* رفع الدعم قد يجبر آلاف الشركات الأجنبية على الرحيل
تونس-الصباح
سجلت نفقات الدعم في تونس عام 2022 ارتفاعا بنحو 7.26 مليار دينار، اي ما يعادل 15.4٪ من جملة نفقات ميزانية الدولة وقرابة 5.3٪ من الناتج المحلي الاجمالي، وفق ما كشفت عنه ميزانية سنة 2022، وقدرت حاجيات منظومة الدعم للمحروقات والكهرباء والغاز في عام 2022 نحو 5.13 مليار دينار ، أعدت بناء على فرضيات معدل سعر النفط 75 دولاراً للبرميل "برنت" ، علما وان اي زيادة بدولار واحد في أسعار النفط تكلف ميزانية الدولة اليوم قرابة 140 مليون دينار ، وهو مايزيد في استنزاف الميزانية ويحرم الدولة من تحقيق التوازنات المالية المطلوبة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
وارتفعت الاعتمادات المرصودة لدعم المواد الأساسية والغذائية لسنة 2022 إلى نحو 3.7 مليار دينار ، مقابل 2.2 مليار دينار خلال سنة 2021 ، بالإضافة إلى 600 مليون دينار لدعم النقل العمومي ، علما وان هذه الاعتمادات تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بالسنوات العشر الماضية، وتجاوزت 6 مليارات دينار في عام 2010، لتبلغ 22 مليار دينار اجمالا خلال 2022 ، وتعد من احد الأسباب الرئيسية في اختلال التوازنات المالية في تونس.
واقر المدير العام للمحروقات في وزارة الطاقة والمناجم رشيد دالي ، في تصريح سابق ل"الصباح" بأهمية زيادة الاسعار في المحروقات وفق آلية التعديل التي وضعتها الوزارة، خاصة بعد ان ارتفع سعر برميل النفط الى أكثر من 85 دولار، في حين ان السعر الذي تم العمل به في ميزانية دعم المحروقات كان في حدود 45 دولار، وهناك مقترح للرفع من الأسعار للحد من عجز الدولة.
واضاف، ان الوزارة منكبة على تطبيق استراتيجية الدولة للرفع من الموارد الطاقية ، والتنقيب والبحث عن حقول جديدة، بالاضافة الى الرفع من الاستثمارات في الطاقات المتجددة.
خسائر فادحة للمجموعة الوطنية
وبين بن دالي ، ان ارتفاع اسعار النفط في الآونة الاخيرة ارهق الميزانية العمومية وكبد المجموعة الوطنية خسائرة كبيرة، حيث ان دولار واحد يقابله خسائر بحوالي 140 مليون دينار ، والحلول لن تكون مسقطة وانما وجب دراستها بتأني، مبرزا أن آخر زيادة تم تفعيلها كانت في أفريل الماضي، ومنذ ذلك الحين لم يقع تفعيل أي زيادة في اسعار المحروقات.
وكشف رشيد بن دالي، من جهة اخرى، ان الوزارة تعكف اليوم على دراسة كافة المقترحات المتعلقة برفع الدعم تدريجيا عن المحروقات، وذلك التزاما بتوصيات صندوق النقد الدولي ، لافتا الى ان الدراسة محل نقاش، وهي تهدف الى تفعيل الكلفة الحقيقية لاسعار المحروقات دون المس بالطبقة الضعيفة.
تصريح الدالي ، يأتي تزامنا مع دعوة عدد من خبراء الطاقة والمسؤولين، مؤخرا، خلال ندوة صحفية بمقر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات حول "حوكمة الطاقة" ، الى ضرورة العمل على جلب الاستثمارات في المجال الطاقي وفتح المجال للشركات التونسية لتوريد حاجيات تونس من المواد الطاقية ، بالاضافة الى العمل على محاربة التهريب الحدودي للمحروقات، والذي يمثل قرابة 25% من السوق الموازية ، ومراجعة منظومة الدعم التي أثقلت كاهل الدولة ،وتحيين التشريعات في المجال الطاقي، والرفع من هامش الربح للشركات التونسية الى اكثر من 5%.
عجز قياسي في ميزانية المحروقات
وتم تخصيص مبلغ 3،401 مليار دينار من ميزانيّة الدولة لسنة 2021 (52،6017 مليار دينار) لنفقات الدعم أي ما يمثّل 8،3 بالمائة من اجمالي النفقات المرسّمة بالميزانيّة و2،8 بالمائة من الناتج المحلّي الإجمالي، وفق ما أظهرته ميزانيّة الدولة لسنة 2021.
وتشمل نفقات الدعم، دعم المحروقات والتي قدرتها حاجيات التمويل الضروريّة لتوازن منظومة المحروقات والكهرباء والغاز في سنة 2021 بحوالي 0،501 مليار دينار ، وتمّ ضبط هذه الحاجيات على أساس فرضيّة تتعلّق بمعدل سعر النفط في حدود 45 دولارا للبرميل من « البرنت » ومعدل سعر صرف الدولار بقيمة 2،800 دينار للدولار الواحد.
كما تم رسم قيمة الدعم في ظل انتاج وطني في حدود 2142 مليون طن من النفط الخام و 2464 مليون طن معادل نفط من الغاز الطبيعي مقابل 1872 مليون طن و2143 مليون طن خلال سنة 2020 وفي ظل استهلاك الغاز الطبيعي بـ5750 مليون طن معادل نفط أي بزيادة بحوالي 4،5 بالمائة.
ووفق ما كشفت عنه بعض المصادر، فإن الدولة مازالت تتخبط في رفع الدعم عن عدد من المواد واعتماد عملية التدرج التي ستكون من خلال تعديل الأسعار مرة كل ستة أشهر على امتداد 4 سداسيات أي على امتداد عامين ليقع بداية من 2023 اعتماد الأسعار الحقيقية لعدد من المواد المدعمة ، وقبل الشروع في تنفيذ هذه الخطة سيتم توزيع موارد مالية على العائلات المعوزة ومحدودة الدخل بمبلغ شهري في حدود 300 دينار لكل عائلة.
وأثارت الخطوات التي اعتزمت حكومة هشام المشيشي السابقة اتخاذها في اطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتي تشمل رفع الدعم نهائيا، غضب التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وان رفع الدعم عن المواد الاساسية يتزامن مع تدني مستوى العيش للتونسي وارتفاع أسعار العديد من المواد، ما دفع بالعديد الى التحذير من موجة احتجاجات عارمة في البلاد ، في حال تنفيذ برنامج الحكومة لرفع الدعم عن المواد الاساسية.
ويشدد الخبراء ، على ضرورة تطوير مداخيل المواطنين قبل الاقدام على هذه الخطوة التي ستلحق ضررا كبيرا في ميزانية الاسر، وتعمق من الازمة الاجتماعية الخانقة التي خلفتها جائحة كورونا منذ نحو عامين ، محذرين في الوقت ذاته خطر انهيار القدرة الشرائية للتونسيين في الفترة القادمة.
في المقابل، يؤكد مسؤولون بالحكومة، أن حجم الميزانية الموجهة لدعم المنتجات الأساسية وعدد من القطاعات الاستراتيجية، لا يقل عن 2.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام التونسي، مشددين على أن نسبة الدعم في تونس تعد نسبة معقولة مقارنة بالمعدل العام للدعم المسجل في الدول العربية، والذي يتراوح بين 5 و6 في المائة مقابل نسبة لا تتعدى 1.3 في المائة في البلدان النامية.
ميزانية الدعم في أرقام
وخصصت ميزانية تونس لسنة 2020 نسبة 9 في المائة من الميزانية العامة للدولة لدعم عدد من المنتجات الأساسية والمحروقات والكهرباء والنقل، وأشارت التقديرات الحكومية إلى أن مقدار الدعم خلال سنة 2020 ناهز حدود 4.18 مليار دينار تونسي، وهو يتوزع بين 1.8 مليار دينار موجهة نحو دعم المواد الأساسية (الخبز والعجين بأنواعه)، ونفس المبلغ لدعم المحروقات والكهرباء، و0.5 مليار دينار لقطاع النقل العمومي.
وبلغت نفقات دعم المواد الأساسية لسنة 2021 تحديدا 2400 مليون دينار ،مقابل 1800 مليون دينار تم برمجتها في قانون المالية لسنة 2020، وشملت الزيادة تغير اسعار الحبوب والزيت النباتي التي شهدت مع موفى سنة 2020 ارتفاعا بفعل تبعات جائحة كوفيد-19 .
وتتوزع ميزانية الدعم وفقا لبيانات وزارة التجارة على الحبوب بـ1804 مليون دينار يليها الزيت النباتي بـ290 مليون دينار والحليبب 205 مليون دينار، و86 مليون دينار لدعم العجين الغذائي و10 مليون دينار لدعم السكر الذي شهد مع بداية سنة 2021 ارتفاعا في أسعاره ب 100 مليم، نتيجة العجز المسجل لدى الشركة المنتحة.
رفع الدعم يجبر شركات على الرحيل
وأمام موجة الزيادات الأخيرة ، خرج العديد من الخبراء الى المنابر الاعلامية للتحذير من موجة الزيادات الاخيرة التي طالت مختلف القطاعات الانتاجية ، داعين الحكومة الى الضغط على حركة الاسعار التي قفزت الى مستويات تهدد السلم الاجتماعي.
واعتبر بعض الخبراء ان سياسة رفع الدعم التي تنتهجها الحكومة ستزيد من عمق الازمة، مشددين على ضرورة ان تعمل مستقبلا على القضاء على التجارة الموازية والحد من ظاهرة التلاعب بالاسعار والاحتكار والقضاء على التهريب ، مقرين في ذات الوقت ان منظومة الدعم المفروضة في بلادنا منذ سنوات طويلة، كانت تهدف الى الحفاظ على مستوى الاجور متدنية في اطار التشجيع على جلب الاستثمار الاجنبي وخلق مواطن شغل جديدة ، وفي حال المطالبة برفع الاجور فإن ذلك سيدفع آلاف الشركات الكبرى الى مغادرة البلاد بسبب عدم قدرتها على مجاراة الارتفاع في الاجور.
وتتخوف الاطراف الاقتصادية اليوم من مسألة رفع الدعم الذي قد تنتهجه الدولة التونسية مستقبلا اذعانا لشروط صندوق النقد الدولي، حيث ان ابقاء الدعم على حاله، يبقي التوازنات المالية للشركات الكبرى الاجنبية الناشطة في بلادنا والتي تعتمد بالاساس على استقطاب اليد العاملة بأجور زهيدة ، وفي حال رفع الدعم فإن هذه الشركات مضطرة لرفع الاجور الى مستويات لن تقدر على مجاراتها الامر الذي يدفعها الى الرحيل.
ونبّه اتحاد الصناعة والتجارة ، مؤخرا ، بأن الوضع المالي والاقتصادي الراهن ينذر بالأسوأ ويفرض الانطلاق في الإصلاحات العاجلة والهيكلية، مؤكدا أن لا حل لتونس سوى إقرار خطة طوارئ للإنقاذ الاقتصادي تقوم على تحسين المناخ العام للأعمال ودفع الاستثمار، وتشجيع التصدير وتنشيط الديبلوماسية الاقتصادية بما يساعد على اقتحام الأسواق الخارجية ويدعم جاذبية الوجهة التونسية لاستقطاب المستثمرين ، ومراجعة منوال التصرف في موارد البلاد ، بالاضافة الى مراجعة سياسة الدعم وتوجيهه نحو مستحقيه دون الإضرار بمصلحة الفئات الهشة.
كما دعت منظمة الاعراف الحكومة الى التركيز على القطاعات الواعدة وخاصة الطاقات المتجددة، وحل مشكلة تمويل المشاريع التي أصبحت تعاني منها المؤسسات بسبب الشح في السيولة، ودفع المستحقات المالية للقطاعات المتخلدة لدى الدولة ومؤسساتها، والتصدي للتجارة الموازية والإسراع بإدماجها في الاقتصاد المنظم..
وتؤكد الارقام المسجلة للاقتصاد الوطني خلال السنتين الاخيرتين ، إن الوضع الاقتصادي الصعب يستوجب مراجعة فعلية لمنوال التنمية، والتضحيات لا يجب أن تقدمها الطبقات الفقيرة والمتوسطة وحدها، لكن أيضا الطبقة الميسورة .
ويطالب بعض خبراء الاقتصاد الحكومة بضرورة "محاربة الاقتصاد الريعي، والتصدي للتهرّب الضريبي، وإصلاح المنظومة الجبائية، وتكثيف الرّقابة على الصفقات العمومية، ومراقبة مسالك الإنتاج والتوزيع لتعديل الأسعار، ووضع حدّ لتغول لوبيات الاحتكار والفساد".
*سفيان المهداوي
* رفع الدعم قد يجبر آلاف الشركات الأجنبية على الرحيل
تونس-الصباح
سجلت نفقات الدعم في تونس عام 2022 ارتفاعا بنحو 7.26 مليار دينار، اي ما يعادل 15.4٪ من جملة نفقات ميزانية الدولة وقرابة 5.3٪ من الناتج المحلي الاجمالي، وفق ما كشفت عنه ميزانية سنة 2022، وقدرت حاجيات منظومة الدعم للمحروقات والكهرباء والغاز في عام 2022 نحو 5.13 مليار دينار ، أعدت بناء على فرضيات معدل سعر النفط 75 دولاراً للبرميل "برنت" ، علما وان اي زيادة بدولار واحد في أسعار النفط تكلف ميزانية الدولة اليوم قرابة 140 مليون دينار ، وهو مايزيد في استنزاف الميزانية ويحرم الدولة من تحقيق التوازنات المالية المطلوبة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
وارتفعت الاعتمادات المرصودة لدعم المواد الأساسية والغذائية لسنة 2022 إلى نحو 3.7 مليار دينار ، مقابل 2.2 مليار دينار خلال سنة 2021 ، بالإضافة إلى 600 مليون دينار لدعم النقل العمومي ، علما وان هذه الاعتمادات تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بالسنوات العشر الماضية، وتجاوزت 6 مليارات دينار في عام 2010، لتبلغ 22 مليار دينار اجمالا خلال 2022 ، وتعد من احد الأسباب الرئيسية في اختلال التوازنات المالية في تونس.
واقر المدير العام للمحروقات في وزارة الطاقة والمناجم رشيد دالي ، في تصريح سابق ل"الصباح" بأهمية زيادة الاسعار في المحروقات وفق آلية التعديل التي وضعتها الوزارة، خاصة بعد ان ارتفع سعر برميل النفط الى أكثر من 85 دولار، في حين ان السعر الذي تم العمل به في ميزانية دعم المحروقات كان في حدود 45 دولار، وهناك مقترح للرفع من الأسعار للحد من عجز الدولة.
واضاف، ان الوزارة منكبة على تطبيق استراتيجية الدولة للرفع من الموارد الطاقية ، والتنقيب والبحث عن حقول جديدة، بالاضافة الى الرفع من الاستثمارات في الطاقات المتجددة.
خسائر فادحة للمجموعة الوطنية
وبين بن دالي ، ان ارتفاع اسعار النفط في الآونة الاخيرة ارهق الميزانية العمومية وكبد المجموعة الوطنية خسائرة كبيرة، حيث ان دولار واحد يقابله خسائر بحوالي 140 مليون دينار ، والحلول لن تكون مسقطة وانما وجب دراستها بتأني، مبرزا أن آخر زيادة تم تفعيلها كانت في أفريل الماضي، ومنذ ذلك الحين لم يقع تفعيل أي زيادة في اسعار المحروقات.
وكشف رشيد بن دالي، من جهة اخرى، ان الوزارة تعكف اليوم على دراسة كافة المقترحات المتعلقة برفع الدعم تدريجيا عن المحروقات، وذلك التزاما بتوصيات صندوق النقد الدولي ، لافتا الى ان الدراسة محل نقاش، وهي تهدف الى تفعيل الكلفة الحقيقية لاسعار المحروقات دون المس بالطبقة الضعيفة.
تصريح الدالي ، يأتي تزامنا مع دعوة عدد من خبراء الطاقة والمسؤولين، مؤخرا، خلال ندوة صحفية بمقر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات حول "حوكمة الطاقة" ، الى ضرورة العمل على جلب الاستثمارات في المجال الطاقي وفتح المجال للشركات التونسية لتوريد حاجيات تونس من المواد الطاقية ، بالاضافة الى العمل على محاربة التهريب الحدودي للمحروقات، والذي يمثل قرابة 25% من السوق الموازية ، ومراجعة منظومة الدعم التي أثقلت كاهل الدولة ،وتحيين التشريعات في المجال الطاقي، والرفع من هامش الربح للشركات التونسية الى اكثر من 5%.
عجز قياسي في ميزانية المحروقات
وتم تخصيص مبلغ 3،401 مليار دينار من ميزانيّة الدولة لسنة 2021 (52،6017 مليار دينار) لنفقات الدعم أي ما يمثّل 8،3 بالمائة من اجمالي النفقات المرسّمة بالميزانيّة و2،8 بالمائة من الناتج المحلّي الإجمالي، وفق ما أظهرته ميزانيّة الدولة لسنة 2021.
وتشمل نفقات الدعم، دعم المحروقات والتي قدرتها حاجيات التمويل الضروريّة لتوازن منظومة المحروقات والكهرباء والغاز في سنة 2021 بحوالي 0،501 مليار دينار ، وتمّ ضبط هذه الحاجيات على أساس فرضيّة تتعلّق بمعدل سعر النفط في حدود 45 دولارا للبرميل من « البرنت » ومعدل سعر صرف الدولار بقيمة 2،800 دينار للدولار الواحد.
كما تم رسم قيمة الدعم في ظل انتاج وطني في حدود 2142 مليون طن من النفط الخام و 2464 مليون طن معادل نفط من الغاز الطبيعي مقابل 1872 مليون طن و2143 مليون طن خلال سنة 2020 وفي ظل استهلاك الغاز الطبيعي بـ5750 مليون طن معادل نفط أي بزيادة بحوالي 4،5 بالمائة.
ووفق ما كشفت عنه بعض المصادر، فإن الدولة مازالت تتخبط في رفع الدعم عن عدد من المواد واعتماد عملية التدرج التي ستكون من خلال تعديل الأسعار مرة كل ستة أشهر على امتداد 4 سداسيات أي على امتداد عامين ليقع بداية من 2023 اعتماد الأسعار الحقيقية لعدد من المواد المدعمة ، وقبل الشروع في تنفيذ هذه الخطة سيتم توزيع موارد مالية على العائلات المعوزة ومحدودة الدخل بمبلغ شهري في حدود 300 دينار لكل عائلة.
وأثارت الخطوات التي اعتزمت حكومة هشام المشيشي السابقة اتخاذها في اطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتي تشمل رفع الدعم نهائيا، غضب التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وان رفع الدعم عن المواد الاساسية يتزامن مع تدني مستوى العيش للتونسي وارتفاع أسعار العديد من المواد، ما دفع بالعديد الى التحذير من موجة احتجاجات عارمة في البلاد ، في حال تنفيذ برنامج الحكومة لرفع الدعم عن المواد الاساسية.
ويشدد الخبراء ، على ضرورة تطوير مداخيل المواطنين قبل الاقدام على هذه الخطوة التي ستلحق ضررا كبيرا في ميزانية الاسر، وتعمق من الازمة الاجتماعية الخانقة التي خلفتها جائحة كورونا منذ نحو عامين ، محذرين في الوقت ذاته خطر انهيار القدرة الشرائية للتونسيين في الفترة القادمة.
في المقابل، يؤكد مسؤولون بالحكومة، أن حجم الميزانية الموجهة لدعم المنتجات الأساسية وعدد من القطاعات الاستراتيجية، لا يقل عن 2.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام التونسي، مشددين على أن نسبة الدعم في تونس تعد نسبة معقولة مقارنة بالمعدل العام للدعم المسجل في الدول العربية، والذي يتراوح بين 5 و6 في المائة مقابل نسبة لا تتعدى 1.3 في المائة في البلدان النامية.
ميزانية الدعم في أرقام
وخصصت ميزانية تونس لسنة 2020 نسبة 9 في المائة من الميزانية العامة للدولة لدعم عدد من المنتجات الأساسية والمحروقات والكهرباء والنقل، وأشارت التقديرات الحكومية إلى أن مقدار الدعم خلال سنة 2020 ناهز حدود 4.18 مليار دينار تونسي، وهو يتوزع بين 1.8 مليار دينار موجهة نحو دعم المواد الأساسية (الخبز والعجين بأنواعه)، ونفس المبلغ لدعم المحروقات والكهرباء، و0.5 مليار دينار لقطاع النقل العمومي.
وبلغت نفقات دعم المواد الأساسية لسنة 2021 تحديدا 2400 مليون دينار ،مقابل 1800 مليون دينار تم برمجتها في قانون المالية لسنة 2020، وشملت الزيادة تغير اسعار الحبوب والزيت النباتي التي شهدت مع موفى سنة 2020 ارتفاعا بفعل تبعات جائحة كوفيد-19 .
وتتوزع ميزانية الدعم وفقا لبيانات وزارة التجارة على الحبوب بـ1804 مليون دينار يليها الزيت النباتي بـ290 مليون دينار والحليبب 205 مليون دينار، و86 مليون دينار لدعم العجين الغذائي و10 مليون دينار لدعم السكر الذي شهد مع بداية سنة 2021 ارتفاعا في أسعاره ب 100 مليم، نتيجة العجز المسجل لدى الشركة المنتحة.
رفع الدعم يجبر شركات على الرحيل
وأمام موجة الزيادات الأخيرة ، خرج العديد من الخبراء الى المنابر الاعلامية للتحذير من موجة الزيادات الاخيرة التي طالت مختلف القطاعات الانتاجية ، داعين الحكومة الى الضغط على حركة الاسعار التي قفزت الى مستويات تهدد السلم الاجتماعي.
واعتبر بعض الخبراء ان سياسة رفع الدعم التي تنتهجها الحكومة ستزيد من عمق الازمة، مشددين على ضرورة ان تعمل مستقبلا على القضاء على التجارة الموازية والحد من ظاهرة التلاعب بالاسعار والاحتكار والقضاء على التهريب ، مقرين في ذات الوقت ان منظومة الدعم المفروضة في بلادنا منذ سنوات طويلة، كانت تهدف الى الحفاظ على مستوى الاجور متدنية في اطار التشجيع على جلب الاستثمار الاجنبي وخلق مواطن شغل جديدة ، وفي حال المطالبة برفع الاجور فإن ذلك سيدفع آلاف الشركات الكبرى الى مغادرة البلاد بسبب عدم قدرتها على مجاراة الارتفاع في الاجور.
وتتخوف الاطراف الاقتصادية اليوم من مسألة رفع الدعم الذي قد تنتهجه الدولة التونسية مستقبلا اذعانا لشروط صندوق النقد الدولي، حيث ان ابقاء الدعم على حاله، يبقي التوازنات المالية للشركات الكبرى الاجنبية الناشطة في بلادنا والتي تعتمد بالاساس على استقطاب اليد العاملة بأجور زهيدة ، وفي حال رفع الدعم فإن هذه الشركات مضطرة لرفع الاجور الى مستويات لن تقدر على مجاراتها الامر الذي يدفعها الى الرحيل.
ونبّه اتحاد الصناعة والتجارة ، مؤخرا ، بأن الوضع المالي والاقتصادي الراهن ينذر بالأسوأ ويفرض الانطلاق في الإصلاحات العاجلة والهيكلية، مؤكدا أن لا حل لتونس سوى إقرار خطة طوارئ للإنقاذ الاقتصادي تقوم على تحسين المناخ العام للأعمال ودفع الاستثمار، وتشجيع التصدير وتنشيط الديبلوماسية الاقتصادية بما يساعد على اقتحام الأسواق الخارجية ويدعم جاذبية الوجهة التونسية لاستقطاب المستثمرين ، ومراجعة منوال التصرف في موارد البلاد ، بالاضافة الى مراجعة سياسة الدعم وتوجيهه نحو مستحقيه دون الإضرار بمصلحة الفئات الهشة.
كما دعت منظمة الاعراف الحكومة الى التركيز على القطاعات الواعدة وخاصة الطاقات المتجددة، وحل مشكلة تمويل المشاريع التي أصبحت تعاني منها المؤسسات بسبب الشح في السيولة، ودفع المستحقات المالية للقطاعات المتخلدة لدى الدولة ومؤسساتها، والتصدي للتجارة الموازية والإسراع بإدماجها في الاقتصاد المنظم..
وتؤكد الارقام المسجلة للاقتصاد الوطني خلال السنتين الاخيرتين ، إن الوضع الاقتصادي الصعب يستوجب مراجعة فعلية لمنوال التنمية، والتضحيات لا يجب أن تقدمها الطبقات الفقيرة والمتوسطة وحدها، لكن أيضا الطبقة الميسورة .
ويطالب بعض خبراء الاقتصاد الحكومة بضرورة "محاربة الاقتصاد الريعي، والتصدي للتهرّب الضريبي، وإصلاح المنظومة الجبائية، وتكثيف الرّقابة على الصفقات العمومية، ومراقبة مسالك الإنتاج والتوزيع لتعديل الأسعار، ووضع حدّ لتغول لوبيات الاحتكار والفساد".