تجاوز عدد الجمعيات في تونس خلال الشهر الماضي وفق إحصائيات مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات 24 ألف جمعية، وذلك بعد أن كان في حدود 9 آلاف جمعية فقط سنة 2010،وهي تنشط في مختلف ولايات الجمهورية وتهتم بشتى المجالات، منها الخيرية الاجتماعية ومنها الثقافية الفنية و المدرسية والشبابية الرياضية والنسوية والحقوقية والتنموية وغيرها، وهناك حتى الجمعيات الأجنبية ويبلغ عددها 209 جمعيات. ونظرا لمحدودية الإمكانيات المتاحة لهياكل الرقابة على تمويل الجمعيات، تعالت مؤخرا أصوات العديد من الحقوقيين والناشطين في المجتمع المدني والمختصين في القانون للمطالبة بمنح الأولية لمراجعة مرسوم الجمعيات، وذلك حتى لا يكون التمويل الأجنبي الذي تحظى به مختلف الجمعيات ملغما ومسموما ومطية للاختراق والتحكم في اللعبة السياسية في البلاد، وهناك منهم من دعا إلى بعث هيئة مستقلة مختصة في مراقبة تمويل الجمعيات والمنظمات والأحزاب، وبهذه الكيفية يتم تلافي معضلة ضعف التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية بالرقابة وغلق الباب نهائيا أمام التمويلات المشبوهة والمقنعة.
وكانت محكمة المحاسبات قد أشارت في أحد تقاريرها الرقابية الصادرة في شهر فيفري الماضيإلى عدم توفر معطيات شاملة وحينية وموثوق بها حول التمويلات الأجنبية التي تتحصل عليها الجمعيات في إطار اتفاقيات التعاون الدولي،كما نبهت المحكمة بالخصوص إلى عدم التزام العديد من الجمعيات بمقتضيات الشفافية،إذ تبين لها أن هناك جمعيات لم تكلف نفسها مشقة إعلام الكتابة العامة للحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر، ولم تقم بنشر التفاصيل المتعلقة بها بإحدى وسائل الإعلام، ولم تستجب لشرط مسك سجل المساعدات والتبرعات والهبات وذلك في مخالفة صريحة لأحكام مرسوم الجمعيات.
وللتذكير فإنه حسب ما جاء في هذا المرسوم، تتكون موارد الجمعية مناشتراكات الأعضاء والمساعدات العمومية والتبرعات والهبات والوصايا، وطنية كانت أو أجنبية إلى جانب العائدات الناتجة عن ممتلكات الجمعية ونشاطاتها ومشاريعها، ويحجر عليها قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلك الدول. ويوجب نفس المرسوم على الجمعيات مسك محاسبة طبق النظام المحاسبي للمؤسسات المنصوص عليه بالقانون عدد 112 لسنة 1996 المؤرخ في 30 ديسمبر 1996 المتعلق بنظام المحاسبة للمؤسسات ويوجب عليها مسك جملة من السجلات منها سجل المساعدات والتبرعات والهبات والوصايا مع التمييز بين النقدي منها والعيني، العمومي والخاص، الوطني والأجنبي.كما أنه بناء على الفصل 41 من نفس المرسوم فإن الجمعيات مطالبة بنشر معطيات حول المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية مع ذكر مصدرها وقيمتها وموضوعها بإحدى وسائل الإعلام المكتوبة وبالموقع الإلكتروني للجمعية إن وجد في ظرف شهر من تاريخ قرار طلبها أو قبولها وتعلم الكاتب العام للحكومة بكل ذلك بمكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ في نفس الأجل..
لا للتمويل المقنع والمشبوه
لئن شدد مرسوم الجمعيات على وجوب احترام الجمعيات في نظامها الأساسي وفي نشاطها وتمويلها مبادئ دولة القانون والدّيمقراطية والتعددية والشفافية والمساواة وحقوق الإنسان مثلما ضبطت بالاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف الجمهورية التونسية، وحجر عليها الاعتماد في نظامها الأساسي أو في بياناتها أو في برامجها أو في نشاطها الدعوة إلى العنف والكراهيّة والتعصب والتمييز على أسس دينيّة أو جنسية أو جهويّة مثلما حجر استغلال الجمعية لغرض التهرب الضريبي أو جمع الأموال لدعم أحزاب سياسية أو مرشحين إلى الانتخابات أو تقديم الدعم المادي لهم، فإنه لم يضع الآليات الضرورية التي تسمح بتحقيق الرقابة المنشودة على الجمعيات وخاصة على تمويلها بما يضفي الشفافية على أعمالها ويحول دون دخول التمويلات المشبوهة لتونس من قبل أطراف أجنبية ترغب في زعزعة الأمن والاستقرار وتمويل الإرهاب وبث الفتنة وضرب النموذج المجتمعي والالتفاف على إرادة الشعب..
واعتمد مرسوم الجمعيات وهو المرسوم عدد 88 لسنة 2011 سلم عقوبات يقوم على التدرج من التنبيه على الجمعية حتى تتولى إزالة المخالفة المتركبة من قبلها، مرورا بتعليق النشاط لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوما وذلك بناء على قرار قضائي وصولا إلى حل الجمعية في صورة تماديها في المخالفة، لكن وحسب ما لاحظته محكمة المحاسبات فإن هذا النظام الردعي لم يأخذ بعين الاعتبار طبيعة المخالفة وخطورتها والعود فيها، إذ هناك جمعيات يتم التنبيه عليها أكثر من مرة لكنها تعيد ارتكاب نفس المخالفات.
ولضمان قدر أكبر من الشفافية، اشتغلت الحكومات السابقة مشروع قانون أساسييتعلق بإحداث منصة إلكترونية للجمعياتلدى الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقة مع المجتمع المدني،وتم قطع شوط متقدم في إعداد هذا المشروع حيث تم عرضه على استشارة عمومية لكن لم تقع إحالته على مجلس نواب الشعب. وتهدف هذه المنصة بالخصوص إلى إتاحة المعطيات والمعلومات الضرورية حول الجمعيات للعموم.. ويوجب مشروع القانون على الجمعية النشر على منصة الجمعيات قرار تعيين مراقب الحسابات أو مراقبي الحسابات، وكل المساعدات والتبرعات والهبات والوصايا التي تتجاوز قيمتها خمسمائة دينار، ونشر كل التمويلات إذا تجاوز مجموع المبالغ المقدمة من نفس الجهة سنويا ثلاثة آلاف دينار. ويتضمّن النشر وجوبا قيمة المساعدة أو التبرع أو الهبة أو الوصية، وهوية مقدّمها وتاريخ الحصول عليها.كما يجب على الجمعية نشر تقريرها الأدبي السنوي والقوائم المالية وتقرير مراقبة الحسابات بالنسبة للجمعيات الخاضعة لواجب مراقبة حساباتها وفي صورة المخالفة يقع تسليط خطية مالية على الجمعية المعنية تقدر قيمتها بألف دينار وإذا أصرت الجمعية على التعتيم ولم تقم بنشر المعطيات المستوجبة لسنتين متتاليتين يتم بطلب من مجلس إدارة منصة الجمعيات حلّ الجمعيّة بحكم صادر عن المحكمة الابتدائية المختصة ترابيا..
ولكن هذا المقترح لن يحل المشكل من جذوره، إذ يتعين توفير الأرضية المناسبة لضمان حسن التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية بالجمعيات وتحديدا الكتابة العامة للحكومة ومختلف الوزارات والبنك المركزي التونسي وسجل المؤسسات ومركز إفادة والأهم من ذلك هو توفير الموارد البشرية اللازمة لمراقبة تمويل الجمعيات وخاصة التمويل الأجنبي.
سعيدة بوهلال
تونس- الصباح
تجاوز عدد الجمعيات في تونس خلال الشهر الماضي وفق إحصائيات مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات 24 ألف جمعية، وذلك بعد أن كان في حدود 9 آلاف جمعية فقط سنة 2010،وهي تنشط في مختلف ولايات الجمهورية وتهتم بشتى المجالات، منها الخيرية الاجتماعية ومنها الثقافية الفنية و المدرسية والشبابية الرياضية والنسوية والحقوقية والتنموية وغيرها، وهناك حتى الجمعيات الأجنبية ويبلغ عددها 209 جمعيات. ونظرا لمحدودية الإمكانيات المتاحة لهياكل الرقابة على تمويل الجمعيات، تعالت مؤخرا أصوات العديد من الحقوقيين والناشطين في المجتمع المدني والمختصين في القانون للمطالبة بمنح الأولية لمراجعة مرسوم الجمعيات، وذلك حتى لا يكون التمويل الأجنبي الذي تحظى به مختلف الجمعيات ملغما ومسموما ومطية للاختراق والتحكم في اللعبة السياسية في البلاد، وهناك منهم من دعا إلى بعث هيئة مستقلة مختصة في مراقبة تمويل الجمعيات والمنظمات والأحزاب، وبهذه الكيفية يتم تلافي معضلة ضعف التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية بالرقابة وغلق الباب نهائيا أمام التمويلات المشبوهة والمقنعة.
وكانت محكمة المحاسبات قد أشارت في أحد تقاريرها الرقابية الصادرة في شهر فيفري الماضيإلى عدم توفر معطيات شاملة وحينية وموثوق بها حول التمويلات الأجنبية التي تتحصل عليها الجمعيات في إطار اتفاقيات التعاون الدولي،كما نبهت المحكمة بالخصوص إلى عدم التزام العديد من الجمعيات بمقتضيات الشفافية،إذ تبين لها أن هناك جمعيات لم تكلف نفسها مشقة إعلام الكتابة العامة للحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر، ولم تقم بنشر التفاصيل المتعلقة بها بإحدى وسائل الإعلام، ولم تستجب لشرط مسك سجل المساعدات والتبرعات والهبات وذلك في مخالفة صريحة لأحكام مرسوم الجمعيات.
وللتذكير فإنه حسب ما جاء في هذا المرسوم، تتكون موارد الجمعية مناشتراكات الأعضاء والمساعدات العمومية والتبرعات والهبات والوصايا، وطنية كانت أو أجنبية إلى جانب العائدات الناتجة عن ممتلكات الجمعية ونشاطاتها ومشاريعها، ويحجر عليها قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلك الدول. ويوجب نفس المرسوم على الجمعيات مسك محاسبة طبق النظام المحاسبي للمؤسسات المنصوص عليه بالقانون عدد 112 لسنة 1996 المؤرخ في 30 ديسمبر 1996 المتعلق بنظام المحاسبة للمؤسسات ويوجب عليها مسك جملة من السجلات منها سجل المساعدات والتبرعات والهبات والوصايا مع التمييز بين النقدي منها والعيني، العمومي والخاص، الوطني والأجنبي.كما أنه بناء على الفصل 41 من نفس المرسوم فإن الجمعيات مطالبة بنشر معطيات حول المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية مع ذكر مصدرها وقيمتها وموضوعها بإحدى وسائل الإعلام المكتوبة وبالموقع الإلكتروني للجمعية إن وجد في ظرف شهر من تاريخ قرار طلبها أو قبولها وتعلم الكاتب العام للحكومة بكل ذلك بمكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ في نفس الأجل..
لا للتمويل المقنع والمشبوه
لئن شدد مرسوم الجمعيات على وجوب احترام الجمعيات في نظامها الأساسي وفي نشاطها وتمويلها مبادئ دولة القانون والدّيمقراطية والتعددية والشفافية والمساواة وحقوق الإنسان مثلما ضبطت بالاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف الجمهورية التونسية، وحجر عليها الاعتماد في نظامها الأساسي أو في بياناتها أو في برامجها أو في نشاطها الدعوة إلى العنف والكراهيّة والتعصب والتمييز على أسس دينيّة أو جنسية أو جهويّة مثلما حجر استغلال الجمعية لغرض التهرب الضريبي أو جمع الأموال لدعم أحزاب سياسية أو مرشحين إلى الانتخابات أو تقديم الدعم المادي لهم، فإنه لم يضع الآليات الضرورية التي تسمح بتحقيق الرقابة المنشودة على الجمعيات وخاصة على تمويلها بما يضفي الشفافية على أعمالها ويحول دون دخول التمويلات المشبوهة لتونس من قبل أطراف أجنبية ترغب في زعزعة الأمن والاستقرار وتمويل الإرهاب وبث الفتنة وضرب النموذج المجتمعي والالتفاف على إرادة الشعب..
واعتمد مرسوم الجمعيات وهو المرسوم عدد 88 لسنة 2011 سلم عقوبات يقوم على التدرج من التنبيه على الجمعية حتى تتولى إزالة المخالفة المتركبة من قبلها، مرورا بتعليق النشاط لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوما وذلك بناء على قرار قضائي وصولا إلى حل الجمعية في صورة تماديها في المخالفة، لكن وحسب ما لاحظته محكمة المحاسبات فإن هذا النظام الردعي لم يأخذ بعين الاعتبار طبيعة المخالفة وخطورتها والعود فيها، إذ هناك جمعيات يتم التنبيه عليها أكثر من مرة لكنها تعيد ارتكاب نفس المخالفات.
ولضمان قدر أكبر من الشفافية، اشتغلت الحكومات السابقة مشروع قانون أساسييتعلق بإحداث منصة إلكترونية للجمعياتلدى الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقة مع المجتمع المدني،وتم قطع شوط متقدم في إعداد هذا المشروع حيث تم عرضه على استشارة عمومية لكن لم تقع إحالته على مجلس نواب الشعب. وتهدف هذه المنصة بالخصوص إلى إتاحة المعطيات والمعلومات الضرورية حول الجمعيات للعموم.. ويوجب مشروع القانون على الجمعية النشر على منصة الجمعيات قرار تعيين مراقب الحسابات أو مراقبي الحسابات، وكل المساعدات والتبرعات والهبات والوصايا التي تتجاوز قيمتها خمسمائة دينار، ونشر كل التمويلات إذا تجاوز مجموع المبالغ المقدمة من نفس الجهة سنويا ثلاثة آلاف دينار. ويتضمّن النشر وجوبا قيمة المساعدة أو التبرع أو الهبة أو الوصية، وهوية مقدّمها وتاريخ الحصول عليها.كما يجب على الجمعية نشر تقريرها الأدبي السنوي والقوائم المالية وتقرير مراقبة الحسابات بالنسبة للجمعيات الخاضعة لواجب مراقبة حساباتها وفي صورة المخالفة يقع تسليط خطية مالية على الجمعية المعنية تقدر قيمتها بألف دينار وإذا أصرت الجمعية على التعتيم ولم تقم بنشر المعطيات المستوجبة لسنتين متتاليتين يتم بطلب من مجلس إدارة منصة الجمعيات حلّ الجمعيّة بحكم صادر عن المحكمة الابتدائية المختصة ترابيا..
ولكن هذا المقترح لن يحل المشكل من جذوره، إذ يتعين توفير الأرضية المناسبة لضمان حسن التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية بالجمعيات وتحديدا الكتابة العامة للحكومة ومختلف الوزارات والبنك المركزي التونسي وسجل المؤسسات ومركز إفادة والأهم من ذلك هو توفير الموارد البشرية اللازمة لمراقبة تمويل الجمعيات وخاصة التمويل الأجنبي.