إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رئيس مجلس التعاون التونسي الإفريقي لـ"الصباح" : زيارة سعيد إلى بروكسيل هدفها ضمان حصة تونس من استثمارات أوروبية بقيمة 300 مليار أورو



*من الضروري أن تقدم تونس عرضا مغريا للإتحاد الأوروبي

*للأسف تونس متأخرة كثيرا لوجستيا في إفريقيا وعلينا تدارك ذلك

*ميناء رادس يستقبل 300 ألف حاوية في السنة مقابل 7 مليون حاوية في المغرب!

*الفرصة متاحة لإنشاء منطقة تبادل تجاري قوية داخل إفريقيا بين تونس وليبيا والنيجر

*أكثر من 2500 مليون دينار خسرتها تونس جراء الحرب في ليبيا

*البيروقراطية المقيتة تسببت في هروب المستثمرين وقانون الصرف البالي عمق الأزمة

*للأسف نحن مقبلون على إصلاحات موجعة لن تستثني أحدا

 

تونس- الصباح

دعا رئيس مجلس التعاون التونسي الإفريقي أنيس الجزيري في حوار مطول مع "الصباح"، بحر الأسبوع الجاري، بضرورة العمل منذ اليوم بين رأسي السلطة على إيجاد الحلول الفورية للمأزق المالي الذي تعيشه بلادنا، مؤكدا على ضرورة أن يتقبل الجميع الإصلاحات الموجعة التي من شانها أن تنقذ بلادنا من مأزقها الاقتصادي والمالي، مشددا على أن المنتدى القادم الذي تحتضنه تونس منتصف شهر ماي القادم سيبحث مع المؤسسات المالية العالمية طرق الحصول على تمويلات لدفع الاستثمارات التونسية داخل إفريقيا.

وكشف أنيس الجزيري، أن زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد الأخيرة إلى بروكسيل، كان الهدف منها حصول تونس على نصيبها من الاستثمارات الأوروبية داخل إفريقيا والمقدرة كحصة أولية بـ300 مليار أورو، واستغلال هذه الاستثمارات في الرفع من قدرة تونس اللوجستية حتى تتمكن من توسيع أنشطتها الاقتصادية في إفريقيا.

واستنكر الجزيري العراقيل المتواصلة في ملف الاستثمار ببلادنا والذي مازال دون المأمول ولا يشجع على استقطاب الاستثمارات، بالإضافة إلى تواصل البيروقراطية والتراخيص المشطة، إلى جانب قدم قانون الصرف والذي لا يتكيف مع المتغيرات العالمية اليوم ويحد من فرص الاستثمار ببلادنا.

ونبه رئيس مجلس التعاون التونسي الإفريقي أنيس الجزيري إلى أهمية الإسراع في تطوير الموانئ التونسية، والتي مازالت متأخرة كثيرا عن العديد من البلدان الشقيقة، إلى جانب الرفع من حصص تونس في التبادل التجاري في إفريقيا، والعمل منذ اليوم على تحويلها إلى بوابة لأوروبا نحو إفريقيا لما في ذلك من مزايا اقتصادية ومالية مهمة لبلادنا. وفيما يلي نص الحوار.

 

*بداية السيد أنيس الجزيري، ماهي انتظارات المنتدى الإفريقي من زيارة سعيد إلى بروكسيل مؤخرا ضمن فعاليات الافتتاح الرسمي لأعمال الدورة السادسة لقمة الاتحاد الأوروبي-الاتحاد الإفريقي؟

 

نحن نثمن هذه الزيارة لأنها تعتبر من الزيارات الأولى لرئيس الجمهورية لمنتدى مهم تشارك فيه إفريقيا بقوة، والذي من أهم أهدافه توطيد العلاقة أكثر بين القارتين الإفريقية والأوروبية، وإعادة بلورة رؤية جديدة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع أوروبا، وبالنسبة لتونس فهي مرتبطة بالاتحاد الأوروبي وقرابة 75 بالمائة من المبادلات التجارية مع قارة أوروبا، واليوم الاتحاد الأوروبي مهتم كثيرا بإفريقيا أكثر من أي وقت مضى، على غرار الصين "طريق الحرير" وتركيا وهي بلدان انطلقت في الاستثمار في إفريقيا على حساب أوروبا، الأمر الذي دفع بالاتحاد الأوروبي إلى تخصيص اعتمادات أولية ناهزت 300 مليار أورو في إطار برنامج يعرف تحت اسم"Global Gateway" وأكثر هذه الاعتمادات موجهة لإفريقيا ولمنافسة الصين وبرنامجها طريق الحرير، وعلى ضوء ذلك قام مجلس الأعمال الإفريقي بمراسلة رئيس الجمهورية قيس سعيد لحثه على المشاركة في هذا المؤتمر الضخم الذي يمكن لبلادنا ان تستفيد منه في كافة المجالات، وأول برنامج قمنا بطرحه ضرورة تطوير الرحلات الجوية والبرية وإقامة منطقة تبادل تجاري حر بين تونس والجزائر وليبيا-النيجر وهو طريق يمكننا من الولوج إلى البلدان الإفريقية التي لا تطل على البحر وستستفيد تونس وأوروبا كثيرا من هذا البرنامج الذي سيطور المبادلات التجارية، علما وان المدة التي نستغرقها اليوم مع هذه البلدان أكثر من شهر ومع تفعيل هذا البرنامج تتقلص المدة لأسبوع، بالإضافة إلى تطوير ميناء النفيضة الذي مازال غير مؤهل بعد، ولم لا توفير جزء من الاستثمارات لتشييده وفق المواصفات الدولية واستغلاله أحسن استغلال في التبادل التجاري مع أوروبا، علما وان البرنامج يتضمن 6 جوانب مهمة أبرزها الجانب اللوجستي، والصحة والتعليم وقطاعات التكنولوجيا والاتصالات، ومن الضروري أن تقدم تونس عرضا مغريا للإتحاد الأوروبي حتى تفوز بالنصيب الهام من هذه الاستثمارات.

 

* ما قد يفهم من هذا البرنامج أن تونس ستتحول إلى بوابة عبور لأوروبا نحو إفريقيا؟

-رجاء... رجاء، هذه المعطيات مغلوطة، حينما نقول بوابة فإن هذا الأمر لا ينطبق بعد على تونس، وينطبق على المغرب الشقيق الذي قطع مراحل مهمة، حيث بلغ عدد الحاويات العابرة إليه نحو 7 مليون، في حين لم يتجاوز ميناء رادس 300 ألف حاوية، كما أن للمغرب أكثر من 33 رحلة جوية نحو البلدان الإفريقية، في المقابل لا تتجاوز عدد الرحلات الموجهة لإفريقيا من تونس نحو 8 رحلات فقط، باختصار نحن مازلنا متأخرين كثيرا حتى نصبح بوابة لإفريقيا، لكن مع زيارة الرئيس الأخيرة، حان الوقت لنعمل على هذه الجوانب المهمة، ومنها تطوير الخطوط التونسية أو الاستعانة بخطوط أخرى، وتطوير الخطوط البحرية والموانئ، وتوسيع قاعدة تواجد البنوك التونسية في مختلف الدول الإفريقية، وبذلك يمكن القول إننا قطعنا أشواطا مهمة لنصبح بوابة أوروبا نحو إفريقيا، علما وأننا نعمل اليوم في إطار مفاوضات متعددة على تحقيق ذلك.

 

*كم خسرت تونس تجاريا واقتصاديا بعد أحداث ليبيا الأخيرة؟

-(ضاحكا).. هذا ملف شائك وكبير، لكن ما نعلمه أن أغلب الفاعلين الاقتصاديين التونسيين تراجعوا عن الاستثمار في ليبيا منذ أن تدهورت الأوضاع الأمنية فيها، وأثر ذلك على تجارتنا معها، وبالأرقام كان حجم التبادل التجاري مع ليبيا سنة 2010 في حدود 3500 مليون دينار، وتقلص إلى نحو 1000 مليون دينار أي قرابة الثلث خلال الـ10 السنوات الأخيرة، وخسرنا قرابة 2500 مليون دينار بين مشاريع وتبادل تجاري، وقمنا خلال السنوات الأخيرة أي بداية من سنة 2019، بتنظيم العديد من اللقاءات مع الجانب الليبي وأعدنا العلاقات الاقتصادية، وتحسنت المبادلات إلى 1800 مليون دينار خلال 2021، إلا أننا مازلنا لم نصل إلى مستويات سنة 2010، بسبب تنامي الصراعات داخل هذا القطر الشقيق، وعلى تونس أن تدافع على مصالحها هناك مثل بقية الدول اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا.

 

*صرحت سابقا أن تونس خسرت الرهان عبر البحر وبقي الرهان الوحيد عبر البر فماهي الحلول لنكسب هذا الرهان؟

نحن في الوقت الحالي خسرنا الرهان عبر البحر مقارنة بمصر والمغرب وتركيا وهؤلاء يملكون جميعا خطوطا بحرية قوية ومباشرة نحو العديد من البلدان الإفريقية، وتونس للأسف لا تملك بعد خطوطا بحرية مباشرة إلى إفريقيا وجلها نحو بلدان أوروبية مثل مرسيليا أو جنوة أو المغرب وجميع البضائع تبقى في هذه الموانئ لمدة تصل لأكثر من أسبوعين وهي مكلفة جدا للجانب التونسي، ولمنافسة هذه الدول لا بد من إنشاء خطوط بحرية مباشرة نحو دكار وأبيدجان وعواصم افريقية أخرى، كذلك من الضروري إنشاء موانئ جديدة مثل تطوير ميناء النفيضة وميناء بنزرت، وعموما في الجانب البحري نحن مطالبون بأشغال كبيرة ومكلفة، لكن حاليا هناك الجانب البري والذي يعد اقل تكلفة علما وان أشغال الطريق السريعة نحو منطقة بنقردان ماتزال سارية لتعزيز التبادل التجاري مع ليبيا، وهناك مسألة الجانب الأمني مع حدود النيجر وليبيا مازالت غير مؤمنة، ولا بد من تأمين هذه المنطقة عبر الحضور الدبلوماسي، وذلك قصد تأمين البضاعة التونسية للولوج إلى الأسواق الإفريقية، أو عن طريق الجزائر والنيجر، وهذا المجال يحتاج إلى تدخل من الجانب التونسي حتى يسمح الجانب الجزائري من تدفق البضائع التونسية نحو النيجر وتشاد.

 

*هل أحسنت تونس استغلال اتفاقية التبادل التجاري الحر الإفريقية "زليكا"؟

لا بد هنا أن نوضح نقطة مهمة هناك اتفاقية "الكوميسا" للتبادل التجاري في إفريقيا الشرقية، وهي تهم 21 بلدا إفريقيا انطلاقا من تونس وليبيا ومصر والسودان وأثيوبيا وجيبوتي وتصل إلى كينيا وتنزانيا وغيرها من البلدان، وهذه الاتفاقية مفعلة وحصلت من خلالها تونس على امتيازات ديوانية، وارتفعت صادرات تونس نحو كينيا إلى نحو 8 ٪ في المواد الفلاحية، وهناك عدة بلدان ماتزال معها بعض العقبات مثل مصر وأثيوبيا، أما المنطقة الحرة القارية "زليكا" فهي اتفاقية لم تفعل بعد، وبرنامج التفعيل لهذه الاتفاقية يمتد على 5 سنوات، وكل دولة سيقع تحرير بضاعتها بنسبة 90 ٪، وتونس مازالت تستعد لتقديم ملفها، والمفاوضات مازالت جارية مع الدول المتواجدة في هذه الاتفاقية التي تتميز بخصم في الامتيازات الديوانية بنحو 20٪ كل سنة على مدة تمتد إلى 5 سنوات، ثم سيقع التحرير الكامل بعد قرابة 10 سنوات ما يعني أن هذه الاتفاقية ستبقى قيد الانجاز لعقد من الزمن، وهذه الاتفاقية مهمة جدا لتونس.

*في الآونة الأخيرة شهدت أسعار النفط ارتفاعا قياسيا وغير مسبوق، فهل يؤثر ذلك على نشاط الشركات التونسية في الفترة القليلة القادمة؟

هذه مشكلة كبيرة فمنذ جائحة كوفيد-19 ارتفعت أسعار النفط وسيؤثر ذلك أولا على إمداداتنا من القمح وكذلك المواد الأولية، وارتفع ثمن الحاويات القادمة من الصين إلى تونس من 4000 دولار إلى 20 ألف دولار اليوم، وارتفاع تكاليف الشحن سيؤثر كثيرا على الاقتصاد العالمي وليس تونس فقط، وطبعا محليا هناك العديد من الشركات التونسية التي بدأت تمر بأزمات مالية نتيجة هذا الظرف الاقتصادي الصعب والذي يتزامن مع تفشي اخطر جائحة صحية أنهكت اقتصاديات العديد من الدول، علما وأن تونس أعدت ميزانيتها على مستوى 75 دولارا للبرميل الواحد، وحاليا ارتفع إلى نحو 95 دولارا، ما يعني خسائر جديدة بآلاف المليارات لخزينة الدولة، وهناك انتظارات بارتفاع أسعار الوقود مجددا، ومع ذلك فإن الدولة التونسية ستكون عاجزة مجددا على خفض العجز في ميزانيتها نتيجة تواصل ارتفاع أسعار النفط عالميا، وسيكون لذلك انعكاسات قاسية على الشركات التونسية، وأيضا المواطنين، والدولة مطالبة اليوم بالتدخل العاجل لدعم القطاعات الحيوية والشركات لتفادي أزمة اقتصادية جديدة في الأشهر القادمة، ومن الضروري أيضا أن تشارك البنوك التونسية في عملية الإنقاذ لتفادي أي انعكاسات خطيرة على المدى القصير.

 

* تقييمك لمناخ الأعمال اليوم في تونس؟

 

مناخ الأعمال للأسف الشديد في تونس مازال دون المأمول ولا يشجع إطلاقا على الاستثمار سواء للمستثمر التونسي أو الأجنبي، وبكل صراحة من أكبر العراقيل التي تواجهنا اليوم العقبات "البيروقراطية" وحزمة التراخيص التي لا طائل منها ولا تشجع إطلاقا على الاستثمار، وعلى سبيل المثال كنت في إطار المفاوضات في مصر مع بعض رجال الأعمال المصريين استعدادا للدورة القادمة لمنتدى الاستثمار الإفريقي في ماي القادم في تونس، ورغب رجل أعمال مصري قدم معي إلى تونس في توسيع استثماراته ببلادنا ليفاجأ بكمية التراخيص الرهيبة، سواء من البلدية أو من الولاية، أو من بعض المؤسسات الأخرى، وإجمالا هناك أكثر من 5 تراخيص على هذا المستثمر أن ينجزها وهي فعلا كثيرة، ولا تشجع إطلاقا على المضي في تنفيذ أي مشروع، الأمر الذي دفعه إلى التخلي عن فكرة الاستثمار في بلادنا، ووجب أمام هذا العائق أن نعيد حساباتنا جميعا ونسعى إلى إزالة كافة هذه العقبات في أسرع الآجال والتقليص قدر الإمكان من هذه التراخيص والتخلص من هذه البيروقراطية المقيتة، وبعث هيئة وحيدة تعنى بتقديم كافة هذه التراخيص للمستثمرين الأجانب، كذلك نفس الأمر بالنسبة للمستثمر التونسي الذي يقضي وقته بين عشرات الهيئات للحصول على مبتغاه، وحقيقة الأمر أصبح مخجلا اليوم، وحان الوقت للتخلص من كافة العراقيل التي تحول دون تقدم الاستثمارات في بلادنا، علما وان الأمر لا يقف عند هذه المسألة، بل يتجاوزه الى قانون الصرف الذي مازال العمل متواصل به رغم أنه أعد منذ السبعينات من القرن الماضي ولا يتماشى مطلقا اليوم مع التغييرات العالمية، وكم مرة طالبنا بتحديثه، إلا أن المسؤولين واصلوا مماطلتنا، والأمر اليوم لم يعد يحتمل مزيدا من التأخير، ووجب القيام بحزمة من الإصلاحات الشاملة والسريعة لنضمن مزيدا من تدفق الاستثمارات على بلادنا.

 

*ما رأيك في قانون المالية لسنة 2022.. وما المطلوب منا اليوم في مثل هذه الظروف الصعبة؟ 

تلك هي وضعية تونس الحالية، المالية في حالة يرثى لها، إمكانياتنا متواضعة جدا، مؤسسات عمومية على حافة إفلاس غير معلن، والدولة لا تزال بصدد تقديم المساعدات لها، آلاف المليارات للاقتراض، العجز ارتفع، ونفقات الدولة وكتلة الأجور ارتفعت هي الأخرى، وبلغنا اليوم أكثر من 21 مليار دينار كتلة الأجور بعد أن كانت في حدود 6000 مليون دينار سنة 2010، ولا وجود لإنتاج، ما يزيد في تعمق الأزمة المالية، إمكانيات الدولة اليوم لم تعد تسمح بتوفير كتلة الأجور وهذا ما يجهله عامة الناس، وللأسف الشديد لا يمكننا أن نطلب من حكومة بدأت حديثا في المسار الإصلاحي أكثر من إمكانياتنا الحقيقية، كما أننا نعيب على هذا القانون غياب الرؤية الواضحة حول أولوياتنا الاقتصادية وأيضا من حيث استقطاب الاستثمارات، وهو قانون نعتبره اعد سريعا لتحديد حاجيات الدولة في مثل هذا الظرف الاستثنائي الصعب، والى الآن نحن مازلنا نبحث عن مصادر تمويل، وجميع المؤسسات المالية العالمية في حالة ترقب، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي ستكون صعبة للغاية، فنحن ولعقد من الزمن لم نحقق أي تقدم، كما لم تتمكن أي حكومة من تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منها من صندوق النقد الدولي، وعلينا مصارحة الشعب بحقيقة الأمر لتنفيذ كافة الإصلاحات الموجعة جدا، وهي تضحيات كبيرة لجميع الفئات وليست حكرا على الضعيفة والمهمشة فقط، والنزيف سيتواصل في حال تواصل الأمر على ماهو عليه الآن.

 

* ماهي العراقيل اللوجستية التي تواجهها تونس على مستوى التجارة الخارجية؟

هناك تعطيل في الديوانة، بالإضافة إلى الحالة السيئة لميناء رادس، والذي مازال مردوده دون المستوى المطلوب إلى جانب التأخير المتواصل على مستوى تبادل البضائع، هذا بالنسبة لأوروبا، أما بالنسبة لإفريقيا لا توجد مطلقا خطوط بحرية مباشرة تمكن بلادنا من توسيع دائرة استثماراتها، وسبق أن تطرقنا لذلك عديد المرات، وهذه العراقيل تحول دون تقدم بلادنا اقتصاديا والعثور على أسواق جديدة.

 

*ماهي القطاعات التي يمكن لتونس أن تجني منها الكثير من الأموال داخل إفريقيا؟

هناك العديد من القطاعات التي يمكن لتونس أن تستثمر فيها ونحن كممثلين عن مجلس الأعمال الإفريقي التونسي، قمنا بأكثر من 30 زيارة إلى إفريقيا، ووجدنا ان مكاتب الهندسة في تونس تقوم بأعمال كبيرة في إفريقيا عبر دراسات هندسية دقيقة للمشاريع، كذلك في البنية التحتية وتشييد الطرقات، وعديد المؤسسات التونسية نجحت في فرض نفسها في هذا المجال داخل إفريقيا، كذلك الأمر في الصناعات الغذائية، وأيضا في الصناعات الصيدلية، أيضا في التعليم لدينا مكانتنا في إفريقيا ونحن نستقطب آلاف الطلاب الأفارقة، ومؤخرا بدأت الصناعات الالكترونية والميكانيكية والكيمياوية تجد طريقها إلى الأسواق الإفريقية، وباختصار فإن تونس تملك المعرفة وبإمكانها أن تفيد الأسواق الإفريقية في العديد من المجالات، وبإمكاننا خلق فرص عمل جديدة واستثمارات كبيرة، ووجب على ضوء ذلك إزاحة كافة العراقيل التي سبق أن تطرقنا إليها.

 

*ألا تلاحظ أن تدني التصنيف السيادي لبلادنا من قبل وكالات التصنيف الائتماني أثر بشكل لافت على استثماراتنا في إفريقيا؟

-طبعا هذه المسألة تعد مؤرقة لنا، فمثلا لو حاولنا الاقتراض لدفع نشاطاتنا في إفريقيا أصبح الأمر صعبا ومشطا جدا، وللأسف الشديد التصنيفات السلبية الأخيرة أثرت بشكل لافت في الآونة الأخيرة، وانعكس الأمر حتى على الدولة التونسية نفسها التي تجد صعوبة في تمويل ميزانيتها، وأصبح القطاع الخاص أيضا يجد صعوبة كبيرة في الحصول على تمويلات، ولهذا السبب سنعمل في المنتدى الإفريقي القادم في دورته الخامسة على البحث عن حلول تمويلية، وهو يتضمن 3 جوانب مهمة هي البحث عن التمويل والاستثمار والتجارة، وسيقع التركيز على الجانب التمويلي، علما وأن الجهود انطلقت مع العديد من المؤسسات المالية العالمية وستتواصل خلال المنتدى القادم حتى نتمكن في توفير السيولة اللازمة لمختلف استثماراتنا داخل إفريقيا وسيترأس هذه المفاوضات وزير المالية السابق نزار يعيش.

 

*هل تملك تونس دبلوماسية اقتصادية ناجعة بإمكانها أن تذلل العقبات للاستثمار في إفريقيا؟

-لا بد أن أحيطك علما أن مجلس الأعمال الإفريقي في شراكة تامة مع وزارة الخارجية التونسية منذ سنة 2015، ونعمل سويا في الدفاع عن مصالح تونس الاقتصادية في الخارج سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو الخاص، وصحيح أن تمثيلنا الدبلوماسي قليل داخل إفريقيا، إلا أننا متواجدون بقوة في 9 بلدان افريقية جنوب الصحراء، وللأسف إمكانيات الدولة التونسية لا تسمح لها في الوقت الحالي بتوسيع دائرة تواجدها في مختلف الدول الإفريقية، ونحن نرنو لتحقيق ذلك مستقبلا، ومع ذلك فإن مجلس الأعمال الإفريقي يقوم بجهود كبيرة لفائدة عديد المنظمات الوطنية خارج تونس ويستميت في الدفاع عن مصالحها داخل القارة الإفريقية.

 

*ختاما، برأيك المأزق المالي في تونس اليوم هل من الممكن تجاوزه مستقبلا؟

لا اخفي عليك الوضع المالي في بلادنا صعب جدا ومقلق في ذات الوقت، ونحن نعيش أزمة خانقة بأتم معنى الكلمة، والى الآن نجهل إن كانت المفاوضات المصيرية مع صندوق النقد الدولي ستكلل بالنجاح أم لا، وعلى رأسي السلطة من حكومة ورئيس الجمهورية العمل على عدة فرضيات للخروج من هذه الأزمة غير المسبوقة، والقيام بكافة الإصلاحات الضرورية في أقرب الآجل لطمأنة الجميع.

سفيان المهداوي 

رئيس مجلس التعاون التونسي الإفريقي لـ"الصباح" :  زيارة سعيد إلى بروكسيل هدفها ضمان حصة تونس من استثمارات أوروبية بقيمة 300 مليار أورو



*من الضروري أن تقدم تونس عرضا مغريا للإتحاد الأوروبي

*للأسف تونس متأخرة كثيرا لوجستيا في إفريقيا وعلينا تدارك ذلك

*ميناء رادس يستقبل 300 ألف حاوية في السنة مقابل 7 مليون حاوية في المغرب!

*الفرصة متاحة لإنشاء منطقة تبادل تجاري قوية داخل إفريقيا بين تونس وليبيا والنيجر

*أكثر من 2500 مليون دينار خسرتها تونس جراء الحرب في ليبيا

*البيروقراطية المقيتة تسببت في هروب المستثمرين وقانون الصرف البالي عمق الأزمة

*للأسف نحن مقبلون على إصلاحات موجعة لن تستثني أحدا

 

تونس- الصباح

دعا رئيس مجلس التعاون التونسي الإفريقي أنيس الجزيري في حوار مطول مع "الصباح"، بحر الأسبوع الجاري، بضرورة العمل منذ اليوم بين رأسي السلطة على إيجاد الحلول الفورية للمأزق المالي الذي تعيشه بلادنا، مؤكدا على ضرورة أن يتقبل الجميع الإصلاحات الموجعة التي من شانها أن تنقذ بلادنا من مأزقها الاقتصادي والمالي، مشددا على أن المنتدى القادم الذي تحتضنه تونس منتصف شهر ماي القادم سيبحث مع المؤسسات المالية العالمية طرق الحصول على تمويلات لدفع الاستثمارات التونسية داخل إفريقيا.

وكشف أنيس الجزيري، أن زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد الأخيرة إلى بروكسيل، كان الهدف منها حصول تونس على نصيبها من الاستثمارات الأوروبية داخل إفريقيا والمقدرة كحصة أولية بـ300 مليار أورو، واستغلال هذه الاستثمارات في الرفع من قدرة تونس اللوجستية حتى تتمكن من توسيع أنشطتها الاقتصادية في إفريقيا.

واستنكر الجزيري العراقيل المتواصلة في ملف الاستثمار ببلادنا والذي مازال دون المأمول ولا يشجع على استقطاب الاستثمارات، بالإضافة إلى تواصل البيروقراطية والتراخيص المشطة، إلى جانب قدم قانون الصرف والذي لا يتكيف مع المتغيرات العالمية اليوم ويحد من فرص الاستثمار ببلادنا.

ونبه رئيس مجلس التعاون التونسي الإفريقي أنيس الجزيري إلى أهمية الإسراع في تطوير الموانئ التونسية، والتي مازالت متأخرة كثيرا عن العديد من البلدان الشقيقة، إلى جانب الرفع من حصص تونس في التبادل التجاري في إفريقيا، والعمل منذ اليوم على تحويلها إلى بوابة لأوروبا نحو إفريقيا لما في ذلك من مزايا اقتصادية ومالية مهمة لبلادنا. وفيما يلي نص الحوار.

 

*بداية السيد أنيس الجزيري، ماهي انتظارات المنتدى الإفريقي من زيارة سعيد إلى بروكسيل مؤخرا ضمن فعاليات الافتتاح الرسمي لأعمال الدورة السادسة لقمة الاتحاد الأوروبي-الاتحاد الإفريقي؟

 

نحن نثمن هذه الزيارة لأنها تعتبر من الزيارات الأولى لرئيس الجمهورية لمنتدى مهم تشارك فيه إفريقيا بقوة، والذي من أهم أهدافه توطيد العلاقة أكثر بين القارتين الإفريقية والأوروبية، وإعادة بلورة رؤية جديدة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع أوروبا، وبالنسبة لتونس فهي مرتبطة بالاتحاد الأوروبي وقرابة 75 بالمائة من المبادلات التجارية مع قارة أوروبا، واليوم الاتحاد الأوروبي مهتم كثيرا بإفريقيا أكثر من أي وقت مضى، على غرار الصين "طريق الحرير" وتركيا وهي بلدان انطلقت في الاستثمار في إفريقيا على حساب أوروبا، الأمر الذي دفع بالاتحاد الأوروبي إلى تخصيص اعتمادات أولية ناهزت 300 مليار أورو في إطار برنامج يعرف تحت اسم"Global Gateway" وأكثر هذه الاعتمادات موجهة لإفريقيا ولمنافسة الصين وبرنامجها طريق الحرير، وعلى ضوء ذلك قام مجلس الأعمال الإفريقي بمراسلة رئيس الجمهورية قيس سعيد لحثه على المشاركة في هذا المؤتمر الضخم الذي يمكن لبلادنا ان تستفيد منه في كافة المجالات، وأول برنامج قمنا بطرحه ضرورة تطوير الرحلات الجوية والبرية وإقامة منطقة تبادل تجاري حر بين تونس والجزائر وليبيا-النيجر وهو طريق يمكننا من الولوج إلى البلدان الإفريقية التي لا تطل على البحر وستستفيد تونس وأوروبا كثيرا من هذا البرنامج الذي سيطور المبادلات التجارية، علما وان المدة التي نستغرقها اليوم مع هذه البلدان أكثر من شهر ومع تفعيل هذا البرنامج تتقلص المدة لأسبوع، بالإضافة إلى تطوير ميناء النفيضة الذي مازال غير مؤهل بعد، ولم لا توفير جزء من الاستثمارات لتشييده وفق المواصفات الدولية واستغلاله أحسن استغلال في التبادل التجاري مع أوروبا، علما وان البرنامج يتضمن 6 جوانب مهمة أبرزها الجانب اللوجستي، والصحة والتعليم وقطاعات التكنولوجيا والاتصالات، ومن الضروري أن تقدم تونس عرضا مغريا للإتحاد الأوروبي حتى تفوز بالنصيب الهام من هذه الاستثمارات.

 

* ما قد يفهم من هذا البرنامج أن تونس ستتحول إلى بوابة عبور لأوروبا نحو إفريقيا؟

-رجاء... رجاء، هذه المعطيات مغلوطة، حينما نقول بوابة فإن هذا الأمر لا ينطبق بعد على تونس، وينطبق على المغرب الشقيق الذي قطع مراحل مهمة، حيث بلغ عدد الحاويات العابرة إليه نحو 7 مليون، في حين لم يتجاوز ميناء رادس 300 ألف حاوية، كما أن للمغرب أكثر من 33 رحلة جوية نحو البلدان الإفريقية، في المقابل لا تتجاوز عدد الرحلات الموجهة لإفريقيا من تونس نحو 8 رحلات فقط، باختصار نحن مازلنا متأخرين كثيرا حتى نصبح بوابة لإفريقيا، لكن مع زيارة الرئيس الأخيرة، حان الوقت لنعمل على هذه الجوانب المهمة، ومنها تطوير الخطوط التونسية أو الاستعانة بخطوط أخرى، وتطوير الخطوط البحرية والموانئ، وتوسيع قاعدة تواجد البنوك التونسية في مختلف الدول الإفريقية، وبذلك يمكن القول إننا قطعنا أشواطا مهمة لنصبح بوابة أوروبا نحو إفريقيا، علما وأننا نعمل اليوم في إطار مفاوضات متعددة على تحقيق ذلك.

 

*كم خسرت تونس تجاريا واقتصاديا بعد أحداث ليبيا الأخيرة؟

-(ضاحكا).. هذا ملف شائك وكبير، لكن ما نعلمه أن أغلب الفاعلين الاقتصاديين التونسيين تراجعوا عن الاستثمار في ليبيا منذ أن تدهورت الأوضاع الأمنية فيها، وأثر ذلك على تجارتنا معها، وبالأرقام كان حجم التبادل التجاري مع ليبيا سنة 2010 في حدود 3500 مليون دينار، وتقلص إلى نحو 1000 مليون دينار أي قرابة الثلث خلال الـ10 السنوات الأخيرة، وخسرنا قرابة 2500 مليون دينار بين مشاريع وتبادل تجاري، وقمنا خلال السنوات الأخيرة أي بداية من سنة 2019، بتنظيم العديد من اللقاءات مع الجانب الليبي وأعدنا العلاقات الاقتصادية، وتحسنت المبادلات إلى 1800 مليون دينار خلال 2021، إلا أننا مازلنا لم نصل إلى مستويات سنة 2010، بسبب تنامي الصراعات داخل هذا القطر الشقيق، وعلى تونس أن تدافع على مصالحها هناك مثل بقية الدول اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا.

 

*صرحت سابقا أن تونس خسرت الرهان عبر البحر وبقي الرهان الوحيد عبر البر فماهي الحلول لنكسب هذا الرهان؟

نحن في الوقت الحالي خسرنا الرهان عبر البحر مقارنة بمصر والمغرب وتركيا وهؤلاء يملكون جميعا خطوطا بحرية قوية ومباشرة نحو العديد من البلدان الإفريقية، وتونس للأسف لا تملك بعد خطوطا بحرية مباشرة إلى إفريقيا وجلها نحو بلدان أوروبية مثل مرسيليا أو جنوة أو المغرب وجميع البضائع تبقى في هذه الموانئ لمدة تصل لأكثر من أسبوعين وهي مكلفة جدا للجانب التونسي، ولمنافسة هذه الدول لا بد من إنشاء خطوط بحرية مباشرة نحو دكار وأبيدجان وعواصم افريقية أخرى، كذلك من الضروري إنشاء موانئ جديدة مثل تطوير ميناء النفيضة وميناء بنزرت، وعموما في الجانب البحري نحن مطالبون بأشغال كبيرة ومكلفة، لكن حاليا هناك الجانب البري والذي يعد اقل تكلفة علما وان أشغال الطريق السريعة نحو منطقة بنقردان ماتزال سارية لتعزيز التبادل التجاري مع ليبيا، وهناك مسألة الجانب الأمني مع حدود النيجر وليبيا مازالت غير مؤمنة، ولا بد من تأمين هذه المنطقة عبر الحضور الدبلوماسي، وذلك قصد تأمين البضاعة التونسية للولوج إلى الأسواق الإفريقية، أو عن طريق الجزائر والنيجر، وهذا المجال يحتاج إلى تدخل من الجانب التونسي حتى يسمح الجانب الجزائري من تدفق البضائع التونسية نحو النيجر وتشاد.

 

*هل أحسنت تونس استغلال اتفاقية التبادل التجاري الحر الإفريقية "زليكا"؟

لا بد هنا أن نوضح نقطة مهمة هناك اتفاقية "الكوميسا" للتبادل التجاري في إفريقيا الشرقية، وهي تهم 21 بلدا إفريقيا انطلاقا من تونس وليبيا ومصر والسودان وأثيوبيا وجيبوتي وتصل إلى كينيا وتنزانيا وغيرها من البلدان، وهذه الاتفاقية مفعلة وحصلت من خلالها تونس على امتيازات ديوانية، وارتفعت صادرات تونس نحو كينيا إلى نحو 8 ٪ في المواد الفلاحية، وهناك عدة بلدان ماتزال معها بعض العقبات مثل مصر وأثيوبيا، أما المنطقة الحرة القارية "زليكا" فهي اتفاقية لم تفعل بعد، وبرنامج التفعيل لهذه الاتفاقية يمتد على 5 سنوات، وكل دولة سيقع تحرير بضاعتها بنسبة 90 ٪، وتونس مازالت تستعد لتقديم ملفها، والمفاوضات مازالت جارية مع الدول المتواجدة في هذه الاتفاقية التي تتميز بخصم في الامتيازات الديوانية بنحو 20٪ كل سنة على مدة تمتد إلى 5 سنوات، ثم سيقع التحرير الكامل بعد قرابة 10 سنوات ما يعني أن هذه الاتفاقية ستبقى قيد الانجاز لعقد من الزمن، وهذه الاتفاقية مهمة جدا لتونس.

*في الآونة الأخيرة شهدت أسعار النفط ارتفاعا قياسيا وغير مسبوق، فهل يؤثر ذلك على نشاط الشركات التونسية في الفترة القليلة القادمة؟

هذه مشكلة كبيرة فمنذ جائحة كوفيد-19 ارتفعت أسعار النفط وسيؤثر ذلك أولا على إمداداتنا من القمح وكذلك المواد الأولية، وارتفع ثمن الحاويات القادمة من الصين إلى تونس من 4000 دولار إلى 20 ألف دولار اليوم، وارتفاع تكاليف الشحن سيؤثر كثيرا على الاقتصاد العالمي وليس تونس فقط، وطبعا محليا هناك العديد من الشركات التونسية التي بدأت تمر بأزمات مالية نتيجة هذا الظرف الاقتصادي الصعب والذي يتزامن مع تفشي اخطر جائحة صحية أنهكت اقتصاديات العديد من الدول، علما وأن تونس أعدت ميزانيتها على مستوى 75 دولارا للبرميل الواحد، وحاليا ارتفع إلى نحو 95 دولارا، ما يعني خسائر جديدة بآلاف المليارات لخزينة الدولة، وهناك انتظارات بارتفاع أسعار الوقود مجددا، ومع ذلك فإن الدولة التونسية ستكون عاجزة مجددا على خفض العجز في ميزانيتها نتيجة تواصل ارتفاع أسعار النفط عالميا، وسيكون لذلك انعكاسات قاسية على الشركات التونسية، وأيضا المواطنين، والدولة مطالبة اليوم بالتدخل العاجل لدعم القطاعات الحيوية والشركات لتفادي أزمة اقتصادية جديدة في الأشهر القادمة، ومن الضروري أيضا أن تشارك البنوك التونسية في عملية الإنقاذ لتفادي أي انعكاسات خطيرة على المدى القصير.

 

* تقييمك لمناخ الأعمال اليوم في تونس؟

 

مناخ الأعمال للأسف الشديد في تونس مازال دون المأمول ولا يشجع إطلاقا على الاستثمار سواء للمستثمر التونسي أو الأجنبي، وبكل صراحة من أكبر العراقيل التي تواجهنا اليوم العقبات "البيروقراطية" وحزمة التراخيص التي لا طائل منها ولا تشجع إطلاقا على الاستثمار، وعلى سبيل المثال كنت في إطار المفاوضات في مصر مع بعض رجال الأعمال المصريين استعدادا للدورة القادمة لمنتدى الاستثمار الإفريقي في ماي القادم في تونس، ورغب رجل أعمال مصري قدم معي إلى تونس في توسيع استثماراته ببلادنا ليفاجأ بكمية التراخيص الرهيبة، سواء من البلدية أو من الولاية، أو من بعض المؤسسات الأخرى، وإجمالا هناك أكثر من 5 تراخيص على هذا المستثمر أن ينجزها وهي فعلا كثيرة، ولا تشجع إطلاقا على المضي في تنفيذ أي مشروع، الأمر الذي دفعه إلى التخلي عن فكرة الاستثمار في بلادنا، ووجب أمام هذا العائق أن نعيد حساباتنا جميعا ونسعى إلى إزالة كافة هذه العقبات في أسرع الآجال والتقليص قدر الإمكان من هذه التراخيص والتخلص من هذه البيروقراطية المقيتة، وبعث هيئة وحيدة تعنى بتقديم كافة هذه التراخيص للمستثمرين الأجانب، كذلك نفس الأمر بالنسبة للمستثمر التونسي الذي يقضي وقته بين عشرات الهيئات للحصول على مبتغاه، وحقيقة الأمر أصبح مخجلا اليوم، وحان الوقت للتخلص من كافة العراقيل التي تحول دون تقدم الاستثمارات في بلادنا، علما وان الأمر لا يقف عند هذه المسألة، بل يتجاوزه الى قانون الصرف الذي مازال العمل متواصل به رغم أنه أعد منذ السبعينات من القرن الماضي ولا يتماشى مطلقا اليوم مع التغييرات العالمية، وكم مرة طالبنا بتحديثه، إلا أن المسؤولين واصلوا مماطلتنا، والأمر اليوم لم يعد يحتمل مزيدا من التأخير، ووجب القيام بحزمة من الإصلاحات الشاملة والسريعة لنضمن مزيدا من تدفق الاستثمارات على بلادنا.

 

*ما رأيك في قانون المالية لسنة 2022.. وما المطلوب منا اليوم في مثل هذه الظروف الصعبة؟ 

تلك هي وضعية تونس الحالية، المالية في حالة يرثى لها، إمكانياتنا متواضعة جدا، مؤسسات عمومية على حافة إفلاس غير معلن، والدولة لا تزال بصدد تقديم المساعدات لها، آلاف المليارات للاقتراض، العجز ارتفع، ونفقات الدولة وكتلة الأجور ارتفعت هي الأخرى، وبلغنا اليوم أكثر من 21 مليار دينار كتلة الأجور بعد أن كانت في حدود 6000 مليون دينار سنة 2010، ولا وجود لإنتاج، ما يزيد في تعمق الأزمة المالية، إمكانيات الدولة اليوم لم تعد تسمح بتوفير كتلة الأجور وهذا ما يجهله عامة الناس، وللأسف الشديد لا يمكننا أن نطلب من حكومة بدأت حديثا في المسار الإصلاحي أكثر من إمكانياتنا الحقيقية، كما أننا نعيب على هذا القانون غياب الرؤية الواضحة حول أولوياتنا الاقتصادية وأيضا من حيث استقطاب الاستثمارات، وهو قانون نعتبره اعد سريعا لتحديد حاجيات الدولة في مثل هذا الظرف الاستثنائي الصعب، والى الآن نحن مازلنا نبحث عن مصادر تمويل، وجميع المؤسسات المالية العالمية في حالة ترقب، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي ستكون صعبة للغاية، فنحن ولعقد من الزمن لم نحقق أي تقدم، كما لم تتمكن أي حكومة من تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منها من صندوق النقد الدولي، وعلينا مصارحة الشعب بحقيقة الأمر لتنفيذ كافة الإصلاحات الموجعة جدا، وهي تضحيات كبيرة لجميع الفئات وليست حكرا على الضعيفة والمهمشة فقط، والنزيف سيتواصل في حال تواصل الأمر على ماهو عليه الآن.

 

* ماهي العراقيل اللوجستية التي تواجهها تونس على مستوى التجارة الخارجية؟

هناك تعطيل في الديوانة، بالإضافة إلى الحالة السيئة لميناء رادس، والذي مازال مردوده دون المستوى المطلوب إلى جانب التأخير المتواصل على مستوى تبادل البضائع، هذا بالنسبة لأوروبا، أما بالنسبة لإفريقيا لا توجد مطلقا خطوط بحرية مباشرة تمكن بلادنا من توسيع دائرة استثماراتها، وسبق أن تطرقنا لذلك عديد المرات، وهذه العراقيل تحول دون تقدم بلادنا اقتصاديا والعثور على أسواق جديدة.

 

*ماهي القطاعات التي يمكن لتونس أن تجني منها الكثير من الأموال داخل إفريقيا؟

هناك العديد من القطاعات التي يمكن لتونس أن تستثمر فيها ونحن كممثلين عن مجلس الأعمال الإفريقي التونسي، قمنا بأكثر من 30 زيارة إلى إفريقيا، ووجدنا ان مكاتب الهندسة في تونس تقوم بأعمال كبيرة في إفريقيا عبر دراسات هندسية دقيقة للمشاريع، كذلك في البنية التحتية وتشييد الطرقات، وعديد المؤسسات التونسية نجحت في فرض نفسها في هذا المجال داخل إفريقيا، كذلك الأمر في الصناعات الغذائية، وأيضا في الصناعات الصيدلية، أيضا في التعليم لدينا مكانتنا في إفريقيا ونحن نستقطب آلاف الطلاب الأفارقة، ومؤخرا بدأت الصناعات الالكترونية والميكانيكية والكيمياوية تجد طريقها إلى الأسواق الإفريقية، وباختصار فإن تونس تملك المعرفة وبإمكانها أن تفيد الأسواق الإفريقية في العديد من المجالات، وبإمكاننا خلق فرص عمل جديدة واستثمارات كبيرة، ووجب على ضوء ذلك إزاحة كافة العراقيل التي سبق أن تطرقنا إليها.

 

*ألا تلاحظ أن تدني التصنيف السيادي لبلادنا من قبل وكالات التصنيف الائتماني أثر بشكل لافت على استثماراتنا في إفريقيا؟

-طبعا هذه المسألة تعد مؤرقة لنا، فمثلا لو حاولنا الاقتراض لدفع نشاطاتنا في إفريقيا أصبح الأمر صعبا ومشطا جدا، وللأسف الشديد التصنيفات السلبية الأخيرة أثرت بشكل لافت في الآونة الأخيرة، وانعكس الأمر حتى على الدولة التونسية نفسها التي تجد صعوبة في تمويل ميزانيتها، وأصبح القطاع الخاص أيضا يجد صعوبة كبيرة في الحصول على تمويلات، ولهذا السبب سنعمل في المنتدى الإفريقي القادم في دورته الخامسة على البحث عن حلول تمويلية، وهو يتضمن 3 جوانب مهمة هي البحث عن التمويل والاستثمار والتجارة، وسيقع التركيز على الجانب التمويلي، علما وأن الجهود انطلقت مع العديد من المؤسسات المالية العالمية وستتواصل خلال المنتدى القادم حتى نتمكن في توفير السيولة اللازمة لمختلف استثماراتنا داخل إفريقيا وسيترأس هذه المفاوضات وزير المالية السابق نزار يعيش.

 

*هل تملك تونس دبلوماسية اقتصادية ناجعة بإمكانها أن تذلل العقبات للاستثمار في إفريقيا؟

-لا بد أن أحيطك علما أن مجلس الأعمال الإفريقي في شراكة تامة مع وزارة الخارجية التونسية منذ سنة 2015، ونعمل سويا في الدفاع عن مصالح تونس الاقتصادية في الخارج سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو الخاص، وصحيح أن تمثيلنا الدبلوماسي قليل داخل إفريقيا، إلا أننا متواجدون بقوة في 9 بلدان افريقية جنوب الصحراء، وللأسف إمكانيات الدولة التونسية لا تسمح لها في الوقت الحالي بتوسيع دائرة تواجدها في مختلف الدول الإفريقية، ونحن نرنو لتحقيق ذلك مستقبلا، ومع ذلك فإن مجلس الأعمال الإفريقي يقوم بجهود كبيرة لفائدة عديد المنظمات الوطنية خارج تونس ويستميت في الدفاع عن مصالحها داخل القارة الإفريقية.

 

*ختاما، برأيك المأزق المالي في تونس اليوم هل من الممكن تجاوزه مستقبلا؟

لا اخفي عليك الوضع المالي في بلادنا صعب جدا ومقلق في ذات الوقت، ونحن نعيش أزمة خانقة بأتم معنى الكلمة، والى الآن نجهل إن كانت المفاوضات المصيرية مع صندوق النقد الدولي ستكلل بالنجاح أم لا، وعلى رأسي السلطة من حكومة ورئيس الجمهورية العمل على عدة فرضيات للخروج من هذه الأزمة غير المسبوقة، والقيام بكافة الإصلاحات الضرورية في أقرب الآجل لطمأنة الجميع.

سفيان المهداوي