إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الصلح الجزائي.. خيار جديد لمصالحة وطنية "مؤجلة!"

 
تونس – الصباح
في أفريل 2012 أقترح المختص في القانون الدستوري وقتها، قيس سعيد صيغة لتحقيق المصالحة الوطنية بين من نهب أموال المجموعة الوطنية وبين أغلب الجهات والمناطق الفقيرة والمسحوقة والتي تضررت من هذا النهب..، وكان ذلك  من خلال اقتراح آلية الصلح الجزائي وتختزل في اجراء بسيط وهو تكفل الأكثر تورطا في نهب المال العام بالمعتمدية الاكثر فقرا ويكون ذلك بشكل تنازلي من الاكثر إلى الأقل وهكذا دواليك..
وقتها لم يجد هذا المقترح أي تفاعل من أي طرف سياسي، حيث كانت حكومة "الترويكا" والمجلس التأسيسي منشغلين بمسار العدالة الانتقالية طمعا في التعويضات، ومع وصول حزب نداء تونس إلى السلطة ومؤسسه الباجي قايد السبسي إلى الرئاسة، بدعم من رجال الأعمال وبعضهم تحوم حولهم شبهة فساد أو تورط في نهب المال العام، سعى الرئيس الراحل إلى إفشال مسار العدالة الانتقالية مع مجموعة من الأحزاب في برلمان 2014 والتي اعتبرته مسارا منحازا لحركة النهضة، وفي المقابل تقدم بمبادرة المصالحة الوطنية مع رجال الأعمال ومر المشروع بالأغلبية البرلمانية رغم حملة الرفض الكبير له وخاصة من شباب حركة  "مانيش مسامح"  بدعم من بعض القوى السياسية..
لكن اليوم فان حصيلة كل تلك التجارب في حدود الصفر، فلا مسار العدالة الانتقالية الذي انتهى الى الفشل الذريع نجح في استرجاع الاموال المنهوبة من مقدرات الشعب ولا قانون المصالحة الوطنية رأينا له نتائج على أرض الواقع..
وقد وجد أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد بعد وصوله الى منصب الرئيس في تلك النتائج المخيبة للآمال وخاصة بعد اعلانه للتدابير الاستثنائية ووضع يده على السلطة التنفيذية والتشريعية الفرصة المناسبة ليعود الى مشروعه القديم كما تصوره ويعلن أول أمس في اشرافه لثاني مرة على اجتماع مجلس الوزراء أنه تم التداول في مشروع قانون الصلح الجزائي، وقد أشار رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى أن المشروع لا يتعلّق فقط بمن نهبوا البلاد قبل سنة 2011 بل وكذلك من يواصلون ذلك إلى حدّ اليوم.
ولكن السؤال الذي يطرح اليوم بإلحاح هل يستطيع قيس سعيد بعد عشر سنوات من الثورة وبعد العبث بملف ناهبي المال العام واخضاع بعضهم للمحاكمات وآخرين للابتزاز والبعض الآخر تم إيداعهم السجن، إنجاح مبادرة الصلح الجزائي كما تصورها في 2012 وروح الثورة ما تزال متوهجة؟
 
الصلح الجزائي.. كيف سيكون؟
 
قال قيس سعيد أن الصلح الجزائي يتمثل في ترتيب تنازلي للمبالغ المالية المطلوبة من هؤلاء، أمام هيئة خاصة، يقابله ترتيب تنازلي للمعتمديات حسب نسبة الفقر على أن يقوم الاشخاص الأكثر تورطا من حيث الأموال المنهوبة بمشاريع في المعتمدية الأكثر فقرا. كما أكد رئيس الجمهورية أن قيمة الأموال المنهوبة بلغت في تلك الفترة 13.500 مليون دينار، مشيرا إلى أنها "أموال الشعب وستعود إليه". وتابع أنه يتم بعد ذلك إحداث لجنة جهوية في كل ولاية للتنسيق وللمتابعة تتكون من خبراء ومواطنين، ثم إبرام صلح مؤقت مع المعنيين بالأمر حتى تبقى المشاريع التي تم إنجازها تحت الرقابة، مبيّنا أنه في صورة ظهور عيب في أي مشروع أنجز، فإنه تتم إعادة إصلاحه ويترتّب عن ذلك خطايا.
وسيصدر رئيس الجمهورية مشروع الصلح الجزائي وفق صلاحياته التشريعية التي منحها له الأمر الرئاسي عدد 117 الذي يمكنه اصدار مراسيم تشريعية نافذة كقانون ويهدف سعيد كما اعلن عن ذلك الى تأمين اعتمادات إضافية لخزينة الدولة التي تشهد صعوبات كبيرة في التمويل والموارد.
وحسب بعض التسريبات فان مشروع القانون الذي أعدته الرئاسة في علاقة بالصلح الجزائي ينص على أنه ينتفع بالصلح  كل من حكم عليه أو كان محل تتبع قضائي في تاريخ صدوره من أجل أفعال تتعلق بالاعتداء على المال العام أو الإضرار بالإدارة بمختلف صوره باستثناء ما حصل منها باستعمال القوة والسلاح أو التهديد.. كما ينص مشروع القانون على إحداث ''لجنة وطنية للصلح'' تحت إشراف رئاسة الجمهورية، تضم 3 قضاة عدليين من الرتبة الثالثة الأقدم في خطة رئيس دائرة في محكمة التعقيب، 3 قضاة عدليين الأقدم في خطة رئيس دائرة تعقيبية، و3 قضاة ماليين الأقدم في خطة رئيس دائرة استئنافية. 
ويهدف مشروع القانون الأساسي إلى وضع آليات التشجيع على الاستثمار والنهوض بالاقتصاد الوطني من خلال اقرار اجراءات استثنائية لاسترجاع المال العام أو التعويض على الضرر الحاصل لإدارة بأي وجه كان وتوظيف متحصله لإنجاز مشاريع تنموية. 
وكان رئيس الجمهورية قد صرح في لقاء جمعه سابقا مع  رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، سمير ماجول أن ''عدد الذين نهبوا أموال البلاد بلغ 460 شخصاً، حسب تقارير اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد، قائلا أنهم كانوا مطالبين بسداد مبلغ 13500 مليار" مشددا على ضرورة ان تعود هذه الأموال الى الشعب من خلال الصلح الجزائي.
 
ردود الفعل غير مضمونة 
 
رغم أن قانون الصلح الجزائي يبدو نظريا آلية عادلة وذات جدوى في استرجاع ما نُهب من أموال الشعب الا أن ذلك يطرح سؤالا حول مدى قدرة رئيس الجمهورية في الظرف الحالي، المعقد على المستوى السياسي والاقتصادي على تطبيق مبدأ الصلح الجزائي مع رجال الأعمال.. حيث يتوقع الكثيرون ان ذلك سيفتح على الرئيس جبهة صراع جديدة مع رجال الاعمال خاصة في ظل قضاء متخاذل اقرّ قيس سعيد بتخاذله في أكثر من ملف..
كما ستواجه هذه المبادرة اشكالات فنية في التطبيق فهذه اللجان الجهوية من سيختارها وخاصة بالنسبة لتمثيلية المواطنين وكذلك بالنسبة للهيئة العليا للصلح ممن ستكون متكونة وهل ستحل محل القضاء بالنسبة لرجال الاعمال التي ما تزال قضاياهم منشورة اليوم أمام القضاء.. والأهم هل ستكون هناك استجابة من هؤلاء لمبادرة الصلح الجزائي وهل الذين استفادوا من صلح العدالة الانتقالية او من الصلح الذي تم اقراره وفق قانون المصالحة الوطنية مجبرون اليوم على العودة الى نقطة الصفر والبدء من جديد مع قانون الصلح الجزائي؟
أسئلة كثيرة تطرح اليوم نفسها وتنتظر اجابات قاطعة من رئاسة الجمهورية التي يجب ان تكتفي بطرح المبادرة بل يجب ان تضمن لها كل عوامل النجاح والا فان مصيرها سيكون كمسارات المصالحة السابقة والتي انتهت الى الفشل.
 
منية العرفاوي 
 
 الصلح الجزائي.. خيار جديد لمصالحة وطنية  "مؤجلة!"
 
تونس – الصباح
في أفريل 2012 أقترح المختص في القانون الدستوري وقتها، قيس سعيد صيغة لتحقيق المصالحة الوطنية بين من نهب أموال المجموعة الوطنية وبين أغلب الجهات والمناطق الفقيرة والمسحوقة والتي تضررت من هذا النهب..، وكان ذلك  من خلال اقتراح آلية الصلح الجزائي وتختزل في اجراء بسيط وهو تكفل الأكثر تورطا في نهب المال العام بالمعتمدية الاكثر فقرا ويكون ذلك بشكل تنازلي من الاكثر إلى الأقل وهكذا دواليك..
وقتها لم يجد هذا المقترح أي تفاعل من أي طرف سياسي، حيث كانت حكومة "الترويكا" والمجلس التأسيسي منشغلين بمسار العدالة الانتقالية طمعا في التعويضات، ومع وصول حزب نداء تونس إلى السلطة ومؤسسه الباجي قايد السبسي إلى الرئاسة، بدعم من رجال الأعمال وبعضهم تحوم حولهم شبهة فساد أو تورط في نهب المال العام، سعى الرئيس الراحل إلى إفشال مسار العدالة الانتقالية مع مجموعة من الأحزاب في برلمان 2014 والتي اعتبرته مسارا منحازا لحركة النهضة، وفي المقابل تقدم بمبادرة المصالحة الوطنية مع رجال الأعمال ومر المشروع بالأغلبية البرلمانية رغم حملة الرفض الكبير له وخاصة من شباب حركة  "مانيش مسامح"  بدعم من بعض القوى السياسية..
لكن اليوم فان حصيلة كل تلك التجارب في حدود الصفر، فلا مسار العدالة الانتقالية الذي انتهى الى الفشل الذريع نجح في استرجاع الاموال المنهوبة من مقدرات الشعب ولا قانون المصالحة الوطنية رأينا له نتائج على أرض الواقع..
وقد وجد أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد بعد وصوله الى منصب الرئيس في تلك النتائج المخيبة للآمال وخاصة بعد اعلانه للتدابير الاستثنائية ووضع يده على السلطة التنفيذية والتشريعية الفرصة المناسبة ليعود الى مشروعه القديم كما تصوره ويعلن أول أمس في اشرافه لثاني مرة على اجتماع مجلس الوزراء أنه تم التداول في مشروع قانون الصلح الجزائي، وقد أشار رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى أن المشروع لا يتعلّق فقط بمن نهبوا البلاد قبل سنة 2011 بل وكذلك من يواصلون ذلك إلى حدّ اليوم.
ولكن السؤال الذي يطرح اليوم بإلحاح هل يستطيع قيس سعيد بعد عشر سنوات من الثورة وبعد العبث بملف ناهبي المال العام واخضاع بعضهم للمحاكمات وآخرين للابتزاز والبعض الآخر تم إيداعهم السجن، إنجاح مبادرة الصلح الجزائي كما تصورها في 2012 وروح الثورة ما تزال متوهجة؟
 
الصلح الجزائي.. كيف سيكون؟
 
قال قيس سعيد أن الصلح الجزائي يتمثل في ترتيب تنازلي للمبالغ المالية المطلوبة من هؤلاء، أمام هيئة خاصة، يقابله ترتيب تنازلي للمعتمديات حسب نسبة الفقر على أن يقوم الاشخاص الأكثر تورطا من حيث الأموال المنهوبة بمشاريع في المعتمدية الأكثر فقرا. كما أكد رئيس الجمهورية أن قيمة الأموال المنهوبة بلغت في تلك الفترة 13.500 مليون دينار، مشيرا إلى أنها "أموال الشعب وستعود إليه". وتابع أنه يتم بعد ذلك إحداث لجنة جهوية في كل ولاية للتنسيق وللمتابعة تتكون من خبراء ومواطنين، ثم إبرام صلح مؤقت مع المعنيين بالأمر حتى تبقى المشاريع التي تم إنجازها تحت الرقابة، مبيّنا أنه في صورة ظهور عيب في أي مشروع أنجز، فإنه تتم إعادة إصلاحه ويترتّب عن ذلك خطايا.
وسيصدر رئيس الجمهورية مشروع الصلح الجزائي وفق صلاحياته التشريعية التي منحها له الأمر الرئاسي عدد 117 الذي يمكنه اصدار مراسيم تشريعية نافذة كقانون ويهدف سعيد كما اعلن عن ذلك الى تأمين اعتمادات إضافية لخزينة الدولة التي تشهد صعوبات كبيرة في التمويل والموارد.
وحسب بعض التسريبات فان مشروع القانون الذي أعدته الرئاسة في علاقة بالصلح الجزائي ينص على أنه ينتفع بالصلح  كل من حكم عليه أو كان محل تتبع قضائي في تاريخ صدوره من أجل أفعال تتعلق بالاعتداء على المال العام أو الإضرار بالإدارة بمختلف صوره باستثناء ما حصل منها باستعمال القوة والسلاح أو التهديد.. كما ينص مشروع القانون على إحداث ''لجنة وطنية للصلح'' تحت إشراف رئاسة الجمهورية، تضم 3 قضاة عدليين من الرتبة الثالثة الأقدم في خطة رئيس دائرة في محكمة التعقيب، 3 قضاة عدليين الأقدم في خطة رئيس دائرة تعقيبية، و3 قضاة ماليين الأقدم في خطة رئيس دائرة استئنافية. 
ويهدف مشروع القانون الأساسي إلى وضع آليات التشجيع على الاستثمار والنهوض بالاقتصاد الوطني من خلال اقرار اجراءات استثنائية لاسترجاع المال العام أو التعويض على الضرر الحاصل لإدارة بأي وجه كان وتوظيف متحصله لإنجاز مشاريع تنموية. 
وكان رئيس الجمهورية قد صرح في لقاء جمعه سابقا مع  رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، سمير ماجول أن ''عدد الذين نهبوا أموال البلاد بلغ 460 شخصاً، حسب تقارير اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد، قائلا أنهم كانوا مطالبين بسداد مبلغ 13500 مليار" مشددا على ضرورة ان تعود هذه الأموال الى الشعب من خلال الصلح الجزائي.
 
ردود الفعل غير مضمونة 
 
رغم أن قانون الصلح الجزائي يبدو نظريا آلية عادلة وذات جدوى في استرجاع ما نُهب من أموال الشعب الا أن ذلك يطرح سؤالا حول مدى قدرة رئيس الجمهورية في الظرف الحالي، المعقد على المستوى السياسي والاقتصادي على تطبيق مبدأ الصلح الجزائي مع رجال الأعمال.. حيث يتوقع الكثيرون ان ذلك سيفتح على الرئيس جبهة صراع جديدة مع رجال الاعمال خاصة في ظل قضاء متخاذل اقرّ قيس سعيد بتخاذله في أكثر من ملف..
كما ستواجه هذه المبادرة اشكالات فنية في التطبيق فهذه اللجان الجهوية من سيختارها وخاصة بالنسبة لتمثيلية المواطنين وكذلك بالنسبة للهيئة العليا للصلح ممن ستكون متكونة وهل ستحل محل القضاء بالنسبة لرجال الاعمال التي ما تزال قضاياهم منشورة اليوم أمام القضاء.. والأهم هل ستكون هناك استجابة من هؤلاء لمبادرة الصلح الجزائي وهل الذين استفادوا من صلح العدالة الانتقالية او من الصلح الذي تم اقراره وفق قانون المصالحة الوطنية مجبرون اليوم على العودة الى نقطة الصفر والبدء من جديد مع قانون الصلح الجزائي؟
أسئلة كثيرة تطرح اليوم نفسها وتنتظر اجابات قاطعة من رئاسة الجمهورية التي يجب ان تكتفي بطرح المبادرة بل يجب ان تضمن لها كل عوامل النجاح والا فان مصيرها سيكون كمسارات المصالحة السابقة والتي انتهت الى الفشل.
 
منية العرفاوي 
 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews