تتجه الأنظار إلى الحكومة الجديدة الاستثنائية بجميع المقاييس التي ستتولى تسيير دواليب الدولة في هذه المرحلة الاستثنائية خاصة أن كل المؤشرات والظروف تبين أنها ستكون مختلفة عما سبقها وعلى قدر من "النظافة" والنقاء في علاقة بتحكم بارونات الفساد في مسارها، مثلما أكد على ذلك رئيس الجمهورية قيس سعيد في أكثر من مناسبة نظرا للتحديات الجسام التي تنتظرها. ولعل أهم مؤشر أن هذه الحكومة رقم 11 بعد ثورة 2011 ستكون خارج "السيستام". وهذا عامل كفيل بتأكيد المهمة الصعبة التي تنتظرها خاصة أمام تأكيد أغلب السياسيين والمقربين من دوائر الحكم خلال السنوات الأخيرة الدور الكبير "للوبيات" السياسية والاقتصادية المتحكمة في دواليب الدولة وفي منظومة الحكم من خلال اختراقها والتغلغل داخل مواقع القرار والنفوذ وتوجيه سياسات الدولة حسب مصالحها وأهدافها وخدمة أجنداتها، وهو نفس العامل الذي كان سببا في الإطاحة بهذه الحكومات.
لكن يبدو أن في مراهنة قيس سعيد على امرأة على رأس الحكومة وما يروج في الكواليس من توجه إلى فريق وزاري يتكون من كفاءات نسائية وشبابية غير مسيسة بشكل مختلف عما ألفناه في الحكومات العشر المتعاقبة على الحكم في الفترة التي وصفها البعض بـ"العشرية الجرداء"، يضع الجميع أمام معادلة صعبة التحقق وإن تبدو لدى البعض مستحيلة خاصة أمام إقرار بعض الفاعلين في المشهد السياسي بسيطرة اللوبيات على منظومة الحكم على نحو أصبح فيها الوضع أشبه بالنظام "المافيوزي" المتحكم في مفاصل الدولة الأمر الذي كانت له تداعيات كارثية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعد رضوخ جانب من الطبقة السياسية والحزبية إلى "ماكينة" هذا "السيستام" الذي تقاطعت معه في المصالح والأهداف الضيقة وتشابه الطرفان في تغييب منطق الدولة ومفهوم الوطنية والتأسيس، فتحول التعاطي مع الدولة وفق منطق الغنيمة وتوظيف القوانين والمنظومة خدمة لذلك في بعض الأحيان والضرب بعرض الحائط لترسانة القوانين الموجودة في أحيين كثيرة أخرى.
والسؤال المطروح اليوم في مختلف الأوساط هو: هل تستطيع حكومة نجلاء بودن أن تكون بمنأى عن هذا "السيستام" الذي لطالما أنهك الدولة وتسرب إلى مفاصلها وتحكم فيها إلى درجة إضعافها؟
لأن الإجابة عليه تختزل في تفاصيلها وأبعادها مدى قدرة المنظومة المرتقبة على إعادة جانب من هبة الدولة ومن ثمة دورها لضمان عيش كريم لأبنائها لتضمن بذلك الاستجابة لتطلعات المواطنين والمنظمات والشق السياسي المساند لحراك 25 جويلية في القطع مع المنظومة التي كانت قبل ذلك التاريخ.
وما يعزز ذلك أن هذه الحكومة ستكون في انسجام وتناغم مع رئاسة الجمهورية مثلما أكد على ذلك قيس سعيد ثم أن مهمتها في هذه المرحلة الاستثنائية حدد رئيس الجمهورية خطوطها العريضة وتمثل في مقاومة الفساد والقضاء على الفوضى التي عمت الإدارة والمؤسسات وأنهكت الدولة ثم الاهتمام بالجانب الاجتماعي من خلال إيلاء أهمية كبرى لقطاعات التعليم والصحة والنقل باعتبارها مطالب حارقة للمواطنين اليوم في ظل التشكيات في تردي وضع هذه القطاعات الحيوية لتكون إلى جانب العمل على ضمان ما يحفظ كرامة المواطن في ظل انتشار الفساد والاحتكار والمضاربة والتلاعب بالأسعار وغلاء المعيشة. وهي تقريبا مواطن الداء التي لطالما نخرت جسد الدولة وأضعفتها لتقدم مقدراتها ومنظومتها على "طبق" للوبيات والمتمعشين من هذا النظام. ويكفي العودة إلى ملفات الفساد المطروحة على أنظار الجهات القضائية والمؤسسات المعنية المتعلقة بفترات متفاوتة للحكومات المتعاقبة على الحكم خلال هذه العشرية لتأكد من ذلك خاصة أن ملفات أخرى سيتم فتحها خلال الفترة القادمة بعد أن حاولت جهات متنفذة طمس معالمها، وهو تقريبا ما أكده وشدد عليه رئيس الجمهورية في لقائه الأخير مع يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء.
لذلك يعلم الجميع أن مهمة هذه الحكومة سوف لن تكون يسيرة خاصة أن هذا التحدي المتمثل في غلق منافذ "القصبة" ومن خلاله حماية الفريق الوزاري من تسرب اللوبيات إلى داخل مواقع القرار كان السبب في إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ وذلك بشهادة عدد كبير من الفاعلين في الشهد السياسي. لأن بقية الحكومات كانت مخترقة منذ البداية وأداة طيعة في يد "السيستام". وإذا كانت حكومة هذا الأخيرة هشة ولم تستطيع الصمود طويلا أمام قوة "الماكينة" المضادة فإن على حكومة بودن أن تكون أكثر صلابة وواقعية وبراغماتية في التعاطي مع الوضع الجديد وما يحدوه من استحقاقات التأسيس والإصلاح ليس في مستوى المجالات الثلاث التي سبق ذكرها وإنما بالعمل على تكريس مبادئ دولة القانون والمؤسسات التي بقيت مجرد شعار والعمل على تحويلها إلى مبادئ عملية نافذة. وهذا يتطلب توفر أرضية قانونية خاصة في ظل الصعوبات التي تعيشها بلادنا وما يجب القيام به من إنقاذ للمالية العمومية وتوفير التمويلات ومناخ التشجيع على الاستثمار.
لأن الاكتفاء بالقواعد الشعبية كسند داعم لخيارات وسياسة رئيس الجمهورية وحده غير كاف لضمان نجاح هذه الحكومة وسياسة الدولة الجديدة في المضي في منهجها للقضاء على الفساد في مختلف مستوياته ومجالاته. لأن المتمعشين من "الفوضى" وضعف الدولة كثيرين والأمر لا يقتصر على السياسيين دون سواهم بل يشمل "بارونات" فساد نافذة اختارت التموقع في الخفاء وراء "عملاء" بألوان حزبية ومدنية وحقوقية وفكرية وقانونية. فعديد القراءات تذهب إلى أن تنقية الإدارة والمؤسسات من شوائب الفساد المنتشر في مفاصلها مهمة ممكنة التحقيق لكنها تتطلب سنوات يصل أقصاها عشر سنوات، ولا يمكن تحقيق الأمر في ظرف أشهر مثلما يدعو إلى ذلك البعض.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
تتجه الأنظار إلى الحكومة الجديدة الاستثنائية بجميع المقاييس التي ستتولى تسيير دواليب الدولة في هذه المرحلة الاستثنائية خاصة أن كل المؤشرات والظروف تبين أنها ستكون مختلفة عما سبقها وعلى قدر من "النظافة" والنقاء في علاقة بتحكم بارونات الفساد في مسارها، مثلما أكد على ذلك رئيس الجمهورية قيس سعيد في أكثر من مناسبة نظرا للتحديات الجسام التي تنتظرها. ولعل أهم مؤشر أن هذه الحكومة رقم 11 بعد ثورة 2011 ستكون خارج "السيستام". وهذا عامل كفيل بتأكيد المهمة الصعبة التي تنتظرها خاصة أمام تأكيد أغلب السياسيين والمقربين من دوائر الحكم خلال السنوات الأخيرة الدور الكبير "للوبيات" السياسية والاقتصادية المتحكمة في دواليب الدولة وفي منظومة الحكم من خلال اختراقها والتغلغل داخل مواقع القرار والنفوذ وتوجيه سياسات الدولة حسب مصالحها وأهدافها وخدمة أجنداتها، وهو نفس العامل الذي كان سببا في الإطاحة بهذه الحكومات.
لكن يبدو أن في مراهنة قيس سعيد على امرأة على رأس الحكومة وما يروج في الكواليس من توجه إلى فريق وزاري يتكون من كفاءات نسائية وشبابية غير مسيسة بشكل مختلف عما ألفناه في الحكومات العشر المتعاقبة على الحكم في الفترة التي وصفها البعض بـ"العشرية الجرداء"، يضع الجميع أمام معادلة صعبة التحقق وإن تبدو لدى البعض مستحيلة خاصة أمام إقرار بعض الفاعلين في المشهد السياسي بسيطرة اللوبيات على منظومة الحكم على نحو أصبح فيها الوضع أشبه بالنظام "المافيوزي" المتحكم في مفاصل الدولة الأمر الذي كانت له تداعيات كارثية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعد رضوخ جانب من الطبقة السياسية والحزبية إلى "ماكينة" هذا "السيستام" الذي تقاطعت معه في المصالح والأهداف الضيقة وتشابه الطرفان في تغييب منطق الدولة ومفهوم الوطنية والتأسيس، فتحول التعاطي مع الدولة وفق منطق الغنيمة وتوظيف القوانين والمنظومة خدمة لذلك في بعض الأحيان والضرب بعرض الحائط لترسانة القوانين الموجودة في أحيين كثيرة أخرى.
والسؤال المطروح اليوم في مختلف الأوساط هو: هل تستطيع حكومة نجلاء بودن أن تكون بمنأى عن هذا "السيستام" الذي لطالما أنهك الدولة وتسرب إلى مفاصلها وتحكم فيها إلى درجة إضعافها؟
لأن الإجابة عليه تختزل في تفاصيلها وأبعادها مدى قدرة المنظومة المرتقبة على إعادة جانب من هبة الدولة ومن ثمة دورها لضمان عيش كريم لأبنائها لتضمن بذلك الاستجابة لتطلعات المواطنين والمنظمات والشق السياسي المساند لحراك 25 جويلية في القطع مع المنظومة التي كانت قبل ذلك التاريخ.
وما يعزز ذلك أن هذه الحكومة ستكون في انسجام وتناغم مع رئاسة الجمهورية مثلما أكد على ذلك قيس سعيد ثم أن مهمتها في هذه المرحلة الاستثنائية حدد رئيس الجمهورية خطوطها العريضة وتمثل في مقاومة الفساد والقضاء على الفوضى التي عمت الإدارة والمؤسسات وأنهكت الدولة ثم الاهتمام بالجانب الاجتماعي من خلال إيلاء أهمية كبرى لقطاعات التعليم والصحة والنقل باعتبارها مطالب حارقة للمواطنين اليوم في ظل التشكيات في تردي وضع هذه القطاعات الحيوية لتكون إلى جانب العمل على ضمان ما يحفظ كرامة المواطن في ظل انتشار الفساد والاحتكار والمضاربة والتلاعب بالأسعار وغلاء المعيشة. وهي تقريبا مواطن الداء التي لطالما نخرت جسد الدولة وأضعفتها لتقدم مقدراتها ومنظومتها على "طبق" للوبيات والمتمعشين من هذا النظام. ويكفي العودة إلى ملفات الفساد المطروحة على أنظار الجهات القضائية والمؤسسات المعنية المتعلقة بفترات متفاوتة للحكومات المتعاقبة على الحكم خلال هذه العشرية لتأكد من ذلك خاصة أن ملفات أخرى سيتم فتحها خلال الفترة القادمة بعد أن حاولت جهات متنفذة طمس معالمها، وهو تقريبا ما أكده وشدد عليه رئيس الجمهورية في لقائه الأخير مع يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء.
لذلك يعلم الجميع أن مهمة هذه الحكومة سوف لن تكون يسيرة خاصة أن هذا التحدي المتمثل في غلق منافذ "القصبة" ومن خلاله حماية الفريق الوزاري من تسرب اللوبيات إلى داخل مواقع القرار كان السبب في إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ وذلك بشهادة عدد كبير من الفاعلين في الشهد السياسي. لأن بقية الحكومات كانت مخترقة منذ البداية وأداة طيعة في يد "السيستام". وإذا كانت حكومة هذا الأخيرة هشة ولم تستطيع الصمود طويلا أمام قوة "الماكينة" المضادة فإن على حكومة بودن أن تكون أكثر صلابة وواقعية وبراغماتية في التعاطي مع الوضع الجديد وما يحدوه من استحقاقات التأسيس والإصلاح ليس في مستوى المجالات الثلاث التي سبق ذكرها وإنما بالعمل على تكريس مبادئ دولة القانون والمؤسسات التي بقيت مجرد شعار والعمل على تحويلها إلى مبادئ عملية نافذة. وهذا يتطلب توفر أرضية قانونية خاصة في ظل الصعوبات التي تعيشها بلادنا وما يجب القيام به من إنقاذ للمالية العمومية وتوفير التمويلات ومناخ التشجيع على الاستثمار.
لأن الاكتفاء بالقواعد الشعبية كسند داعم لخيارات وسياسة رئيس الجمهورية وحده غير كاف لضمان نجاح هذه الحكومة وسياسة الدولة الجديدة في المضي في منهجها للقضاء على الفساد في مختلف مستوياته ومجالاته. لأن المتمعشين من "الفوضى" وضعف الدولة كثيرين والأمر لا يقتصر على السياسيين دون سواهم بل يشمل "بارونات" فساد نافذة اختارت التموقع في الخفاء وراء "عملاء" بألوان حزبية ومدنية وحقوقية وفكرية وقانونية. فعديد القراءات تذهب إلى أن تنقية الإدارة والمؤسسات من شوائب الفساد المنتشر في مفاصلها مهمة ممكنة التحقيق لكنها تتطلب سنوات يصل أقصاها عشر سنوات، ولا يمكن تحقيق الأمر في ظرف أشهر مثلما يدعو إلى ذلك البعض.