة أمام الجميع اعتبارا للمشروعية الجماهرية التي حصدها في الانتخابات السابقة وهو ما يعطيه صفة الرئيس الدستوري والشرعي وينفي عنه صفة الانقلاب ".
اما عن السودان فقال المتحدث "يبقى المشكل الأبرز هو التقسيم والانشطار، والسودان بلد يعيش على وقع الانقلابات العسكرية منذ أكثر من 4عقود،نتيجة لما يمثله هذا البلد من إستراتيجية عميقة للأمريكان والكيان الصهويني بصفة خاصة ليكون بذلك مطعما كبير لكل القوى الاستعمارية في العالم".
أضاف "ان ما يهدد السودان اليوم هو التقسيم أكثرفأكثر بنية مزيد السيطرة على هذا القطر الى جانب كل ذلك فان الاختراق الصهيوني كبير جدا حيث يمول ويقف الى جانب المتمردين حتى أصبح جنوب السودان تل أبيب ثانية حيث تم الدفع إلى الاقتسام والانفصال ولم تنجح كل الاتفاقيات الموقعة حول السلام هناك".
واعتبر الكحلاوي أن كل من عبد الفتاح البرهان أو عبد الله حمدوك كلاهما دافع عن التطبيع بل وتسابقا إليه منذ البداية،حتى أن حمدوك كان على موعد للسفر لواشنطن لإمضاء اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني إضافةإلى اتفاقية أخرى وهي الاتفاقية الإبراهيمية التي تنشطها أساسا دولة الإمارات والصهاينة في إطار صفة القرن الذي يقوم على تصفية الأقطار العربية"
أما عن تونس فرد الكحلاوي "ان كلمة التطبيع في حد ذاتها تثير اشمئزازا لدى التونسيين فالشعب التونسي تربى في ظل ثقافة تنوير ورفض العنف والإرهاب والوطنية وخاصة حب فلسطين ويشهد على ذلك جامع الزيتونة ".
وبين "لقد أكدت كل الأحداث ان الشعب التونسي يرفض الاختراقات الأجنبية والهيمنة الخارجية يقودهم في ذلك نخبة وطنية متعلمة ومثقفة وهي ذات النخبة التي ينتمي إليها قيس سعيد الذي هو منتوج المدرسة الوطنية المتنورة لذلك خلال العشرية الأخيرة بدا قيس سعيد بمحاضراته ويروج لفكره الوطني ولم يكن تناوله للمواضيع ا من باب الترف السياسي الأمر الذي دفعه لاختيار شعار الشعب يريد والتطبيع خيانة عظمى".
لطفي المرايحي لـ"الصباح":
سعيد نفذ ما كان يرفضها لباجي..وقانون تجريم التطبيع هو الفيصل
حول تصوره لتساؤلات "الصباح" قال المترشح السابق للانتخابات الرئيسية الماضية والأمين العام للاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي "إن توصيف ما حدث في تونس باعتباره انقلابا هو نتيجة لقراءة موضوعية للفصل 80 من الدستور والذي كنا طالبنا قيس سعيد بتطبيقه منذ سنة لذلك فإن التوصيف لا علاقة له بما كان يحدث قبل 25 جويلية ولا هو دفاع عن مراكز النفوذ التي كانت تمسك بزمام البلاد والتي نحملها مسؤولية الفشل الذي عشنا على وقعه وإنما هو انتصار للدستور وللشرعية الانتخابية أيا كانت مآخذنا عليها والأعطاب التي شابتها . "
وأضافالمرايحي من "الواضح اليوم ان تونس لم تكن إلا محطة من محطات مخطط لطالما سعى أصحابه لتنفيذه في بلادنا وقد أجل نجاحه ولم يسايره في حينه المرحوم الباجي قائد السبسي حين غلب الوحدة الوطنية عما كانت تدعوه إليه زمرة البلدان التي نصبت العداء للإسلام السياسي وقض مضجعها وجود نموذج ديمقراطي ناجح في المنطقة العربية. وقد خشيت أن تتسرب منه العدوى إلى المزارع التي يحكمونها ويسمونها مجازا دولا".
واعتبر المتحدث "أن قيس سعيد عميت بصيرته واستبدت به ضغينته وتنامى حنقه من المناورات السياسوية فلما عجز عن مسايرتها والتعاطي معها سولت له نفسه أن يهدم البيت وما فيه ممنيا نفسه ومن لا يدركون نتائج ما أتاه بأنه لم يقدم على ما أقدم عليه إلا بدافع الإصلاح والعزم على إعادة التأسيس على ثوابت صحيحة."
واستطرد المرايحي "بينما يفيد الواقع المعلوم للجميع والذي تأكد اليوم لكل من له قدر من التجرد وإعمال العقل أن الأنظمة التي مولت اعتصام الرحيل والتي كانت منذ الساعات الأولى لما بعد الثورة في صراع تموقع وتأثير في تونس وفي سجال مع الحلف التركي- القطري التقطت حنق قيس سعيد واستغلت قصر نظره وضعف تقديره للمآلات لتجذبه إلى دائرتها وتدفعه إلى مغامرة غير محسوبة العواقب. وأصبح بذلك متذيلا تابعا يتمسح على عتباتهم ويرجو مددهم ورضاهم."
وعن تشابه السيناريو التونسي والسيناريو السوداني رد المرايحي "ان السيناريو التونسي يكاد يستنسخ بحذافيره في السودان الذي أتى فيه انقلاب عبد الفتاح برهان على مشروع بناء ديمقراطي كان سيفضي إلى تسليم السلطة إلى القوى المدنية. ومرة أخرى تشير أصابع الاتهام للحلف السعودي -الإماراتي-المصري بوصفه من دبر وخطط ومول ما حدث.
واستغرب المتحدث من دور الولايات الأمريكية حيث قال"المثير هذه المرة أن الولايات المتحدة كانت على علم بما يحاك بل أن المجتمع الدولي كان على يقين بأن الانقلاب قادم في السودان لا محالة ولم يكن تاريخه غير معلوم. وإن تمكنت الولايات المتحدة من إجهاض عملية أولى في شهر جوان فإنها لم تنجح هذه المرة في ثني عزم مدبريها ومن يقف خلفهم. وهذا في حد ذاته مؤشر على غاية الأهمية. هل أصبح النفوذ الأمريكي على هذه الدرجة من الوهن بحيث لم تعد قادرة على كبح جماح الحلف السعودي –الإماراتي- المصري وردعه؟ أم أن الشجب الذي تبديه وتعلنه الولايات المتحدة ليس سوى موقف للتسويق الداخلي الأمريكي بينما تنظر بعين الرضا لما يحدث بل تزكيه وتدعمه قصد إضعاف الانقلابين وابتزازهم وجرهم صاغرين إلى مربع التطبيع مع الكيان الصهيوني؟
وعن إمكانية جر تونس إلى التطبيع قال المرايحي "قد يبدو للبعض أن تونس أبعد ما تكون عن التطبيع لأن شعبها يعارضه وسعيد لطالما جرمه قولا. نتمنى فعلا ألا ينكث سعيد عهده للقضية الفلسطينية كما فعل بقسمه على الدستور، فما ضر وقد اجتمعت كل السلطات بيده أن يصدر مرسوما من تلك التي لا يطعن فيها تجريم التطبيع."
إعداد: خليل الحناشي