أكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر ان القضاء يتنافى مع السياسة باعتبار أن السياسة إذا تسربت إلى قصور العدالة فلا يمكن الحديث عن عدالة وسيرتقي الشك لأحكام القضاء ويفقد بذلك حياديته ونزاهته والثقة العامة فيه، على حد تعبيره.
وقال بوزاخر في حوار أدلى به لـ"الصباح" انه يقلقهم كثيرا أن يحسب القضاة على جهة سياسية معينة وذلك في رد على ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية الذي كشف أن هناك بعض القضاة يعرفون باسم قضاة أحدهم (في إشارة إلى نور الدين البحيري دون تسميته).
وفي سياق متصل دعا بوزاخر التفقدية العامة لإجراء التحريات اللازمة في هذا الخصوص وتعهيد المجلس بها وذلك مهما كانت الجهة السياسة المعنية..
بوزاخر الذي نفى تستر المجلس الأعلى للقضاء على قضاة متورطين في جرائم، تطرق أيضا الى ملفات هامة أخرى تهم المرفق القضائي وتتعلق بدور القضاء في هذه الفترة الاستثنائية والمؤاخذات التي تطرح بشان الحركة القضائية فضلا عن موقفه من التداخل السياسي في الشأن القضائي في علاقة بالتحزب وغيرها من المسائل.
وفي ما يلي نص الحوار
* أي دور يجب أن يضطلع به القضاء في هذه الفترة الاستثنائية؟
- القضاء مدعو للقيام بدوره بنفس العون والوتيرة بقطع النظر عن الوضع الاستثنائي وهو مطالب بتطبيق القانون على الجميع وضمان علويته وحماية الحقوق والحريات إضافة إلى دوره المحوري في محاربة الفساد في جميع مظاهره ودون اعتبار الأشخاص والمراكز وفي جميع المجالات وعلى بقية السلطة معاضدته في ذلك.
*يتداول أن هناك بعض القضاة المتحزبين ولهم علاقات قوية بسياسيين نافذين كيف يمكن أن يؤثر ذلك على نزاهة القضاء؟
- دون شك من شان تحزب القضاة التأثير على حيادية الجهاز القضائي عموما وضرب الثقة العامة فيه ولذلك؛ فان القانون الأساسي للقضاة يمنع التجول أو العمل السياسي غير أن مثل هذه التهم لا ينبغي أن تُطلق هكذا جزافا ودون تقديم الدليل القاطع عليها ليتسنى تتبع المعني وتحميله المسؤولية.
*رئيس الجمهورية صرح بالقول "على القضاء ألا يترك البعض يتحرك دون أي ملاحقة"، السياسة تسللت منذ 2012 إلى قصور العدالة،.. يرتبون حتى الحركة وتوزيع المسؤوليات، يجب أن يحاسبوا لا أحد فوق القانون". كيف تعلقون على هذه التصريحات؟ وهل توافقونه القول؟
- لاشك أن الوظيفة الأساسية للقضاء هي محاربة الجريمة بجميع أشكالها وضمان مساواة المواطنين أمام القانون ولكن القضاء لا يمسك لوحده خيوط الدعوى الجزائية والتي تلعب فيها الضابطة العدلية دورا مهما إضافة إلى الدور الفني الذي تتوقف عليه الدعاوى في بعض الأحيان على غرار جرائم الفساد المالي المتشعبة وأقول في هذا الخصوص انه ما من مجهود يذكر في معاضدة جهود القضاء في هذا المجال.
كما انه ما من شك في أن القضاء يتنافى مع السياسة وان السياسة إذا تسربت إلى قصور العدالة فلا يمكن الحديث عن عدالة وسيرتقي الشك إلى أحكام القضاء ويفقد بذلك حياديته ونزاهته والثقة العامة فيه.. والقضاة ليسوا فوق المحاسبة كما أن الحصانة القضائية لا تجعل القضاة فوق القانون الذي يبقى منطبقا على الجميع دون استثناء ولم يتوان المجلس الأعلى للقضاء في رفع الحصانة عن القضاة كلما استوجب الأمر ذلك وان إسناد المجلس صلاحية محاسبة القضاة هي الممارسة الفضلى التي توصلت لها الإنسانية بعيدا عن التأثير مهما كان.
* رئيس الجمهورية قال إن هناك قضاة يعرفون باسم قضاة أحدهم (في إشارة إلى نور الدين البحيري دون تسميته) كيف تنظر إلى هذه التصريحات؟
- يقلقنا كثيرا أن يُحسب القضاة على جهة سياسية معينة أو على شخص سياسي معين.. وعلى التفقدية إجراء التحريات اللازمة في هذا الخصوص وإذا توفر ما يكفي من مؤاخذات في هذا الشأن عليها تعهيد المجلس بها وذلك مهما كانت الجهة السياسة المعنية.
* وماهي مآخذكم كرئيس للمجلس الأعلى للقضاء على رئيس الجمهورية قيس سعيد؟
- نحن لسنا في معرض مؤاخذة مواقف رئيس الجمهورية ونلتزم حدود سلطتنا ولا نسمح لأنفسنا بالتدخل في شؤون بقية السلط.
* كيف تفسر الاتهامات الموجهة للمجلس بالتستر على بعض القضاة المورطين في جرائم فساد أو ضالعين في التهريب؟
- اتهام المجلس بالتستر على قضاة متورطين في جرائم مثلما ذكرت لا أساس له من الصحة ولا نقبل المزايدات في هذا الخصوص ولكم الرجوع إلى تقاريرنا السنوية وستجدون إحصائيات تتعلق برفع الحصانة عن القضاة الذين تعلقت بهم شبهة جرائم ولو تعامل الجميع مع الحصانة مثلما يتعامل معها المجلس من أن الأمر يتعلق بحصانة وظيفية تضمن استقلال القرار القضائي كان موضوع الحصانة القضائية عموما لا يثير الإشكالات المطروحة الآن لذا جعلت متعددة وتفسيرنا لهذه الاتهامات هو عدم الاطلاع على نشاط المجلس في هذا المجال.
* هناك مقترح جعل التفقدية العامة التابعة لوزارة العدل تعود بالنظر للمجلس الأعلى للقضاء، ما رأيكم؟
- دون شك أن مقترح وضع التفقدية العامة للشؤون القضائية التي جاء بها القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء تحت إشراف المجلس كان مطروحا بشدة أثناء نقاش قانون المجلس لكن المشرع فصل في شأنه بالرفض ولم يتسن للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين آنذاك البت نهائيا في شانها اعتبارا لعجزها عن اتخاذ قرار بالأغلبية المطلوبة والحقيقة أننا اليوم في أمس الحاجة لإحداث هذه التفقدية والمهم بالنسبة إلينا هو تمتعها بالاستقلالية اللازمة عن مختلف الأطراف للقيام بعملها على أكمل وجه ومسالة تبعيتها للمجلس من عدمه مسالة ثانوية جدا في ظل الوضع الراهن.
* ماذا عن حقيقة استقلالية القضاء في الواقع؟
- لا شك أن وضع السلطة القضائية في تونس تغير عما كان عليه الوضع سابقا فدستور 2014 تضمن مقومات السلطة القضائية المستقلة ولكن مسار البناء لم يكتمل فاكتفينا بإحداث المجلس الأعلى للقضاء مع إسناده صلاحيات محدودة واحتاج لتركيزه تدخلا تشريعيا رغم أن عنوانه هو ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله لكن بآليات محدودة والحال ان بناء القضاء المستقل يستدعي تحيين القوانين الأساسية للقضاة والتي تعود إلى ستينات القرن الماضي إضافة إلى إعادة تنظيم القضاء العدلي والإداري وفقا لأحكام الدستور ووضع القانون المتعلق بالهياكل القضائية وبالتفقدية العامة للشؤون القضائية وإعادة النظر في المعهد الأعلى للقضاء ومناهج التكوين والانتداب فضلا عن مراجعة النصوص الإجرائية والموضوعية لمطابقتها مع تطور المجتمع ومع باب الحقوق والحريات في الدستور فضلا عن توضيح علاقة بقية أجهزة الدولة بالقضاء سواء منها الأجهزة الرقابية أو الضابطة العدلية أو غيرها من المتداخلين وعندها فقط يمكن الحديث عن إتمام بناء القضاء المستقل.
*هنالك مؤاخذات حول الحركة القضائية تثار في كل سنة.. فهل من حلول لديكم؟
- المؤاخذات على الحركة القضائية لن تنتهي باعتبار أن العمل إنساني وقد يتضمن أخطاء أو سوء تقدير من المجلس لذلك وجدت آليات الطعن بالتظلم أمام المحكمة الإدارية فضلا عن إقرار دورية الحركة القضائية ويبقى المجلس في هذا الإطار رهين معادلة صعبة بين حسن توزيع الإطار القضائي وتمكين الجهات الداخلية من الكفاءات ورغبات القضاة المعنية واعتقد أن الحلول لن تكون إلا بإعادة النظر في مسالة الانتداب ووضع نظام تحفيز للقضاة للعمل بالمحاكم الداخلية.
*تحدث العديد منذ بداية السنة القضائية عن جعل هذه السنة سنة إصلاح المنظومة القضائية ؛ فهل من مقترحات تقدمونها؟
- سبق أن أشرت أعلاه إلى أن مسار الإصلاح طويل ومتشعب ويتضمن ضرورة إصلاح المؤسسات وإصلاح الهياكل القضائية فضلا عن إعادة النظر في القواعد الإجرائية والموضوعية للتقاضي لتواكب تطور المجتمع وهو مسار يستغرق الكثير من الوقت ويتطلب العزائم الصادقة ويكون من الجيد الشروع فيه خلال السنة الحالية عبر بناء بقية الهيئات التي يتوقف عليها إتمام البناء الهيكلي للسلطة القضائية المستقلة.
* ما تعليقكم عن الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية في شأن القضاة الذين تم وضعهم تحت طائلة الاستشارة الحدودية "s17" قبل مغادرتهم البلاد؟
- بعد 25 جويلية تم اتخاذ عديد الإجراءات الاستثنائية التي مثلت حدا من الحريات الفردية ومنها وضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية أو إخضاعهم للاستشارة قبل المغادرة و بررها المكلف بتسيير وزارة الداخلية آنذاك بصبغتها الحمائية وشمولها عدة فئات وقد كان لنا حديث في شانها مع السيد رئيس الجمهورية حول ملاءمتها وهو يؤكد احترامه الكامل لباب الحقوق والحريات وعدم المساس به والمهم أن القضاء قال كلمته في بعضها وان رئيس الجمهورية أعلن عن رفعها في النهاية.
*ماهي آخر المستجدات والتطورات بخصوص ملفي الطيب راشد والبشير العكرمي اللذين تم وضعهما قيد الإقامة الجبرية بناء على قرار إداري؟
- تمت إحالة الملفات إلى النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية بتونس والمسار أصبح في شانهما مسارا قضائيا مستقلا عن دور المجلس.
* بخصوص ملف الفساد داخل المحاكم، ما هي الحلول التي تقترحونها ؟
- الإجابة عن هذا السؤال لها وجهان الأول في خصوص تتبع الفساد القضائي فان المسار في شأنه كما أوضحت سابقا يتم عبر إحالة الملفات إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء أو مباشرة إلى التفقدية العامة عبر وزير العدل التي تتعهد بالأبحاث اللازمة ثم يتم إحالة القاضي المعني على مجلس التأديب التابع للمجالس القضائية المعنية باتخاذ العقاب المناسب حسب خطورة الفعل أو بتعهيد النيابة العمومية بالبحث الجزائي إذا تعلق الأمر بجريمة منسوبة للقاضي واتخاذ الإجراءات اللازمة ومنها رفع الحصانة عنه وهو المسار الشرعي لمحاسبة القضاة في إطار مؤسسي وبعيدا عن القرارات المسقطة وغير المشروعة.
وأما الوجه الثاني والمتعلق بتتبع القضاء للفساد فهو استحقاق وطني يستدعي توفر إرادة عامة لكافة المتدخلين ومنها خصوصاً توفير الإمكانات للقطب القضائي الاقتصادي والمالي وخاصة اختصار الزمن القضائي عبر توفير المساعدة الفنية لقضاء التحقيق وبعث الضابطة العدلية المختصة.
* ما رأيكم في ملف الصلح الجزائي ومقترح رئيس الجمهورية في الغرض؟
- الصلح الجزائي هو احد آليات العقاب البديلة للعقوبة السالبة للحرية وهو خيار مطروح منذ مدة من مختلف الأطراف المتدخلة في مسالة التشريع ولا يمكن الحكم عليه طالما لم يصدر بعد التشريع المتعلق به لتبين مدى تأثيره على العمل القضائي وعلى الحقوق.
* ماذا عن مواصلة تعليق عمل البرلمان وهل من شأن تواصل هذا القرار أن يطرح إشكاليات قانونية؟
- إن الوضع العام بالبلاد والوضع داخل المجلس النيابي شهد أزمة غير مسبوقة وكان تدخل رئيس الجمهورية عبر تفعيل آلية الفصل 80 من الدستور مطلوبا من عدد من الكتل النيابة وباركته عديد الأحزاب والمنظمات الوطنية وما يهمني هو أننا كنا نبهنا الى خطورة الازمة خاصة بمناسبة تنقيح القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية ولكن تم اتهامنا بإعطاء رأي سياسي والحال انه كان على البرلمان ايجاد التوافقات الضرورية لانتخاب بقية اعضاء المحكمة لكن المكابرة أفضت الى استحالة تشكيل المحكمة مما ساهم في تازيم الوضع والوصول الى وضع الاستثناء.
* هل يمكن قانونا ودستوريا التوجه لانتخابات وتغيير النظام الانتخابي دون اي إشكال؟
- تغيير النظام الانتخابي يبقى خيارا سياسيا لا دخل لنا فيه وهو موكول لمن يهمه الشأن واذكر فقط ان النظام الانتخابي تم تغييره أيضا قبيل انتخابات 2019 من مجلس نواب الشعب وهو تنقيح لم ير النور آنذاك بالنظر لوفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
حوار سعيدة الميساوي