*دول عربية ستشهد موجة ثانية من الربيع العربي بسبب ارتفاع الأسعار!
تونس- الصباح
يتردد صدى الهجوم العسكري الروسي المستمر على أوكرانيا عبر أسواق السلع الأساسية التي بدأت تشهد موجة ارتفاع قياسية، وصفتها بعض التقارير الاقتصادية الغربية بالكارثية على الاقتصاد العالمي، في حين حذرت ذات التقارير من "ربيع عربي" جديد في بلدان شمال إفريقيا على وجه التحديد وفق ما نقله موقع "oilprice"، الذي كشف عبره محللون اقتصاديون غربيون عن انعكاسات مدمرة للحرب الروسية الأوكرانية على كل من مصر ولبنان والأردن وليبيا والجزائر وتونس.
وتأتي هذه التحذيرات من كل أسواق الطاقة والمخاوف الأمنية في هذه البلدان ارتفعت، تزامنا مع تضاؤل مخزون المنتجات الغذائية والزراعية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تعتبر روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم، ويذهب حجم كبير منها إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة مصر والمملكة العربية السعودية، وتونس، وليبيا، علما وان الإمدادات الغذائية في هذه الدول تبقى ضرورية للحفاظ على استقرار الأمن العام.
سد فجوة المخزون الاستراتيجي
ولفت اغلب المحللين الغربيين إلى أن الخسارة المحتملة لإمدادات القمح والذرة وحتى الزيت، وغيرها من المواد الأولية والأساسية، وارتفاع أسعار الطاقة والغاز، ستؤثر بشكل مباشر على الاستقرار المحلي والإقليمي، فمن دون الإمدادات الروسية الأوكرانية، لن تتمكن أي دولة أخرى من سد فجوة مخزونها الاستراتيجي .
وحسب تقرير لـ "oilprice" ستكون دول شمال إفريقيا الضحية الرئيسية في الأشهر القليلة القادمة، وسيؤدي نقص الغذاء وارتفاع أسعار الطاقة، إلى دفع الحكومات إلى الزاوية، ما يهدد بموجة غضب واحتقان قد تؤدي إلى "ربيع عربي" جديد، مختلف عما حصل خلال الثورات العربية الأولى، والتي كان جزء منها بسبب تنامي الفساد في هذه الدول، وهذه المرة الأمر مختلف، ويتعلق بالأمن الغذائي لهذه الدول وشعوبها التي تعاني منذ عقود من غلاء الأسعار وفقدان فرص العمل.
ولا يتعلق الأمر فقط بالأمن الغذائي لهذه الدول، بل أيضا على مستوى احتياطها من العملة الصعبة، فخسارة سوق سياحية مثل روسيا وأوكرانيا، ستكون له عواقب وخيمة في تونس وأيضا مصر والمغرب وتركيا، ولم تخف هذه الدول قلقها من فقدان ملايين الروس الذين يتدفقون عادة على شواطئها، ويمكن أن يكون التأثير العام لهذه الحرب مدمرًا على المنطقة، خاصة بعد عامين من اخطر جائحة صحية ضربت العالم وشلت اقتصاديات كافة الدول .
ووفق ذات التقارير، فإن هذه الدول مقبلة على خسارة مليارات الدولارات، وستهدد الأزمة على المدى القصير في فقدان الدخل والغذاء وزعزعة استقرار أجزاء كبيرة من المنطقة العربية وشمال إفريقيا، في وقت دفعت التطورات في أوكرانيا أسعار النفط الخام إلى ما يزيد عن 105 دولارات للبرميل بعد 4 أيام من الغزو، وتبقى احتمالية حدوث اضطرابات جديدة في المنطقة وحتى الربيع العربي الثاني أكثر إثارة للقلق بالنسبة للأسواق العالمية، حيث إن الخسارة المحتملة للنفط والغاز الروسي إلى جانب الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستكون كارثية على كافة القطاعات.
فقدان بعض المواد في الأسواق التونسية
وتشهد الأسواق التونسية خلال هذه الأيام فقدان مواد أساسية عديدة أهمها السميد، ما تسبب في طوابير طويلة أمام المخابز، خاصة في المناطق الداخلية، بالإضافة إلى مواد أخرى أهمها الزيت والسكر التي بدأت تتضاءل من الأسواق، تزامنا مع أزمة مالية خانقة تعيشها البلاد اضطرتها إلى إصدار قرض رقاعي وطني لتعبئة موارد مالية إضافية في أسرع الآجال، وحسب وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، فإن الهدف من الاكتتاب الوطني تعبئة 1450 مليون دينار على مراحل.
وأمام موجة التحذيرات الصادرة عن الغرب، باتت تونس مطالبة اليوم، بالمرور إلى السرعة القصوى لتنفيذ كافة الإصلاحات المطلوبة، وانطلقت وزارة الاقتصاد والتخطيط في إعداد المخطط التنموي 2023-2025 الذي سيرتكز بالخصوص على التحولات العالمية والإقليمية والتوازنات الجملية والإصلاحات الكبرى والاستثمار الخاص وتحسين مناخ الأعمال.
وحسب ما حصلت عليه "الصباح" من معطيات فإن إعداد هذا المخطط، يأتي في ظرف دقيق وصعب تمر به تونس على مستوى الأوضاع الاقتصادية والمالية جراء الانعكاسات السلبية المتواصلة التي خلفتها جائحة كوفيد19، على السياسات القطاعية وتنمية رأس المال البشري والإدماج الاجتماعي والتنمية الجهوية وتمويل الاقتصاد.
وانطلقت الوزارة في إعداد المخطط التنموي 2023-2025 في إطار تمهيدي منذ 10 جانفي 2022 معتمدة في هذا المسار على تقييم إنجازات المخطط السابق 2016-2020 من طرف مختلف الولايات والوزارات، كما شرعت بالتنسيق مع المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية في إعداد الرؤية الإستراتيجية لتونس في أفق 2035، كمرحلة أولى للرؤية الإستراتيجية لتونس 2056.
إصلاحات فورية
ورغم أن تونس انطلقت فعليا في تنفيذ مخططها الاقتصادي، إلا أن الأزمة الأوكرانية الروسية، ومخلفاتها على الاقتصاد العالمي، ستزيد في استنزاف اقتصادنا الجريح، حيث أن الإصلاحات ارتكزت أساسا على دفع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب إعادة هيكلة المؤسسات العمومية، والحد من كتلة الأجور، وتجميد الانتدابات في القطاع العام، وغيرها من التدابير الاستثنائية، إلا أن المسألة المصيرية الحالية، تجاوزت المسائل التنموية، لتصل إلى إمداداتنا الغذائية والطاقية، وبات على السلطات البحث عن موارد مالية إضافية لتأمين احتياجاتنا الأساسية والأولية لمدة أقصاها سنتين على أقصى تقدير، وذلك لتجنب موجة احتقان وغضب تهدد السلم الاجتماعية في البلاد، وتخرج معها الأمور عن السيطرة.
وتستدعي المرحلة الحالية، اتخاذ رأسي السلطة للتدابير الاستثنائية المناسبة، على رأسها الضرب بقوة على أيادي المضاربين والمحتكرين، وحسن تنظيم مسالك التوزيع، والتعامل بصرامة شديدة مع كل التجاوزات الاقتصادية، والتي بدأت تأثيراتها تجد صداها لدى كافة العائلات التونسية، كما ينبغي العمل بسرعة قياسية على سد أي نقص في مخزوننا الاستراتيجي في أسرع الآجال، والحد من ارتفاع الأسعار عبر تكثيف متواصل للمراقبة الاقتصادية، وذلك على أمل إخماد الصراع الدامي في شرق أوروبا، والذي من المرجح أن يمتد لعقد من الزمن.
*سفيان المهداوي
*دول عربية ستشهد موجة ثانية من الربيع العربي بسبب ارتفاع الأسعار!
تونس- الصباح
يتردد صدى الهجوم العسكري الروسي المستمر على أوكرانيا عبر أسواق السلع الأساسية التي بدأت تشهد موجة ارتفاع قياسية، وصفتها بعض التقارير الاقتصادية الغربية بالكارثية على الاقتصاد العالمي، في حين حذرت ذات التقارير من "ربيع عربي" جديد في بلدان شمال إفريقيا على وجه التحديد وفق ما نقله موقع "oilprice"، الذي كشف عبره محللون اقتصاديون غربيون عن انعكاسات مدمرة للحرب الروسية الأوكرانية على كل من مصر ولبنان والأردن وليبيا والجزائر وتونس.
وتأتي هذه التحذيرات من كل أسواق الطاقة والمخاوف الأمنية في هذه البلدان ارتفعت، تزامنا مع تضاؤل مخزون المنتجات الغذائية والزراعية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تعتبر روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم، ويذهب حجم كبير منها إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة مصر والمملكة العربية السعودية، وتونس، وليبيا، علما وان الإمدادات الغذائية في هذه الدول تبقى ضرورية للحفاظ على استقرار الأمن العام.
سد فجوة المخزون الاستراتيجي
ولفت اغلب المحللين الغربيين إلى أن الخسارة المحتملة لإمدادات القمح والذرة وحتى الزيت، وغيرها من المواد الأولية والأساسية، وارتفاع أسعار الطاقة والغاز، ستؤثر بشكل مباشر على الاستقرار المحلي والإقليمي، فمن دون الإمدادات الروسية الأوكرانية، لن تتمكن أي دولة أخرى من سد فجوة مخزونها الاستراتيجي .
وحسب تقرير لـ "oilprice" ستكون دول شمال إفريقيا الضحية الرئيسية في الأشهر القليلة القادمة، وسيؤدي نقص الغذاء وارتفاع أسعار الطاقة، إلى دفع الحكومات إلى الزاوية، ما يهدد بموجة غضب واحتقان قد تؤدي إلى "ربيع عربي" جديد، مختلف عما حصل خلال الثورات العربية الأولى، والتي كان جزء منها بسبب تنامي الفساد في هذه الدول، وهذه المرة الأمر مختلف، ويتعلق بالأمن الغذائي لهذه الدول وشعوبها التي تعاني منذ عقود من غلاء الأسعار وفقدان فرص العمل.
ولا يتعلق الأمر فقط بالأمن الغذائي لهذه الدول، بل أيضا على مستوى احتياطها من العملة الصعبة، فخسارة سوق سياحية مثل روسيا وأوكرانيا، ستكون له عواقب وخيمة في تونس وأيضا مصر والمغرب وتركيا، ولم تخف هذه الدول قلقها من فقدان ملايين الروس الذين يتدفقون عادة على شواطئها، ويمكن أن يكون التأثير العام لهذه الحرب مدمرًا على المنطقة، خاصة بعد عامين من اخطر جائحة صحية ضربت العالم وشلت اقتصاديات كافة الدول .
ووفق ذات التقارير، فإن هذه الدول مقبلة على خسارة مليارات الدولارات، وستهدد الأزمة على المدى القصير في فقدان الدخل والغذاء وزعزعة استقرار أجزاء كبيرة من المنطقة العربية وشمال إفريقيا، في وقت دفعت التطورات في أوكرانيا أسعار النفط الخام إلى ما يزيد عن 105 دولارات للبرميل بعد 4 أيام من الغزو، وتبقى احتمالية حدوث اضطرابات جديدة في المنطقة وحتى الربيع العربي الثاني أكثر إثارة للقلق بالنسبة للأسواق العالمية، حيث إن الخسارة المحتملة للنفط والغاز الروسي إلى جانب الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستكون كارثية على كافة القطاعات.
فقدان بعض المواد في الأسواق التونسية
وتشهد الأسواق التونسية خلال هذه الأيام فقدان مواد أساسية عديدة أهمها السميد، ما تسبب في طوابير طويلة أمام المخابز، خاصة في المناطق الداخلية، بالإضافة إلى مواد أخرى أهمها الزيت والسكر التي بدأت تتضاءل من الأسواق، تزامنا مع أزمة مالية خانقة تعيشها البلاد اضطرتها إلى إصدار قرض رقاعي وطني لتعبئة موارد مالية إضافية في أسرع الآجال، وحسب وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، فإن الهدف من الاكتتاب الوطني تعبئة 1450 مليون دينار على مراحل.
وأمام موجة التحذيرات الصادرة عن الغرب، باتت تونس مطالبة اليوم، بالمرور إلى السرعة القصوى لتنفيذ كافة الإصلاحات المطلوبة، وانطلقت وزارة الاقتصاد والتخطيط في إعداد المخطط التنموي 2023-2025 الذي سيرتكز بالخصوص على التحولات العالمية والإقليمية والتوازنات الجملية والإصلاحات الكبرى والاستثمار الخاص وتحسين مناخ الأعمال.
وحسب ما حصلت عليه "الصباح" من معطيات فإن إعداد هذا المخطط، يأتي في ظرف دقيق وصعب تمر به تونس على مستوى الأوضاع الاقتصادية والمالية جراء الانعكاسات السلبية المتواصلة التي خلفتها جائحة كوفيد19، على السياسات القطاعية وتنمية رأس المال البشري والإدماج الاجتماعي والتنمية الجهوية وتمويل الاقتصاد.
وانطلقت الوزارة في إعداد المخطط التنموي 2023-2025 في إطار تمهيدي منذ 10 جانفي 2022 معتمدة في هذا المسار على تقييم إنجازات المخطط السابق 2016-2020 من طرف مختلف الولايات والوزارات، كما شرعت بالتنسيق مع المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية في إعداد الرؤية الإستراتيجية لتونس في أفق 2035، كمرحلة أولى للرؤية الإستراتيجية لتونس 2056.
إصلاحات فورية
ورغم أن تونس انطلقت فعليا في تنفيذ مخططها الاقتصادي، إلا أن الأزمة الأوكرانية الروسية، ومخلفاتها على الاقتصاد العالمي، ستزيد في استنزاف اقتصادنا الجريح، حيث أن الإصلاحات ارتكزت أساسا على دفع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب إعادة هيكلة المؤسسات العمومية، والحد من كتلة الأجور، وتجميد الانتدابات في القطاع العام، وغيرها من التدابير الاستثنائية، إلا أن المسألة المصيرية الحالية، تجاوزت المسائل التنموية، لتصل إلى إمداداتنا الغذائية والطاقية، وبات على السلطات البحث عن موارد مالية إضافية لتأمين احتياجاتنا الأساسية والأولية لمدة أقصاها سنتين على أقصى تقدير، وذلك لتجنب موجة احتقان وغضب تهدد السلم الاجتماعية في البلاد، وتخرج معها الأمور عن السيطرة.
وتستدعي المرحلة الحالية، اتخاذ رأسي السلطة للتدابير الاستثنائية المناسبة، على رأسها الضرب بقوة على أيادي المضاربين والمحتكرين، وحسن تنظيم مسالك التوزيع، والتعامل بصرامة شديدة مع كل التجاوزات الاقتصادية، والتي بدأت تأثيراتها تجد صداها لدى كافة العائلات التونسية، كما ينبغي العمل بسرعة قياسية على سد أي نقص في مخزوننا الاستراتيجي في أسرع الآجال، والحد من ارتفاع الأسعار عبر تكثيف متواصل للمراقبة الاقتصادية، وذلك على أمل إخماد الصراع الدامي في شرق أوروبا، والذي من المرجح أن يمتد لعقد من الزمن.