إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منقطعون عن الدراسة.. قيمون و "عساسة " من أبرز المروجين عُشر تلاميذ الإعدادي والثانوي في فخ" النشوة القاتلة.."!!

  • 25% من التلاميذ المدمنين يحصلون على المواد المخدرة من داخل المؤسسة التربوية!
  • أكثر من 13 ألف حالة عنف في سنة بالمؤسسات التربوية والكحول والمخدرات من بين الأسباب!
  • 28% من التلاميذ المدمنين يتعاطون المخدرات بحثا عن السعادة
جوجو، فلسة، هربة، كيت كات، تمبري، فلاكون، بيبرون، يطيش، ماخ، يتا، سوبيا..، كل هذه الأسماء الغريبة والعجيبة التي نتوقف عندها مذهولين دون أن نفهم ما تعني، ولا إلى أي لغة تنتمي.. هي جزء من قاموس التسميات المتداولة لأنوع مختلفة من مواد مخدرة، لدى تلاميذ المدارس الإعدادية والثانوية!!! ففي محيط الاعداديات والمعاهد، بل وداخلها يكاد الأمر يتحول إلى سوق حرة للمخدرات.. سوق شهدت "انتعاشة " حيث بات حصول تلميذ الثامنة أساسي، على قطعة من القنب الهندي أو "حربوشة"  ذات اسم غريب، أسهل من شراء  "اللمجة المدرسية " أو إعداد دروسه طلبا للمعرفة والعلم.. وعلى هول الصدمة وعدم القدرة على تصديق، كيف لأطفال في الحادية عشرة والثانية عشرة، أصبحوا يتعاطون مواد  مخدرة اجتاحت البلاد بشكل مفزع، وبعد أن دمرت حياة ومستقبل آلاف الشباب، ها هي اليوم باتت تهدد الأطفال وهؤلاء الأطفال ليسوا من المشردين أو ممن لا يملكون مأوى أو سند عائلي، بل أغلبهم يعيشون مع عائلاتهم ويحصلون على المواد المخدرة من محيط المؤسسات التربوية أو من داخلها! وهذه الوضعية المأسوية والمرعبة، تطرح أسئلة على غاية من الخطورة، يحاول الجميع التغاضي عنها أو إهمالها بالرغم من انها تهدد مستقبل أجيال المستقبل وتجعلنا ننظر الى هذا المستقبل على أنه سيكون خرابا، بأجيال فاشلة دراسيا واجتماعيا ومدمنة على المخدرات..، فكيف تحولت مؤسسات تربوية إلى أوكار لتعاطي المواد المخدرة، خاصة وأنه في دراسة أنجزها المرصد الوطني للتربية في جانفي الماضي، تعترف وزارة التربية بهذه الظاهرة وتقدم إحصائيات ومعطيات صادمة، وقد حصلت  "الصباح" بصفة حصرية على هذه الدراسة التي تبين حجم الكارثة الواقعة بالمدارس الإعدادية والمعاهد، ولكن رغم ذلك لا نجد أي جهة رسمية سواء وزارة التربية أو الصحة أو المرأة والطفولة، تحركت بشكل سريع ومكثف لإيقاف هذه الكارثة التي حطمت مستقبل مئات ان لم نقل آلاف الأطفال ودمرت حياتهم! ففي مجتمع تونسي، بات من أكثر المجتمعات استهلاكا للمخدرات حيث تشير إحصائيات رسمية لمنظمة، هيومن رايتس ووتش، أنه وفق معطيات قدمتها إدارة العامة للسجون والإصلاح أن 28 بالمائة من مجموع عدد السجناء في تونس مدانون في جرائم مخدرات.. نجد أن الدولة عاجزة أو غير مهتمة بهذه الآفة التي تفتك بالمجتمع في صمت. المدرسة فضاء للعنف والادمان "أنا لا أصدق ما حل بابني، الذي كان نابغة في تعليمه الابتدائي ولكن ما إن انتقل إلى المدرسة الإعدادية، تغير سلوكه كليا، أصبح عنيفا في المنزل وكان دائما يعاني من صداع، تراجعت نتائجه وبات مهددا بالطرد بالنظر إلى سوء سلوكه مع زملائه ومدرسيه"، بهذه الكلمات وبنبرة يعتصرها الألم، تحدثت إلينا بسمة، التي اكتشفت بعد ان ساءت حالة ابنها الوحيد أنه مدمن على نوع من أنواع الأقراص المخدرة، تضيف بسمة  "الى اليوم لا يريد أن يعترف لي كيف تم الإيقاع به وجعله مدمنا.. أنا لا أعرف ماذا أفعل.. أتابع حالته مع طبيب وهو أقلع عن استهلاك تلك الأقراص ولكن الى اليوم لم يعد كما عرفته.. أصبح مكتئبا وعدوانيا، يمضي أغلب وقته في النوم ولا يتحدث معنا إلا ببضعة كلمات.. لا نعرف في ماذا يفكر أو بماذا يشعر"..، بسمة تحاول اليوم بكل جهد إعادة ابنها من النفق الذي سار فيه ولكن لا تبدو متفائلة بالنتيجة، فهناك شيء ما تغير في ابنها ولن يعود كما كان من قبل حتى ولو ابتعد نهائيا عن التعاطي.. وقصة بسمة وابنها ليست قصة منعزلة او استثنائية في مؤسسات تربوية تحولت الى أوكار للاستهلاك كافة أنواع المخدرات وباعتراف دراسة ميدانية انجزتها وزارة التربية. حصلت  "الصباح" بشكل حصري على دراسة كان أعدها المرصد الوطني للتربية حول المقاربة التربوية وتشخيص ومعالجة ظاهرة الإدمان وتعاطي المخدرات، وهذه الدراسة، الميدانية التي شملت عينة من 12985 تلميذا تتراوح أعمارهم بين 15 و23 سنة، من الثامنة إلى الرابعة ثانوي، موزعين على 188 مؤسسة تربوية، 5912 من الذكور و7073 من الإناث، وقد تم الانتهاء من إنجازها في منتصف جانفي الماضي، تقدم مؤشرات على غاية من الخطورة حول ظاهرة استهلاك التلاميذ التي تفشت في المؤسسات التربوية.. ومن المسائل الخطيرة التي تعرضت لها الدراسة هو العنف في الوسط المدرسي الذي بلغ في سنتي 2019/2020 حدود 13762 حالة عنف، وقد تصدرت اعداديات ومعاهد تونس 2، أعلى نسب هذا العنف.. ووفق الإحصائيات المقدمة فإن 2.43 بالمائة من أسباب هذا العنف تعود الى استهلاك مواد مخدرة و0.84 بالمائة إلى استهلاك الكحول. واذا كان عدد التلاميذ قد بلغ962.457 ألف تلميذ في المرحلة الاعدادية والتعليم الثانوي خلال السنة الدراسية 2020-2021، من إجمالي عدد التلاميذ البالغ مليونين و215 ألف تلميذ..، فان 9.20 بالمائة من تلاميذ المدراس الإعدادية والمعاهد يتعاطون المخدرات، أي تقريبا عُشر التلاميذ الاعدادي والثانوي،وفق الدراسة التي توصل لها مرصد التربية. باحثون عن السعادة في طريق الموت بالنسبة لبداية التعاطي واكتشاف طريق المخدرات نجد أن 37 بالمائة من المتعاطين كان ذلك باختيار شخصي منهم وأن 21 بالمائة كان عن طريق المحيط المدرسي و7 بالمائة دون علم منهم أي أنه تم سحبهم الى طريق الإدمان بالحيلة واجبارهم على السير في هذا النفق المظلم..، ومن الإحصائيات المثيرة التي تقدمها الدراسة أن الغاية من التعاطي هو البحث عن الشعور بالسعادة بنسبة غالبة في حدود 28.5 بالمائة و19 بالمائة بسبب الفراغ و17 بالمائة من باب اليأس من المستقبل و11 بالمائة بسبب كثرة المشاكل العائلية، وكل هذه العوامل تقودنا الى استنتاج مدى غياب الإحاطة النفسية والعائلية باليافعين، الذين يتركون في مواجهة طفولة يملؤها الفراغ دون أنشطة تحفز على الإبداع او بناء الشخصية، فيما يُترك المراهقون لمواجهة مشاكلهم في وسط آسري متماسك ظاهريا ومفكك من الداخل فيبحثون عن السعادة في  "حربوشة" نشوة مزيفة ستحطم مستقبلهم وقد تكلفهم حياتهم !.. حيث أن 89 بالمائة من المتعاطين يعيشون مع والديهم وحوالي 90 بالمائة منهم ظروفهم الاجتماعية من متوسطة الى ميسورة ولعل ذلك ما يفسر سهولة حصولهم على أموال من ذويهم لشراء مواد مخدرة. المؤسسة التربوية.. سوق حرة عبر 43.2 بالمائة من المستجوبين الذين يتعاطون المخدرات بالوسط المدرسي أنهم يتزودون بهذه المواد السامة من مصادر تتمركز بالقرب من المؤسسات التربوية، فيما أكد 25.4 من بينهم أنهم يحصلون على هذه المواد المخدرة من داخل المؤسسة التربوية ذاتها ! وقد أشار 6.6 بالمائة أن من يزودونهم بالمخدرات هم عاملين داخل المؤسسة التربوية، و20.3 بالمائة أكدوا انهم يحصلون على المخدرات من زملاء لهم بنفس المؤسسة ! .. ومثل هذه الإحصائيات الصادمة والمرعبة للأسر وللمجتمع، تجعل من الضروري اليوم، ان تضع وزارة التربية خطة إنقاذ عاجلة للتلاميذ من مروجي المخدرات بالمؤسسات التربوية، وهذا الجرم كان يفترض ان يحاسب عليه كل من وزير التربية والمديرين الجهويين للتربية والذين لا نخال انهم ليسوا على دراية بما يحصل من خروقات وجرائم مثل هذه داخل المؤسسات التربوية التي فقدت رسالتها النبيلة ودورها في حماية الناشئة، وباتت ساحة للمعارك السياسية والنقابية، في حين تُباع السموم داخلها وتنهار قيم المعرفة والعلم. وكما داخل المؤسسات التربوية، هناك خارجها في محيط المؤسسات التربوية حيث تؤكد هذه الدراسة أن هناك تركزا لشبكة مروجين يستغلون التلاميذ في ترويج بضاعتهم السامة، حيث أكد 44.2 بالمائة من التلاميذ المتعاطين للمخدرات انهم يحصلون عليها من مجهولين أمام المؤسسات التربوية، بما يفسر بوضوح رواج المخدرات في الوسط المدرسي بعد ان كانت قد اجتاحت في السنوات الأخيرة، الوسط الجامعي، وعلى السلطات الأمنية ان تتدخل اليوم بصرامة أمام المؤسسات التربوية، من خلال تركيز دوريات أمنية ثابتة ومتنقلة، للتصدي إلى هذه الشبكات التي تتمعش من أطفال أبرياء، وتقتلهم يوميا بدم بارد. إلمام بكل المواد المخدرة وطريقة استعمالها حول ظاهرة اجتياح المواد المخدرة للمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية، يقول رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل، د. معز الشريف إنها» ظاهرة موجود منذ سنوات وقد كنا كجمعية قد أطلقنا صيحة فزع مع جمعية إعادة تأهيل الشبان المدمنين، وبعد دراسة ميدانية مستفيضة، اكتشفنا أن أغلب الأطفال ممن هم في الاعداديات والمعاهد الثانوية على دراية كاملة بكل أنواع المخدرات، من أقراص مخدرة وقنب هندي وصولا إلى  "الغبرة".. بعضهم يقومون باستعمال أدوية أوليائهم ويعرفون جيدا طريقة إذابة بعض الأقراص أو طريقة طحنها وخلطها في ما بينها.. وانتشار الظاهرة في المدارس انطلاقا مما يسمى بالعدوى في السلوكيات المحفوفة بالمخاطر". المنقطعون عن الدراسة.. مروجون عتاة ! وبشأن ظاهرة الترويج والانتشار الكبير لشبكات الاتجار بالمواد المخدرة في محيط المدارس والمعاهد وحتى داخلها، يقول رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل، معز الشريف : »هذه الشبكات تستغل عادة الأطفال المنقطعين عن الدراسة، لأنهم الأكثر معرفة بالمؤسسة التربوية وبالتلاميذ ويتم تجنيدهم في هذه الشبكات من خلال تورطيهم في الاستهلاك وضمان خضوعهم أو باستغلال حاجتهم إلى المال، وهذه العملية تسهل عليهم الإيقاع بالتلاميذ في هذه الشبكات«. وإذا أخذنا بالمعدلات المرعبة للانقطاع المدرسي والتي نشهدها من سنة دراسية إلى أخرى وتفوق في المجمل الـ100 ألف تلميذ منقطع عن الدراسة سنويا، فإننا سنرى بوضوح أي مستقبل ينتظر هؤلاء المنقطعين عن الدراسة في سن متقدمة في غياب إستراتيجية تربوية واضحة للحد من الانقطاع المدرسي،أو لإدماج هؤلاء المنقطعين من الأطفال في أنشطة يمكن ان تحميهم من شبكات الإجرام وترويج المخدرات. القيمون و»العساسة «في قفص الاتهام.. وبالنسبة إلى ما أشارت إليه الدراسة الميدانية التي أنجزتها وزارة التربية، تؤكد أن 6.6 بالمائة من التلاميذ المتعاطين، يتم تزويدهم بالمواد المخدرة، من طرف عمال بنفس المؤسسة التربوية، أكد معز الشريف، أن القيمين و»العساسة «هم في العادة من يقومون بترويج المواد المخدرة وأن الإطار التربوي لم يتورط في هذا الأمر الخطير وفق التحريات والدراسات الميدانية التي أنجزتها جمعية الدفاع عن حقوق الطفل. وبالنسبة لأنواع المخدرات التي يتم استهلاكها من طرف التلاميذ، يقول رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل، أن "الكلفرة" تجتاح المدارس الابتدائية وبلغت مؤشرات خطيرة جدا، وبالنسبة للاعداديات نجد الزطلة والأقراص المخدرة بجميع أنواعها، وفي مرحلة الثانوية قد يتطور الأمر إلى المخدرات الثقيلة كالكوكايين والهيروين، وبسؤاله عن مصدر الأموال لشراء هذه السموم التي تكلف مبالغ طائلة، أكد محدثنا انه لذلك تشهد البلاد ارتفاعا في معدلات السرقة و "النطرة"،  كما أشار إلى معطى خطير وهو انه يتم استغلال هؤلاء الأطفال في شبكات لا أخلاقية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال اجبارهم الى تقديم خدمات جنسية افتراضية كنشر صورهم عارية ! مؤكدا ان ظاهرة تعاطي التلاميذ للمخدرات لا تقتصر فقط على الاحياء الشعبية او الفقيرة كما يخيل للبعض، ولكن أيضا الأحياء الراقية تشهد بدورها انتشارا كبيرا للظاهرة. أجيال الإدمان والاكتئاب.. هذه الظاهرة المخيفة التي باتت تهدد الأجيال الصاعدة، دفعت بوزارة التربية إلى تعيين إطار سام من وزارة الداخلية بديوان وزير التربية، مهمته تجميع كل التقارير الأمنية التي تعدها يوميا المؤسسات التربوية وترسلها إلى الوزارة ويتم من خلالها رصد كل حالات العنف، بين التلاميذ أو المسلط على الإطار التربوي، والذي من أهم أسبابه استهلاك المخدرات أو الكحول. في علاقة بالحلول الممكنة للتصدي إلى هذه الظاهرة الخطيرة والمخيفة، أكد معز الشريف، أن الأمر يحتاج مقاربة سياسية لحل هذا الإشكال بوضع خطط واستراتيجيات ناجعة وعدم الاكتفاء أو التعويل على الحل الأمني دون غيره،لأن واجب حماية تلاميذ أثناء الزمن المدرسي، محمول على المؤسسة التربوية، قائلا: »هناك اليوم مع نظام الأفواج، أربعة تلاميذ فقدوا حياتهم لأن الفراغ في الزمن المدرسي، جعل الأطفال دون حماية". وبالنسبة للأمراض التي تتسبب فيها المخدرات قال رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل، إن استهلاك المواد المخدرة بجميع أنواعها، يحد من إمكانية النمو الذهني للطفل وتطور الذكاء وهو ما يفضي إلى أمراض نفسية عويصة بالإضافة إلى الفشل الدراسي وهذه الأمراض النفسية ومنها الاكتئاب الحاد، قد تدفع بدورها إلى أمور أخطر مثل محاولات الانتحار المتكررة، ونحن نتابع في السنوات الأخيرة كيف ارتفع معدل انتحار الأطفال بشكل كبير" . منية العرفاوي مؤطر انقرضت مراكز معالجة الإدمان وحضرت السجون السياسات الفاشلة لا تنتج الا أجيالا مدمنة ! تونس – الصباح في 2015، نشرت خلية علوم الإجرام بمركز الدراسات القضائية بتونس، دراسة قدمت معطيات مفزعة حول ظاهرة استهلاك المخدرات، انطلاقا من قضايا المورطين في الاتجار أو الاستهلاك وانتهى بهم المطاف بإيداعهم السجن، حيث تشير الدراسة الى أن من بين 25 ألف موقوف في السجون هناك من بينهم 8 آلاف شخص تعلقت بهم قضايا تتعلق بالمخدرات استهلاكا وترويجا ونفس الدراسة أكدت أن 30 % منهم من الفئة العمرية بين 13 و35 سنة  وأن  57% من المستهلكين بين 13 و18 سنة وأكثرهم من التلاميذ. وفي الدول التي تحترم مواطنيها وتقودها أحزاب تدرك أن دورها ليس التقاتل على السلطة بقدر ما هو حماية المجتمع من كل هذه الظواهر الخطيرة لتحافظ على تماسك كيان الدولة، فإنها تتلقف هذه الدراسة الصادرة على مركز دراسات عمومي، وتؤسس من خلالها لخطط واستراتيجيات تصدي ومكافحة.. ولكن ما حصل هو العكس تماما اذ تجاهلت كل الأحزاب هذه الدراسة وانصرفت لهوايتها المفضلة وهي الصراع على مواقع الحكم في دولة باتت مهددة اجتماعيا بالتفكك والانهيار، بعد ضرب رأس مالها البشري. ولم يستنفر أي حزب سياسي ليدافع عن حق أجيال الغد في حياة سوية تنمي قدراته لا أن تخلق منه جيلا محبطا ومدمنا ويعاني من أمراض نفسية معقدة تنمي داخله النزعة الى الاجرام والتمرد على كل القوانين وهو ما لمسناه بوضوح في الاحتجاجات الأخيرة. وحتى ترسانة القوانين التي تجبر الدولة على حماية الأطفال، يتم تجاهلها من الوزارات المعنية وعلى رأسها وزارة التربية والمرأة والطفولة، ومن ذلك مجلة حماية الطفل، التي تشدد على ضرورة حماية الطفل مما يهدد صحته أو سلامته البدنية والمعنوية والتي يندرج ضمنها موضوع استهلاك التلاميذ للمخدرات في الوسط التربوي، وتفرض على مندوبية الطفولة التعهد بوضعيات التلاميذ التي يتم الإشعار بها، ثم القيام بكل بإجراءات التقصي ليتم فيما بعد إخضاع الطفل أولا لأن آلية الإشعار لم تعد مجدية وكان يفترض ان تتولى المندوبيات مهام الرقابة اللصيقة وتتدخل تلقائيا كلما استشعرت خطرا، وثانيا لأن الفضاءات المخصصة للإحاطة بالأطفال نفسيا واجتماعيا وأبرزها مراكز علاج الإدمان التي أغلقت في أغلبها بعد أن قضى عليها الفساد وسوء التصرف! فإلى اليوم ورغم حجم المخاطر المتضاعف من سنة الى أخرى حول ظاهرة ادمان الأطفال  والشباب والادمان عموما، وباستثناء المبادرة التشريعية  التي تقدمت بها كتلة الإصلاح في فيفري الماضي، لتنقيح القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بالمخدرات، والذي قضى على مستقبل آلاف الشباب، حيث لم يعالج لا مشكلة الاستهلاك ولم يردع كذلك بارونات تجارة المخدرات، من الذين لا يريد أحد اليوم الاعتراف بنفوذهم في الدولة وفي الأجهزة، بما يجعلهم يفلتون بسهولة من الملاحقة ولا يدفع الثمن غير أولئك المغرر بهم للوقوع في شراك النشوة القاتلة. وحتى المقترح الذي تقدمت به كتلة الإصلاح والمتعلق بتشديد العقوبات على المروجين والتجار وكل من يستهدف صغار السن ومضاعفتها تقريبًا 10 مرات على مستوى الخطايا المالية والعقوبات السجنية لكل من يثبت تورطه في استغلال الفضاءات والشباب أقل من سن 12 سنة..لا نعتقد أنه يمكن أن يحل الإشكال في غياب استراتيجية طوارئ اجتماعية تضع حدا لهذه الظاهرة القاتلة وتوقف انتاج أجيال من المدمنين!.

منية العرفاوي

جريدة الصباح بتاريخ 2021/03/26

  • 25% من التلاميذ المدمنين يحصلون على المواد المخدرة من داخل المؤسسة التربوية!
  • أكثر من 13 ألف حالة عنف في سنة بالمؤسسات التربوية والكحول والمخدرات من بين الأسباب!
  • 28% من التلاميذ المدمنين يتعاطون المخدرات بحثا عن السعادة
جوجو، فلسة، هربة، كيت كات، تمبري، فلاكون، بيبرون، يطيش، ماخ، يتا، سوبيا..، كل هذه الأسماء الغريبة والعجيبة التي نتوقف عندها مذهولين دون أن نفهم ما تعني، ولا إلى أي لغة تنتمي.. هي جزء من قاموس التسميات المتداولة لأنوع مختلفة من مواد مخدرة، لدى تلاميذ المدارس الإعدادية والثانوية!!! ففي محيط الاعداديات والمعاهد، بل وداخلها يكاد الأمر يتحول إلى سوق حرة للمخدرات.. سوق شهدت "انتعاشة " حيث بات حصول تلميذ الثامنة أساسي، على قطعة من القنب الهندي أو "حربوشة"  ذات اسم غريب، أسهل من شراء  "اللمجة المدرسية " أو إعداد دروسه طلبا للمعرفة والعلم.. وعلى هول الصدمة وعدم القدرة على تصديق، كيف لأطفال في الحادية عشرة والثانية عشرة، أصبحوا يتعاطون مواد  مخدرة اجتاحت البلاد بشكل مفزع، وبعد أن دمرت حياة ومستقبل آلاف الشباب، ها هي اليوم باتت تهدد الأطفال وهؤلاء الأطفال ليسوا من المشردين أو ممن لا يملكون مأوى أو سند عائلي، بل أغلبهم يعيشون مع عائلاتهم ويحصلون على المواد المخدرة من محيط المؤسسات التربوية أو من داخلها! وهذه الوضعية المأسوية والمرعبة، تطرح أسئلة على غاية من الخطورة، يحاول الجميع التغاضي عنها أو إهمالها بالرغم من انها تهدد مستقبل أجيال المستقبل وتجعلنا ننظر الى هذا المستقبل على أنه سيكون خرابا، بأجيال فاشلة دراسيا واجتماعيا ومدمنة على المخدرات..، فكيف تحولت مؤسسات تربوية إلى أوكار لتعاطي المواد المخدرة، خاصة وأنه في دراسة أنجزها المرصد الوطني للتربية في جانفي الماضي، تعترف وزارة التربية بهذه الظاهرة وتقدم إحصائيات ومعطيات صادمة، وقد حصلت  "الصباح" بصفة حصرية على هذه الدراسة التي تبين حجم الكارثة الواقعة بالمدارس الإعدادية والمعاهد، ولكن رغم ذلك لا نجد أي جهة رسمية سواء وزارة التربية أو الصحة أو المرأة والطفولة، تحركت بشكل سريع ومكثف لإيقاف هذه الكارثة التي حطمت مستقبل مئات ان لم نقل آلاف الأطفال ودمرت حياتهم! ففي مجتمع تونسي، بات من أكثر المجتمعات استهلاكا للمخدرات حيث تشير إحصائيات رسمية لمنظمة، هيومن رايتس ووتش، أنه وفق معطيات قدمتها إدارة العامة للسجون والإصلاح أن 28 بالمائة من مجموع عدد السجناء في تونس مدانون في جرائم مخدرات.. نجد أن الدولة عاجزة أو غير مهتمة بهذه الآفة التي تفتك بالمجتمع في صمت. المدرسة فضاء للعنف والادمان "أنا لا أصدق ما حل بابني، الذي كان نابغة في تعليمه الابتدائي ولكن ما إن انتقل إلى المدرسة الإعدادية، تغير سلوكه كليا، أصبح عنيفا في المنزل وكان دائما يعاني من صداع، تراجعت نتائجه وبات مهددا بالطرد بالنظر إلى سوء سلوكه مع زملائه ومدرسيه"، بهذه الكلمات وبنبرة يعتصرها الألم، تحدثت إلينا بسمة، التي اكتشفت بعد ان ساءت حالة ابنها الوحيد أنه مدمن على نوع من أنواع الأقراص المخدرة، تضيف بسمة  "الى اليوم لا يريد أن يعترف لي كيف تم الإيقاع به وجعله مدمنا.. أنا لا أعرف ماذا أفعل.. أتابع حالته مع طبيب وهو أقلع عن استهلاك تلك الأقراص ولكن الى اليوم لم يعد كما عرفته.. أصبح مكتئبا وعدوانيا، يمضي أغلب وقته في النوم ولا يتحدث معنا إلا ببضعة كلمات.. لا نعرف في ماذا يفكر أو بماذا يشعر"..، بسمة تحاول اليوم بكل جهد إعادة ابنها من النفق الذي سار فيه ولكن لا تبدو متفائلة بالنتيجة، فهناك شيء ما تغير في ابنها ولن يعود كما كان من قبل حتى ولو ابتعد نهائيا عن التعاطي.. وقصة بسمة وابنها ليست قصة منعزلة او استثنائية في مؤسسات تربوية تحولت الى أوكار للاستهلاك كافة أنواع المخدرات وباعتراف دراسة ميدانية انجزتها وزارة التربية. حصلت  "الصباح" بشكل حصري على دراسة كان أعدها المرصد الوطني للتربية حول المقاربة التربوية وتشخيص ومعالجة ظاهرة الإدمان وتعاطي المخدرات، وهذه الدراسة، الميدانية التي شملت عينة من 12985 تلميذا تتراوح أعمارهم بين 15 و23 سنة، من الثامنة إلى الرابعة ثانوي، موزعين على 188 مؤسسة تربوية، 5912 من الذكور و7073 من الإناث، وقد تم الانتهاء من إنجازها في منتصف جانفي الماضي، تقدم مؤشرات على غاية من الخطورة حول ظاهرة استهلاك التلاميذ التي تفشت في المؤسسات التربوية.. ومن المسائل الخطيرة التي تعرضت لها الدراسة هو العنف في الوسط المدرسي الذي بلغ في سنتي 2019/2020 حدود 13762 حالة عنف، وقد تصدرت اعداديات ومعاهد تونس 2، أعلى نسب هذا العنف.. ووفق الإحصائيات المقدمة فإن 2.43 بالمائة من أسباب هذا العنف تعود الى استهلاك مواد مخدرة و0.84 بالمائة إلى استهلاك الكحول. واذا كان عدد التلاميذ قد بلغ962.457 ألف تلميذ في المرحلة الاعدادية والتعليم الثانوي خلال السنة الدراسية 2020-2021، من إجمالي عدد التلاميذ البالغ مليونين و215 ألف تلميذ..، فان 9.20 بالمائة من تلاميذ المدراس الإعدادية والمعاهد يتعاطون المخدرات، أي تقريبا عُشر التلاميذ الاعدادي والثانوي،وفق الدراسة التي توصل لها مرصد التربية. باحثون عن السعادة في طريق الموت بالنسبة لبداية التعاطي واكتشاف طريق المخدرات نجد أن 37 بالمائة من المتعاطين كان ذلك باختيار شخصي منهم وأن 21 بالمائة كان عن طريق المحيط المدرسي و7 بالمائة دون علم منهم أي أنه تم سحبهم الى طريق الإدمان بالحيلة واجبارهم على السير في هذا النفق المظلم..، ومن الإحصائيات المثيرة التي تقدمها الدراسة أن الغاية من التعاطي هو البحث عن الشعور بالسعادة بنسبة غالبة في حدود 28.5 بالمائة و19 بالمائة بسبب الفراغ و17 بالمائة من باب اليأس من المستقبل و11 بالمائة بسبب كثرة المشاكل العائلية، وكل هذه العوامل تقودنا الى استنتاج مدى غياب الإحاطة النفسية والعائلية باليافعين، الذين يتركون في مواجهة طفولة يملؤها الفراغ دون أنشطة تحفز على الإبداع او بناء الشخصية، فيما يُترك المراهقون لمواجهة مشاكلهم في وسط آسري متماسك ظاهريا ومفكك من الداخل فيبحثون عن السعادة في  "حربوشة" نشوة مزيفة ستحطم مستقبلهم وقد تكلفهم حياتهم !.. حيث أن 89 بالمائة من المتعاطين يعيشون مع والديهم وحوالي 90 بالمائة منهم ظروفهم الاجتماعية من متوسطة الى ميسورة ولعل ذلك ما يفسر سهولة حصولهم على أموال من ذويهم لشراء مواد مخدرة. المؤسسة التربوية.. سوق حرة عبر 43.2 بالمائة من المستجوبين الذين يتعاطون المخدرات بالوسط المدرسي أنهم يتزودون بهذه المواد السامة من مصادر تتمركز بالقرب من المؤسسات التربوية، فيما أكد 25.4 من بينهم أنهم يحصلون على هذه المواد المخدرة من داخل المؤسسة التربوية ذاتها ! وقد أشار 6.6 بالمائة أن من يزودونهم بالمخدرات هم عاملين داخل المؤسسة التربوية، و20.3 بالمائة أكدوا انهم يحصلون على المخدرات من زملاء لهم بنفس المؤسسة ! .. ومثل هذه الإحصائيات الصادمة والمرعبة للأسر وللمجتمع، تجعل من الضروري اليوم، ان تضع وزارة التربية خطة إنقاذ عاجلة للتلاميذ من مروجي المخدرات بالمؤسسات التربوية، وهذا الجرم كان يفترض ان يحاسب عليه كل من وزير التربية والمديرين الجهويين للتربية والذين لا نخال انهم ليسوا على دراية بما يحصل من خروقات وجرائم مثل هذه داخل المؤسسات التربوية التي فقدت رسالتها النبيلة ودورها في حماية الناشئة، وباتت ساحة للمعارك السياسية والنقابية، في حين تُباع السموم داخلها وتنهار قيم المعرفة والعلم. وكما داخل المؤسسات التربوية، هناك خارجها في محيط المؤسسات التربوية حيث تؤكد هذه الدراسة أن هناك تركزا لشبكة مروجين يستغلون التلاميذ في ترويج بضاعتهم السامة، حيث أكد 44.2 بالمائة من التلاميذ المتعاطين للمخدرات انهم يحصلون عليها من مجهولين أمام المؤسسات التربوية، بما يفسر بوضوح رواج المخدرات في الوسط المدرسي بعد ان كانت قد اجتاحت في السنوات الأخيرة، الوسط الجامعي، وعلى السلطات الأمنية ان تتدخل اليوم بصرامة أمام المؤسسات التربوية، من خلال تركيز دوريات أمنية ثابتة ومتنقلة، للتصدي إلى هذه الشبكات التي تتمعش من أطفال أبرياء، وتقتلهم يوميا بدم بارد. إلمام بكل المواد المخدرة وطريقة استعمالها حول ظاهرة اجتياح المواد المخدرة للمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية، يقول رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل، د. معز الشريف إنها» ظاهرة موجود منذ سنوات وقد كنا كجمعية قد أطلقنا صيحة فزع مع جمعية إعادة تأهيل الشبان المدمنين، وبعد دراسة ميدانية مستفيضة، اكتشفنا أن أغلب الأطفال ممن هم في الاعداديات والمعاهد الثانوية على دراية كاملة بكل أنواع المخدرات، من أقراص مخدرة وقنب هندي وصولا إلى  "الغبرة".. بعضهم يقومون باستعمال أدوية أوليائهم ويعرفون جيدا طريقة إذابة بعض الأقراص أو طريقة طحنها وخلطها في ما بينها.. وانتشار الظاهرة في المدارس انطلاقا مما يسمى بالعدوى في السلوكيات المحفوفة بالمخاطر". المنقطعون عن الدراسة.. مروجون عتاة ! وبشأن ظاهرة الترويج والانتشار الكبير لشبكات الاتجار بالمواد المخدرة في محيط المدارس والمعاهد وحتى داخلها، يقول رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل، معز الشريف : »هذه الشبكات تستغل عادة الأطفال المنقطعين عن الدراسة، لأنهم الأكثر معرفة بالمؤسسة التربوية وبالتلاميذ ويتم تجنيدهم في هذه الشبكات من خلال تورطيهم في الاستهلاك وضمان خضوعهم أو باستغلال حاجتهم إلى المال، وهذه العملية تسهل عليهم الإيقاع بالتلاميذ في هذه الشبكات«. وإذا أخذنا بالمعدلات المرعبة للانقطاع المدرسي والتي نشهدها من سنة دراسية إلى أخرى وتفوق في المجمل الـ100 ألف تلميذ منقطع عن الدراسة سنويا، فإننا سنرى بوضوح أي مستقبل ينتظر هؤلاء المنقطعين عن الدراسة في سن متقدمة في غياب إستراتيجية تربوية واضحة للحد من الانقطاع المدرسي،أو لإدماج هؤلاء المنقطعين من الأطفال في أنشطة يمكن ان تحميهم من شبكات الإجرام وترويج المخدرات. القيمون و»العساسة «في قفص الاتهام.. وبالنسبة إلى ما أشارت إليه الدراسة الميدانية التي أنجزتها وزارة التربية، تؤكد أن 6.6 بالمائة من التلاميذ المتعاطين، يتم تزويدهم بالمواد المخدرة، من طرف عمال بنفس المؤسسة التربوية، أكد معز الشريف، أن القيمين و»العساسة «هم في العادة من يقومون بترويج المواد المخدرة وأن الإطار التربوي لم يتورط في هذا الأمر الخطير وفق التحريات والدراسات الميدانية التي أنجزتها جمعية الدفاع عن حقوق الطفل. وبالنسبة لأنواع المخدرات التي يتم استهلاكها من طرف التلاميذ، يقول رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل، أن "الكلفرة" تجتاح المدارس الابتدائية وبلغت مؤشرات خطيرة جدا، وبالنسبة للاعداديات نجد الزطلة والأقراص المخدرة بجميع أنواعها، وفي مرحلة الثانوية قد يتطور الأمر إلى المخدرات الثقيلة كالكوكايين والهيروين، وبسؤاله عن مصدر الأموال لشراء هذه السموم التي تكلف مبالغ طائلة، أكد محدثنا انه لذلك تشهد البلاد ارتفاعا في معدلات السرقة و "النطرة"،  كما أشار إلى معطى خطير وهو انه يتم استغلال هؤلاء الأطفال في شبكات لا أخلاقية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال اجبارهم الى تقديم خدمات جنسية افتراضية كنشر صورهم عارية ! مؤكدا ان ظاهرة تعاطي التلاميذ للمخدرات لا تقتصر فقط على الاحياء الشعبية او الفقيرة كما يخيل للبعض، ولكن أيضا الأحياء الراقية تشهد بدورها انتشارا كبيرا للظاهرة. أجيال الإدمان والاكتئاب.. هذه الظاهرة المخيفة التي باتت تهدد الأجيال الصاعدة، دفعت بوزارة التربية إلى تعيين إطار سام من وزارة الداخلية بديوان وزير التربية، مهمته تجميع كل التقارير الأمنية التي تعدها يوميا المؤسسات التربوية وترسلها إلى الوزارة ويتم من خلالها رصد كل حالات العنف، بين التلاميذ أو المسلط على الإطار التربوي، والذي من أهم أسبابه استهلاك المخدرات أو الكحول. في علاقة بالحلول الممكنة للتصدي إلى هذه الظاهرة الخطيرة والمخيفة، أكد معز الشريف، أن الأمر يحتاج مقاربة سياسية لحل هذا الإشكال بوضع خطط واستراتيجيات ناجعة وعدم الاكتفاء أو التعويل على الحل الأمني دون غيره،لأن واجب حماية تلاميذ أثناء الزمن المدرسي، محمول على المؤسسة التربوية، قائلا: »هناك اليوم مع نظام الأفواج، أربعة تلاميذ فقدوا حياتهم لأن الفراغ في الزمن المدرسي، جعل الأطفال دون حماية". وبالنسبة للأمراض التي تتسبب فيها المخدرات قال رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل، إن استهلاك المواد المخدرة بجميع أنواعها، يحد من إمكانية النمو الذهني للطفل وتطور الذكاء وهو ما يفضي إلى أمراض نفسية عويصة بالإضافة إلى الفشل الدراسي وهذه الأمراض النفسية ومنها الاكتئاب الحاد، قد تدفع بدورها إلى أمور أخطر مثل محاولات الانتحار المتكررة، ونحن نتابع في السنوات الأخيرة كيف ارتفع معدل انتحار الأطفال بشكل كبير" . منية العرفاوي مؤطر انقرضت مراكز معالجة الإدمان وحضرت السجون السياسات الفاشلة لا تنتج الا أجيالا مدمنة ! تونس – الصباح في 2015، نشرت خلية علوم الإجرام بمركز الدراسات القضائية بتونس، دراسة قدمت معطيات مفزعة حول ظاهرة استهلاك المخدرات، انطلاقا من قضايا المورطين في الاتجار أو الاستهلاك وانتهى بهم المطاف بإيداعهم السجن، حيث تشير الدراسة الى أن من بين 25 ألف موقوف في السجون هناك من بينهم 8 آلاف شخص تعلقت بهم قضايا تتعلق بالمخدرات استهلاكا وترويجا ونفس الدراسة أكدت أن 30 % منهم من الفئة العمرية بين 13 و35 سنة  وأن  57% من المستهلكين بين 13 و18 سنة وأكثرهم من التلاميذ. وفي الدول التي تحترم مواطنيها وتقودها أحزاب تدرك أن دورها ليس التقاتل على السلطة بقدر ما هو حماية المجتمع من كل هذه الظواهر الخطيرة لتحافظ على تماسك كيان الدولة، فإنها تتلقف هذه الدراسة الصادرة على مركز دراسات عمومي، وتؤسس من خلالها لخطط واستراتيجيات تصدي ومكافحة.. ولكن ما حصل هو العكس تماما اذ تجاهلت كل الأحزاب هذه الدراسة وانصرفت لهوايتها المفضلة وهي الصراع على مواقع الحكم في دولة باتت مهددة اجتماعيا بالتفكك والانهيار، بعد ضرب رأس مالها البشري. ولم يستنفر أي حزب سياسي ليدافع عن حق أجيال الغد في حياة سوية تنمي قدراته لا أن تخلق منه جيلا محبطا ومدمنا ويعاني من أمراض نفسية معقدة تنمي داخله النزعة الى الاجرام والتمرد على كل القوانين وهو ما لمسناه بوضوح في الاحتجاجات الأخيرة. وحتى ترسانة القوانين التي تجبر الدولة على حماية الأطفال، يتم تجاهلها من الوزارات المعنية وعلى رأسها وزارة التربية والمرأة والطفولة، ومن ذلك مجلة حماية الطفل، التي تشدد على ضرورة حماية الطفل مما يهدد صحته أو سلامته البدنية والمعنوية والتي يندرج ضمنها موضوع استهلاك التلاميذ للمخدرات في الوسط التربوي، وتفرض على مندوبية الطفولة التعهد بوضعيات التلاميذ التي يتم الإشعار بها، ثم القيام بكل بإجراءات التقصي ليتم فيما بعد إخضاع الطفل أولا لأن آلية الإشعار لم تعد مجدية وكان يفترض ان تتولى المندوبيات مهام الرقابة اللصيقة وتتدخل تلقائيا كلما استشعرت خطرا، وثانيا لأن الفضاءات المخصصة للإحاطة بالأطفال نفسيا واجتماعيا وأبرزها مراكز علاج الإدمان التي أغلقت في أغلبها بعد أن قضى عليها الفساد وسوء التصرف! فإلى اليوم ورغم حجم المخاطر المتضاعف من سنة الى أخرى حول ظاهرة ادمان الأطفال  والشباب والادمان عموما، وباستثناء المبادرة التشريعية  التي تقدمت بها كتلة الإصلاح في فيفري الماضي، لتنقيح القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بالمخدرات، والذي قضى على مستقبل آلاف الشباب، حيث لم يعالج لا مشكلة الاستهلاك ولم يردع كذلك بارونات تجارة المخدرات، من الذين لا يريد أحد اليوم الاعتراف بنفوذهم في الدولة وفي الأجهزة، بما يجعلهم يفلتون بسهولة من الملاحقة ولا يدفع الثمن غير أولئك المغرر بهم للوقوع في شراك النشوة القاتلة. وحتى المقترح الذي تقدمت به كتلة الإصلاح والمتعلق بتشديد العقوبات على المروجين والتجار وكل من يستهدف صغار السن ومضاعفتها تقريبًا 10 مرات على مستوى الخطايا المالية والعقوبات السجنية لكل من يثبت تورطه في استغلال الفضاءات والشباب أقل من سن 12 سنة..لا نعتقد أنه يمكن أن يحل الإشكال في غياب استراتيجية طوارئ اجتماعية تضع حدا لهذه الظاهرة القاتلة وتوقف انتاج أجيال من المدمنين!.

منية العرفاوي

جريدة الصباح بتاريخ 2021/03/26

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews