* تسريع نسق إدماج الاقتصاد الموازي بالمنظم أحد مطالب صندوق النقد الدولي
*رفض "خوصصة" المؤسسات العمومية يرفع من نسق إدماج الاقتصاد الموازي بالمنظم
تونس- الصباح
طفت على السطح في الآونة الأخيرة دعوات تطالب بتسريع نسق إدماج الاقتصاد "الموازي" و"شرعنته"، وذلك بعد رفض قاطع من اتحاد الشغل بـ"خوصصة" قرابة 100 مؤسسة عمومية، وهي أحد مطالب صندوق النقد الدولي، لضمان سيولة مالية أوفر لخزينة الدولة التونسية، خاصة في ظل الأوضاع العالمية الصعبة والمتقلبة، والتي أثرت بشكل لافت على مستويات التضخم وارتفاع الأسعار وتضرر سلسلة الإمدادات بين الدول.
وأقر قانون المالية لسنة 2022 عفوا جبائيا يشمل الديون الجبائية المثقلة والخطايا والعقوبات المالية والمخالفات الديوانية، مرورا الى تسوية الوضعية الجبائية للمداخيل المتأتية من أنشطة غير مصرح بها(الاقتصاد الموازي)، وحسب ما أعلن عنه كاهية مدير الإدارة العامة للأداءات كمال بن صالح، مؤخرا، في تصريحات إعلامية، فإن العفو الجبائي الصادر في قانون ميزانية سنة 2022، تضمن جملة من الحوافز التي تحفظ الموارد المالية للدولة وتخفف العبء على المواطنين.
إجراءات "مغرية"
وأضاف كمال بن صالح أن العفو الجبائي الذي تضمنه قانون المالية لسنة 2022، يعد فرصة كبيرة لمن ينشطون في الاقتصاد الموازي لتسوية وضعياتهم القانونية مع الدولة، مؤكدا أن الأموال المتوفرة لدى هذه الفئة ممن ينشطون في الاقتصاد الموازي والسوق السوداء لا يمكنهم التصرف في أموالهم بشكل قانوني باعتبار أن كل اقتناء للعقار أو استثمار لهذه الأموال يعرض صاحبه للمساءلة القانونية والتتبعات، في حين يضمن قانون المالية لسنة 2022 لهذه الفئة من الناشطين في الاقتصاد الموازي فرصة للاستثمار في العلن وشراء العقارات والقيام بالتحويلات المالية القانونية، لافتا الى انه مهما كان المبلغ الذي سيقع إيداعه والتصريح به، فإن معدل نسبة الخصم للدولة ثابتة وهي في حدود 10٪، وبالتالي بإمكان المعني بالأمر التصرف في كافة أمواله بشكل قانوني والقيام بالتحويلات المالية والاستثمار وشراء العقارات.
وأكد بن صالح أن كل شخص لديه أموال غير مصرح بها مهما كان حجم المبلغ، بإمكانه إيداعها في البنك والحصول على وثيقة فورية من البنك لاستخلاص نسبة 10 ٪ في القباضة المالية، وبالتالي يصبح الشخص في وضعية قانونية صرفة وبإمكانه التصرف في أمواله مثلما يشاء في الاقتصاد المنظم.
رفض خيار "الخوصصة"
وفي ظل الرفض القاطع من اتحاد الشغل لخوصصة المؤسسات العمومية، والتي تكبد الدولة خسائر تفوق 3 مليار دولار سنويا، وهي خطوة يراها صندوق النقد الدولي مجدية لتخفيف العبء المالي على الدولة، فإن اتحاد الشغل يعتبر الاقتراب من المؤسسات العمومية عبر الخوصصة والتفويت فيها خطا أحمر، الأمر الذي يدعو الى تسريع نسق إدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم، لما في ذلك من فرص كبيرة، في إنعاش الدورة الاقتصادية، وتحقيق إيرادات إضافية لخزينة الدولة، علما وان الجهات الحكومية الرسمية، قدرت حجم الاستثمارات والأموال المتداولة في الاقتصاد غير المنظم في حدود 60٪.
وجدير بالذكر في هذا الخصوص، أن قرابة 110 مؤسسة عمومية تشمل 21 قطاعا منها الطاقة والصناعة والصحة والخدمات والنقل، بلغت خسائرها المتراكمة نهاية عام 2020 ما قيمته 10 مليار دينار، ويستلهم صندوق النقد الدولي مقترح خوصصتها في تونس من التجربة البريطانية في الثمانيات، والتي نجحت من خلالها بريطانيا في الخروج من أزمة اقتصادية خانقة، اثر خوصصة كافة المؤسسات التي تشكل آنذاك عبئا ماليا كبير. على الحكومة.
وبإقرار مختلف المسؤولين الحكوميين، باتت هذه المؤسسات تشكّل خطراً يهدد التوازنات المالية لتونس، مع العلم أن اتفاقاً مشتركاً تم توقيعه بين الحكومة السابقة والاتحاد العام للشغل، للشروع بإصلاح 7 شركات كبرى.
الرفع من حجم السيولة في البنوك
وبخصوص تأثير الاقتصاد الموازي على الوضع المالي في تونس والذي يمثل أكثر من 17 مليار دينار، دعا الخبير الاقتصادي احمد كرم في تصريحات سابقة لـ"الصباح" الى ضرورة عمل الدولة مع كل الفاعلين في المجال الاقتصادي والمالي لوضع إستراتيجية وطنية تعمل على إدماج العاملين في القطاع الموازي داخل القطاع الرسمي وبالتالي إعادة هذا الحجم من الأموال المتداولة ضمن المسالك البنكية الرسمية باعتماد عديد الآليات المتاحة لدى المؤسسات البنكية والتي تعتمد على الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة.
ويفسر خبراء المالية والمحاسبة أن مثل هذه الإجراءات، والمتعلقة بالحد من سقف التداول في عمليات البيع والشراء والنزول به الى 3000 دينار، هي خطوات تحد من التهرب الضريبي والرفع من حجم الأموال المتداولة على مستوى البنوك، والحد من التلاعب والتحيل، بالإضافة الى إرساء عدالة ضريبية، لذلك كان من الضروري حسب مختصين في الجباية والاقتصاد من إتباع أسس وفرضيات علمية لمعرفة حجم التهرب الضريبي أهمها التوازن الاقتصادي وعدد التصاريح الجبائية والوعي بأهمية دفع معلوم الجباية للدولة وانه واجب على الجميع.
وحسب تقرير نشره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول القطاع الموازي في تونس، وانعكاساته السلبية على الاقتصاد التونسي، فقد كشف عن ارتفاع نسبة الاقتصاد الموازي منذ سنة 2011، فقبل الثورة كان الاقتصاد الموازي يمثل 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وبعد الثورة أصبح يشكل حوالي 53 بالمائة، ووفق تقديرات رسمية بلغ اليوم قرابة 60٪ .
النقد الدولي يطالب بالاستفادة من الاقتصاد الموازي
وهناك تقديرات تصدرها الحكومة وأخرى تصدرها منظمات محلية أو دولية، ورغم اختلافها، إلا أنها تجمع في المحصلة على أن الاقتصاد الموازي يساهم على الأقل بأكثر من 50٪ من الناتج الداخلي الخام، وحسب دراسات دولية، فإن الاقتصاد الموازي يشغِّل قرابة 75 في المائة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة.
وتظل الدعوات الرامية الى إلحاق الاقتصاد الموازي بالمنظم، أحد ابرز النقاط التي يدعو إليها صندوق النقد الدولي في مفاوضاته مع تونس، رغم ما يكتسيه من خطورة لدى أوساط اقتصادية أخرى، اعتبرته ملاذا شرعيا للبعض لتبييض الأموال، وقد يجر البلاد الى مستنقع العقوبات الدولية مجددا.
إلا انه ومنذ تصاعد الأزمة الاقتصادية في العالم، خاصة في الفترة الأخيرة، أقر العديد من الخبراء بضرورة تسريع نسق إدماج الاقتصاد الموازي بالمنظم، وذلك كخطوة استباقية لتوفير مداخيل إضافية لخزينة الدولة، في ظل حالة عدم اليقين، التي تخيم على المسار الإصلاحي في تونس، علما وان الحكومة الحالية باشرت في دمج الاقتصاد الموازي في المنظومة عبر قانون المالية لسنة 2022، للاستفادة من السيولات المالية التي يوفرها باعتباره يمثل 60 في المائة من الاستثمارات والأموال المتداولة.
سفيان المهداوي
* تسريع نسق إدماج الاقتصاد الموازي بالمنظم أحد مطالب صندوق النقد الدولي
*رفض "خوصصة" المؤسسات العمومية يرفع من نسق إدماج الاقتصاد الموازي بالمنظم
تونس- الصباح
طفت على السطح في الآونة الأخيرة دعوات تطالب بتسريع نسق إدماج الاقتصاد "الموازي" و"شرعنته"، وذلك بعد رفض قاطع من اتحاد الشغل بـ"خوصصة" قرابة 100 مؤسسة عمومية، وهي أحد مطالب صندوق النقد الدولي، لضمان سيولة مالية أوفر لخزينة الدولة التونسية، خاصة في ظل الأوضاع العالمية الصعبة والمتقلبة، والتي أثرت بشكل لافت على مستويات التضخم وارتفاع الأسعار وتضرر سلسلة الإمدادات بين الدول.
وأقر قانون المالية لسنة 2022 عفوا جبائيا يشمل الديون الجبائية المثقلة والخطايا والعقوبات المالية والمخالفات الديوانية، مرورا الى تسوية الوضعية الجبائية للمداخيل المتأتية من أنشطة غير مصرح بها(الاقتصاد الموازي)، وحسب ما أعلن عنه كاهية مدير الإدارة العامة للأداءات كمال بن صالح، مؤخرا، في تصريحات إعلامية، فإن العفو الجبائي الصادر في قانون ميزانية سنة 2022، تضمن جملة من الحوافز التي تحفظ الموارد المالية للدولة وتخفف العبء على المواطنين.
إجراءات "مغرية"
وأضاف كمال بن صالح أن العفو الجبائي الذي تضمنه قانون المالية لسنة 2022، يعد فرصة كبيرة لمن ينشطون في الاقتصاد الموازي لتسوية وضعياتهم القانونية مع الدولة، مؤكدا أن الأموال المتوفرة لدى هذه الفئة ممن ينشطون في الاقتصاد الموازي والسوق السوداء لا يمكنهم التصرف في أموالهم بشكل قانوني باعتبار أن كل اقتناء للعقار أو استثمار لهذه الأموال يعرض صاحبه للمساءلة القانونية والتتبعات، في حين يضمن قانون المالية لسنة 2022 لهذه الفئة من الناشطين في الاقتصاد الموازي فرصة للاستثمار في العلن وشراء العقارات والقيام بالتحويلات المالية القانونية، لافتا الى انه مهما كان المبلغ الذي سيقع إيداعه والتصريح به، فإن معدل نسبة الخصم للدولة ثابتة وهي في حدود 10٪، وبالتالي بإمكان المعني بالأمر التصرف في كافة أمواله بشكل قانوني والقيام بالتحويلات المالية والاستثمار وشراء العقارات.
وأكد بن صالح أن كل شخص لديه أموال غير مصرح بها مهما كان حجم المبلغ، بإمكانه إيداعها في البنك والحصول على وثيقة فورية من البنك لاستخلاص نسبة 10 ٪ في القباضة المالية، وبالتالي يصبح الشخص في وضعية قانونية صرفة وبإمكانه التصرف في أمواله مثلما يشاء في الاقتصاد المنظم.
رفض خيار "الخوصصة"
وفي ظل الرفض القاطع من اتحاد الشغل لخوصصة المؤسسات العمومية، والتي تكبد الدولة خسائر تفوق 3 مليار دولار سنويا، وهي خطوة يراها صندوق النقد الدولي مجدية لتخفيف العبء المالي على الدولة، فإن اتحاد الشغل يعتبر الاقتراب من المؤسسات العمومية عبر الخوصصة والتفويت فيها خطا أحمر، الأمر الذي يدعو الى تسريع نسق إدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم، لما في ذلك من فرص كبيرة، في إنعاش الدورة الاقتصادية، وتحقيق إيرادات إضافية لخزينة الدولة، علما وان الجهات الحكومية الرسمية، قدرت حجم الاستثمارات والأموال المتداولة في الاقتصاد غير المنظم في حدود 60٪.
وجدير بالذكر في هذا الخصوص، أن قرابة 110 مؤسسة عمومية تشمل 21 قطاعا منها الطاقة والصناعة والصحة والخدمات والنقل، بلغت خسائرها المتراكمة نهاية عام 2020 ما قيمته 10 مليار دينار، ويستلهم صندوق النقد الدولي مقترح خوصصتها في تونس من التجربة البريطانية في الثمانيات، والتي نجحت من خلالها بريطانيا في الخروج من أزمة اقتصادية خانقة، اثر خوصصة كافة المؤسسات التي تشكل آنذاك عبئا ماليا كبير. على الحكومة.
وبإقرار مختلف المسؤولين الحكوميين، باتت هذه المؤسسات تشكّل خطراً يهدد التوازنات المالية لتونس، مع العلم أن اتفاقاً مشتركاً تم توقيعه بين الحكومة السابقة والاتحاد العام للشغل، للشروع بإصلاح 7 شركات كبرى.
الرفع من حجم السيولة في البنوك
وبخصوص تأثير الاقتصاد الموازي على الوضع المالي في تونس والذي يمثل أكثر من 17 مليار دينار، دعا الخبير الاقتصادي احمد كرم في تصريحات سابقة لـ"الصباح" الى ضرورة عمل الدولة مع كل الفاعلين في المجال الاقتصادي والمالي لوضع إستراتيجية وطنية تعمل على إدماج العاملين في القطاع الموازي داخل القطاع الرسمي وبالتالي إعادة هذا الحجم من الأموال المتداولة ضمن المسالك البنكية الرسمية باعتماد عديد الآليات المتاحة لدى المؤسسات البنكية والتي تعتمد على الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة.
ويفسر خبراء المالية والمحاسبة أن مثل هذه الإجراءات، والمتعلقة بالحد من سقف التداول في عمليات البيع والشراء والنزول به الى 3000 دينار، هي خطوات تحد من التهرب الضريبي والرفع من حجم الأموال المتداولة على مستوى البنوك، والحد من التلاعب والتحيل، بالإضافة الى إرساء عدالة ضريبية، لذلك كان من الضروري حسب مختصين في الجباية والاقتصاد من إتباع أسس وفرضيات علمية لمعرفة حجم التهرب الضريبي أهمها التوازن الاقتصادي وعدد التصاريح الجبائية والوعي بأهمية دفع معلوم الجباية للدولة وانه واجب على الجميع.
وحسب تقرير نشره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول القطاع الموازي في تونس، وانعكاساته السلبية على الاقتصاد التونسي، فقد كشف عن ارتفاع نسبة الاقتصاد الموازي منذ سنة 2011، فقبل الثورة كان الاقتصاد الموازي يمثل 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وبعد الثورة أصبح يشكل حوالي 53 بالمائة، ووفق تقديرات رسمية بلغ اليوم قرابة 60٪ .
النقد الدولي يطالب بالاستفادة من الاقتصاد الموازي
وهناك تقديرات تصدرها الحكومة وأخرى تصدرها منظمات محلية أو دولية، ورغم اختلافها، إلا أنها تجمع في المحصلة على أن الاقتصاد الموازي يساهم على الأقل بأكثر من 50٪ من الناتج الداخلي الخام، وحسب دراسات دولية، فإن الاقتصاد الموازي يشغِّل قرابة 75 في المائة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة.
وتظل الدعوات الرامية الى إلحاق الاقتصاد الموازي بالمنظم، أحد ابرز النقاط التي يدعو إليها صندوق النقد الدولي في مفاوضاته مع تونس، رغم ما يكتسيه من خطورة لدى أوساط اقتصادية أخرى، اعتبرته ملاذا شرعيا للبعض لتبييض الأموال، وقد يجر البلاد الى مستنقع العقوبات الدولية مجددا.
إلا انه ومنذ تصاعد الأزمة الاقتصادية في العالم، خاصة في الفترة الأخيرة، أقر العديد من الخبراء بضرورة تسريع نسق إدماج الاقتصاد الموازي بالمنظم، وذلك كخطوة استباقية لتوفير مداخيل إضافية لخزينة الدولة، في ظل حالة عدم اليقين، التي تخيم على المسار الإصلاحي في تونس، علما وان الحكومة الحالية باشرت في دمج الاقتصاد الموازي في المنظومة عبر قانون المالية لسنة 2022، للاستفادة من السيولات المالية التي يوفرها باعتباره يمثل 60 في المائة من الاستثمارات والأموال المتداولة.