لا يزال الوضع العام في بلادنا يراوح مكانه حيث يعيش رئيس الجمهورية قيس سعيد في مفترق طرق سياسي لم يقدر على إثره ساكن قرطاج تحديد أولوياته بإعلان الحكومة وضبط خريطة طريق واضحة ومحفزة للجميع.
ورغم كلمته امس والتي أعلن فيها ضرورة الرجوع إلى الشعب، فان هذا الموضوع يظل مجرد تسويق لأفكار الرئيس وبروبغندا سياسية للمحافظة على الزخم الجماهيري الهادر منذ 25 جويلية.
وعلى اهمية المنطوق الرئاسي في حشد الجماهير فان ما ورد فيها من افكار تبدو واقعيا غير قابلة للتحقق نتيجة ما يعرفه سعيد من حواجز اقتصادية ودولية تمنعه باسم المجتمع الدولي من الذهاب بعيدا في تنفيذ رؤيته المعلن عنها.
وبات جليا ان الذهاب الى استفتاء شعبي او انتخابات سابقة لأوانها تضع الرئيس في مفترق طرق حيث يتعذر عليه التقدم خطوة واحدة في اتجاه مسعاه ما لم يأخذ خطوة الى الوراء عبر طمأنة الجمهور السياسي من احزاب ومنظمات ومجتمع دولي جراء إصرارها الكبير على استعادة اللحظة الديمقراطية اولا والذهاب بعدها في ترتيبات جديدة.
وزادت تخوفات الجميع مع انتشار حالة القلق والتخوفات المرافقة للإجراءات الاستثنائية من منع مواطنين من السفر وفرض الاقامة الجبرية على عدد من الشخصيات دون موجب قانوني حسب توصيف عدد من المنظمات الحقوقية .
وفي هذا السياق اعتبرت مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات"، إن ما حدث في تونس يوم 25 جويلية الماضي هو "انقلاب على الدستور، صاحبته عدة انتهاكات وخروقات دستورية التي تضمنتها قرارات رئيس الجمهورية المعلن عنها".
وقد تم الاعلان امس الاول الثلاثاء خلال ندوة صحفية عن تأسيس مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات" بهدف "رصد الانتهاكات والتجاوزات الماسة بالحقوق الفردية والعامة والتصدي لها بكل الوسائل القانونية والمشروعة"، وذلك في إطار تحرك هذه المجموعة الرافض لجملة التدابير الاستثنائية التي اتخاذها رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية الماضي.
وبينت المنسقة الإعلامية بالمجموعة اسلام حمزة أن رئيس الجمهورية "يصر على أنه يحترم القانون والدستور لكن الحقيقة غير ذلك والدليل استحواذه على جميع السلط التي يكرس الدستور التفريق بينها ليصبح بذلك الحاكم المطلق في البلاد بتجميده للبرلمان السلطة التشريعية الأصلية".
من جهته تطرق المحامي مالك بن عمر احد اعضاء المجموعة الى ما وصفه "بجملة الانتهاكات الحاصلة" والتي قال إنها متواترة بطريقة لم تشهدها تونس منذ عشرات السنين.
وبين ان هذه الانتهاكات تتمثل اساسا في المحاكمات العسكرية التي طالت نوابا بالبرلمان ووضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية من بينهم قضاة ومحامون ووزراء ليتجاوز عددهم الـ12 شخصا إضافة إلى قرارات منع السفر التي تفتقد إلى قائمة اسمية وترتكز أساسا على الصفة الى جانب غلق بعض المقرات.
وقد تم التأكيد خلال الندوة الصحفية على أن مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات"، تقف ضد قرارات رئيس الجمهورية كما انها اختارت ان تكون ضد ما وصفته "بالانقلاب الدستوري وتواصل تصديها لجميع الخروقات القانونية" مبينة ان موقف الهيئة الوطنية للمحامين من التدابير الاستثنائية التي أعلنها رئيس الجمهورية ومساندتها لها لا يعني انها منحته "صكا على بياض".
ولم تشمل حالة الانتظار والقلق التونسيين وحدهم، بل شملت شركاء تونس الاقتصاديين والذين عبروا في اكثر من مرة على ضرورة تجاوز الوضع الصامت واثبات قدرة سعيد على اخراج البلاد من حالة العطالة المسجلة والعودة الى الديمقراطية البرلمانية وهو ما كان واضحا في الرسالة الاخيرة للرئيس الامريكي بايدن وكلمة المقرر الدائم بالبرلمان الاوروبي.
من ناحية اقتصادية اعتبر امس نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بلحاج أن لتونس فرصة خلال شهر اكتوبر القادم في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي ستعقد في العاصمة الامريكية داعيا الى حسن استغلالها عبر الحضور والمشاركة بوضع وصفه بالواضح محذرا من اضاعة الوقت الذي قال انه سيكلف تونس غاليا .
وعاد بلحاج الى يوم 25 جويلية 2021 وكشف ان قيمة سندات تونس انخفضت في الساعات الاولى بعد خطاب رئيس الجمهورية بين 10 و15 في المائة مبرزا أن الأمور عادت تدريجيا بعد ذلك.
واعتبر المتدخل ان حديث قيس سعيد عن محاربة الفساد بلهجة حاسمة مهم في الخارج وان ذلك خلق ايضا نوعا من الارتياح مشددا على وجود حاجة اكيدة اليوم الى وضوح في الرؤية وتصور ” وين ماشية تونس.”
ورغم الانتقادات الحادة الموجهة إليه، نجح دستور2014 إلى حد الان في الحد من حماسة الرئيس ومنعه من التوغل اكثر في اجراءاته .
وتمكن الدستور من الحد من سرعة خطوات سعيد رغم محاولات الدفع التي يحظى بها ساكن قرطاج من طرف عدد من اساتذة القانون الدستوري ومن محيطه الرئاسي لإعلان التعليق بالدستور والدعوة الى بعث آخر يلائم وضع سعيد ورغبته في بناء نظام سياسي جديد.
وإذ تبدو دعوات بعض المغامرين بتعليق الدستور خدمة للرئيس فان سعيد ورغم حالة الضغط المسلطة عليه مازال يعمل داخل النصوص على اعتبار ان اي تعليق او تحويل لوجهة الدستور في هذه المرحلة هو خدمة مجانية لخصومه الذين يعتبرون تحرك 25جويلية انقلابا لا علاقة له اصلا باي اصلاحات.
كما أن الاستمرارية بين المنظومات الدستورية للبلاد تفرض على الجميع التقيد باحترام الدستور الذي سبقه، وتاريخيا عرفت البلاد هزات هامة اهمها المرور من نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي الى نظام 2011 كان عبر دستور 59 بعد ان ضمن الانتقال السلس للسلطة في اطار دستوري تولى بموجبه رئيس البرلمان وقتها فؤاد المبزع مهام الرئاسة اثر خروجه الى السعودية.
كما شهد عهد البايات انتقالا من سلطة الباي الى سلطة الجمهورية الاولى من خلال دستور ضمن هذا التحول في طبيعة الحكم.
ورغم انه من اشد المتحمسين لتطبيق الفصل 80 ومن ابرز المنظرين له فقد استطاع الامين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي والوزير السابق محمد عبو "فرملة" مواقفه بعد أن تبين خطر الدعوات للإطاحة بدستور 2014.
واعتبر عبو في تصريح إعلامي 'أن الأولوية اليوم ليست تنقيح الدستور بل مقاومة جائحة كورونا واتخاذ اجراءات استثنائية لمكافحة الفساد وفتح ملفاته الحارقة" .
وقال ''من غير المسموح الحديث عن دستور جديد، خلينا في الدستور الحالي الضامن للشرعية اليوم''. وتابع ''ما يقعدوش يلعبو بيكم، مشكلتنا مش في الدستور، في ثقافة وفي طبقة سياسية تلعب بيكم''.
ويبدو واضحا أن مسالة الذهاب الى دستور جديد او الدعوة الى استفتاء شعبي او حتى العمل بقانون منظم للسلطة العمومية من خارج اسوار باردو او خارج النص الدستوري وبدعوة من أوامر رئاسية قد يثقل الكاهل السياسي لقيس سعيد .
وامام هذا الوضع يجد سعيد نفسه بين خيارين اما الاذعان ببرنامجه السياسي الى الاقصى وتأكيد تخوفات خصومه بالسعي للاستفراد بالسلطة بما يضعفه ويضعه في إحراج قوي امام الراي العام الدولي او اعادة الامور الى نصابها برفع القيود العسكرية على البرلمان واستكمال المسار الديمقراطي..، فأي طريق سيختار قيس سعيد؟
خليل الحناشي
تونس-الصباح
لا يزال الوضع العام في بلادنا يراوح مكانه حيث يعيش رئيس الجمهورية قيس سعيد في مفترق طرق سياسي لم يقدر على إثره ساكن قرطاج تحديد أولوياته بإعلان الحكومة وضبط خريطة طريق واضحة ومحفزة للجميع.
ورغم كلمته امس والتي أعلن فيها ضرورة الرجوع إلى الشعب، فان هذا الموضوع يظل مجرد تسويق لأفكار الرئيس وبروبغندا سياسية للمحافظة على الزخم الجماهيري الهادر منذ 25 جويلية.
وعلى اهمية المنطوق الرئاسي في حشد الجماهير فان ما ورد فيها من افكار تبدو واقعيا غير قابلة للتحقق نتيجة ما يعرفه سعيد من حواجز اقتصادية ودولية تمنعه باسم المجتمع الدولي من الذهاب بعيدا في تنفيذ رؤيته المعلن عنها.
وبات جليا ان الذهاب الى استفتاء شعبي او انتخابات سابقة لأوانها تضع الرئيس في مفترق طرق حيث يتعذر عليه التقدم خطوة واحدة في اتجاه مسعاه ما لم يأخذ خطوة الى الوراء عبر طمأنة الجمهور السياسي من احزاب ومنظمات ومجتمع دولي جراء إصرارها الكبير على استعادة اللحظة الديمقراطية اولا والذهاب بعدها في ترتيبات جديدة.
وزادت تخوفات الجميع مع انتشار حالة القلق والتخوفات المرافقة للإجراءات الاستثنائية من منع مواطنين من السفر وفرض الاقامة الجبرية على عدد من الشخصيات دون موجب قانوني حسب توصيف عدد من المنظمات الحقوقية .
وفي هذا السياق اعتبرت مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات"، إن ما حدث في تونس يوم 25 جويلية الماضي هو "انقلاب على الدستور، صاحبته عدة انتهاكات وخروقات دستورية التي تضمنتها قرارات رئيس الجمهورية المعلن عنها".
وقد تم الاعلان امس الاول الثلاثاء خلال ندوة صحفية عن تأسيس مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات" بهدف "رصد الانتهاكات والتجاوزات الماسة بالحقوق الفردية والعامة والتصدي لها بكل الوسائل القانونية والمشروعة"، وذلك في إطار تحرك هذه المجموعة الرافض لجملة التدابير الاستثنائية التي اتخاذها رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية الماضي.
وبينت المنسقة الإعلامية بالمجموعة اسلام حمزة أن رئيس الجمهورية "يصر على أنه يحترم القانون والدستور لكن الحقيقة غير ذلك والدليل استحواذه على جميع السلط التي يكرس الدستور التفريق بينها ليصبح بذلك الحاكم المطلق في البلاد بتجميده للبرلمان السلطة التشريعية الأصلية".
من جهته تطرق المحامي مالك بن عمر احد اعضاء المجموعة الى ما وصفه "بجملة الانتهاكات الحاصلة" والتي قال إنها متواترة بطريقة لم تشهدها تونس منذ عشرات السنين.
وبين ان هذه الانتهاكات تتمثل اساسا في المحاكمات العسكرية التي طالت نوابا بالبرلمان ووضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية من بينهم قضاة ومحامون ووزراء ليتجاوز عددهم الـ12 شخصا إضافة إلى قرارات منع السفر التي تفتقد إلى قائمة اسمية وترتكز أساسا على الصفة الى جانب غلق بعض المقرات.
وقد تم التأكيد خلال الندوة الصحفية على أن مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات"، تقف ضد قرارات رئيس الجمهورية كما انها اختارت ان تكون ضد ما وصفته "بالانقلاب الدستوري وتواصل تصديها لجميع الخروقات القانونية" مبينة ان موقف الهيئة الوطنية للمحامين من التدابير الاستثنائية التي أعلنها رئيس الجمهورية ومساندتها لها لا يعني انها منحته "صكا على بياض".
ولم تشمل حالة الانتظار والقلق التونسيين وحدهم، بل شملت شركاء تونس الاقتصاديين والذين عبروا في اكثر من مرة على ضرورة تجاوز الوضع الصامت واثبات قدرة سعيد على اخراج البلاد من حالة العطالة المسجلة والعودة الى الديمقراطية البرلمانية وهو ما كان واضحا في الرسالة الاخيرة للرئيس الامريكي بايدن وكلمة المقرر الدائم بالبرلمان الاوروبي.
من ناحية اقتصادية اعتبر امس نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بلحاج أن لتونس فرصة خلال شهر اكتوبر القادم في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي ستعقد في العاصمة الامريكية داعيا الى حسن استغلالها عبر الحضور والمشاركة بوضع وصفه بالواضح محذرا من اضاعة الوقت الذي قال انه سيكلف تونس غاليا .
وعاد بلحاج الى يوم 25 جويلية 2021 وكشف ان قيمة سندات تونس انخفضت في الساعات الاولى بعد خطاب رئيس الجمهورية بين 10 و15 في المائة مبرزا أن الأمور عادت تدريجيا بعد ذلك.
واعتبر المتدخل ان حديث قيس سعيد عن محاربة الفساد بلهجة حاسمة مهم في الخارج وان ذلك خلق ايضا نوعا من الارتياح مشددا على وجود حاجة اكيدة اليوم الى وضوح في الرؤية وتصور ” وين ماشية تونس.”
ورغم الانتقادات الحادة الموجهة إليه، نجح دستور2014 إلى حد الان في الحد من حماسة الرئيس ومنعه من التوغل اكثر في اجراءاته .
وتمكن الدستور من الحد من سرعة خطوات سعيد رغم محاولات الدفع التي يحظى بها ساكن قرطاج من طرف عدد من اساتذة القانون الدستوري ومن محيطه الرئاسي لإعلان التعليق بالدستور والدعوة الى بعث آخر يلائم وضع سعيد ورغبته في بناء نظام سياسي جديد.
وإذ تبدو دعوات بعض المغامرين بتعليق الدستور خدمة للرئيس فان سعيد ورغم حالة الضغط المسلطة عليه مازال يعمل داخل النصوص على اعتبار ان اي تعليق او تحويل لوجهة الدستور في هذه المرحلة هو خدمة مجانية لخصومه الذين يعتبرون تحرك 25جويلية انقلابا لا علاقة له اصلا باي اصلاحات.
كما أن الاستمرارية بين المنظومات الدستورية للبلاد تفرض على الجميع التقيد باحترام الدستور الذي سبقه، وتاريخيا عرفت البلاد هزات هامة اهمها المرور من نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي الى نظام 2011 كان عبر دستور 59 بعد ان ضمن الانتقال السلس للسلطة في اطار دستوري تولى بموجبه رئيس البرلمان وقتها فؤاد المبزع مهام الرئاسة اثر خروجه الى السعودية.
كما شهد عهد البايات انتقالا من سلطة الباي الى سلطة الجمهورية الاولى من خلال دستور ضمن هذا التحول في طبيعة الحكم.
ورغم انه من اشد المتحمسين لتطبيق الفصل 80 ومن ابرز المنظرين له فقد استطاع الامين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي والوزير السابق محمد عبو "فرملة" مواقفه بعد أن تبين خطر الدعوات للإطاحة بدستور 2014.
واعتبر عبو في تصريح إعلامي 'أن الأولوية اليوم ليست تنقيح الدستور بل مقاومة جائحة كورونا واتخاذ اجراءات استثنائية لمكافحة الفساد وفتح ملفاته الحارقة" .
وقال ''من غير المسموح الحديث عن دستور جديد، خلينا في الدستور الحالي الضامن للشرعية اليوم''. وتابع ''ما يقعدوش يلعبو بيكم، مشكلتنا مش في الدستور، في ثقافة وفي طبقة سياسية تلعب بيكم''.
ويبدو واضحا أن مسالة الذهاب الى دستور جديد او الدعوة الى استفتاء شعبي او حتى العمل بقانون منظم للسلطة العمومية من خارج اسوار باردو او خارج النص الدستوري وبدعوة من أوامر رئاسية قد يثقل الكاهل السياسي لقيس سعيد .
وامام هذا الوضع يجد سعيد نفسه بين خيارين اما الاذعان ببرنامجه السياسي الى الاقصى وتأكيد تخوفات خصومه بالسعي للاستفراد بالسلطة بما يضعفه ويضعه في إحراج قوي امام الراي العام الدولي او اعادة الامور الى نصابها برفع القيود العسكرية على البرلمان واستكمال المسار الديمقراطي..، فأي طريق سيختار قيس سعيد؟