فسح، التلكؤ والمماطلة والتمديد في إجراءات 25 جويلية والتدابير الاستثنائية دون أهداف واضحة ودون أن يطرح الرئيس قيس سعيد رؤية بديلة لما كان عليه المشهد السياسي، المجال للقوى الدولية حتى تمر من مرحلة مراقبة التطورات التي فرضها الواقع الجديد والتحذير من أي انحراف بالديمقراطية إلى مرحلة وضع الخطط المستقبلية للمسار السياسي والدستوري الوطني والضغط من أجل تحقيق خياراتها ورؤيتها..
وخلال الأيام القليلة الماضية، ازداد الضغط الدولي على رئيس الجمهورية قيس سعيد من أجل توضيح رؤيته بعد تجميد نشاط البرلمان وإقالة رئيس الحكومة في علاقة بالمسارين السياسي والدستوري، فبعد اللقاء الذي جمع سعيد بالوفد الأمريكي، بقيادة السيناتور كريس مورفي الذي قال إن الوفد حث سعيد على العودة إلى المسار الديمقراطي..أصدر، سفراء الدول السبع بتونس وهم سفراء فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا، وكندا والاتحاد الأوروبي، بيانا، اختلفت تأويلاته وقراءاته ولكنه كان واضحا في تقديم تصورات دقيقة لصياغة المرحلة السياسية القادمة بعد إجراءات 25 جويلية الاستثنائية.
ويعود هذا الاهتمام اللافت لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وسفراء الاتحاد الأوروبي بتونس، في ان تكون لهم كلمتهم في صياغة ملامح المرحلة القادمة، الى حرص هذه القوى على حماية مصالحها في تونس وفي المنطقة المغاربية لأن عدم الاستقرار السياسي في تونس قد ينعكس سلبا على كل المنطقة خاصة في علاقة بالأزمة الليبية التي ما زالت لم تحسم بعد، كما أن الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لتونس يخشى من أن انهيار الاقتصاد الوطني ستكون له تبعاته الوخيمة بسبب تواصل الازمة السياسية وعدم وضوح الرؤية.. هذا بالإضافة الى الضغط الخفي التي تمارسه الجهات المانحة وخاصة صندوق النقد الدولي في علاقة بالقروض التي تحصلت عليها تونس والتي يتطلب استخلاصها وضعا مستقرا..
ولكن في كل ذلك بدا جليا أن كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على قناعة تامة أنه لا يمكن بحال العودة إلى وضع ما قبل إجراءات 25 جويلية وأن ذلك تلك صفحة طويت دون رجعة، حيث لم تُكيف الولايات المتحدة الأمريكية ولا الاتحاد الأوروبي ما حصل على انه "انقلاب" كما تؤكد ذلك بعض القوى السياسية الوطنية والتي فقدت امتيازاتها السياسية، بل وصفت الأمر بحالة طوارئ استثنائية دعت إلى إنهائها خدمة للمسار الديمقراطي، كما أن دعوة بيان سفراء الدول السبع إلى تعيين رئيس حكومة جديد، اعتراف ضمني بأن ما حصل ليس انقلابا على حكومة يجب إعادتها إلى الحكم..
وما يستشف ضمنيا من كل ذلك أن الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي لحركة النهضة قبلت بإنهاء الدور القيادي للنهضة كممثل لمصالحها الوطنية والإقليمية وقبلت بترك الأمر للشعب لإنفاذ إرادته في انتخابات قادمة ستفرز برلمانا منتخبا.
العودة الى مسار دستوري..
اختلفت تأويلات وقراءات بيان سفراء الدول السبع الذي أكدوا في بداية بيانهم، التزامهم المستمر بالشراكة مع تونس وهو ما يعني أنهم لم يفقدوا ثقتهم بعد في الدولة والمؤسسات التونسية خاصة وان الاتحاد الأوروبي يبقى الشريك الاقتصادي الأول لتونس، كما اعترف البيان إن تونس بصدد تطوير الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية معترفا بمشروعية مطالب الشعب في تحقيق مستوى معيشي أفضل و"إرساء حوكمة تتّسمُ بالنزاهة والفعالية والشفافية".. والتطرق هنا إلى مسألة الحوكمة والنزاهة هو اعتراف ضمني بفساد المرحلة السابقة التي اتسمت بسوء التصرف وانعدام الشفافية.
وقد حث بيان الدول السبع "على سرعة العودة إلى نظام دستوري" وهذه الجملة، كثرت التأويلات والقراءات حيث اعتبرت الأغلبية أن هناك دعوة للعودة الى المسار الدستوري الذي ينص عليه دستور 2014.. ولكن استعمال عبارة "نظام دستوري" غير معرفة مثلها مثل عبارة "برلمان منتخب له دور بارز" التي وردت بالبيان، تدل بشكل واضح أن المعنى لم يكن يتعلق بالضرورة بدستور 2014 ولكن يؤكد على نظام سياسي يكون له سند دستوري، وهو ما يشير ضمنيا أن سفراء دول الاتحاد الأوروبي الممضين على البيان، يدركون جيدا أن رئيس الجمهورية له انتقادات واسعة لدستور 2014 وقد أعلن منذ مدة عن رغبته في إمكانية العودة لدستور 1959، أو صياغة دستور جديد يُطرح على الاستفتاء الشعبي، وهو الاحتمال الأقرب إلى ما ينوي سعيد القيام به، ولذلك لم يرد سفراء الدول السبع إلزام رئيس الجمهورية بالعودة إلى دستور بعينه ولكن حثوه على ضرورة العودة إلى نظام دستوري يكون محددا لملامح المشهد السياسي القادم، خاصة وان البيان ذكر عبارة "الإصلاحات الدستورية والانتخابية المقترحة" التي يمكن أن تكون في إطار حوار شامل.
كما أن دعوة السفراء السبع الى انتخاب برلمان جديدا، هو موافقة معلنة على أنه لا عودة إلى مرحلة ما قبل 25 جويلية، وأن البرلمان المجمد أصبح من الماضي، وأن الأمر يفترض الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة في حين لم تقع الإشارة لا بالتلميح ولا بالتصريح إلى إمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وهو ما يعني ضمنيا ان قيس سعيد ما يزال يحوز على ثقة القوى الدولية التي تتعامل معه اليوم كمخاطب وحيد يمثل الدولة ويملك الشرعية لذلك..
ويتفق كل من الوفد الأمريكي وبيان الدول السبع على ضرورة الإسراع بتعيين رئيس حكومة جديدة، حيث أكد بيان سفراء الاتحاد الأوروبي على "الحاجة الماسّة لتعيين رئيس حكومة جديد حتّى يتسنّى تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجه تونس على الصعيد الاقتصادي والصحي" وهذه الدعوة تبدو منطقية خاصة وأن رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي وجد مساندة واسعة بعد اتخاذه للتدابير الاستثنائية، واجه كذلك انتقادات داخلية حادة، حول تأخره في تعيين رئيس حكومة، خاصة وأن الفراغ في منصب رئيس الحكومة قد يفضي إلى تأزيم المتأزم خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والصحي.
دستور، برلمان منتخب له دور بارز وليس دورا صوريا وحكومة مقتدرة.. تلك كانت الخطوط العريضة التي طرحها سفراء الدول السبع الكبار كمقترح دعا بيانهم رئيس الجمهورية الى أخذه بعين الاعتبار، وهي ليست مقترحات جديدة بل هي مقترحات طرحتها قوى وطنية منذ ما بعد إجراءات 25 جويلية ولكن رئيس الجمهورية ما زال الى اليوم لم يكشف بعد عن رؤيته للمسارين السياسي والدستوري في المرحلة القادمة رغم جدية المخاوف والهواجس حول المستقبل ورغم أن ذلك كان مطية لتدخل أجنبي بات اليوم واضحا في القرار السيادي الوطني.
منية العرفاوي
تلكؤ ومماطلة الرئيس فسحا المجال للتدخل الأجنبي
تونس- الصباح
فسح، التلكؤ والمماطلة والتمديد في إجراءات 25 جويلية والتدابير الاستثنائية دون أهداف واضحة ودون أن يطرح الرئيس قيس سعيد رؤية بديلة لما كان عليه المشهد السياسي، المجال للقوى الدولية حتى تمر من مرحلة مراقبة التطورات التي فرضها الواقع الجديد والتحذير من أي انحراف بالديمقراطية إلى مرحلة وضع الخطط المستقبلية للمسار السياسي والدستوري الوطني والضغط من أجل تحقيق خياراتها ورؤيتها..
وخلال الأيام القليلة الماضية، ازداد الضغط الدولي على رئيس الجمهورية قيس سعيد من أجل توضيح رؤيته بعد تجميد نشاط البرلمان وإقالة رئيس الحكومة في علاقة بالمسارين السياسي والدستوري، فبعد اللقاء الذي جمع سعيد بالوفد الأمريكي، بقيادة السيناتور كريس مورفي الذي قال إن الوفد حث سعيد على العودة إلى المسار الديمقراطي..أصدر، سفراء الدول السبع بتونس وهم سفراء فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا، وكندا والاتحاد الأوروبي، بيانا، اختلفت تأويلاته وقراءاته ولكنه كان واضحا في تقديم تصورات دقيقة لصياغة المرحلة السياسية القادمة بعد إجراءات 25 جويلية الاستثنائية.
ويعود هذا الاهتمام اللافت لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وسفراء الاتحاد الأوروبي بتونس، في ان تكون لهم كلمتهم في صياغة ملامح المرحلة القادمة، الى حرص هذه القوى على حماية مصالحها في تونس وفي المنطقة المغاربية لأن عدم الاستقرار السياسي في تونس قد ينعكس سلبا على كل المنطقة خاصة في علاقة بالأزمة الليبية التي ما زالت لم تحسم بعد، كما أن الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لتونس يخشى من أن انهيار الاقتصاد الوطني ستكون له تبعاته الوخيمة بسبب تواصل الازمة السياسية وعدم وضوح الرؤية.. هذا بالإضافة الى الضغط الخفي التي تمارسه الجهات المانحة وخاصة صندوق النقد الدولي في علاقة بالقروض التي تحصلت عليها تونس والتي يتطلب استخلاصها وضعا مستقرا..
ولكن في كل ذلك بدا جليا أن كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على قناعة تامة أنه لا يمكن بحال العودة إلى وضع ما قبل إجراءات 25 جويلية وأن ذلك تلك صفحة طويت دون رجعة، حيث لم تُكيف الولايات المتحدة الأمريكية ولا الاتحاد الأوروبي ما حصل على انه "انقلاب" كما تؤكد ذلك بعض القوى السياسية الوطنية والتي فقدت امتيازاتها السياسية، بل وصفت الأمر بحالة طوارئ استثنائية دعت إلى إنهائها خدمة للمسار الديمقراطي، كما أن دعوة بيان سفراء الدول السبع إلى تعيين رئيس حكومة جديد، اعتراف ضمني بأن ما حصل ليس انقلابا على حكومة يجب إعادتها إلى الحكم..
وما يستشف ضمنيا من كل ذلك أن الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي لحركة النهضة قبلت بإنهاء الدور القيادي للنهضة كممثل لمصالحها الوطنية والإقليمية وقبلت بترك الأمر للشعب لإنفاذ إرادته في انتخابات قادمة ستفرز برلمانا منتخبا.
العودة الى مسار دستوري..
اختلفت تأويلات وقراءات بيان سفراء الدول السبع الذي أكدوا في بداية بيانهم، التزامهم المستمر بالشراكة مع تونس وهو ما يعني أنهم لم يفقدوا ثقتهم بعد في الدولة والمؤسسات التونسية خاصة وان الاتحاد الأوروبي يبقى الشريك الاقتصادي الأول لتونس، كما اعترف البيان إن تونس بصدد تطوير الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية معترفا بمشروعية مطالب الشعب في تحقيق مستوى معيشي أفضل و"إرساء حوكمة تتّسمُ بالنزاهة والفعالية والشفافية".. والتطرق هنا إلى مسألة الحوكمة والنزاهة هو اعتراف ضمني بفساد المرحلة السابقة التي اتسمت بسوء التصرف وانعدام الشفافية.
وقد حث بيان الدول السبع "على سرعة العودة إلى نظام دستوري" وهذه الجملة، كثرت التأويلات والقراءات حيث اعتبرت الأغلبية أن هناك دعوة للعودة الى المسار الدستوري الذي ينص عليه دستور 2014.. ولكن استعمال عبارة "نظام دستوري" غير معرفة مثلها مثل عبارة "برلمان منتخب له دور بارز" التي وردت بالبيان، تدل بشكل واضح أن المعنى لم يكن يتعلق بالضرورة بدستور 2014 ولكن يؤكد على نظام سياسي يكون له سند دستوري، وهو ما يشير ضمنيا أن سفراء دول الاتحاد الأوروبي الممضين على البيان، يدركون جيدا أن رئيس الجمهورية له انتقادات واسعة لدستور 2014 وقد أعلن منذ مدة عن رغبته في إمكانية العودة لدستور 1959، أو صياغة دستور جديد يُطرح على الاستفتاء الشعبي، وهو الاحتمال الأقرب إلى ما ينوي سعيد القيام به، ولذلك لم يرد سفراء الدول السبع إلزام رئيس الجمهورية بالعودة إلى دستور بعينه ولكن حثوه على ضرورة العودة إلى نظام دستوري يكون محددا لملامح المشهد السياسي القادم، خاصة وان البيان ذكر عبارة "الإصلاحات الدستورية والانتخابية المقترحة" التي يمكن أن تكون في إطار حوار شامل.
كما أن دعوة السفراء السبع الى انتخاب برلمان جديدا، هو موافقة معلنة على أنه لا عودة إلى مرحلة ما قبل 25 جويلية، وأن البرلمان المجمد أصبح من الماضي، وأن الأمر يفترض الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة في حين لم تقع الإشارة لا بالتلميح ولا بالتصريح إلى إمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وهو ما يعني ضمنيا ان قيس سعيد ما يزال يحوز على ثقة القوى الدولية التي تتعامل معه اليوم كمخاطب وحيد يمثل الدولة ويملك الشرعية لذلك..
ويتفق كل من الوفد الأمريكي وبيان الدول السبع على ضرورة الإسراع بتعيين رئيس حكومة جديدة، حيث أكد بيان سفراء الاتحاد الأوروبي على "الحاجة الماسّة لتعيين رئيس حكومة جديد حتّى يتسنّى تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجه تونس على الصعيد الاقتصادي والصحي" وهذه الدعوة تبدو منطقية خاصة وأن رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي وجد مساندة واسعة بعد اتخاذه للتدابير الاستثنائية، واجه كذلك انتقادات داخلية حادة، حول تأخره في تعيين رئيس حكومة، خاصة وأن الفراغ في منصب رئيس الحكومة قد يفضي إلى تأزيم المتأزم خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والصحي.
دستور، برلمان منتخب له دور بارز وليس دورا صوريا وحكومة مقتدرة.. تلك كانت الخطوط العريضة التي طرحها سفراء الدول السبع الكبار كمقترح دعا بيانهم رئيس الجمهورية الى أخذه بعين الاعتبار، وهي ليست مقترحات جديدة بل هي مقترحات طرحتها قوى وطنية منذ ما بعد إجراءات 25 جويلية ولكن رئيس الجمهورية ما زال الى اليوم لم يكشف بعد عن رؤيته للمسارين السياسي والدستوري في المرحلة القادمة رغم جدية المخاوف والهواجس حول المستقبل ورغم أن ذلك كان مطية لتدخل أجنبي بات اليوم واضحا في القرار السيادي الوطني.