مواقف متضاربة.. بيانات متواترة تتناقض وتتنافر أحيانا.. وحالة ارتباك متواصلة منذ حوالي شهر، تحاول حركة النهضة الخروج منها وإيجاد أرض صلبة تقف عليها بثبات في واقع أشبه بالرمال المتحركة يشوبه الغموض والضبابية ومفتوح على كل السيناريوهات.. واقع ما زال رئيس الجمهورية يدفع فيه الى ذروة الغموض ويصمت عن تقديم أجوبة حاسمة حول مصير المسارين السياسي والدستوري، بعد إجراءات 25 جويلية.. وما تزال حركة النهضة تبحث فيه عن نفسها وموقعها وتأثيرها بعد أن فقدت القوة والتعاطف والاسناد السياسي داخليا وخارجيا وباتت في مواجهة حصاد العشر سنوات من الفشل السياسي في إدارة الدولة.
ورغم محاولاتها المتكررة خلال الشهر الماضي في تعديل مواقفها ولملمة شتاتها وتجاوز صدمة ما حصل أو استيعاب كيف حصل، الا ان مواقف حركة النهضة الأخيرة التي بدت غريبة وغير منسجمة جعلتها محل تندر وتهكم كما زادت من الغضب تجاه سياساتها ومناوراتها..
واذا كان رئيس الجمهورية يحاول بكل قوته محاصرة حركة النهضة سياسيا وإحكام حشرها في الزاوية وكسب تعاطف وتأييد الرأي العام بالدفع نحو فكرة ان الدولة كانت رهينة منظومة حزبية ودستورية فاسدة وان إجراءات 25 جويلية كانت الحل الأخير لإنقاذ الدولة قبل أمتار من الانهيار.. فان حركة النهضة اليوم تحاول تعديل مواقفها بما ينسجم مع المستجدات العاصفة، واستعمال كل الحيل للثبات في المشهد وامتصاص الصدمة دون أن ينهار الحزب والقيادة.
وبعد سياسية المناورة وتوزيع الفشل على الجميع، تجرب حركة النهضة اليوم سياسية الانحناء للعاصفة دون ان تنكسر أو تندثر.
مواقف مهادنة
بعد مرحلة التشكيك في النوايا والاتهامات بالانقلاب والعبث بالمسار السياسي والدستوري والرغبة في السيطرة على كل السلطات، حاولت حركة النهضة تعديل خطابها في علاقة بقرارات رئيس الجمهورية قيس وخطاباته، رغم انه لا يفوت فرصة لمهاجمتها وتحميلها مسؤولية ما تردت اليه الدولة.
وفي الآونة الأخيرة كثفت حركة النهضة من بياناتها حتى أنها لا تفوت خطابا أو تصريحا لرئيس الجمهورية دون ان تتفاعل معه او تعلق عليه، ففي يوم السبت الماضي أصدرت الحركة بيانا عبرت فيه الحركة عن انشغالها الشديد بما ورد في كلمة الرئيس من إشارة إلى وجود مؤامرات خطيرة تهدد أمن البلاد والأمن الشخصي لرئيس الجمهورية، راجية له السلامة وداعية الله تعالى أن يحفظه والجميع من كل مكروه..
ورغم انها ليس المرة الأولى التي يتحدث فيها قيس سعيد عن محاولات اغتيالاته، الا ان رد حركة النهضة بدا هذه المرة مختلفا، حيث كانت في البداية تدعو النيابة العمومية للتحرك والتأكد من مزاعم محاولات الاغتيال وتطالب بصلف رئيس الجمهورية ان يكشف عن الجهات والأطراف التي تحاول اغتياله، في نبرة لا تخلو من التشكيك والتكذيب المبطن.. ولكن هذه المرة نجد الحركة تبدي انشغالا مبالغا فيه وغير معتاد بسلامة رئيس الجمهورية!
وفي ذات البيان وان تمسكت حركة النهضة بالحوار وباعتبار ان إجراءات 25 جويلية غير دستورية واستثنائية الا انها أكدت على ان ذلك يستدعي تعاون الجميع على تجاوزها، وذلك دون استعمال مصطلح الانقلاب مع الحرص على انتقاء عبارات مخففة وغير مستفزة، رغم ان رئيس الجمهورية بدا حاسما في رفض الحوار وفي عدم العودة الى ما قبل الإجراءات الاستثنائية.
الانحناء للعاصفة
يبقى بيان حركة النهضة ليوم الأحد من البيانات الفارقة وغير المسبوقة والتي تؤكد مدى الهشاشة التي تعيشها حركة النهضة داخليا وجعلتها تقبل على نفسها ان تضع نفسها في موضع "إذلال" كان محل تندر وتهكم رواد التواصل الاجتماعي، مقابل أن تسترجع علاقتها برئيس الجمهورية، حيث شددت الحركة على ضرورة النأي بالخطاب السياسي عن الشحن والتجييش والتحريض، وعلى احترام هيبة مؤسسات الدولة وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية. كما عبرت عن تضامنها مع عائلة رئيس الجمهورية ورفضها لهذه الممارسات واستعدادها لاتخاذ الإجراءات التأديبية ضد أي من منتسبي الحركة إن ثبت من خلال تدويناته الاساءة لأي كان والابتعاد عن أخلاقيات الخطاب السياسي.
ولأول مرة تعترف حركة النهضة في بيان رسمي بإمكانية وجود »جيش الالكتروني « مختص في ثلب وشتم الخصوم وسحلهم معنويا وهو الصفحات التي تعد بالمئات وهي صفحات ممولة معروفة للجميع بـ »بالذباب الأزرق « والذي طالما كان في السنوات الأخيرة السلاح الفتاك لحركة النهضة الذي واجهت به خصومها وسحلتهم ودمرتهم معنويا ونفسيا ببث الاشاعات وهتك الاعراض دون رقيب ولاحسيب ودون اعتراف بوجود هذا »الذباب الأزرق. «
تأزيم المتأزم
ومع كل موقف جديد تحاول من خلاله حركة النهضة تدارك خسائرها الخارجية واسترجاع حلفائها، تزيد من تأزيم الوضع الداخلي الذي يوشك على الانفجار حيث لم يمر البيان الأخير الذي عبرت فيه الحركة عن استعدادها معاقبة قواعدها التي تهاجم رئيس الجمهورية، دون مشاكل داخلية حيث شدد النائب المجمد بالبرلمان والقيادي في حركة النهضة، أسامة الصغير، على أن البيان الأخير للحركة الذي يحمل فيه المسؤولية للقواعد لا يمثله. وقال الصغير في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على فايسبوك أن "الأولى التدقيق في من دفع الخطاب السياسي للتحريض والتجييش ضد الخصوم السياسيين".
وهذا ليس الموقف الأول لقيادات حركة النهضة الذي يعبر عن رفضه لمواقف وبيانات المكتب السياسي للحركة او المكتب الإعلامي ، منذ إجراءات 25 جويلية التي اختلفت حولها المواقف والتقييمات والتصريحات الى حد التضارب والتناقض.
واليوم تنتظر حركة النهضة كما ينتظر الرأي العام في الداخل والخارج، ما سيكشف عنه رئيس الجمهورية بعد شهر من الإجراءات الاستثنائية، في علاقة بمستقبل المسار السياسي والدستورية بعد 25 جويلية، ودون شك ان أي قرار سيتخذه رئيس الجمهورية ستكون تداعياته مباشرة على حركة النهضة التي تجرب الانحناء للعاصفة.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل ستكون النهضة قادرة على النهوض من جديد بعد مرور العاصفة؟
منية العرفاوي
تونس- الصباح
مواقف متضاربة.. بيانات متواترة تتناقض وتتنافر أحيانا.. وحالة ارتباك متواصلة منذ حوالي شهر، تحاول حركة النهضة الخروج منها وإيجاد أرض صلبة تقف عليها بثبات في واقع أشبه بالرمال المتحركة يشوبه الغموض والضبابية ومفتوح على كل السيناريوهات.. واقع ما زال رئيس الجمهورية يدفع فيه الى ذروة الغموض ويصمت عن تقديم أجوبة حاسمة حول مصير المسارين السياسي والدستوري، بعد إجراءات 25 جويلية.. وما تزال حركة النهضة تبحث فيه عن نفسها وموقعها وتأثيرها بعد أن فقدت القوة والتعاطف والاسناد السياسي داخليا وخارجيا وباتت في مواجهة حصاد العشر سنوات من الفشل السياسي في إدارة الدولة.
ورغم محاولاتها المتكررة خلال الشهر الماضي في تعديل مواقفها ولملمة شتاتها وتجاوز صدمة ما حصل أو استيعاب كيف حصل، الا ان مواقف حركة النهضة الأخيرة التي بدت غريبة وغير منسجمة جعلتها محل تندر وتهكم كما زادت من الغضب تجاه سياساتها ومناوراتها..
واذا كان رئيس الجمهورية يحاول بكل قوته محاصرة حركة النهضة سياسيا وإحكام حشرها في الزاوية وكسب تعاطف وتأييد الرأي العام بالدفع نحو فكرة ان الدولة كانت رهينة منظومة حزبية ودستورية فاسدة وان إجراءات 25 جويلية كانت الحل الأخير لإنقاذ الدولة قبل أمتار من الانهيار.. فان حركة النهضة اليوم تحاول تعديل مواقفها بما ينسجم مع المستجدات العاصفة، واستعمال كل الحيل للثبات في المشهد وامتصاص الصدمة دون أن ينهار الحزب والقيادة.
وبعد سياسية المناورة وتوزيع الفشل على الجميع، تجرب حركة النهضة اليوم سياسية الانحناء للعاصفة دون ان تنكسر أو تندثر.
مواقف مهادنة
بعد مرحلة التشكيك في النوايا والاتهامات بالانقلاب والعبث بالمسار السياسي والدستوري والرغبة في السيطرة على كل السلطات، حاولت حركة النهضة تعديل خطابها في علاقة بقرارات رئيس الجمهورية قيس وخطاباته، رغم انه لا يفوت فرصة لمهاجمتها وتحميلها مسؤولية ما تردت اليه الدولة.
وفي الآونة الأخيرة كثفت حركة النهضة من بياناتها حتى أنها لا تفوت خطابا أو تصريحا لرئيس الجمهورية دون ان تتفاعل معه او تعلق عليه، ففي يوم السبت الماضي أصدرت الحركة بيانا عبرت فيه الحركة عن انشغالها الشديد بما ورد في كلمة الرئيس من إشارة إلى وجود مؤامرات خطيرة تهدد أمن البلاد والأمن الشخصي لرئيس الجمهورية، راجية له السلامة وداعية الله تعالى أن يحفظه والجميع من كل مكروه..
ورغم انها ليس المرة الأولى التي يتحدث فيها قيس سعيد عن محاولات اغتيالاته، الا ان رد حركة النهضة بدا هذه المرة مختلفا، حيث كانت في البداية تدعو النيابة العمومية للتحرك والتأكد من مزاعم محاولات الاغتيال وتطالب بصلف رئيس الجمهورية ان يكشف عن الجهات والأطراف التي تحاول اغتياله، في نبرة لا تخلو من التشكيك والتكذيب المبطن.. ولكن هذه المرة نجد الحركة تبدي انشغالا مبالغا فيه وغير معتاد بسلامة رئيس الجمهورية!
وفي ذات البيان وان تمسكت حركة النهضة بالحوار وباعتبار ان إجراءات 25 جويلية غير دستورية واستثنائية الا انها أكدت على ان ذلك يستدعي تعاون الجميع على تجاوزها، وذلك دون استعمال مصطلح الانقلاب مع الحرص على انتقاء عبارات مخففة وغير مستفزة، رغم ان رئيس الجمهورية بدا حاسما في رفض الحوار وفي عدم العودة الى ما قبل الإجراءات الاستثنائية.
الانحناء للعاصفة
يبقى بيان حركة النهضة ليوم الأحد من البيانات الفارقة وغير المسبوقة والتي تؤكد مدى الهشاشة التي تعيشها حركة النهضة داخليا وجعلتها تقبل على نفسها ان تضع نفسها في موضع "إذلال" كان محل تندر وتهكم رواد التواصل الاجتماعي، مقابل أن تسترجع علاقتها برئيس الجمهورية، حيث شددت الحركة على ضرورة النأي بالخطاب السياسي عن الشحن والتجييش والتحريض، وعلى احترام هيبة مؤسسات الدولة وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية. كما عبرت عن تضامنها مع عائلة رئيس الجمهورية ورفضها لهذه الممارسات واستعدادها لاتخاذ الإجراءات التأديبية ضد أي من منتسبي الحركة إن ثبت من خلال تدويناته الاساءة لأي كان والابتعاد عن أخلاقيات الخطاب السياسي.
ولأول مرة تعترف حركة النهضة في بيان رسمي بإمكانية وجود »جيش الالكتروني « مختص في ثلب وشتم الخصوم وسحلهم معنويا وهو الصفحات التي تعد بالمئات وهي صفحات ممولة معروفة للجميع بـ »بالذباب الأزرق « والذي طالما كان في السنوات الأخيرة السلاح الفتاك لحركة النهضة الذي واجهت به خصومها وسحلتهم ودمرتهم معنويا ونفسيا ببث الاشاعات وهتك الاعراض دون رقيب ولاحسيب ودون اعتراف بوجود هذا »الذباب الأزرق. «
تأزيم المتأزم
ومع كل موقف جديد تحاول من خلاله حركة النهضة تدارك خسائرها الخارجية واسترجاع حلفائها، تزيد من تأزيم الوضع الداخلي الذي يوشك على الانفجار حيث لم يمر البيان الأخير الذي عبرت فيه الحركة عن استعدادها معاقبة قواعدها التي تهاجم رئيس الجمهورية، دون مشاكل داخلية حيث شدد النائب المجمد بالبرلمان والقيادي في حركة النهضة، أسامة الصغير، على أن البيان الأخير للحركة الذي يحمل فيه المسؤولية للقواعد لا يمثله. وقال الصغير في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على فايسبوك أن "الأولى التدقيق في من دفع الخطاب السياسي للتحريض والتجييش ضد الخصوم السياسيين".
وهذا ليس الموقف الأول لقيادات حركة النهضة الذي يعبر عن رفضه لمواقف وبيانات المكتب السياسي للحركة او المكتب الإعلامي ، منذ إجراءات 25 جويلية التي اختلفت حولها المواقف والتقييمات والتصريحات الى حد التضارب والتناقض.
واليوم تنتظر حركة النهضة كما ينتظر الرأي العام في الداخل والخارج، ما سيكشف عنه رئيس الجمهورية بعد شهر من الإجراءات الاستثنائية، في علاقة بمستقبل المسار السياسي والدستورية بعد 25 جويلية، ودون شك ان أي قرار سيتخذه رئيس الجمهورية ستكون تداعياته مباشرة على حركة النهضة التي تجرب الانحناء للعاصفة.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل ستكون النهضة قادرة على النهوض من جديد بعد مرور العاصفة؟