إحراج سياسي وديبلوماسي ذلك الذي تعيشه تونس بعد التدخلات البارزة لجملة من الشركاء السياسيين والاقتصاديين لبلادنا.
وتأتي هذه التدخلات مع جملة الزيارات المتكررة للوفود الأجنبية أو البيان الأخير لمجموعة الـ7الكبار، في إطار بحثهم عن تهدئة الأجواء الداخلية وتهيئة الأوضاع لاحتضان الاستقرار السياسي والتفكير في استعادة الاقتصاد تجنبا للأسوأ .
وتعيش تونس على وقع التعطيل بعد الاختلاف الكبير في الرؤى لما تعيشه بلادنا منذ متغير 25جويلية، بين من يراه تصحيحا لمسار كامل وبين من يصفه بـ "انقلاب" كامل الأوصاف.
وخلقت هذه الوضعية اضطرابا ثلاثي الأبعاد شمل الاقتصاد والسياسة والديبلوماسية التونسية بعد أن وجدت نفسها في مواجهة الداخل والخارج ومحاولتها المتكررة للضغط على الرئيس قيس سعيد لإعادة إنتاج حياة سياسية من داخل دستور 2014.
وخلق هذا التشويش والتداخل جدلا واسعا داخل الأوساط القانونية والدستورية بما عمق الأزمة أكثر بعد أن اصطف محللون وأساتذة قانون دستوري وراء الجهات المتخاصمة، حيث الفتاوى والقراءات "على كل لون يا كريمة".
وتبدو الأسبقية في كل هذا إلى أولئك الذين يقفون خلف خط الرئيس قيس سعيد يساندهم في ذلك تسونامي من الحسابات "الفايسبوكية" حيث التعليقات والترويج للموقف القريب من سعيد والثلب والشتم لكل من يخالف في الرأي.
وبعيدا عن توظيف البعض لمعارفهم لفائدة هذه الجهة أو تلك، وعلى اعتبار أن الأرقام والإحصائيات لا تكذب فقد بدا القلق متصاعدا إزاء التراجع الاقتصادي بما ينذر بتصنيفات سيادية سلبية .
وفي هذا السياق دوّن النائب المستقلّ والرئيس السابق للجنة المالية بمجلس نواب الشعب، والخبير المحاسب عياض اللومي قائلا:"إن ما تعيشه البلاد من جدل سياسي عقيم في بلد يتهدده شبح الإفلاس".
وأورد اللومي جملة من الأرقام والمعطيات الحينية لاقتصاد البلاد أهمها أن "آخر تحيين لوزارة المالية في جوان 2021 أفرز عجزا متوقعا إلى موفى 2021 بـ 9.7% أي حوالي 11.5 مليار دينار على أساس سعر برميل النفط بـ67 دولارا في حين وأنه اليوم بـ70 دولارا مما يتطلب 4 مليارات إضافية".
وعن حجم الديون قال اللومي:"إنها تبلغ 22.7 مليار في حين تمت تعبئة 7.2 مليار فقط أي أن ما نحتاجه إلى موفّى 2021 هو 15.5 مليار دينار منها 8.2 ديون خارجية (يعني بالعملة الأجنبية).
وإذ يبدو الوضع صعبا فان معادلة الاستقرار لن تحقق في ظل غياب مؤسسات شرعية حيث لا حكومة في الأفق لعقد التفاهمات مع الجهات المانحة .
وطرح اللومي في هذا السياق سؤالين محوريين كيف ستوفر الدولة هذه المبالغ بدون مؤسسات شرعية؟ كيف ستحقق نسبة نمو في حين وأن الاستثمار في تراجع وأن عجلة الاقتصاد متوقفة؟ يضاف إلى هذا الخلل الهيكلي بالمالية العمومية عجز غير مسبوق بالمؤسسات العمومية وخاصة ديوان الحبوب الذي بلغ حسابه المكشوف لدى البنك الوطني الفلاحي 2.9 مليار دينار منها 865 مليون دينار شيكات الخزينة العامة للبلاد التونسية غير خالصة (chèques impayés).
وحيث لا يمكن عزل المسالة الاقتصادية عن المعطى السياسي فقد كان بيان مجموعة الدول الـ7كبار واضحا في هذا الخصوص بعد تصدير مخاوفها بشان مستقبل تونس الذي يتطلب معالجة ضرورية تتلخص أساسا "في تعيين رئيس حكومة جديد حتى يتسنى على إثرها تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الحالية التي تواجه تونس على الصعيد الاقتصادي والصحي".
وإذ لا يشك احد خلو المسؤولية السياسية والاقتصادية لقيس سعيد على اعتبار أن أزمة البلاد سابقة لانتخاب الرئيس فان مسؤوليته لا تقل أهمية بعد تاريخ 25جويلية بعد أن امسك بيده جميع السلط وأغلق أبواب رئاسة الحكومة وباردو.
ويبدو واضحا أن الحديث عن تصحيح المسار يتطلب هو الأخر تصحيحا، وقد انتبه الاتحاد العام التونسي للشغل لهذه النقطة وبدا يتحسس الانحرافات الحاصلة لتصحيح المسار في نسخته الأولى لتنطلق المنظمة في طرح مبادرات للحوار ولخريطة طريق بغاية إنهاء الأزمة بشقيها السياسي والاقتصادي وتأثيراته المحتملة على الاجتماعي أيضا حيث ارتفاع الأسعار والبطالة وتراجع نسب الاستثمار.
دعوة الاتحاد لم يتلقفها الرئيس ليتركها على قارعة الطريق ويواصل مسيرته نحو الإصلاح والتصحيح منفردا وهو ما زاد في قلق الشركاء المحتملين لساكن قرطاج.
واعتبارا للازمة السياسية والزلزال المحتمل اقتصاديا تحولت تونس وأمام ضعف دبلوماسيتها إلى مرتع للتدخل الأجنبي (حيث سامها كل مفلس) وآخرها الجمهورية اليونانية.
وقد نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية مقطعا مصورا لوزير الخارجية اليونانية والذي قال في فيديو مرفوق بالترجمة الصوتية، أن “تونس بلد ليس له ثقافة تاريخية أو انتماء تاريخي، ما يربطنا أهم من ذلك، المجموعة اليونانية كانت حاضرة في تونس منذ قرون عكس بعض البلدان في شرق المتوسط، ليست لدينا أجندة خفية في علاقتنا مع تونس.. نحن سنواصل دعم قوى الاعتدال في تونس ونحن ضدّ أيّ قوة تريد فرض المبادئ الدينية والإيديولوجية".
وقد سارعت الخارجية اليونانية بنشر النص الرسمي لكلمة الوزير وتدارك خطأ الترجمة التي لم تحذفها صفحة رئاسة الجمهورية.
فهل ينطلق قيس سعيد في فتح أبواب حقيقية لتصحيح المسار الحالي؟
خليل الحناشي
تونس-الصباح
إحراج سياسي وديبلوماسي ذلك الذي تعيشه تونس بعد التدخلات البارزة لجملة من الشركاء السياسيين والاقتصاديين لبلادنا.
وتأتي هذه التدخلات مع جملة الزيارات المتكررة للوفود الأجنبية أو البيان الأخير لمجموعة الـ7الكبار، في إطار بحثهم عن تهدئة الأجواء الداخلية وتهيئة الأوضاع لاحتضان الاستقرار السياسي والتفكير في استعادة الاقتصاد تجنبا للأسوأ .
وتعيش تونس على وقع التعطيل بعد الاختلاف الكبير في الرؤى لما تعيشه بلادنا منذ متغير 25جويلية، بين من يراه تصحيحا لمسار كامل وبين من يصفه بـ "انقلاب" كامل الأوصاف.
وخلقت هذه الوضعية اضطرابا ثلاثي الأبعاد شمل الاقتصاد والسياسة والديبلوماسية التونسية بعد أن وجدت نفسها في مواجهة الداخل والخارج ومحاولتها المتكررة للضغط على الرئيس قيس سعيد لإعادة إنتاج حياة سياسية من داخل دستور 2014.
وخلق هذا التشويش والتداخل جدلا واسعا داخل الأوساط القانونية والدستورية بما عمق الأزمة أكثر بعد أن اصطف محللون وأساتذة قانون دستوري وراء الجهات المتخاصمة، حيث الفتاوى والقراءات "على كل لون يا كريمة".
وتبدو الأسبقية في كل هذا إلى أولئك الذين يقفون خلف خط الرئيس قيس سعيد يساندهم في ذلك تسونامي من الحسابات "الفايسبوكية" حيث التعليقات والترويج للموقف القريب من سعيد والثلب والشتم لكل من يخالف في الرأي.
وبعيدا عن توظيف البعض لمعارفهم لفائدة هذه الجهة أو تلك، وعلى اعتبار أن الأرقام والإحصائيات لا تكذب فقد بدا القلق متصاعدا إزاء التراجع الاقتصادي بما ينذر بتصنيفات سيادية سلبية .
وفي هذا السياق دوّن النائب المستقلّ والرئيس السابق للجنة المالية بمجلس نواب الشعب، والخبير المحاسب عياض اللومي قائلا:"إن ما تعيشه البلاد من جدل سياسي عقيم في بلد يتهدده شبح الإفلاس".
وأورد اللومي جملة من الأرقام والمعطيات الحينية لاقتصاد البلاد أهمها أن "آخر تحيين لوزارة المالية في جوان 2021 أفرز عجزا متوقعا إلى موفى 2021 بـ 9.7% أي حوالي 11.5 مليار دينار على أساس سعر برميل النفط بـ67 دولارا في حين وأنه اليوم بـ70 دولارا مما يتطلب 4 مليارات إضافية".
وعن حجم الديون قال اللومي:"إنها تبلغ 22.7 مليار في حين تمت تعبئة 7.2 مليار فقط أي أن ما نحتاجه إلى موفّى 2021 هو 15.5 مليار دينار منها 8.2 ديون خارجية (يعني بالعملة الأجنبية).
وإذ يبدو الوضع صعبا فان معادلة الاستقرار لن تحقق في ظل غياب مؤسسات شرعية حيث لا حكومة في الأفق لعقد التفاهمات مع الجهات المانحة .
وطرح اللومي في هذا السياق سؤالين محوريين كيف ستوفر الدولة هذه المبالغ بدون مؤسسات شرعية؟ كيف ستحقق نسبة نمو في حين وأن الاستثمار في تراجع وأن عجلة الاقتصاد متوقفة؟ يضاف إلى هذا الخلل الهيكلي بالمالية العمومية عجز غير مسبوق بالمؤسسات العمومية وخاصة ديوان الحبوب الذي بلغ حسابه المكشوف لدى البنك الوطني الفلاحي 2.9 مليار دينار منها 865 مليون دينار شيكات الخزينة العامة للبلاد التونسية غير خالصة (chèques impayés).
وحيث لا يمكن عزل المسالة الاقتصادية عن المعطى السياسي فقد كان بيان مجموعة الدول الـ7كبار واضحا في هذا الخصوص بعد تصدير مخاوفها بشان مستقبل تونس الذي يتطلب معالجة ضرورية تتلخص أساسا "في تعيين رئيس حكومة جديد حتى يتسنى على إثرها تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الحالية التي تواجه تونس على الصعيد الاقتصادي والصحي".
وإذ لا يشك احد خلو المسؤولية السياسية والاقتصادية لقيس سعيد على اعتبار أن أزمة البلاد سابقة لانتخاب الرئيس فان مسؤوليته لا تقل أهمية بعد تاريخ 25جويلية بعد أن امسك بيده جميع السلط وأغلق أبواب رئاسة الحكومة وباردو.
ويبدو واضحا أن الحديث عن تصحيح المسار يتطلب هو الأخر تصحيحا، وقد انتبه الاتحاد العام التونسي للشغل لهذه النقطة وبدا يتحسس الانحرافات الحاصلة لتصحيح المسار في نسخته الأولى لتنطلق المنظمة في طرح مبادرات للحوار ولخريطة طريق بغاية إنهاء الأزمة بشقيها السياسي والاقتصادي وتأثيراته المحتملة على الاجتماعي أيضا حيث ارتفاع الأسعار والبطالة وتراجع نسب الاستثمار.
دعوة الاتحاد لم يتلقفها الرئيس ليتركها على قارعة الطريق ويواصل مسيرته نحو الإصلاح والتصحيح منفردا وهو ما زاد في قلق الشركاء المحتملين لساكن قرطاج.
واعتبارا للازمة السياسية والزلزال المحتمل اقتصاديا تحولت تونس وأمام ضعف دبلوماسيتها إلى مرتع للتدخل الأجنبي (حيث سامها كل مفلس) وآخرها الجمهورية اليونانية.
وقد نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية مقطعا مصورا لوزير الخارجية اليونانية والذي قال في فيديو مرفوق بالترجمة الصوتية، أن “تونس بلد ليس له ثقافة تاريخية أو انتماء تاريخي، ما يربطنا أهم من ذلك، المجموعة اليونانية كانت حاضرة في تونس منذ قرون عكس بعض البلدان في شرق المتوسط، ليست لدينا أجندة خفية في علاقتنا مع تونس.. نحن سنواصل دعم قوى الاعتدال في تونس ونحن ضدّ أيّ قوة تريد فرض المبادئ الدينية والإيديولوجية".
وقد سارعت الخارجية اليونانية بنشر النص الرسمي لكلمة الوزير وتدارك خطأ الترجمة التي لم تحذفها صفحة رئاسة الجمهورية.
فهل ينطلق قيس سعيد في فتح أبواب حقيقية لتصحيح المسار الحالي؟