إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين ما يقوله الرئيس وما يفعله!

تونس-الصباح

بالرغم من أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لم يعلن بعد عن ملامح خطته المستقبلية وفي أية حدود قانونية سيتحرك وإن كان سيصنع سياقا انتقاليا جديدا، فإنه يعلن بشكل مستمر عن أجندته وخياراته الكبرى عبر لقاءاته التي تكاد يومية بمسؤولين في الدولة أو منظمات المجتمع المدني أو شخصيات ووفود أجنبية، وعبرهم عادة ما يوجه رسائل إلى المواطنين حول خياراته الكبرى وعدم إمكانية العودة إلى الوراء وعن كل ما يتمسك به.

ولعل أهم العناوين الكبرى التي يجدد سعيد بشكل مباشر أو غير مباشر تمسكه بها هي الحماية الكاملة لحرية التعبير وحرية الإعلام ومحاربة غلاء الأسعار والاحتكار، وضرب الفساد والفاسدين. يستخدم رئيس الجمهورية في مناسبات عدة أسلوب التوكيد على أنه يضع هذه الملفات أولوية ولا يتردد في أية مناسبة من السخرية مثلا ممن يصفونه بالمستبد أو ينتقدونه، ويوجه الاتهامات المبطنة ويرد على ما يدور في الفضاء العام دون أن يقدم كل التفاصيل المطلوبة. ولكن كيف يمكن لقيس سعيد أن يحقق كل ما يشدد عليه؟ إلى حد الآن لم يقم الرئيس بأية خطوة عملية ناجعة تجاه الملفات الكبرى التي يطرحها ويرددها وهو بطبيعة الحال لا يتعامل مع ما يطرح في النقاش العام من باب التوضيح أو تقديم المعلومة بل من باب التعليق والتعقيب واختيار عبارات رسائله مضمونة الوصول.

حرية التعبير مقابل القبضة الأمنية

استنكرت نقابة الصحفيين التونسيين اعتداء "قوات الأمن بالزي الرسمي بالعنف على الصحفيين خلال تغطيتهم للتحرك الاحتجاجي لحركة "ماناش مسلمين/ات" للمطالبة بكشف حقيقة الاغتيالات السياسية، حيث ومنذ انطلاق الاحتجاجات طالت الصحفيين اعتداءات بالدفع ومحاولة المنع من العمل"، هذه الممارسات غير جديدة وكان على الصحفيين والمحتجين التعامل معها في ظل الحكومات المتعاقبة وقد يتجاوز الأمر الإرادة السياسية إلى ممارسات فردية أو مؤسساتية. في المقابل يتحدث قيس سعيد عن تمسكه "بعدم المساس بحقوق الإنسان واحترام الحريات، بما فيها حرية التعبير والتظاهر، ورفض المساومة والابتزاز والظلم وأي تجاوز للقانون من أي كان ومهما كان موقعه"، هذه التطمينات مهمة ولكنها تحتاج أيضا إلى روافد عملية تتمثل في وضع حد لعنف وزارة الداخلية في التعامل مع الصحفيين والمحتجين وهي المسألة هيكلية لا يحلها تصريح بل استراتيجية متكاملة.

الأسعار مازالت من نار

 

بعيد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها سعيد في 25 جويلية، دعا تجار البيع بالجملة والتفصيل إلى "تخفيض الأسعار إلى أقل حد ممكن"، و"ألا يقعوا في استغلال الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد لتحقيق الربح أو للاحتكار والمضاربة على حساب المواطنين، وخاصة ضعاف الحال منهم"، وذلك خلال لقائه رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، سمير ماجول. وفي زخم التغيرات الحاصلة موفى جويلية كان هنالك ترحيب بهذه الدعوة وحتى مبادرة بالتخفيض، ولكن الأمر كان أشبه بالمشهد الفولكلوري. المشكلة هيكلية أيضا عندما لا تمر إلا 40% من المواد الفلاحية عبر مسالك التوزيع الرسمية، وعندما يعاني الميزان التجاري من عجز مزمن. ولكن أيضا لها أبعاد داخلية وخارجية. بحسب نشرية البنك المركزي بشأن التطورات الاقتصادية والنقدية والآفاق على المدى المتوسط  هنالك نسق تصاعدي في مؤشر التضخم، وآفاق التضخم بحسب المركزي تواجه أخطارا متعددة منها ما يرتبط بتحسن الوضع الوبائي العالمي وارتفاع أسعار المواد الخام والمواد السلع الأساسية ومنها ما يتعلق بالمالية العمومية وغيرها من الإشكاليات الكثير. ما يعني أن المسألة لا تحل بدعوة من الرئيس إلى تخفيض الأسعار، أو بحديثه عن محاربة الاحتكار ومشهدية زيارة مصنع حديد. المشكلة أن ذلك كله يصنع انطباعا بأن الأمور تتجه إلى الطريق الصحيح، ولكن ليس الطريق العملي لأن تقوم على وعود تتجاوز بكثير تعقيد الواقع والتغييرات الهيكلية التي يجب التعامل معها.

محاربة الفساد بتوجيه الاتهامات

 

في ملف الفساد وهو أحد الملفات الجوهرية التي يتعرض لها الرئيس، يتجه إلى توجيه الاتهامات بالتورط في الفساد إلى شخصيات بعينها. وهنا مثلا أكد عميد الهيئة الوطنية للمحامين إبراهيم بودربالة على "شمس إف إم" في إشارة إلى حديث سعيد عن  تحوز زوجة محامي على ثروة طائلة تفوق مائة مليار أنه " يتعين على الرئيس سعيد إحالة الملف أمام القضاء كي يتسنى له الإطلاع على الملف مشيرا إلى أنهم طالبوا بتسريع الإجراءات".

إحالة الملفات على القضاء هي عنصر أساسي في محاربة الفساد، ولكن الرئيس يختار ربما المحاكمة الشعبية في وقت كان من المفترض أن يتجه إلى القضاء والقانون الذي يؤكد أنه يسعى إلى إنفاذه.

النوايا الطيبة للرئيس تستوجب أفعالا تصاحبها، أفعالا تحقق تقدما على أرض الواقع بالفعل لا تبقى في سياق تحركات مشهدية هنا وهنالك يمكن أن يكون لها تأثير ولكنه يبقى محدودا في المكان والزمان. السياسة هي فعل بالأساس، والوقت هو عدو السياسيين دائما عندما يمر الوقت دون أن يحققوا أي شيء يمكن أن يخسروا التأييد الشعبي. إلى الآن يتحدث الرئيس ويسجل نقاطا على هذه الجهة أو تلك ويؤكد بأن الأجانب يفهمون جيدا نواياه الحسنة، ولكن بعيدا عن الحسابات السياسية، الملفات الحقيقة تستوجب العمل فعليا ووضع خطط وإستراتيجيات وهذه المرحلة الاستثنائية لا تعني التوقف عن الفعل لأننا اليوم اجتماعيا واقتصاديا في الوقت البديل الذي ينفد بسرعة.

أروى الكعلي

بين ما يقوله الرئيس وما يفعله!

تونس-الصباح

بالرغم من أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لم يعلن بعد عن ملامح خطته المستقبلية وفي أية حدود قانونية سيتحرك وإن كان سيصنع سياقا انتقاليا جديدا، فإنه يعلن بشكل مستمر عن أجندته وخياراته الكبرى عبر لقاءاته التي تكاد يومية بمسؤولين في الدولة أو منظمات المجتمع المدني أو شخصيات ووفود أجنبية، وعبرهم عادة ما يوجه رسائل إلى المواطنين حول خياراته الكبرى وعدم إمكانية العودة إلى الوراء وعن كل ما يتمسك به.

ولعل أهم العناوين الكبرى التي يجدد سعيد بشكل مباشر أو غير مباشر تمسكه بها هي الحماية الكاملة لحرية التعبير وحرية الإعلام ومحاربة غلاء الأسعار والاحتكار، وضرب الفساد والفاسدين. يستخدم رئيس الجمهورية في مناسبات عدة أسلوب التوكيد على أنه يضع هذه الملفات أولوية ولا يتردد في أية مناسبة من السخرية مثلا ممن يصفونه بالمستبد أو ينتقدونه، ويوجه الاتهامات المبطنة ويرد على ما يدور في الفضاء العام دون أن يقدم كل التفاصيل المطلوبة. ولكن كيف يمكن لقيس سعيد أن يحقق كل ما يشدد عليه؟ إلى حد الآن لم يقم الرئيس بأية خطوة عملية ناجعة تجاه الملفات الكبرى التي يطرحها ويرددها وهو بطبيعة الحال لا يتعامل مع ما يطرح في النقاش العام من باب التوضيح أو تقديم المعلومة بل من باب التعليق والتعقيب واختيار عبارات رسائله مضمونة الوصول.

حرية التعبير مقابل القبضة الأمنية

استنكرت نقابة الصحفيين التونسيين اعتداء "قوات الأمن بالزي الرسمي بالعنف على الصحفيين خلال تغطيتهم للتحرك الاحتجاجي لحركة "ماناش مسلمين/ات" للمطالبة بكشف حقيقة الاغتيالات السياسية، حيث ومنذ انطلاق الاحتجاجات طالت الصحفيين اعتداءات بالدفع ومحاولة المنع من العمل"، هذه الممارسات غير جديدة وكان على الصحفيين والمحتجين التعامل معها في ظل الحكومات المتعاقبة وقد يتجاوز الأمر الإرادة السياسية إلى ممارسات فردية أو مؤسساتية. في المقابل يتحدث قيس سعيد عن تمسكه "بعدم المساس بحقوق الإنسان واحترام الحريات، بما فيها حرية التعبير والتظاهر، ورفض المساومة والابتزاز والظلم وأي تجاوز للقانون من أي كان ومهما كان موقعه"، هذه التطمينات مهمة ولكنها تحتاج أيضا إلى روافد عملية تتمثل في وضع حد لعنف وزارة الداخلية في التعامل مع الصحفيين والمحتجين وهي المسألة هيكلية لا يحلها تصريح بل استراتيجية متكاملة.

الأسعار مازالت من نار

 

بعيد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها سعيد في 25 جويلية، دعا تجار البيع بالجملة والتفصيل إلى "تخفيض الأسعار إلى أقل حد ممكن"، و"ألا يقعوا في استغلال الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد لتحقيق الربح أو للاحتكار والمضاربة على حساب المواطنين، وخاصة ضعاف الحال منهم"، وذلك خلال لقائه رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، سمير ماجول. وفي زخم التغيرات الحاصلة موفى جويلية كان هنالك ترحيب بهذه الدعوة وحتى مبادرة بالتخفيض، ولكن الأمر كان أشبه بالمشهد الفولكلوري. المشكلة هيكلية أيضا عندما لا تمر إلا 40% من المواد الفلاحية عبر مسالك التوزيع الرسمية، وعندما يعاني الميزان التجاري من عجز مزمن. ولكن أيضا لها أبعاد داخلية وخارجية. بحسب نشرية البنك المركزي بشأن التطورات الاقتصادية والنقدية والآفاق على المدى المتوسط  هنالك نسق تصاعدي في مؤشر التضخم، وآفاق التضخم بحسب المركزي تواجه أخطارا متعددة منها ما يرتبط بتحسن الوضع الوبائي العالمي وارتفاع أسعار المواد الخام والمواد السلع الأساسية ومنها ما يتعلق بالمالية العمومية وغيرها من الإشكاليات الكثير. ما يعني أن المسألة لا تحل بدعوة من الرئيس إلى تخفيض الأسعار، أو بحديثه عن محاربة الاحتكار ومشهدية زيارة مصنع حديد. المشكلة أن ذلك كله يصنع انطباعا بأن الأمور تتجه إلى الطريق الصحيح، ولكن ليس الطريق العملي لأن تقوم على وعود تتجاوز بكثير تعقيد الواقع والتغييرات الهيكلية التي يجب التعامل معها.

محاربة الفساد بتوجيه الاتهامات

 

في ملف الفساد وهو أحد الملفات الجوهرية التي يتعرض لها الرئيس، يتجه إلى توجيه الاتهامات بالتورط في الفساد إلى شخصيات بعينها. وهنا مثلا أكد عميد الهيئة الوطنية للمحامين إبراهيم بودربالة على "شمس إف إم" في إشارة إلى حديث سعيد عن  تحوز زوجة محامي على ثروة طائلة تفوق مائة مليار أنه " يتعين على الرئيس سعيد إحالة الملف أمام القضاء كي يتسنى له الإطلاع على الملف مشيرا إلى أنهم طالبوا بتسريع الإجراءات".

إحالة الملفات على القضاء هي عنصر أساسي في محاربة الفساد، ولكن الرئيس يختار ربما المحاكمة الشعبية في وقت كان من المفترض أن يتجه إلى القضاء والقانون الذي يؤكد أنه يسعى إلى إنفاذه.

النوايا الطيبة للرئيس تستوجب أفعالا تصاحبها، أفعالا تحقق تقدما على أرض الواقع بالفعل لا تبقى في سياق تحركات مشهدية هنا وهنالك يمكن أن يكون لها تأثير ولكنه يبقى محدودا في المكان والزمان. السياسة هي فعل بالأساس، والوقت هو عدو السياسيين دائما عندما يمر الوقت دون أن يحققوا أي شيء يمكن أن يخسروا التأييد الشعبي. إلى الآن يتحدث الرئيس ويسجل نقاطا على هذه الجهة أو تلك ويؤكد بأن الأجانب يفهمون جيدا نواياه الحسنة، ولكن بعيدا عن الحسابات السياسية، الملفات الحقيقة تستوجب العمل فعليا ووضع خطط وإستراتيجيات وهذه المرحلة الاستثنائية لا تعني التوقف عن الفعل لأننا اليوم اجتماعيا واقتصاديا في الوقت البديل الذي ينفد بسرعة.

أروى الكعلي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews