عاد ملف إصلاح دعم القطاع الطاقي في تونس، الذي لم تخبو ناره قط، الى التوهج من جديد، بعد تأكيد البنك الدولي، امس الخميس، حاجة تونس الى اصلاح هذا الملف، الذي بات يستحوذ على 2.14 بالمائة من الناتج الداخلي، لكن خبراء الاقتصاد ومن بينهم رضا الشكندالي يحذرون من صب الزيت على الواقع المتأثر بالأزمة الاقتصادية واستمرار وتيرة التضخم.
ويشكل ملف الغاء الدعم عن المحروقات، أهم النقاط التي تتفاوض بشأنها تونس مع صندوق النقد الدولي ويتضمنها الاتفاق المالي المعلق رغم موافقة خبراء الصندوق عليه أواخر سنة 2022 ، كما ان إطار الميزانية متوسط المدى الذي نشرته وزارة المالية مطلع العام الجاري يشير الى امكانية بلوغ حقيقة أسعار المحروقات في أفق سنة 2023 .
وتسلط وكالة تونس افريقيا للانباء في هذا المقال الضوء على منظومة المحروقات في تونس وآليات التعديل والدعم والمسارات الزمنية للانطلاق في الغاء الدعم عن المحروقات والغاز المنزلي والكهرباء وفق الوثائق الحكومية وترصد موقف الشكندالي، استاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية بشأن إمكانية فتح افاق جديدة لإلغاء الدعم ومخاطر الاقدام على رفع المحروقات في الوقت الحالي.
خطط الحكومة بشان رفع المحروقات
تخطط الحكومة لإلغاء الدعم عن البنزين العادي والغازوال والبنزين الخالي من الرصاص مع موفى 2023 لتبلغ أسعارها الحقيقية على ان يطبق التعديل الآلي للأسعار خلال الاشهر المقبلة. علما وان هذه الآلية التي تجيز الترفيع والتخفيض توقف العمل بها خلال الأشهر الأخيرة في وقت اتجهت فيه أسعار الخام في السوق الدولية نحو الانخفاض الى 74 دولار بحلول منتصف مارس 2023 في حين بنيت ميزانية الدولية لسنة 2023 على فرضية 89 دولار للبرميل.
وتشير بيانات رسمية صدرت عن وزارة المالية، منتصف مارس 2023، الى ان قطاع المحروقات، استحوذ وفق بيانات وقتية، على 63.6 بالمائة من اجمالي مبالغ الدعم التي وجهتها تونس في اطار ميزانية الدولة لسنة 2022 والبالغة زهاء 11.9 مليار دينار علما وان مبلغ الدعم قارب نحو 4.7 مليار دينار سنة 2019 و4.4 مليار دينار سنة 2020.
إرجاء الغاء الدعم عن المحروقات
أكد الشكندالي ان تونس ترزح حاليا تحت نسبة تضخم في حدود 10.4 بالمائة الى جانب ارتفاع المصاريف اليومية للمواطن مما يجعل خطوة الغاء الدعم عن المحروقات مع نهاية 2023 أمرا محفزا لحالة احتقان اجتماعي خاصة في ظل العلاقة المتوترة اصلا مع الجهات النقابية في البلاد.
وشدد على ضرورة ارجاء الغاء الدعم عن المحروقات الى سنة 2024 خاصة وان نزول الاسعار في السوق العالمية تتيح لتونس تفعيل العمل بآلية تعديل الاسعار وتمنحها هامشا على مستوى الميزانية وهو ما يتطلب من السلطات التونسية التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول امكانية ارجاء الغاء الدعم الكلي عن المحروقات الى سنة 2024 .
تفعيل آلية تعديل اسعار المحروقات
ينص قرار صدر بالرائد الرسمي يوم 23 نوفمبر 2022 ، عن وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم ووزيرة المالية انه لا يمكن ان تتجاوز قيمة التعديل الشهري لسعر البيع للعموم بالترفيع او بالتخفيض نسبة 7 بالمائة من سعر البيع الجاري به العمل منذ أخر تعديل علما ان هذه النسبة كانت في حدود 3 بالمائة قبل ان يتم الترفيع فيها الى 5 بالمائة".
وقامت الحكومة طيلة سنة 2022، بالترفيع في أسعار المحروقات 5 مرات بزيادة 3 بالمائة في شهر فيفري و3 بالمائة في شهر مارس و5 بالمائة في افريل و3.9 بالمائة في منتصف سبتمبر و5.5 بالمائة في أواخر نوفمبر، وبالتالي سجلت الاسعار طيلة العام في المعدل ارتفاعا بنسبة 20.4 بالمائة.
أبرز الشكندالي ان ميزانية الدولة لسنة 2023 بنيت على فرضية تداول السعر العالمي للبرنت في حدود 89 دولارا للبرميل، لكن الأسعار العالمية للبرنت لم تبلغ هذا المستوى منذ بداية مطلع 2023 ولا تزال الى حد الآن عند مستوى 74 دولار للبرميل.
ويرى ان الآلية التعديلية، تنص على ان كل ارتفاع في الأسعار العالمية للنفط يستوجب تعديل الأسعار الداخلية للمحروقات حتى لا تكون هناك تداعيات هامة على ميزانية الدولة وهو ما حدث في فترات متعددة خاصة في السنوات الأخيرة.
وشدد على انه من مصلحة الحكومة تفعيل الآلية التعديلية وخفض الأسعار الداخلية للمحروقات حتى تمتص ارتفاع للأسعار خاصة في المواد الغذائية والتي تعدت حاجز 25 في المائة مما يمكنها من استعادة ثقة المواطن التونسي واثبات مصداقيتها في تفعيل الآلية.
واعتبر الشكندالي ان كل انخفاض بدولار واحد في الأسعار العالمية للنفط مقارنة بفرضية ميزانية الدولة ينعش ميزانية الدولة ب141 دولار مما يكسب الدولة 1ر2 مليار دينار كاملة إن بقي هذا السعر العالمي للبرنت في حدود 74 دولار.
واشار الى "ان قيمة 2.1 مليار دينار تعادل تقريبا مبلغ الدعم عن المحروقات الذي تنوي الحكومة رفعه في سنة 2023 وبالتالي لا مبرر الآن في رفع الدعم والبلاد تعيش أزمة ركود تضخمي حاد".
رفع الدعم عن قوارير الغاز مقابل منح للعائلات بحلول 2026
كان مدير عام المحروقات بوزارة الصناعة، رشيد بن دالي، اكد يوم 15 فيفري 2023 ان التوجه سيكون نحو رفع الدعم عن الغاز المسال او ما يعرف بقارورة الغاز المنزلي في افق 2026 وتوجيهه نحو مستحقيه عبر منح كل عائلة معنية دعما بقيمة 54 دينارا بداية كل شهر.
وتشير بيانات وزارة الصناعة والطاقة والمناجم الى ان كل عائلة معنية تستهلك حوالي قارورة ونصف وقاروتين من الغاز المعد للاستهلاك المنزلي شهريا، ولفت بن دالي في هذا الصدد الى ان التعديل الآلي لأسعار المحروقات لا يشمل قارورة الغاز .
واوضح بن دالي ان اغلب استهلاك قوارير الغاز المنزلي موجه لغير الاستهلاك المنزلى بل لاغراض أخرى. يشار الى ان السعر الحقيقي للقارورة دون دعم يقارب 35 دينار، تتولى الدولة تغطية 27 دينار منه في شكل دعم ليقتنيها المواطن بسعر ب8800 مليم.
حقيقة الاسعار غير قابلة للتحديد
ستعمل الحكومة، وفق تقرير اطار الميزانية متوسط المدى، على إرساء التعديل الدوري لتعريفات الكهرباء والغاز إلى غاية بلوغ حقيقة الأسعار المتوقع في نهاية سنة 2026 مع مراعاة الأسر الفقيرة وضعيفة الدخل اضافة الى مواصلة دعم النقل العمومي كإجراء لدعم الأسر والفئات الاجتماعية ضعيفة ومتوسطة الدخل.
علما انه تم إحداث لجنة فنية مكلّفة بوضع آليات التقليص التدريجي والمستدام في الدعم الموجه لأسعار الكهرباء والغاز الطبيعي في فيفري 2022
واكد الشكندالي في هذا السياق، ان حقيقة الأسعار التي تسعى الحكومة في اتفاقها مع صندوق النقد الدولي الى إقرارها، لقطاع المحروقات والكهرباء والغاز المنزلي لا يمكن ضبطها ذلك ان حقيقة أسعار النفط او الطاقة على المستوى العالمي غير مستقرة ورهينة لتطور العرض والطلب على مستوى الأسواق العالمية وعليه لا يمكن الحديث عن الأسعار الحقيقة .
وشدد على ان الأسعار الحقيقية تتطلب من السلطات اتخاذ خطوتين متزامنين وهما الغاء الدعم من جهة و الغاء الاداءات الموظفة على المحروقات من جهة ثانية مما سيفضى بدوره الى تراجع الأسعار المتداولة في السوق خاصة وان الاداءات في الغالب تحمل على كاهل المستهلك.
يذكر ان البنك الدولي يرى ان واردات تونس من الطاقة زادت سنة 2022، لتصل إلى 50 بالمائة من الطلب في تونس مقابل 7 بالمائة سنة 2010 وان فاتورة الطاقة، قفزت بذلك، لتصل إلى 15 مليار دينار لتشكل زهاء 10.3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام "وهو ما يفسر الجزء الأكبر من تعمّق عجز الحساب الجاري في سنة 2022"
وتأتي هذه الأرقام، في ظل صعوبات تعاني منها الشركة التونسيّة لصناعات التكرير والشركة التونسيّة للكهرباء والغاز، بسبب "تذبذب أسعار النفط في الاسواق العالمية وتراجع الدينار التونسي وهي عوامل جعلت نسب الدعم الحقيقي يفوق بكثير الدعم المحتسب في ميزانية الدولة بما أن توقع النفقات كان على أساس أسعار النفط وسعر الصرف وفق البنك. وات