مرّ أكثر من أسبوع على حريق سوق "الجارة" بقابس الذي جدّ أول أيام عيد الفطر في الثاني من شهر ماي الجاري، حريق ترك لوعة وحزنا في نفوس أهل المدينة خاصة منهم التجار، وآثار الحريق ومخلفاته خير دليل على وجع هؤلاء.
دون المبالغة، حين تطأ قدميك المكان ومجرد تصويب نظرك نحو الجزء الأكثر تضررا والتجول بين ركام الحجارة والسواد الذي غطّى جدرانه تخال نفسك للوهلة أولى أنك في بناية دارت بها حرب أو أصابتها إحدى القذائف الحربية، لم يبقى منها إلا ما هو مهدّد بالسقوط في أي لحظة كانت (شاهد الفيديو)
أكثر من 30 بالمائة من المحلات تعرضت الى أضرار جسيمة، حتما ودون شك ستنسحب نتائجها على العشرات من العائلات والمئات من اليد العاملة. فالسوق هو واجهة لمنتوج نهائي من "المظلة" و"القفة" أو كما يسمونها هناك بقابس "العُلاّقة" وغيرها من منتوجات الحلفة والسعف صنعتها أنامل العشرات من الحرفيين والحرفيات ممن يعملون في بيوتهم ويروجون سلعهم به.
سوق الجارة هوية وتاريخ، شاهد على العصر منذ مئات السنين، هو وجهة سياحية أيضا، يزوره التونسيون والأجانب على حد السواء، فمن منا لا يتحدث عند زيارته لقابس عن هذا السوق، أو عن المظلة والقفة والحنة والملوخية القابسية.
"بنتي ملي عمري 10 سنين انجيب للمظلة للسوق" .."بنتي لحد عمرنا هاذاي وأحني في السوق لوين ولينا عجائز".."ولا مرة إلقينا سوقنا فيه ضرّة"..
بهذه الكلمات وبدموع الوجع والحسرة تحدثت إحدى الحرفيات لـ"الصباح نيوز" عن ألمها بسبب حريق سوق "الجارة".
لم تهتم ولم ترغب محدثتنا بذكر اسمها، فالفاجعة وحُرقة القلب تتجاوز ذكر الأسماء، وكلّ ما أرادته هو فقط الحديث عن ألم ووجع ألمّا بقلبها، تقول "تاريخنا كان فيه، وعمرنا كان فيه من زرزاح، لصغير المرابط ، للتيجاني، كلنا يأتي بمظلاته والجميع يقتني منا".
تُعيد مُحدثتنا ذات الكلمات العشرات المرات "أحنا مظلتنا في السوق، تاريخنا في السوق.. بنتي أعمارنا في السوق، بنتي رانا تاريخ رانا.. المظلة تاريخ.. العُلاّقة تاريخ ..نبيع هنا القفة القابسية".
تواصل بحُرقة "بنتي وين بنتي.. الحنة هنا..التقليدي هنا.. كل شيء في هذا السوق بنتي..وين ماشية؟ ماشية لسوق الحنة؟ بنتي وين السوق ..بنتي واااها تونس واااها...تونس خشّت في حيط ..يا حسرة على تونس.. يا حسرة على تاريخها.. من عهد بورقيبة، إلى عهد الزين.. والآن لم نجد رئيسا يحكمها.. وأقول حسبي الله فلي إلي عملها بنتي". (شاهد الفيديو)
كانت المرأة الحرفية تتحدث إلينا ومن حولنا تجار لم تلقطهم عدسة الهاتف الجوال، ولكن كنا نستمع لألم قلوبهم بكلمات كانت صداها واضحا لوجعهم وحسرتهم على سوق "الجارة".
كانت التمتة والصوت الخافت لهؤلاء التجار، تارة الرؤوس مطئطئة لصور الحريق التي ظلت عالقة في أذهانهم وتارة أخرى مرفوعة مع كلمات يحاولون من خلالها بث بعض من الأمل عند الحديث عن ما بعد الحريق. ماذا ينتظرهم؟ لا أحد منهم يعلم.
يقول أحد تجار السوق توفيق بن مختار عبود في حديثه لـ "الصباح نيوز" "صور ركام الحجارة ومخلفات الحريق تُغني عن التعبير، ماذا تريدني أن أقول أكثر، الخسائر لا يمكن تقييمها لأن تجارتنا يومية، نحن "ناس عيّاشة، تعمل لجني المال، لتأمين حاجيات العائلة".
ويضيف توفيق "ما يمكن تقييمه هو فترة البطالة التي أصبحنا فيها، فماذا بوسعنا فعله، سننتظر السلط إلى أن تُقيم الوضع، قالوا بأنهم سيقومون بالترميم والإصلاح والتعويض..فها نحن ننتظر في رحمة ربي، فكلنا عائلات أحيلت على البطالة، فنحن نحموا في أنفسنا لكن إلى متى.. شهر أو شهرين.. ثمّ بعد، من أين سنؤمن مصروف البيت والعائلة ودراسة أطفالنا.. من أين سنعيش..؟" (شاهد الفيديو)
كيف سيتم حلّ مخلفات هذه الكارثة ومتى؟ لا شيء واضحا بصفة دقيقة غير البيان الذي نشرته ولاية قابس اليوم الثلاثاء 10 ماي الجاري على صفحتها الرسمية، تضمن خلاصة التقرير الذي أعده فريق من الخبراء من أبناء الجهة المتطوعين للقيام بالمعاينات والاختبارات اللازمة للمتاجر المتضررة من حريق سوق الحناء.
فقد أوصى فريق الخبراء بعزل محيط المنطقة ومنع الدخول إليها وبإزالة كل المكونات التي تظهر شروخا وشقوقا بما في ذلك الملاط والجدران، وبإزالة كل الواقيات (التيندات) والأسقف الخشبية بالمحلات التي اندلعت بها النيران وبالقيام باختبارات معمقة بالنسبة للمحلات ذات الأسقف بالخرسانة أو بالآجر المجوف للوقوف على مدى تحمل الخرسانة وحالة الحديد بعد الحريق.
تصوير وربورتاج إيمان عبد اللطيف
مرّ أكثر من أسبوع على حريق سوق "الجارة" بقابس الذي جدّ أول أيام عيد الفطر في الثاني من شهر ماي الجاري، حريق ترك لوعة وحزنا في نفوس أهل المدينة خاصة منهم التجار، وآثار الحريق ومخلفاته خير دليل على وجع هؤلاء.
دون المبالغة، حين تطأ قدميك المكان ومجرد تصويب نظرك نحو الجزء الأكثر تضررا والتجول بين ركام الحجارة والسواد الذي غطّى جدرانه تخال نفسك للوهلة أولى أنك في بناية دارت بها حرب أو أصابتها إحدى القذائف الحربية، لم يبقى منها إلا ما هو مهدّد بالسقوط في أي لحظة كانت (شاهد الفيديو)
أكثر من 30 بالمائة من المحلات تعرضت الى أضرار جسيمة، حتما ودون شك ستنسحب نتائجها على العشرات من العائلات والمئات من اليد العاملة. فالسوق هو واجهة لمنتوج نهائي من "المظلة" و"القفة" أو كما يسمونها هناك بقابس "العُلاّقة" وغيرها من منتوجات الحلفة والسعف صنعتها أنامل العشرات من الحرفيين والحرفيات ممن يعملون في بيوتهم ويروجون سلعهم به.
سوق الجارة هوية وتاريخ، شاهد على العصر منذ مئات السنين، هو وجهة سياحية أيضا، يزوره التونسيون والأجانب على حد السواء، فمن منا لا يتحدث عند زيارته لقابس عن هذا السوق، أو عن المظلة والقفة والحنة والملوخية القابسية.
"بنتي ملي عمري 10 سنين انجيب للمظلة للسوق" .."بنتي لحد عمرنا هاذاي وأحني في السوق لوين ولينا عجائز".."ولا مرة إلقينا سوقنا فيه ضرّة"..
بهذه الكلمات وبدموع الوجع والحسرة تحدثت إحدى الحرفيات لـ"الصباح نيوز" عن ألمها بسبب حريق سوق "الجارة".
لم تهتم ولم ترغب محدثتنا بذكر اسمها، فالفاجعة وحُرقة القلب تتجاوز ذكر الأسماء، وكلّ ما أرادته هو فقط الحديث عن ألم ووجع ألمّا بقلبها، تقول "تاريخنا كان فيه، وعمرنا كان فيه من زرزاح، لصغير المرابط ، للتيجاني، كلنا يأتي بمظلاته والجميع يقتني منا".
تُعيد مُحدثتنا ذات الكلمات العشرات المرات "أحنا مظلتنا في السوق، تاريخنا في السوق.. بنتي أعمارنا في السوق، بنتي رانا تاريخ رانا.. المظلة تاريخ.. العُلاّقة تاريخ ..نبيع هنا القفة القابسية".
تواصل بحُرقة "بنتي وين بنتي.. الحنة هنا..التقليدي هنا.. كل شيء في هذا السوق بنتي..وين ماشية؟ ماشية لسوق الحنة؟ بنتي وين السوق ..بنتي واااها تونس واااها...تونس خشّت في حيط ..يا حسرة على تونس.. يا حسرة على تاريخها.. من عهد بورقيبة، إلى عهد الزين.. والآن لم نجد رئيسا يحكمها.. وأقول حسبي الله فلي إلي عملها بنتي". (شاهد الفيديو)
كانت المرأة الحرفية تتحدث إلينا ومن حولنا تجار لم تلقطهم عدسة الهاتف الجوال، ولكن كنا نستمع لألم قلوبهم بكلمات كانت صداها واضحا لوجعهم وحسرتهم على سوق "الجارة".
كانت التمتة والصوت الخافت لهؤلاء التجار، تارة الرؤوس مطئطئة لصور الحريق التي ظلت عالقة في أذهانهم وتارة أخرى مرفوعة مع كلمات يحاولون من خلالها بث بعض من الأمل عند الحديث عن ما بعد الحريق. ماذا ينتظرهم؟ لا أحد منهم يعلم.
يقول أحد تجار السوق توفيق بن مختار عبود في حديثه لـ "الصباح نيوز" "صور ركام الحجارة ومخلفات الحريق تُغني عن التعبير، ماذا تريدني أن أقول أكثر، الخسائر لا يمكن تقييمها لأن تجارتنا يومية، نحن "ناس عيّاشة، تعمل لجني المال، لتأمين حاجيات العائلة".
ويضيف توفيق "ما يمكن تقييمه هو فترة البطالة التي أصبحنا فيها، فماذا بوسعنا فعله، سننتظر السلط إلى أن تُقيم الوضع، قالوا بأنهم سيقومون بالترميم والإصلاح والتعويض..فها نحن ننتظر في رحمة ربي، فكلنا عائلات أحيلت على البطالة، فنحن نحموا في أنفسنا لكن إلى متى.. شهر أو شهرين.. ثمّ بعد، من أين سنؤمن مصروف البيت والعائلة ودراسة أطفالنا.. من أين سنعيش..؟" (شاهد الفيديو)
كيف سيتم حلّ مخلفات هذه الكارثة ومتى؟ لا شيء واضحا بصفة دقيقة غير البيان الذي نشرته ولاية قابس اليوم الثلاثاء 10 ماي الجاري على صفحتها الرسمية، تضمن خلاصة التقرير الذي أعده فريق من الخبراء من أبناء الجهة المتطوعين للقيام بالمعاينات والاختبارات اللازمة للمتاجر المتضررة من حريق سوق الحناء.
فقد أوصى فريق الخبراء بعزل محيط المنطقة ومنع الدخول إليها وبإزالة كل المكونات التي تظهر شروخا وشقوقا بما في ذلك الملاط والجدران، وبإزالة كل الواقيات (التيندات) والأسقف الخشبية بالمحلات التي اندلعت بها النيران وبالقيام باختبارات معمقة بالنسبة للمحلات ذات الأسقف بالخرسانة أو بالآجر المجوف للوقوف على مدى تحمل الخرسانة وحالة الحديد بعد الحريق.