لفظ البحر لجثث مهاجرين غير نظاميين فقدوا جزءا من أجسادهم أو تآكلت ملامحهم حتى استحال التعرف عليهم.. غرق مركب على السواحل التونسية وفقدان غالبية من كانوا على متنه وإنقاذ آخرين.. فقدان عدد من المشاركين في عمليات هجرة غير نظامية وغياب كل معلومة عنهم من الضفتين.. هي من القصص التي أصبحنا نسمعها بصفة دورية منذ سنوات.. طبّع الإعلام معها وأصبحت اغلب تقاريره تقتصر على عرض إحصائي لعدد المفقودين والناجين ومن لقوا حتفهم بعد غرق مركبهم مع التنصيص في كل مرة على النجاحات الأمنية وعدد الرحلات التي أحبطت على السواحل أو ضمن مجال تدخل الحرس أو الجيش البحري..
تجارب مريرة رغم ما تعكسه من وجع وألم وما تحمله من دلالات سوسيولوجية واجتماعية واقتصادية وحتى سياسية.. تتعمد دول الضفتين، الشمال افريقية "مجبرة" والدولة الأوروبية بكل ثقلها، على تناولها ومعالجتها وسط مقاربة أمنية بالأساس. فتكتفي الأولى ومنها الدولة التونسية، بمهمة حراس الحدود ومراقبة خطوط التماس، يدعمها ما تحصل عليه بصفة دورية من مساعدات وهبات ودورات تكوينية عالية الجودة لأعوان الحرس والأمن والجيش الوطني مع ما يأتيها وتقتنيه من احدث التجهيزات الرقابية ووسائل الإبحار الحديثة وذات السرعة العالية.
أما الثانية الأوربية، وهي مصدر الإمدادات والدعم اللوجستي للأولى ومن يحدد السياسات العامة لمكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية، فكل ما يعنيها في المقاربات والبحوث والبرامج المعلنة هو قطع الطريق أمام نوايا الوصول إلى حدودها البحرية بأي طريقة كانت حتى وان كانت لا إنسانية. ومهما كان مصير المهاجر بعد خروجه في تلك القوارب غير الآمنة، تم إنقاذه أو منعه أو لقي حتفه في البحر المهم بالنسبة للدول الأوربية وسياساتها المعتمدة في المتوسط منذ ما بعد 2011، أن يكون ذلك بعيدا عن حدودها..
تغيير في السياسات الأوروبية
وبدأت بوادر تغير السياسات الأوروبية في المتوسط منذ نحو العشر سنوات حسب رمضان بن عمر منسق قسم الهجرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعي، وكان ذلك بأكثر تدقيق بعد أنأكدت المفوضية الأوروبية في مارس 2011 أن التحولات التي تقع في الضفة الجنوبية للمتوسط تاريخية وتفرض تحولا في الاستراتيجيات ورؤية جديدة للاتحاد الأوروبي، والتفاعل مع تطلعات دول الجنوب، وان تعقد اتفاقات جديدة من اجل التنقل. ليقع الإعلان في نوفمبر من نفس السنة عن مقاربة جديدة لمسألة الهجرة والتنقل خاصة بدول الاتحاد الأوروبي. لم يكن ذلك كما أفاد بن عمر إعلانا لتغيير جوهري في السياسات الأوروبية بقدر ما كان تكيّفا مع المتغيرات ومسارا جديدا لاستغلال الفرص المتاحة بما يخدم المصالح الأوروبية. وخلال سنتين تم التوقيع على إعلان المبادئ حول اتفاق "الشراكة من اجل التنقل بداية من 2013 مع بعض دول الجوار الجنوبي والتي كانت بداية تفاقم المأساة الإنسانية الباهظة في الحوض الأوسط للمتوسط أين سجلت بداية من هذه الفترة مآس وفواجع عديدة.
كما عملت الدولة الأوروبية على عقد اتفاقات بصفة ثنائية أو مراجعة اتفاقات سابقة (محاضر اتفاق) كرست ربط المساعدات المادية بالتعاون في إعادة قبول المهاجرين. وحاول الاتحاد الأوروبي فرض إنشاء منصات لإنزال وفرز المهاجرين منذ سنة 2018 بدول الجنوب تشبه إلى حد كبير فكرة مراكز الاحتجاز ''hotspots'' أو النقاط الساخنة التي تم إنشاؤها على أراضي الاتحاد نفسه وهو ما رفضته تونس رغم تصريح تيو فرانكن، وزير الدولة لشؤون الهجرة واللجوء ببلجيكا: ''يجب علينا أن نقدم لتونس عرضاً مغرياً مثل ما فعلنا مع الرئيس التركي أردوغان من أجل فتح مراكز استقبال اللاجئين الأفارقة على أراضيها''.
سياسة جديدة بنتائج إنسانية باهظة..
واعتمادا على الأرقام الشهرية الصادرة عن قسم الهجرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمعلنة من وقت لآخر من قبل وزارة الداخلية التونسية، يمكن القول إن السياسات الأوروبية التي تم اعتمادها في البحر المتوسط خلال الخمس سنوات الأخيرة قد آتت أكلها فيما يتصل بعدد الإيقافات في صفوف المجتازين والمشاركين في عمليات الهجرة غير النظامية التي يتم إحباطها من قبل قوات الحرس التونسي، لكن مع ذلك لم تنجح في التقليص من حجم الوافدين على السواحل الأوروبية ولعل عدد الذين تم إيقافهم من الواصلين إلى السواحل الإيطالية خير دليلعلى حجم التدفقات المسجلة.
وبقراءة لأرقام مرصد الهجرة، نجد أنأعداد المهاجرين غير النظاميين قد شهد تطورا في الاتجاهين، أين عرفت السنة الجارية والتي قبلها معدلات قياسية في عدد الواصلين إلى إيطاليا لم تسجلها تونس منذ 2011، حيث بلغ عددهم السنة الماضية (2020) 12 ألفا و883 تونسيا وكان عدد الواصلين السنة الجارية (2021) والى غاية آخر تحيين يوم 27 أكتوبر الجاري 14 ألفا و128 مهاجرا تونسيا وهو ما يمثل 27% من عدد الواصلين إلى السواحل الإيطالية من المهاجرين وفقا لأرقام رسمية ايطالية. في المقابل لم يتجاوز عدد الواصلين من التونسيين إلى إيطاليا سنة (2019) 2654 مهاجرا وكانوا في حدود 5266 خلال سنة 2018.
في نفس الوقت سجلت السنتان الجارية والماضية، تناميا في عدد عمليات الاجتياز المحبطة فعرفت السنة الماضية 1096 عملية إحباط وإيقاف 13 ألفاو466 مهاجرا غير نظامي وبالنسبة للـ10 أشهر الأولى للسنة الجارية سجل إحباط 1411 عملية اجتياز خلسة تم خلالها منع 22 ألفا و335 مهاجرا غير نظامي وهو ما يدل على أن تونس اكتسبت خبرة كبيرة في مجال منع رحلات الهجرة غير النظامية بفضل تطور منظوماتها التقنية والرقابية المعتمدة التي مكنها منها الاتحاد الأوروبي. لكن في نفس الوقت يبدو جليا أن تونس تعرف موجة عالية من الهجرة غير النظامية ولن يزيد تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلا في مزيد الترفيع في عدد المشاركين فيها ويعتبر ارتفاع عدد القصر والنساء والعائلات ابرز مؤشر على ذلك.
أعداد ضحايا البحر تعري السياسات الأوروبية..
وعلى أهمية وضخامة الأرقام المذكورة سلفا تبقى فيما يتصل بالمهاجرين غير النظاميين، غير قادرة على ان تعكس حجم المأساة التي تخلفها سياسات غلق الحدود والمنع التي اعتمدتها دول الاتحاد الأوروبي خلال العشرية الأخيرة وكانت أكثر وحشية خلال الخمس سنوات الماضية.. فهي إحصائياتوأرقام تسقط من حساباتها "غير المرئيين" من المهاجرين غير النظاميين، الناجين الذين نجحوا في الوصول إلىالأراضي الأوروبية دون المرور بمراكز الإيواءأو الهياكل الأممية، وأولئك المفقودون والغرقى الذين قُطع الطريق أمام قوارب الإنقاذ التي كانت تلبي نداءات استغاثتهم وتأخر خفر السواحل الأوربي في الوصول إليهم فلفظت المياه جثثهم كل فترة ليتم الاقتصار على مواراتهم التراب ودفنهم جماعة أو فرادى مرقمين داخل مقابر معزولة بإحدى دول الجنوب..
ووفقا لتقرير المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين فرانسوا كريبو الصادر في ماي 2015، توفي أو فُقد 3000 شخص في البحر عام 2014.. ليرتفع العدد إلى 4054 وفاة في سنة 2015 وبلغ العدد أقصاه سنة 2016 أين وصل إلى 5143 وفاة، ثم عاد ليتراجع في السنوات التي بعدها ويكون في حدود 3 آلاف في 2017 ويتراجع أكثر في 2018 بتسجيل 2299 وفاة ليكون العدد 1885 خلال سنة 2019 ويبلغ 1422 السنة المنقضية 2020 أما السنة الجارية فالي غاية العشر الأشهر الأولى بلغ عدد المفقودين والمتوفين في المتوسط 1369 شخصا. وأمام هذه الأرقام المذكورة تكون حصيلة الوفيات والمفقودين في المتوسط خلال التسع سنوات الأخيرة وبعد مرور الاتحاد الأوروبيإلى سياساته الجديدة مع الهجرة في حدود 22 ألفا و172 ضحية.
وتكشفت الوفيات في البحر الأبيض المتوسط بجلاء شديد حسب المقرر الخاص، ومن خلال متابعة للدراسة الإقليمية بشأن إدارة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وأثرها على حقوق الإنسان للمهاجرين، "استمرار عدم الفعالية والتناقضات التي تشوب سياسات إدارة حدود الاتحاد الأوروبي وغياب نهج متسق وقائم على حقوق الإنسان في مجال الهجرة."
وتضيف نفس الدراسة، انه وبالنظر إلى حصة الاتحاد الأوروبي من الموارد العالمية ووفرة معاييره القانونية الموضوعية، يجب اعتبار الوفيات الأخيرة وغيرها من مشاكل حقوق الإنسان نتيجة للإرادة السياسية والخيارات السياسية الجماعية. إن المعاناة التي يتعرض لها الكثيرون والجنوح إلى الهجرة السرية دليل على وجود أوجه قصور نُظمية في نظام إدارة حدود الاتحاد الأوروبي، وتدلان بوضوح على أن المنطقة بصدد فقدان السيطرة على الهجرة رغم الاستثمار المتواصل في مجال تأمين الحدود. كما أن أوجه القصور هذه عميقة وتكشف طريقة استجابة الاتحاد الأوروبي إلى مسألتي الاختلاف والتنوع.
ويعتبر تقرير المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين، أن "ثمة تكاليف باهظة لمحاولة الإبقاء على الوضع الراهن. وما فتئت التكلّفة البشرية ترتفع بسبب وفاة المهاجرين في البحر ومعاناتهم الكبيرة عند حدود الاتحاد الأوروبي وداخله وفي بلدان الجوار. وإضافة إلى ذلك، تُهدر موارد ضخمة بسبب الاستثمار في نظام غير فعال وعدم استغلال فرص الهجرة المنظمة إلى أقصى حدّ."
ويرى انه لـ"تصحيح هذا الوضع، يتعين على الاتحاد الأوروبي اعتماد رؤية للهجرة على نطاق النظام ككل والنظر في الطريقة التي يمكن أن تغيّر بها السياسات والمفاهيم الأساسية المتصلة بالهجرة من أجل وضع نهج قائم على حقوق الإنسان. إن اعتماد رؤية بعيدة المدى والمراهنة على التنقل خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة سيساعد الاتحاد على الاستجابة إلى ما هو آت من تغيرات اقتصادية واجتماعية وديموغرافية كبيرة."
"أوروبا" تمنع الإنقاذ..
هؤلاء المفقودون والجثث والممنوعون الذين يضعون حياتهم وحياة عائلاتهم على محك حلم الهجرة والحق في غد أفضل، تعتبر شبكة "هاتف الإنذار ورصد المتوسط (alarmphone)، أن دول الاتحاد الأوروبي تتحمل فيها المسؤولية الأكبر..
فمسالة تأخر وصول خفر السواحل الإيطالي لأكثر من 5 ساعات لطالبي النجدة مثلا والتي كانت سبب تأسيس الشبكة سنة 2014، هو مشكل تفاقم خلال السنوات الماضية، لتصبح معدلات تأخر وصول النجدة في المتوسط تتجاوز الـ24 ساعة حسب متابعة العاملين في شبكة هاتف الإنذار ورصد المتوسط.. ويقع كل هذا في ظل تضييقات إدارية على المنظمات الإنسانية المختصة في الإنقاذ البحري. أين تمنعها السلطات الأوروبية من مغادرة السواحل أو العودة لها..
وتقول إحدى الناشطات في "شبكة هاتف الإنذار" في لقائها بـ"الصباح"، أن السياسة الأوروبية في المتوسط أصبحت أكثر وحشية خلال الخمس السنوات الماضية وغاب عنها كل مقاربة إنسانية حتى انه يمكن القول إنها "تتلخص فيما هو امني بحت"، واعتبرت أن التغيير المسجل خلال السنوات الماضية كان في اتجاه عسكرة للمتوسط بهدف التضييق أكثر على المهاجرين وقوارب الإنقاذ مقابل تراجع واضح في المقاربات الإنسانية والحقوقية. فالشعار الذي يرفعه مثلا خفر السواحل الإيطالية والمالطية على الدوام هو "أنا غير معني بمصيرك ويمكنك الغرق بعيدا عن سواحلنا ".. في نفس الوقت يكون تعامل خفر السواحل الليبي أكثر وحشية فيتجه إلى ارتكاب جرائم في حق الإنسانية وسط المتوسط عبر إغراق قوارب مهاجرين غير نظاميين أو الحلول دون إنقاذهم من قبل القوارب الإنسانية ويتم في ذلك بإشهار الأسلحة وإطلاق النار..
وتكشف الناشطة بشبكة هاتف الإنذار، أن "فرونتاكس" الوكالة التي تم بعثها في 2004 من قبل الاتحاد الأوروبي وكان مهمتها حراسة الحدود الأوروبية، ومن ابرز تدخلاتها المسجلة ما وقع في غرب إفريقيا (السنغال وموريتانيا) أين قامت بوضع قوارب "قطع طريق" على عمليات الهجرة غير النظامية، وهو خيار لم ينجح في إيقاف موجات الهجرة بل جعلت المهاجرين يغيرون مسارهم ويعتمدون طريقا أطول وأخطر،الأمر الذي خلف مجازر وحالات غرق مهولة في الأطلسي..
واليوم تتدخل "فورنتاكس" على الجانب التونسي وفي المتوسط وانطلق ذلك حسب مصدرنا في ديسمبر 2020، أين اعتمدت مراقبة الطريق الشمالي عبر طائرة لخفر السواحل الهولندي وهي الطريق التي يعتمدها عموما المهاجرون الذين ينطلقون من نابل وبنزرت وكان ذلك بالتوازي مع توسعة مجال تدخل الطائرة المختصة في السواحل الليبية "اوسبري وان" لتشمل جرجيس وصفاقس والمهدية.. وكل المعطيات التي تتحصل عليها هذه الطائرات يتم إرسالها لخفر السواحل التونسي من اجل التدخل وإنجاح المنع.
حرفية أكثر لدى الجانب التونسي
وتقول محدثتنا ما يمكن ملاحظته فيما يهم الجانب التونسي هو التغيير المسجل في السنة الأخيرة في سلوك الجانب الرسمي وخاصة وزارة الدفاع "الجيش البحري"، أين سجلنا منذ أواخر سنة 2020، تفاعل وتجاوب مباشر مع العاملين في الشبكة، فيتم الإجابة على الاتصالات التي تصلهم باللغة الانقليزية.. كما يتم مدنا بمعلومات فيما يهم موقع القارب ووضعيته.. ويتم التفاعل المباشر والتدخل الفوري للإنقاذ ان استوجبت الوضعية.. ويمكن القول إن الجانب التونسي أصبحأكثر مهنية وتخصص في ما يتعلق بالإنقاذ والهجرة غير النظامية.
وبالنسبة للجانب التونسي وبفضل ما تحصل عليه من دعم وتجهيزات في السنوات الأخيرة فان عمليات الإحباط في غالبيتها تكون قبل خروج قارب الهجرة او هو مازال في المياه الإقليمية التونسية.
وتذكر في سياق ذاته، أن قوارب الهجرة غير النظامية التي تخرج من السواحل التونسية في الغالب تكون أكثرأمنا من نظيراتها التي تنطلق من السواحل الليبية، وفضلا عن أن المسافة بين السواحل التونسية والإيطالية تعد اقرب من المسافات التي تفصل السواحل الليبية عن إيطاليا يسجل اختلاف في نوعية القوارب المعتمدة (الجانب الليبي يتم فيه اعتماد قوارب مطاطية) وفي حمولة القارب وفي مستوى الدراية بالبحر.
دولة تونسية على محك الضغط ..
ويكشف رمضان بن عمر في السياق نفسه أن صعود حكومات يمينية شعبوية في دول أوروبية عديدة وخاصة إيطاليا، زاد التضييق على جهود الإغاثة وإنقاذ الأرواح في المتوسط وذلك عبر إغلاق موانئ أوروبية أمام سفن الإنقاذ وتجريم عمليات إنقاذ مهاجرين، بالاعتماد على ما يسمى ب"خفر السواحل الليبي".
ومن اجل مزيد الضغط على تونس وإدماجهاأكثر في مهمة حراسة الحدود الموكولة لها من قبل دول الاتحاد يتم وتصعيد الضغوطات على تونس وإدراجها في عديد التصنيفات الأوروبية السلبية وإجبارها على الرضوخ والتعاون خاصة في الترحيل القسري للمهاجرين حيث رحلت إيطاليا قسريا 1703 تونسي عبر مطار النفيضة فقط خلال الفترة الممتدة من أوتإلى سبتمبر 2020، وتم ذلك عبر 51 رحلة جوية غير معلنة كما رحلت ألمانيا بنفس الطريقة 422 تونسيا خلال سنة 2020 منهم 140 بمرافقة أمنية عبر 7 رحلات جوية لمطار النفيضة.
ويضيف انه وعلى اثر ارتفاع تدفقات المهاجرين الى إيطاليا بوصول 12883 مهاجرا تونسيا إلى السواحل الإيطالية خلال سنة 2020 تصاعدت الضغوطات بشكل مكثف على تونس عبر زيارات مسؤولين ايطاليين وفرنسيين معززين بممثل عن المفوضية الأوروبية.
فلم تكن تونس أبدًا مركزًا لاهتمام القادة الأوروبيين بمثل هذا القدر. ويقول انه خلال اجتماع عُقد في تونس في 17 اوت 2020، أبرمت إيطاليا وتونس اتفاقية غير معلنة مصحوبة بمظروف بقيمة 11 مليون يورو لتعزيز المراقبة الحدودية التونسية ولا سيما المراقبة البحرية. في نفس السنة قررت وزيرة الداخلية الإيطالية ونظيرتها الفرنسية، في 6 نوفمبر 2020، عقب اجتماع في روما، نشر “قطع بحرية أو جوية قبالة السواحل التونسية يمكن أن تنبه السلطات التونسية إلى” عمليات مغادرة محتملة" وهو ما جعل الحرس البحري التونسي يحقق أرقاما قياسية في عدد عمليات الاجتياز المحبطة (الأرقام المذكورة في بداية النص تؤكد ذلك) كما أصبح جيش البحر يقوم بعمليات اعتراض للمهاجرين غير النظاميين خارج المياه الإقليمية التونسية.
وحسب منسق قسم الهجرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يبدو اليوم أن تونس، تحت الضغط الأوروبي، تقبل تدريجياً أن تكون جزءًا من المقاربة الأمنية الأوروبية. حيث يستمر تكثيف الدعم الذي تتلقاه تونس من الاتحاد الأوروبي لمراقبة حدودها البحرية. منذ عام 2015، وتعمل المفوضية الأوروبية على زيادة عدد البرامج المخصصة للتدريب وبناء القدرات للحرس البحري التونسي، لا سيما فيما يتعلق بجمع البيانات الشخصية. في إطار برنامج “إدارة الحدود المغاربية” الذي انطلق في جويلية 2018، كما خطط الاتحاد الأوروبي لتخصيص 24.5 مليون أورو سيستفيد منها بشكل أساسي الحرس البحري التونسي. دون أن ننسى الوكالة الأوروبية فرونتكس التي تتحكم في المياه التونسية عن طريق صور الأقمار الصناعية والرادارات والطائرات بدون طيار وهي بتكنولوجيا صهويونية وتجمع البيانات التي تمت مشاركتها منذ أشهر مع الحرس البحري التونسي، كما تم ذلك سابقا مع خفر السواحل الليبي.
ويكشف بن عمر أن الاتحاد الأوروبي يدير مباشرة أو بصفة غير مباشرة برامج عديدة تنفيذا لسياساته الهجرية، مثل برنامج إدارة الحدود لمنطقة المغرب العربي بقيمة 55 مليون يورو ومشروع الهجرة من مدينة إلى مدينة في البحر الأبيض المتوسط (MC2CM)، وبرنامج "دعم تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للهجرة في تونس ومشروع سلسلة "الهجرة الاورومتوسطية وغيرها إضافة إلى برامج تعاون مباشرة خاصة مع وزارتي الداخلية والدفاع تساهم جميعها في تكريس هيمنة الأجندات الأوروبية على دول الجنوب وخاصة تونس في ظرف سياسي واقتصادي واجتماعي هش ومتأزم يسهّل التعاون بالنسبة للأوروبيين بفضل شركاء في دول الجنوب مستعدين للتنفيذ مقابل مكاسب سياسية أو مالية محدودة لتجعل من مسألة السيادة وحقوق المهاجرين موضع مقايضة.
ويقول رمضان بن عمر أن الاتحاد الأوروبي بصدد مواصلة سياساته اللاإنسانية في المتوسط، وقد عرض منذ فيفري 2021، خطّة جديدة لمنطقة المتوسط بعنوان شراكة متجددة مع الجوار الجنوبي تضمنت 5 محاور رئيسية تهم التنمية البشرية والحكم الرشيد وسيادة القانون وتعزيز القدرة على الصّمود وبناء الازدهار واغتنام التحول الرقمي والسلام والأمن والهجرة والتنقل والتحول الأخضر: مواجهة آثار تغيّر المناخ والطاقة والبيئة للفترة 2021 – 2027 بحزمة مالية بـ7 مليارات أورو وشهدت انطلاقتها الرسمية مع الجانب التونسي يوم 16 فيفري 2021 أي بعد أسبوع فقط من إعلانها في مواصلة لنفس المسارات السابقة كما سيعقد مؤتمر وزاري بين وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي وشركائهم الأفارقة، وعلى الأرجح بمشاركة رؤساء حكومات دول شمال إفريقيا، حول إدارة ملف الهجرة بما يؤكد الهواجس الأوروبية ورغبتها في تأمين حدود الجنوبية مهما كلفها ذلك في ظل غياب رؤية موحد للتفاوض لدى دول الجنوب وستكون حقوق المهاجرين كما في كل مرة الخاسر الأكبر.
كلفة حراسة الحدود غير معلومة و"الداخلية" تمتنع عن كشفها..
وتعتمد دول الاتحاد الأوربي لتنفيذ سياساتها فيما يهم ملف الهجرة غير نظامية الى جانب الضغط السياسي، على اغراءات مالية ومشاريع شراكة مع الحكومة التونسية تهم أكثر من وزارة (الشؤون الاجتماعية وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة رئاسة الحكومة وزارة الفلاحة..) ويبقى أهمها وزارة الداخلية. ورغم سعي "الصباح" إلى معرفة حجم الإمدادات والهبات والمساعدات التي قدمتها دول الاتحاد الأوروبي للدولة التونسية خلال الـ10 سنوات الماضية في إطار ملف الهجرة غير النظامية لوزارة الداخلية فلم تتمكن من الحصول على كلفة حراسة تونس للحدود الأوروبية وامتنعت وزارة الداخلية عن مدنا بأي معطى في الغرض ونفس الأمر كان من المفوضية الأوروبية بتونس التي لم ترد بدورها على مراسلة "الصباح" فيما يتصل بحق النفاذ للمعطيات المتعلقة بالدعم والهبات والمساعدات التي قدمتها دول الاتحاد لفائدة تونس فيما يتصل بظاهرة الهجرة غير النظامية سواء في الجانب الأمني أو الجانب الاجتماعي الاقتصادي..
هذا وتفيد معطيات تم نشرها في تقرير حول الهجرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ان تونس تحصلت بين سنتي 2016 و2020 في اطار برنامج استراتيجيات التحكم في الهجرة غير النظامية والذي يتناول موضوع الهجرة والمفقودين وبرامج إعادة إدماج المرحلين قسريا من دول الاتحاد الأوروبي.. على نحو 12 مليونا و800 ألف أورو أي ما يعادل 42 مليون و240 الف دينار تونسي. في نفس الوقت انتفعت الدولة التونسية ببرنامج تنمية وحماية لشمال إفريقيا قيمته في حدود الـ5 مليون و600 الف أورو أي ما يعادل 18 مليونا و480 الف دينار تونسي. هذا الى جانب عدد من الإمدادات التي تعود في عدد منها إلى 2014 وتتواصل الى حدود 2021 وتهم حقوق المهاجرين والتنمية والتشجيع على الاستثمار في إفريقيا والتصرف في الحدود بدول المغرب... وكانت في حدود 57 مليونا و764 الف أورو أي ما يعادل ال 190 مليونا و621 الف دينار تونسي. وفي المجمل وحسب نفس المصدر فان كلفة حراسة حدود الحدود لا يمكن أن تكون دون المبالغ المذكور.
إعداد : ريم سوودي
تونس- الصباح
لفظ البحر لجثث مهاجرين غير نظاميين فقدوا جزءا من أجسادهم أو تآكلت ملامحهم حتى استحال التعرف عليهم.. غرق مركب على السواحل التونسية وفقدان غالبية من كانوا على متنه وإنقاذ آخرين.. فقدان عدد من المشاركين في عمليات هجرة غير نظامية وغياب كل معلومة عنهم من الضفتين.. هي من القصص التي أصبحنا نسمعها بصفة دورية منذ سنوات.. طبّع الإعلام معها وأصبحت اغلب تقاريره تقتصر على عرض إحصائي لعدد المفقودين والناجين ومن لقوا حتفهم بعد غرق مركبهم مع التنصيص في كل مرة على النجاحات الأمنية وعدد الرحلات التي أحبطت على السواحل أو ضمن مجال تدخل الحرس أو الجيش البحري..
تجارب مريرة رغم ما تعكسه من وجع وألم وما تحمله من دلالات سوسيولوجية واجتماعية واقتصادية وحتى سياسية.. تتعمد دول الضفتين، الشمال افريقية "مجبرة" والدولة الأوروبية بكل ثقلها، على تناولها ومعالجتها وسط مقاربة أمنية بالأساس. فتكتفي الأولى ومنها الدولة التونسية، بمهمة حراس الحدود ومراقبة خطوط التماس، يدعمها ما تحصل عليه بصفة دورية من مساعدات وهبات ودورات تكوينية عالية الجودة لأعوان الحرس والأمن والجيش الوطني مع ما يأتيها وتقتنيه من احدث التجهيزات الرقابية ووسائل الإبحار الحديثة وذات السرعة العالية.
أما الثانية الأوربية، وهي مصدر الإمدادات والدعم اللوجستي للأولى ومن يحدد السياسات العامة لمكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية، فكل ما يعنيها في المقاربات والبحوث والبرامج المعلنة هو قطع الطريق أمام نوايا الوصول إلى حدودها البحرية بأي طريقة كانت حتى وان كانت لا إنسانية. ومهما كان مصير المهاجر بعد خروجه في تلك القوارب غير الآمنة، تم إنقاذه أو منعه أو لقي حتفه في البحر المهم بالنسبة للدول الأوربية وسياساتها المعتمدة في المتوسط منذ ما بعد 2011، أن يكون ذلك بعيدا عن حدودها..
تغيير في السياسات الأوروبية
وبدأت بوادر تغير السياسات الأوروبية في المتوسط منذ نحو العشر سنوات حسب رمضان بن عمر منسق قسم الهجرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعي، وكان ذلك بأكثر تدقيق بعد أنأكدت المفوضية الأوروبية في مارس 2011 أن التحولات التي تقع في الضفة الجنوبية للمتوسط تاريخية وتفرض تحولا في الاستراتيجيات ورؤية جديدة للاتحاد الأوروبي، والتفاعل مع تطلعات دول الجنوب، وان تعقد اتفاقات جديدة من اجل التنقل. ليقع الإعلان في نوفمبر من نفس السنة عن مقاربة جديدة لمسألة الهجرة والتنقل خاصة بدول الاتحاد الأوروبي. لم يكن ذلك كما أفاد بن عمر إعلانا لتغيير جوهري في السياسات الأوروبية بقدر ما كان تكيّفا مع المتغيرات ومسارا جديدا لاستغلال الفرص المتاحة بما يخدم المصالح الأوروبية. وخلال سنتين تم التوقيع على إعلان المبادئ حول اتفاق "الشراكة من اجل التنقل بداية من 2013 مع بعض دول الجوار الجنوبي والتي كانت بداية تفاقم المأساة الإنسانية الباهظة في الحوض الأوسط للمتوسط أين سجلت بداية من هذه الفترة مآس وفواجع عديدة.
كما عملت الدولة الأوروبية على عقد اتفاقات بصفة ثنائية أو مراجعة اتفاقات سابقة (محاضر اتفاق) كرست ربط المساعدات المادية بالتعاون في إعادة قبول المهاجرين. وحاول الاتحاد الأوروبي فرض إنشاء منصات لإنزال وفرز المهاجرين منذ سنة 2018 بدول الجنوب تشبه إلى حد كبير فكرة مراكز الاحتجاز ''hotspots'' أو النقاط الساخنة التي تم إنشاؤها على أراضي الاتحاد نفسه وهو ما رفضته تونس رغم تصريح تيو فرانكن، وزير الدولة لشؤون الهجرة واللجوء ببلجيكا: ''يجب علينا أن نقدم لتونس عرضاً مغرياً مثل ما فعلنا مع الرئيس التركي أردوغان من أجل فتح مراكز استقبال اللاجئين الأفارقة على أراضيها''.
سياسة جديدة بنتائج إنسانية باهظة..
واعتمادا على الأرقام الشهرية الصادرة عن قسم الهجرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمعلنة من وقت لآخر من قبل وزارة الداخلية التونسية، يمكن القول إن السياسات الأوروبية التي تم اعتمادها في البحر المتوسط خلال الخمس سنوات الأخيرة قد آتت أكلها فيما يتصل بعدد الإيقافات في صفوف المجتازين والمشاركين في عمليات الهجرة غير النظامية التي يتم إحباطها من قبل قوات الحرس التونسي، لكن مع ذلك لم تنجح في التقليص من حجم الوافدين على السواحل الأوروبية ولعل عدد الذين تم إيقافهم من الواصلين إلى السواحل الإيطالية خير دليلعلى حجم التدفقات المسجلة.
وبقراءة لأرقام مرصد الهجرة، نجد أنأعداد المهاجرين غير النظاميين قد شهد تطورا في الاتجاهين، أين عرفت السنة الجارية والتي قبلها معدلات قياسية في عدد الواصلين إلى إيطاليا لم تسجلها تونس منذ 2011، حيث بلغ عددهم السنة الماضية (2020) 12 ألفا و883 تونسيا وكان عدد الواصلين السنة الجارية (2021) والى غاية آخر تحيين يوم 27 أكتوبر الجاري 14 ألفا و128 مهاجرا تونسيا وهو ما يمثل 27% من عدد الواصلين إلى السواحل الإيطالية من المهاجرين وفقا لأرقام رسمية ايطالية. في المقابل لم يتجاوز عدد الواصلين من التونسيين إلى إيطاليا سنة (2019) 2654 مهاجرا وكانوا في حدود 5266 خلال سنة 2018.
في نفس الوقت سجلت السنتان الجارية والماضية، تناميا في عدد عمليات الاجتياز المحبطة فعرفت السنة الماضية 1096 عملية إحباط وإيقاف 13 ألفاو466 مهاجرا غير نظامي وبالنسبة للـ10 أشهر الأولى للسنة الجارية سجل إحباط 1411 عملية اجتياز خلسة تم خلالها منع 22 ألفا و335 مهاجرا غير نظامي وهو ما يدل على أن تونس اكتسبت خبرة كبيرة في مجال منع رحلات الهجرة غير النظامية بفضل تطور منظوماتها التقنية والرقابية المعتمدة التي مكنها منها الاتحاد الأوروبي. لكن في نفس الوقت يبدو جليا أن تونس تعرف موجة عالية من الهجرة غير النظامية ولن يزيد تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلا في مزيد الترفيع في عدد المشاركين فيها ويعتبر ارتفاع عدد القصر والنساء والعائلات ابرز مؤشر على ذلك.
أعداد ضحايا البحر تعري السياسات الأوروبية..
وعلى أهمية وضخامة الأرقام المذكورة سلفا تبقى فيما يتصل بالمهاجرين غير النظاميين، غير قادرة على ان تعكس حجم المأساة التي تخلفها سياسات غلق الحدود والمنع التي اعتمدتها دول الاتحاد الأوروبي خلال العشرية الأخيرة وكانت أكثر وحشية خلال الخمس سنوات الماضية.. فهي إحصائياتوأرقام تسقط من حساباتها "غير المرئيين" من المهاجرين غير النظاميين، الناجين الذين نجحوا في الوصول إلىالأراضي الأوروبية دون المرور بمراكز الإيواءأو الهياكل الأممية، وأولئك المفقودون والغرقى الذين قُطع الطريق أمام قوارب الإنقاذ التي كانت تلبي نداءات استغاثتهم وتأخر خفر السواحل الأوربي في الوصول إليهم فلفظت المياه جثثهم كل فترة ليتم الاقتصار على مواراتهم التراب ودفنهم جماعة أو فرادى مرقمين داخل مقابر معزولة بإحدى دول الجنوب..
ووفقا لتقرير المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين فرانسوا كريبو الصادر في ماي 2015، توفي أو فُقد 3000 شخص في البحر عام 2014.. ليرتفع العدد إلى 4054 وفاة في سنة 2015 وبلغ العدد أقصاه سنة 2016 أين وصل إلى 5143 وفاة، ثم عاد ليتراجع في السنوات التي بعدها ويكون في حدود 3 آلاف في 2017 ويتراجع أكثر في 2018 بتسجيل 2299 وفاة ليكون العدد 1885 خلال سنة 2019 ويبلغ 1422 السنة المنقضية 2020 أما السنة الجارية فالي غاية العشر الأشهر الأولى بلغ عدد المفقودين والمتوفين في المتوسط 1369 شخصا. وأمام هذه الأرقام المذكورة تكون حصيلة الوفيات والمفقودين في المتوسط خلال التسع سنوات الأخيرة وبعد مرور الاتحاد الأوروبيإلى سياساته الجديدة مع الهجرة في حدود 22 ألفا و172 ضحية.
وتكشفت الوفيات في البحر الأبيض المتوسط بجلاء شديد حسب المقرر الخاص، ومن خلال متابعة للدراسة الإقليمية بشأن إدارة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وأثرها على حقوق الإنسان للمهاجرين، "استمرار عدم الفعالية والتناقضات التي تشوب سياسات إدارة حدود الاتحاد الأوروبي وغياب نهج متسق وقائم على حقوق الإنسان في مجال الهجرة."
وتضيف نفس الدراسة، انه وبالنظر إلى حصة الاتحاد الأوروبي من الموارد العالمية ووفرة معاييره القانونية الموضوعية، يجب اعتبار الوفيات الأخيرة وغيرها من مشاكل حقوق الإنسان نتيجة للإرادة السياسية والخيارات السياسية الجماعية. إن المعاناة التي يتعرض لها الكثيرون والجنوح إلى الهجرة السرية دليل على وجود أوجه قصور نُظمية في نظام إدارة حدود الاتحاد الأوروبي، وتدلان بوضوح على أن المنطقة بصدد فقدان السيطرة على الهجرة رغم الاستثمار المتواصل في مجال تأمين الحدود. كما أن أوجه القصور هذه عميقة وتكشف طريقة استجابة الاتحاد الأوروبي إلى مسألتي الاختلاف والتنوع.
ويعتبر تقرير المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين، أن "ثمة تكاليف باهظة لمحاولة الإبقاء على الوضع الراهن. وما فتئت التكلّفة البشرية ترتفع بسبب وفاة المهاجرين في البحر ومعاناتهم الكبيرة عند حدود الاتحاد الأوروبي وداخله وفي بلدان الجوار. وإضافة إلى ذلك، تُهدر موارد ضخمة بسبب الاستثمار في نظام غير فعال وعدم استغلال فرص الهجرة المنظمة إلى أقصى حدّ."
ويرى انه لـ"تصحيح هذا الوضع، يتعين على الاتحاد الأوروبي اعتماد رؤية للهجرة على نطاق النظام ككل والنظر في الطريقة التي يمكن أن تغيّر بها السياسات والمفاهيم الأساسية المتصلة بالهجرة من أجل وضع نهج قائم على حقوق الإنسان. إن اعتماد رؤية بعيدة المدى والمراهنة على التنقل خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة سيساعد الاتحاد على الاستجابة إلى ما هو آت من تغيرات اقتصادية واجتماعية وديموغرافية كبيرة."
"أوروبا" تمنع الإنقاذ..
هؤلاء المفقودون والجثث والممنوعون الذين يضعون حياتهم وحياة عائلاتهم على محك حلم الهجرة والحق في غد أفضل، تعتبر شبكة "هاتف الإنذار ورصد المتوسط (alarmphone)، أن دول الاتحاد الأوروبي تتحمل فيها المسؤولية الأكبر..
فمسالة تأخر وصول خفر السواحل الإيطالي لأكثر من 5 ساعات لطالبي النجدة مثلا والتي كانت سبب تأسيس الشبكة سنة 2014، هو مشكل تفاقم خلال السنوات الماضية، لتصبح معدلات تأخر وصول النجدة في المتوسط تتجاوز الـ24 ساعة حسب متابعة العاملين في شبكة هاتف الإنذار ورصد المتوسط.. ويقع كل هذا في ظل تضييقات إدارية على المنظمات الإنسانية المختصة في الإنقاذ البحري. أين تمنعها السلطات الأوروبية من مغادرة السواحل أو العودة لها..
وتقول إحدى الناشطات في "شبكة هاتف الإنذار" في لقائها بـ"الصباح"، أن السياسة الأوروبية في المتوسط أصبحت أكثر وحشية خلال الخمس السنوات الماضية وغاب عنها كل مقاربة إنسانية حتى انه يمكن القول إنها "تتلخص فيما هو امني بحت"، واعتبرت أن التغيير المسجل خلال السنوات الماضية كان في اتجاه عسكرة للمتوسط بهدف التضييق أكثر على المهاجرين وقوارب الإنقاذ مقابل تراجع واضح في المقاربات الإنسانية والحقوقية. فالشعار الذي يرفعه مثلا خفر السواحل الإيطالية والمالطية على الدوام هو "أنا غير معني بمصيرك ويمكنك الغرق بعيدا عن سواحلنا ".. في نفس الوقت يكون تعامل خفر السواحل الليبي أكثر وحشية فيتجه إلى ارتكاب جرائم في حق الإنسانية وسط المتوسط عبر إغراق قوارب مهاجرين غير نظاميين أو الحلول دون إنقاذهم من قبل القوارب الإنسانية ويتم في ذلك بإشهار الأسلحة وإطلاق النار..
وتكشف الناشطة بشبكة هاتف الإنذار، أن "فرونتاكس" الوكالة التي تم بعثها في 2004 من قبل الاتحاد الأوروبي وكان مهمتها حراسة الحدود الأوروبية، ومن ابرز تدخلاتها المسجلة ما وقع في غرب إفريقيا (السنغال وموريتانيا) أين قامت بوضع قوارب "قطع طريق" على عمليات الهجرة غير النظامية، وهو خيار لم ينجح في إيقاف موجات الهجرة بل جعلت المهاجرين يغيرون مسارهم ويعتمدون طريقا أطول وأخطر،الأمر الذي خلف مجازر وحالات غرق مهولة في الأطلسي..
واليوم تتدخل "فورنتاكس" على الجانب التونسي وفي المتوسط وانطلق ذلك حسب مصدرنا في ديسمبر 2020، أين اعتمدت مراقبة الطريق الشمالي عبر طائرة لخفر السواحل الهولندي وهي الطريق التي يعتمدها عموما المهاجرون الذين ينطلقون من نابل وبنزرت وكان ذلك بالتوازي مع توسعة مجال تدخل الطائرة المختصة في السواحل الليبية "اوسبري وان" لتشمل جرجيس وصفاقس والمهدية.. وكل المعطيات التي تتحصل عليها هذه الطائرات يتم إرسالها لخفر السواحل التونسي من اجل التدخل وإنجاح المنع.
حرفية أكثر لدى الجانب التونسي
وتقول محدثتنا ما يمكن ملاحظته فيما يهم الجانب التونسي هو التغيير المسجل في السنة الأخيرة في سلوك الجانب الرسمي وخاصة وزارة الدفاع "الجيش البحري"، أين سجلنا منذ أواخر سنة 2020، تفاعل وتجاوب مباشر مع العاملين في الشبكة، فيتم الإجابة على الاتصالات التي تصلهم باللغة الانقليزية.. كما يتم مدنا بمعلومات فيما يهم موقع القارب ووضعيته.. ويتم التفاعل المباشر والتدخل الفوري للإنقاذ ان استوجبت الوضعية.. ويمكن القول إن الجانب التونسي أصبحأكثر مهنية وتخصص في ما يتعلق بالإنقاذ والهجرة غير النظامية.
وبالنسبة للجانب التونسي وبفضل ما تحصل عليه من دعم وتجهيزات في السنوات الأخيرة فان عمليات الإحباط في غالبيتها تكون قبل خروج قارب الهجرة او هو مازال في المياه الإقليمية التونسية.
وتذكر في سياق ذاته، أن قوارب الهجرة غير النظامية التي تخرج من السواحل التونسية في الغالب تكون أكثرأمنا من نظيراتها التي تنطلق من السواحل الليبية، وفضلا عن أن المسافة بين السواحل التونسية والإيطالية تعد اقرب من المسافات التي تفصل السواحل الليبية عن إيطاليا يسجل اختلاف في نوعية القوارب المعتمدة (الجانب الليبي يتم فيه اعتماد قوارب مطاطية) وفي حمولة القارب وفي مستوى الدراية بالبحر.
دولة تونسية على محك الضغط ..
ويكشف رمضان بن عمر في السياق نفسه أن صعود حكومات يمينية شعبوية في دول أوروبية عديدة وخاصة إيطاليا، زاد التضييق على جهود الإغاثة وإنقاذ الأرواح في المتوسط وذلك عبر إغلاق موانئ أوروبية أمام سفن الإنقاذ وتجريم عمليات إنقاذ مهاجرين، بالاعتماد على ما يسمى ب"خفر السواحل الليبي".
ومن اجل مزيد الضغط على تونس وإدماجهاأكثر في مهمة حراسة الحدود الموكولة لها من قبل دول الاتحاد يتم وتصعيد الضغوطات على تونس وإدراجها في عديد التصنيفات الأوروبية السلبية وإجبارها على الرضوخ والتعاون خاصة في الترحيل القسري للمهاجرين حيث رحلت إيطاليا قسريا 1703 تونسي عبر مطار النفيضة فقط خلال الفترة الممتدة من أوتإلى سبتمبر 2020، وتم ذلك عبر 51 رحلة جوية غير معلنة كما رحلت ألمانيا بنفس الطريقة 422 تونسيا خلال سنة 2020 منهم 140 بمرافقة أمنية عبر 7 رحلات جوية لمطار النفيضة.
ويضيف انه وعلى اثر ارتفاع تدفقات المهاجرين الى إيطاليا بوصول 12883 مهاجرا تونسيا إلى السواحل الإيطالية خلال سنة 2020 تصاعدت الضغوطات بشكل مكثف على تونس عبر زيارات مسؤولين ايطاليين وفرنسيين معززين بممثل عن المفوضية الأوروبية.
فلم تكن تونس أبدًا مركزًا لاهتمام القادة الأوروبيين بمثل هذا القدر. ويقول انه خلال اجتماع عُقد في تونس في 17 اوت 2020، أبرمت إيطاليا وتونس اتفاقية غير معلنة مصحوبة بمظروف بقيمة 11 مليون يورو لتعزيز المراقبة الحدودية التونسية ولا سيما المراقبة البحرية. في نفس السنة قررت وزيرة الداخلية الإيطالية ونظيرتها الفرنسية، في 6 نوفمبر 2020، عقب اجتماع في روما، نشر “قطع بحرية أو جوية قبالة السواحل التونسية يمكن أن تنبه السلطات التونسية إلى” عمليات مغادرة محتملة" وهو ما جعل الحرس البحري التونسي يحقق أرقاما قياسية في عدد عمليات الاجتياز المحبطة (الأرقام المذكورة في بداية النص تؤكد ذلك) كما أصبح جيش البحر يقوم بعمليات اعتراض للمهاجرين غير النظاميين خارج المياه الإقليمية التونسية.
وحسب منسق قسم الهجرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يبدو اليوم أن تونس، تحت الضغط الأوروبي، تقبل تدريجياً أن تكون جزءًا من المقاربة الأمنية الأوروبية. حيث يستمر تكثيف الدعم الذي تتلقاه تونس من الاتحاد الأوروبي لمراقبة حدودها البحرية. منذ عام 2015، وتعمل المفوضية الأوروبية على زيادة عدد البرامج المخصصة للتدريب وبناء القدرات للحرس البحري التونسي، لا سيما فيما يتعلق بجمع البيانات الشخصية. في إطار برنامج “إدارة الحدود المغاربية” الذي انطلق في جويلية 2018، كما خطط الاتحاد الأوروبي لتخصيص 24.5 مليون أورو سيستفيد منها بشكل أساسي الحرس البحري التونسي. دون أن ننسى الوكالة الأوروبية فرونتكس التي تتحكم في المياه التونسية عن طريق صور الأقمار الصناعية والرادارات والطائرات بدون طيار وهي بتكنولوجيا صهويونية وتجمع البيانات التي تمت مشاركتها منذ أشهر مع الحرس البحري التونسي، كما تم ذلك سابقا مع خفر السواحل الليبي.
ويكشف بن عمر أن الاتحاد الأوروبي يدير مباشرة أو بصفة غير مباشرة برامج عديدة تنفيذا لسياساته الهجرية، مثل برنامج إدارة الحدود لمنطقة المغرب العربي بقيمة 55 مليون يورو ومشروع الهجرة من مدينة إلى مدينة في البحر الأبيض المتوسط (MC2CM)، وبرنامج "دعم تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للهجرة في تونس ومشروع سلسلة "الهجرة الاورومتوسطية وغيرها إضافة إلى برامج تعاون مباشرة خاصة مع وزارتي الداخلية والدفاع تساهم جميعها في تكريس هيمنة الأجندات الأوروبية على دول الجنوب وخاصة تونس في ظرف سياسي واقتصادي واجتماعي هش ومتأزم يسهّل التعاون بالنسبة للأوروبيين بفضل شركاء في دول الجنوب مستعدين للتنفيذ مقابل مكاسب سياسية أو مالية محدودة لتجعل من مسألة السيادة وحقوق المهاجرين موضع مقايضة.
ويقول رمضان بن عمر أن الاتحاد الأوروبي بصدد مواصلة سياساته اللاإنسانية في المتوسط، وقد عرض منذ فيفري 2021، خطّة جديدة لمنطقة المتوسط بعنوان شراكة متجددة مع الجوار الجنوبي تضمنت 5 محاور رئيسية تهم التنمية البشرية والحكم الرشيد وسيادة القانون وتعزيز القدرة على الصّمود وبناء الازدهار واغتنام التحول الرقمي والسلام والأمن والهجرة والتنقل والتحول الأخضر: مواجهة آثار تغيّر المناخ والطاقة والبيئة للفترة 2021 – 2027 بحزمة مالية بـ7 مليارات أورو وشهدت انطلاقتها الرسمية مع الجانب التونسي يوم 16 فيفري 2021 أي بعد أسبوع فقط من إعلانها في مواصلة لنفس المسارات السابقة كما سيعقد مؤتمر وزاري بين وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي وشركائهم الأفارقة، وعلى الأرجح بمشاركة رؤساء حكومات دول شمال إفريقيا، حول إدارة ملف الهجرة بما يؤكد الهواجس الأوروبية ورغبتها في تأمين حدود الجنوبية مهما كلفها ذلك في ظل غياب رؤية موحد للتفاوض لدى دول الجنوب وستكون حقوق المهاجرين كما في كل مرة الخاسر الأكبر.
كلفة حراسة الحدود غير معلومة و"الداخلية" تمتنع عن كشفها..
وتعتمد دول الاتحاد الأوربي لتنفيذ سياساتها فيما يهم ملف الهجرة غير نظامية الى جانب الضغط السياسي، على اغراءات مالية ومشاريع شراكة مع الحكومة التونسية تهم أكثر من وزارة (الشؤون الاجتماعية وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة رئاسة الحكومة وزارة الفلاحة..) ويبقى أهمها وزارة الداخلية. ورغم سعي "الصباح" إلى معرفة حجم الإمدادات والهبات والمساعدات التي قدمتها دول الاتحاد الأوروبي للدولة التونسية خلال الـ10 سنوات الماضية في إطار ملف الهجرة غير النظامية لوزارة الداخلية فلم تتمكن من الحصول على كلفة حراسة تونس للحدود الأوروبية وامتنعت وزارة الداخلية عن مدنا بأي معطى في الغرض ونفس الأمر كان من المفوضية الأوروبية بتونس التي لم ترد بدورها على مراسلة "الصباح" فيما يتصل بحق النفاذ للمعطيات المتعلقة بالدعم والهبات والمساعدات التي قدمتها دول الاتحاد لفائدة تونس فيما يتصل بظاهرة الهجرة غير النظامية سواء في الجانب الأمني أو الجانب الاجتماعي الاقتصادي..
هذا وتفيد معطيات تم نشرها في تقرير حول الهجرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ان تونس تحصلت بين سنتي 2016 و2020 في اطار برنامج استراتيجيات التحكم في الهجرة غير النظامية والذي يتناول موضوع الهجرة والمفقودين وبرامج إعادة إدماج المرحلين قسريا من دول الاتحاد الأوروبي.. على نحو 12 مليونا و800 ألف أورو أي ما يعادل 42 مليون و240 الف دينار تونسي. في نفس الوقت انتفعت الدولة التونسية ببرنامج تنمية وحماية لشمال إفريقيا قيمته في حدود الـ5 مليون و600 الف أورو أي ما يعادل 18 مليونا و480 الف دينار تونسي. هذا الى جانب عدد من الإمدادات التي تعود في عدد منها إلى 2014 وتتواصل الى حدود 2021 وتهم حقوق المهاجرين والتنمية والتشجيع على الاستثمار في إفريقيا والتصرف في الحدود بدول المغرب... وكانت في حدود 57 مليونا و764 الف أورو أي ما يعادل ال 190 مليونا و621 الف دينار تونسي. وفي المجمل وحسب نفس المصدر فان كلفة حراسة حدود الحدود لا يمكن أن تكون دون المبالغ المذكور.