تونس – الصباح
مرة أخرى يعود الجدل حول جواز السفر الديبلوماسي في تونس أو الخاص بعد أن أُثِير هذا الموضوع بعد انتخابات 2019 ورفض رئيس الجمهورية قيس سعيد الموافقة حينها على منح نواب البرلمان جواز سفر دبلوماسي. ليطفو الجدل من جديد حول نفس المسالة لكن في سياق مختلف وذلك بعد قرار رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ يومين القاضي بسحب جواز السفر الدبلوماسي من منصف المرزوقي، رئيس الجمهورية المؤقت السابق.
يأتي ذلك على خلفية مواقف وتصريحات هذا الأخير وما تتضمنه من دعوات وأدوار صريحة بهدف مس وتهديد للسيادة الوطنية وذلك بعد ما أثارته تصريحاته وتحركاته ودعواته المتكررة للحيلولة دون نجاح المسار الانتقالي والاستثنائي في تونس ما بعد 25 جويلية، وما قابلها من ردود أفعال أحزاب ومنظمات وطنية وحقوقية وسياسيين وغيرهم التي اتسمت بالرفض والاستنكار والتنديد. لتجمع المواقف على شجب واستنكار ما يصدر عن المرزوقي من عداء وضرب لمقومات السيادة الوطنية، بقطع النظر عن أهدافه "السياسوية" التي يضعها البعض في خانة "الشعبوية غير المسؤولة" ومن وراءه وذلك باستغلال هذا الوضع للاصطفاف وراء الشق الرافض لقرارات سعيد للاستثمار في الوضع الاستثنائي لفائدة حزبه ومساره السياسي المتعثر، دون مراعاة واجب التحفظ وروح الوطنية التي يجب التحلي بها انطلاقا من حساسية موقعه كرئيس سابق للدولة.
الأمر الذي دفع عددا من المحامين لرفع قضية ضده مطالبين بفتح بحث جزائي بعد تصريحه في "فرانس 24" بأنه فخور بدوره في تأجيل القمة الفرانكفونية في دورتها 18 التي كان مقررا تنظيمها بتونس في نوفمبر المقبل" وذلك بعد تنظيمه وقفة احتجاجية في باريس منذ أكثر من أسبوع دعا فرنسا إلى التدخل في الشأن الوطني.
شروط دقيقة
ويذكر أن جواز السفر هو ثلاثة أنواع وهي العادي والخاص والدبلوماسي وفق ما حدده القانون عدد 40 المؤرخ في 14 ماي 1975 المتعلق بجوازات السفر ووثائق السفر. وفيما يتعلق بالسؤال حول من يتمتع بجواز سفر دبلوماسي وأبرز الشروط الخاصة بذلك، أكد الفصل 9 من نفس القانون الذي ينص على أن "تسلم جوازات السفر الدبلوماسية مجانا من طرف وزير الخارجية لمدة ثلاث سنوات تضبط شروط الحصول عليها والتمديد في صلوحيتها وتجديدها وسحبها بمقتضى أمر".
فيما أوضح الفصلان 10 و11 أن " تسلم جوازات السفر الخاصة مجانا من طرف وزير الداخلية لمدة عامين غير أنه إرجاع جوازات السفر الخاصة إلى وزارة الداخلية بعد إنهاء كل مهمة تقع بالخارج". و"تضبط شروط حصول جوازات السفر الخاصة وسحبها بمقتضى أمر".
وحدد المشرع شروط التمتع بجواز سفر دبلوماسي ليُمنح مجانا من طرف وزارة الخارجية لكلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الخارجية، ويمكن أن يكون لفائدة هذه الفئة مدى الحياة طالما لم يرتكب أحدهم ما يوجب سحبه حسب ما ينص عليه القانون. ويتم استعمال جواز السفر الدبلوماسي في المهمّات الرسمية ويسمح لحامله عدم الاستظهار بالتأشيرة في عدد من البلدان التي لها اتفاقيات في هذا المجال مع الحكومة التونسية ويضمن له الحصانة الديبلوماسية طيلة تواجده في الخارج ويقع إرجاعه بعد انتهاء مهام حامله باستثناء رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية السابقين.
ويذكر أنه أصبح من حق رئيس مجلس نواب الشعب التمتع بذلك منذ 1989 حين كان الراحل الباجي قائد السبسي رئيسا للبرلمان أو من تحصل عليه. كما يمكن لرئيس الجمهورية أن يمنحه لكل من يرى ضرورة لتسليمه جواز سفر دبلوماسي.
لكن عديد المصادر أكدت أنه خلال السنوات العشر الأخيرة لم يعد هناك التزام بتلك الشروط بعد أن تمتع بذلك عدد كبير من السياسيين والموالين لهم.
مزايا رمزية وامتيازات لكن..
وحول هذه المسألة أفاد عبدالله العبيدي، دبلوماسي سابق ومحلل سياسي، أن كل حق مرتبط بشروط وجواز السفر الدبلوماسي هو كغيره من الامتيازات التي تمنحها الدولة لأفراد في إطار تسهيل مهماتهم ومأمورياته المتمثلة في خدمة الدولة، وفق ما تنص عليه الصفحة الأولى من هذا الجواز. وأكد لـ"الصباح" أن المتمتع بهذا النوع من جوازات السفر سواء لفترة وجيزة أو طويلة المدى تكشف الحظوة التي تمنحها الدولة التونسية لحامله ممن تتوسم فيهم خدمة الدولة رغم أن مزاياه تظل رمزية بالأساس، وفق تقدير العبيدي، باستثناء ما يخوله لصاحبه من التنقل في البلدان الأوروبية وغيرها دون تأشيرة.
في جانب آخر من حديثه عن نفس المسألة أفاد محدثنا أن سحب جواز السفر الدبلوماسي من المرزوقي اليوم ليس فيه تجن وإنما لخطورة ما يقوم به تجاه الدولة التي كان في فترة ما رئيس مؤسسة رئاستها بما توكله له تلك المهمة من ترؤس لمجلس الأمن القومي. وأضاف الدبلوماسي السابق في نفس السياق قائلا: "لا يزال هناك في بعض المؤسسات والإدارة التونسية ممن عملوا معه حين كان رئيسا مؤقتا للجمهورية التونسية يواصلون مهامهم إلى اليوم، مما يعني أن إمكانية إطلاعه على بعض المعطيات والمعلومات الخاصة والدقيقة حول البلاد أمر وارد. وهذا يشكل خطرا كبيرا على الدولة خاصة أنه لم يلتزم واجب التحفظ".
سحب جوازات دبلوماسية
ولئن رفض الدبلوماسي السابق الحديث عمن تم سحب جوازات سفرهم الدبلوماسية وتمسك بواجب التحفظ وكون ذلك يعد ضمن سرية إدارة التشريفات بوزارة الخارجية في تعاطيها مع هذه المسألة، إلا أنه لم ينف علمه بحدوث عديد الحالات في الغرض وذلك بعد تأكد الجهات الرسمية في وزارة الخارجية بإخلال من يتمتع بهذا الامتياز الرمزي بواجبه تجاه الوطن وذلك بأن يتم إرسال مذكرة يتم نشرها على نطاق دولي واسع في البلدان التي يتواجد أو يتنقل إليها المعني بالأمر والإعلام بقرار إلغاء وعدم صلوحية هذا الجواز الدبلوماسي. موضحا أن هناك إجراءات خاصة لسحب هذا النوع من جوازات السفر.
ويذكر أن من بين الأسماء التي كانت عرضة لسحب جواز سفرها الدبلوماسي، سهام بن سدرين الرئيس السابقة لهيئة الحقيقة الكرامة، وذلك بعد قرار رئاسة الحكومة إنهاء تكليفها وعدم التمديد لها على رأس هذه المؤسسة. وهو السبب الذي دفعها إلى رفع قضية ضد وزارة الخارجية في الغرض. وسبق أن تم سحب هذا الامتياز من السياسي السابق والقيادي السابق في حزب الدستوري الحر الراحل محمد المصمودي الذي تقلد عدة مهام وحقائب وزارية من بينها وزير دولة في حكومة الطاهر بن عمار والخارجية والسياحة. والأسباب التي دفعت الراحل الحبيب بورقيبة إلى اتخاذ هذا القرار هو أن المصمودي كان أحد مهندسي مشروع الوحدة بين تونس وليبيا التي تم التوقيع على اتفاقيتها يوم 12 جانفي 1974 عندما كان سفيرا لتونس بالأمم المتحدة. غير أن فشل تلك الوحدة وما راج حول اختياره الانضمام إلى صف ليبيا وخدمتها على حساب تونس. ويذكر أن بورقيبة قرر إدخال تغيير على قانون الجنسية حينذاك من أجل حرمانه من الامتياز الوطني ليتم تعويضه على رأس الدبلوماسية التونسية بالحبيب الشطي. وعمل بعد ذلك مستشارا لعدد من الحكام العرب.
وقد كشفت بعض المصادر أن هناك قائمة مطولة لعدد ممن تم سحب تمتعهم بجواز سفر دبلوماسي مما يؤكد أن حرمان المرزوقي منه لا يعد سابقة.
نزيهة الغضباني