يعاني الاقتصاد التونسي من التهرب الضريبي، وهو يعد معضلة كبيرة وتتالى السنوات دون إيجاد حلول حقيقة لها، بل إن هذا الإشكال يتزايد سنة بعد أخرى، وهو ما دفع الدولة للبحث عن إجراء تحفيزي من شأنه استقطاب المُتهرّبين من دفع الضرائب والناشطين في الاقتصاد الموازي.
وتضمّن المرسوم المتعلق بقانون المالية لسنة 2022، في الفصل 66 تنصيصا على إرساء ضربية تحررية بنسبة 10 بالمائة ستطبق على الأشخاص الذين لديهم مبالغ مالية متأتية من مداخيل غير مصرح بها.
ويطرح هذا العديد من التساؤلات لعل أهمها هل سيحقق الهدف المنشود ألا وهو الإقبال من قبل المتهربين من دفع الضرائب؟ وأي حلول يمكن تطبيقها؟
وفي هذا الإطار أكد رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية والخبير الإقتصادي لـ"الصباح" أن ضريبة الـ 10 بالمائة حول المداخيل غير المصرح بها تعدّ نقطة ايجابية ولكن الوضع غير الوضع.
وأشار الشكندالي أن من يحقق مرابيح في الوقت الحاضر هو الاقتصاد الريعي، ومن الصعب أن يُصرّح الاقتصاد الريعي بمداخيله وفق رأيه، لافتا إلى أن الإجراء لم يكن في وضع مستقر على الأقل سياسيا.
توقعات بإقبال ضعيف...
ويتوقّع الشكندالي أن يكون الاقبال ضعيفا ومن الصعب أن يكون كبيرا لوجود مسألة ثقة بالنسبة للمواطن التونسي، مُوضّحا بأن هناك اشكالا تمرّ به الدولة حاليا حاليا خاصة على مستوى قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها الخارجية تجعل المواطن يخاوف نوعا ما على أمواله، مع اتجاه تونس إلى الاقتراض من البنوك التونسية، مما يجعل الثقة تهتز قليلا خاصة من الذين لديهم أموال مودعة خارج الإطار القانوني.
وأضاف الشكندالي قائلا: "لا أعتقد أن نسبة 10 بالمائة قادرة على إقناع هذه الفئة، لعدم وجود استقرار ووضوح مما يجعل الثقة مفقودة قليلا".
كما أفاد الشكندالي أن التهرب الضريبي ناتج أساسا عن ارتفاع الضغط الجبائي وهو مرتفع بشكل كبير جدا، مُعتبرا أن اتجاه الدولة لحذف خطايا التأخير ربما قد يشجع قليلا على أن نسب الآداءات عالية لدرجة أن المواطنين لا يريدون دفعها.
قدرة شرائية مهترئة ومعاناة تداعيات كورونا...
وأفاد مُحدّثنا أن نسبة 35 بالمائة في الآداء على المرابيح تخلق ترددا نسبيا ذلك أن الشركات أغلبها تمر بصعوبات، ونادرا ما تجعلها تحقق مرابيحا جراء تبعات كورونا التي لا تزال تعاني منها إلى غاية الآن، وأنه حتى من يحقق مرابيح يتحوز عليها تحسبا لأزمات قد تقع مستقبلا مع انتشار متحوّر "أوميكرون" وإمكانية تعطل النشاط الدولي، هذا بالنسبة للشركات أما فيما يتعلّق بالأشخاص فالمقدرة الشرائية لديهم مهترئة.
وبالنسبة للحلول التي يمكن اعتمادها للتقليص من التهرب الضريبي وتشجيع هذه الفئة، يعتقد الشكندالي أن أفضل الحلول هي التخفيض في نسب الآداء لتخفيف العبء الجبائي على مستوى المؤسسات وحثها لاستخلاص ديونها، مُبيّنا أن الدولة قامت بالتخفيض على مستوى القطاع الموازي ولكن لا وجود لتأكيد على أن المهرب سيستجيب.
وبخصوص القطاع المنظم، أوضح الشكندالي أنه يجود فيه تهرب ضريبي من ناحية أن المؤسسات لا تصرّح بالحجم الصحيح، وجزء من مداخيل المؤسسات يُحوّل الى القطاع الموازي من أجل عدم خلاص المعاليم الجبائية، وهو أمر يدفعه إلى التصريح بحجم أقل، مُشدّدا على أن الحل الوحيد التخفيض على مستوى النسب.
نقطة استفهام حول مصدر الأموال التي سيقع التصريح بها
وتعليقا على تصريح وزيرة المالية الوزيرة أن الفصل المذكور لا يسمح بتبيض الأموال، ذكر الشكندالي أن المقصود من توضيح وزيرة المالية أن الضريبة ليست على جميع الأموال المتأتية بل الأموال الخاضعة للضريبة الحلال اقتصاديا دون الحرام اقتصاديا على غرار "الكونترا" أو مخدرات أو أسلحة.
وتابع بالقول "نسبة الإقبال على التقدم على التصريح بهذه المداخيل ستكون ضعيفة، لأننا نعيش في فترات ضعف الدولة والمواطن يرى الدولة ضعيفة غير قادرة على استخلاص ما تخلّد لديها من جباية وأيضا غير قادرة على فرض إجراءات أكثر صرامة على المحتكرين وعلى المتهربين
من ناحية التسعيرة".
ونبّه الشكندالي إلى أنه من غير السهل معرفة قيمة الأموال غير المُصرّح بها، وأن الدولة لا تعرف هل أن الأموال متأتية من مداخيل ذات أنشطة محرمة اقتصاديا في الاقتصاد الموازي أو المنظم، ولا الحكومة لا علم لها بحجم الأموال المتدوالة غير المصرح بها.
وذكر الشكندالي أنه عندما يقع التصريح ربما يأتي الجواب للمُصرّح بأنها محرمة وغير مشروعة وبالتالي هو يخاف بأن يصبح مصدر أمواله غير معني بـ 10 بالمائة ولا حق له باكتسابها.
ظلم في حق من يحترمون واجبهم الضريبي
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان لـ"الصباح" أن ضريبة الـ10 بالمائة حول المداخيل غير المصرح بها تعد إجراء من إجراءات العفو الجبائي، وأن كل عفو جبائي يمثل ظلما في حق الذين يحترمون واجبهم الجبائي، فمثلا يتساوى من يدفع الضرائب بانتظام لمدة 20 سنة ودون انقطاع مع من يُقرّر أن يصرّح حاليا بمداخليه ويتمتّع بهذا العفو، ووصفه بـ"الإشكال الكبير في حق من يدفعون الضرائب".
وبخصوص مصدر الأموال التي سيقع التصريح بها أشار سعيدان أنه لا يمكن معرفة ذلك، وأن الدولة في حدّ ذاتها لا تعرف المصدر، ولا طريقة لها واضحة ودقيقة للإطلاع على مثل هذه التفاصيل.
ولفت مُحدثنا أن الفصل المذكور من قانون المالية يحمي المبلغ من مختلف التبعات، مؤكدا أنه هذا يمثل إشكالا آخر، ينضاف إلى إشكال عدم المساواة بين دافعي الضرائب والمُتهرّبين.
وذكر سعيدان أن جلب موارد إضافية إلى خزينة الدولة تصبح مسألة ثانوية أمام هذه المشاكل.
وتابع بالقول "الدولة وصلت إلى الحلول القصووية، وربما مثل هذا الإجراء قد يشجع على التهرب الجبائي في انتظار عفو جبائي آخر".
كما أفاد سعيدان أن لجوء الدولة لمثل هذه الحلول رغم كل الجوانب السلبية، وحتى لو تسبب في دخول موارد إلى الدولة يمكن أن يترتب عنه أمر خطير أهمه ظلم من احترم واجبه الجبائي.
وشرح سعيدان بأنه لا يرى أي إيجابيات بخصوص هذا الإجراء.
ضرورة المصالحة بين دافعي الضرائب والدولة
وبسؤالنا حول الحلول التي يجب اتباعها لتحفيز المتهرّبين من دفع الضرائب على القيام بواجبهم، شدّد سعيدان على ضرورة المصالحة بين دافعي الضرائب والدولة وبناء الثقة بين الطرفين، على خلفية أن دافع الضرائب يجب أن يتمتع بالمقابل بخدمات جيدة في مجالات الصحة والتعليم والإدارة والأمن وغيرها من المجالات.
ويرى سعيدان أنه يجب إنقاذ الاقتصاد وليس اللهث وراء الموارد مهما كان مصدرها.
درصاف اللموشي
تونس-الصباح
يعاني الاقتصاد التونسي من التهرب الضريبي، وهو يعد معضلة كبيرة وتتالى السنوات دون إيجاد حلول حقيقة لها، بل إن هذا الإشكال يتزايد سنة بعد أخرى، وهو ما دفع الدولة للبحث عن إجراء تحفيزي من شأنه استقطاب المُتهرّبين من دفع الضرائب والناشطين في الاقتصاد الموازي.
وتضمّن المرسوم المتعلق بقانون المالية لسنة 2022، في الفصل 66 تنصيصا على إرساء ضربية تحررية بنسبة 10 بالمائة ستطبق على الأشخاص الذين لديهم مبالغ مالية متأتية من مداخيل غير مصرح بها.
ويطرح هذا العديد من التساؤلات لعل أهمها هل سيحقق الهدف المنشود ألا وهو الإقبال من قبل المتهربين من دفع الضرائب؟ وأي حلول يمكن تطبيقها؟
وفي هذا الإطار أكد رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية والخبير الإقتصادي لـ"الصباح" أن ضريبة الـ 10 بالمائة حول المداخيل غير المصرح بها تعدّ نقطة ايجابية ولكن الوضع غير الوضع.
وأشار الشكندالي أن من يحقق مرابيح في الوقت الحاضر هو الاقتصاد الريعي، ومن الصعب أن يُصرّح الاقتصاد الريعي بمداخيله وفق رأيه، لافتا إلى أن الإجراء لم يكن في وضع مستقر على الأقل سياسيا.
توقعات بإقبال ضعيف...
ويتوقّع الشكندالي أن يكون الاقبال ضعيفا ومن الصعب أن يكون كبيرا لوجود مسألة ثقة بالنسبة للمواطن التونسي، مُوضّحا بأن هناك اشكالا تمرّ به الدولة حاليا حاليا خاصة على مستوى قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها الخارجية تجعل المواطن يخاوف نوعا ما على أمواله، مع اتجاه تونس إلى الاقتراض من البنوك التونسية، مما يجعل الثقة تهتز قليلا خاصة من الذين لديهم أموال مودعة خارج الإطار القانوني.
وأضاف الشكندالي قائلا: "لا أعتقد أن نسبة 10 بالمائة قادرة على إقناع هذه الفئة، لعدم وجود استقرار ووضوح مما يجعل الثقة مفقودة قليلا".
كما أفاد الشكندالي أن التهرب الضريبي ناتج أساسا عن ارتفاع الضغط الجبائي وهو مرتفع بشكل كبير جدا، مُعتبرا أن اتجاه الدولة لحذف خطايا التأخير ربما قد يشجع قليلا على أن نسب الآداءات عالية لدرجة أن المواطنين لا يريدون دفعها.
قدرة شرائية مهترئة ومعاناة تداعيات كورونا...
وأفاد مُحدّثنا أن نسبة 35 بالمائة في الآداء على المرابيح تخلق ترددا نسبيا ذلك أن الشركات أغلبها تمر بصعوبات، ونادرا ما تجعلها تحقق مرابيحا جراء تبعات كورونا التي لا تزال تعاني منها إلى غاية الآن، وأنه حتى من يحقق مرابيح يتحوز عليها تحسبا لأزمات قد تقع مستقبلا مع انتشار متحوّر "أوميكرون" وإمكانية تعطل النشاط الدولي، هذا بالنسبة للشركات أما فيما يتعلّق بالأشخاص فالمقدرة الشرائية لديهم مهترئة.
وبالنسبة للحلول التي يمكن اعتمادها للتقليص من التهرب الضريبي وتشجيع هذه الفئة، يعتقد الشكندالي أن أفضل الحلول هي التخفيض في نسب الآداء لتخفيف العبء الجبائي على مستوى المؤسسات وحثها لاستخلاص ديونها، مُبيّنا أن الدولة قامت بالتخفيض على مستوى القطاع الموازي ولكن لا وجود لتأكيد على أن المهرب سيستجيب.
وبخصوص القطاع المنظم، أوضح الشكندالي أنه يجود فيه تهرب ضريبي من ناحية أن المؤسسات لا تصرّح بالحجم الصحيح، وجزء من مداخيل المؤسسات يُحوّل الى القطاع الموازي من أجل عدم خلاص المعاليم الجبائية، وهو أمر يدفعه إلى التصريح بحجم أقل، مُشدّدا على أن الحل الوحيد التخفيض على مستوى النسب.
نقطة استفهام حول مصدر الأموال التي سيقع التصريح بها
وتعليقا على تصريح وزيرة المالية الوزيرة أن الفصل المذكور لا يسمح بتبيض الأموال، ذكر الشكندالي أن المقصود من توضيح وزيرة المالية أن الضريبة ليست على جميع الأموال المتأتية بل الأموال الخاضعة للضريبة الحلال اقتصاديا دون الحرام اقتصاديا على غرار "الكونترا" أو مخدرات أو أسلحة.
وتابع بالقول "نسبة الإقبال على التقدم على التصريح بهذه المداخيل ستكون ضعيفة، لأننا نعيش في فترات ضعف الدولة والمواطن يرى الدولة ضعيفة غير قادرة على استخلاص ما تخلّد لديها من جباية وأيضا غير قادرة على فرض إجراءات أكثر صرامة على المحتكرين وعلى المتهربين
من ناحية التسعيرة".
ونبّه الشكندالي إلى أنه من غير السهل معرفة قيمة الأموال غير المُصرّح بها، وأن الدولة لا تعرف هل أن الأموال متأتية من مداخيل ذات أنشطة محرمة اقتصاديا في الاقتصاد الموازي أو المنظم، ولا الحكومة لا علم لها بحجم الأموال المتدوالة غير المصرح بها.
وذكر الشكندالي أنه عندما يقع التصريح ربما يأتي الجواب للمُصرّح بأنها محرمة وغير مشروعة وبالتالي هو يخاف بأن يصبح مصدر أمواله غير معني بـ 10 بالمائة ولا حق له باكتسابها.
ظلم في حق من يحترمون واجبهم الضريبي
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان لـ"الصباح" أن ضريبة الـ10 بالمائة حول المداخيل غير المصرح بها تعد إجراء من إجراءات العفو الجبائي، وأن كل عفو جبائي يمثل ظلما في حق الذين يحترمون واجبهم الجبائي، فمثلا يتساوى من يدفع الضرائب بانتظام لمدة 20 سنة ودون انقطاع مع من يُقرّر أن يصرّح حاليا بمداخليه ويتمتّع بهذا العفو، ووصفه بـ"الإشكال الكبير في حق من يدفعون الضرائب".
وبخصوص مصدر الأموال التي سيقع التصريح بها أشار سعيدان أنه لا يمكن معرفة ذلك، وأن الدولة في حدّ ذاتها لا تعرف المصدر، ولا طريقة لها واضحة ودقيقة للإطلاع على مثل هذه التفاصيل.
ولفت مُحدثنا أن الفصل المذكور من قانون المالية يحمي المبلغ من مختلف التبعات، مؤكدا أنه هذا يمثل إشكالا آخر، ينضاف إلى إشكال عدم المساواة بين دافعي الضرائب والمُتهرّبين.
وذكر سعيدان أن جلب موارد إضافية إلى خزينة الدولة تصبح مسألة ثانوية أمام هذه المشاكل.
وتابع بالقول "الدولة وصلت إلى الحلول القصووية، وربما مثل هذا الإجراء قد يشجع على التهرب الجبائي في انتظار عفو جبائي آخر".
كما أفاد سعيدان أن لجوء الدولة لمثل هذه الحلول رغم كل الجوانب السلبية، وحتى لو تسبب في دخول موارد إلى الدولة يمكن أن يترتب عنه أمر خطير أهمه ظلم من احترم واجبه الجبائي.
وشرح سعيدان بأنه لا يرى أي إيجابيات بخصوص هذا الإجراء.
ضرورة المصالحة بين دافعي الضرائب والدولة
وبسؤالنا حول الحلول التي يجب اتباعها لتحفيز المتهرّبين من دفع الضرائب على القيام بواجبهم، شدّد سعيدان على ضرورة المصالحة بين دافعي الضرائب والدولة وبناء الثقة بين الطرفين، على خلفية أن دافع الضرائب يجب أن يتمتع بالمقابل بخدمات جيدة في مجالات الصحة والتعليم والإدارة والأمن وغيرها من المجالات.
ويرى سعيدان أنه يجب إنقاذ الاقتصاد وليس اللهث وراء الموارد مهما كان مصدرها.