لم يكن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في تونس والمعروف بالتضخم عند الاستهلاك بالمفاجئ، ليصل إلى 6.6 بالمائة في آخر شهر من السنة المنقضية، لان كل التوقعات الرسمية تؤكد اتخاذ هذا المؤشر للمنحى التصاعدي ليبلغ في الأشهر الأولى من السنة الجارية إلى حدود الـ7 بالمائة حسب ما تضمنه قانون المالية الجديد.
ويأتي هذا الارتفاع أساسا إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار مجموعة المواد الغذائية من 6.9 بالمائة إلى 7.6 بالمائة خلال شهر فقط، هذا الارتفاع الذي يعتبر مفرطا في الأشهر الأخيرة، مع غياب العديد من المواد من الأسواق...
وما يثير قلق الأوساط التونسية اليوم من خلال تواصل ارتفاع مؤشر التضخم هو القرارات التي قد تصاحبه خاصة تلك المتأتية من قبل البنك المركزي والتي تتعلق بتغيير نسبة الفائدة المديرية باتجاه الرفع فيها باعتبارها من ابرز الحلول للتقليص في نسبة التضخم..
كما أن مثل هذا القرار من بين أهم توصيات صندوق النقد الدولي مقابل عقد برنامج تمويل جديد مع الدولة التونسية، باعتبار أن جميع مذكرات التفاهم المبرمة بين الحكومة والصندوق ضمنت هذه النقطة المتعلقة بضرورة تقريب نسبة الفائدة من نسبة التضخم. وكان آخر تقرير أرسله البنك المركزي إلى الصندوق قد التزم فيه بهذه المسالة.
وكان البنك المركزي قد قام بعملية استباقية للتحكم في ارتفاع نسبة التضخم، بالترفيع في نسبة الفائدة في 3 مناسبات في سنة ونصف في ما بين 2018 و2019 لتعرف في ما بعد وخلال سنة 2020، السنة الاستثنائية التي عاش اقتصاد البلاد على وقعها بسبب الجائحة الصحية تخفيضا في مناسبتين على التوالي بـ100 نقطة أساسية في شهر مارس ثم تخفيضا آخر بـ50 نقطة أساسية في شهر سبتمبر من نفس السنة.. لتستقر في ما بعد عند 6.25 بالمائة.
وحافظ البنك المركزي منذ تلك الفترة على الإبقاء في هذا المستوى بـ6.25 بالمائة، مفسرا ذلك بدوره كهيكل أساسي في المنظومة الاقتصادية في الحفاظ على التوازنات المالية للبلاد في هذا الظرف الدقيق، في حين أرجعه شق هام من المتدخلين في الشأن الاقتصادي إلى انه تمهيدا لإقرار ترفيعا في النسبة خلال الأشهر القادمة مباشرة بعد انتهاء مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي..
وارتفاع نسبة التضخم الى 6.6 بالمائة مع توقعات بان تصل الى حدود الـ7 بالمائة خلال السنة الجارية، قد يساهم في تسريع قرار الترفيع في نسبة الفائدة، ونعرف جيدا اليوم ان أي قرار يخص المؤشرات الأساسية للاقتصاد الوطني قد يربك مسار المفاوضات المزمع تفعيلها قريبا مع صندوق النقد الدولي ..
وتعد نسبة الفائدة المديرية من أهم هذه المؤشرات التي تعتمد عليها المؤسسة المالية المانحة في مشاوراتها، كما تعد هذه النسبة مهمة في إقناع الصندوق بشان مسار الدولة الإصلاحي ..
بالمقابل، سيلقي أي قرار بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية في قادم الأيام، تحديدا في الظرف الصعب الذي تمر به البلاد، بضلاله على الاقتصاد وستكون بالتأكيد تداعيات وخيمة على التوازنات المالية، كما من شأن هذه الخطوة ان تزيد في إغراق الاقتصاد وارتفاع نسبة التضخم تزامنا مع ارتفاع الأسعار في ظل تراجع الإنتاجية، وبالتالي فإن هذه العملية ستخلف اختلالات مالية عواقبها خطيرة على الاقتصاد الوطني.
ومن أهم التداعيات المنتظرة من وراء قرار الترفيع في نسبة الفائدة، هي تؤثر المقترضين الذين سيضطرون إلى دفع أقساط أكبر من القروض الحاصلين عليها من البنوك سواء القروض القديمة أو الجديدة، باعتبار انه سيؤثر على معدل الفائض الشهري المعروف بـ"TMM" وسيساهم في ارتفاعه، كما أن هذا الإجراء سيساهم في غلاء الأسعار في العديد من المواد الاستهلاكية وتدهور المقدرة الشرائيّة باعتباره سيحدّ من قيمة الطلب، فضلا عن التأثيرات السلبية التي ستمس العديد من المؤسسات الاقتصادية وعلى الاستثمار عموما.
ويرى العديد من المتدخلين في الشان المالي والاقتصادي ان محاربة التضخم لا يمكن ان تكون من خلال الترفيع في نسبة الفائدة وبالسياسة النقدية والمالية لانها ليست بالحل الأنجع، بل لابد من الوقوف عند الأسباب الحقيقة وراء ارتفاع التضخم ومعالجتها والتي تتمثل بالأساس في تواصل الانزلاق التاريخي للدينار التونسي أمام العملات الأجنبية المرجعية، فضلا عن الزيادات المتتالية في الأجور والتي تشجع على الاستهلاك، إلى جانب الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الاستهلاكية على غرار المحروقات.
وفاء بن محمد
تونس-الصباح
لم يكن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في تونس والمعروف بالتضخم عند الاستهلاك بالمفاجئ، ليصل إلى 6.6 بالمائة في آخر شهر من السنة المنقضية، لان كل التوقعات الرسمية تؤكد اتخاذ هذا المؤشر للمنحى التصاعدي ليبلغ في الأشهر الأولى من السنة الجارية إلى حدود الـ7 بالمائة حسب ما تضمنه قانون المالية الجديد.
ويأتي هذا الارتفاع أساسا إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار مجموعة المواد الغذائية من 6.9 بالمائة إلى 7.6 بالمائة خلال شهر فقط، هذا الارتفاع الذي يعتبر مفرطا في الأشهر الأخيرة، مع غياب العديد من المواد من الأسواق...
وما يثير قلق الأوساط التونسية اليوم من خلال تواصل ارتفاع مؤشر التضخم هو القرارات التي قد تصاحبه خاصة تلك المتأتية من قبل البنك المركزي والتي تتعلق بتغيير نسبة الفائدة المديرية باتجاه الرفع فيها باعتبارها من ابرز الحلول للتقليص في نسبة التضخم..
كما أن مثل هذا القرار من بين أهم توصيات صندوق النقد الدولي مقابل عقد برنامج تمويل جديد مع الدولة التونسية، باعتبار أن جميع مذكرات التفاهم المبرمة بين الحكومة والصندوق ضمنت هذه النقطة المتعلقة بضرورة تقريب نسبة الفائدة من نسبة التضخم. وكان آخر تقرير أرسله البنك المركزي إلى الصندوق قد التزم فيه بهذه المسالة.
وكان البنك المركزي قد قام بعملية استباقية للتحكم في ارتفاع نسبة التضخم، بالترفيع في نسبة الفائدة في 3 مناسبات في سنة ونصف في ما بين 2018 و2019 لتعرف في ما بعد وخلال سنة 2020، السنة الاستثنائية التي عاش اقتصاد البلاد على وقعها بسبب الجائحة الصحية تخفيضا في مناسبتين على التوالي بـ100 نقطة أساسية في شهر مارس ثم تخفيضا آخر بـ50 نقطة أساسية في شهر سبتمبر من نفس السنة.. لتستقر في ما بعد عند 6.25 بالمائة.
وحافظ البنك المركزي منذ تلك الفترة على الإبقاء في هذا المستوى بـ6.25 بالمائة، مفسرا ذلك بدوره كهيكل أساسي في المنظومة الاقتصادية في الحفاظ على التوازنات المالية للبلاد في هذا الظرف الدقيق، في حين أرجعه شق هام من المتدخلين في الشأن الاقتصادي إلى انه تمهيدا لإقرار ترفيعا في النسبة خلال الأشهر القادمة مباشرة بعد انتهاء مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي..
وارتفاع نسبة التضخم الى 6.6 بالمائة مع توقعات بان تصل الى حدود الـ7 بالمائة خلال السنة الجارية، قد يساهم في تسريع قرار الترفيع في نسبة الفائدة، ونعرف جيدا اليوم ان أي قرار يخص المؤشرات الأساسية للاقتصاد الوطني قد يربك مسار المفاوضات المزمع تفعيلها قريبا مع صندوق النقد الدولي ..
وتعد نسبة الفائدة المديرية من أهم هذه المؤشرات التي تعتمد عليها المؤسسة المالية المانحة في مشاوراتها، كما تعد هذه النسبة مهمة في إقناع الصندوق بشان مسار الدولة الإصلاحي ..
بالمقابل، سيلقي أي قرار بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية في قادم الأيام، تحديدا في الظرف الصعب الذي تمر به البلاد، بضلاله على الاقتصاد وستكون بالتأكيد تداعيات وخيمة على التوازنات المالية، كما من شأن هذه الخطوة ان تزيد في إغراق الاقتصاد وارتفاع نسبة التضخم تزامنا مع ارتفاع الأسعار في ظل تراجع الإنتاجية، وبالتالي فإن هذه العملية ستخلف اختلالات مالية عواقبها خطيرة على الاقتصاد الوطني.
ومن أهم التداعيات المنتظرة من وراء قرار الترفيع في نسبة الفائدة، هي تؤثر المقترضين الذين سيضطرون إلى دفع أقساط أكبر من القروض الحاصلين عليها من البنوك سواء القروض القديمة أو الجديدة، باعتبار انه سيؤثر على معدل الفائض الشهري المعروف بـ"TMM" وسيساهم في ارتفاعه، كما أن هذا الإجراء سيساهم في غلاء الأسعار في العديد من المواد الاستهلاكية وتدهور المقدرة الشرائيّة باعتباره سيحدّ من قيمة الطلب، فضلا عن التأثيرات السلبية التي ستمس العديد من المؤسسات الاقتصادية وعلى الاستثمار عموما.
ويرى العديد من المتدخلين في الشان المالي والاقتصادي ان محاربة التضخم لا يمكن ان تكون من خلال الترفيع في نسبة الفائدة وبالسياسة النقدية والمالية لانها ليست بالحل الأنجع، بل لابد من الوقوف عند الأسباب الحقيقة وراء ارتفاع التضخم ومعالجتها والتي تتمثل بالأساس في تواصل الانزلاق التاريخي للدينار التونسي أمام العملات الأجنبية المرجعية، فضلا عن الزيادات المتتالية في الأجور والتي تشجع على الاستهلاك، إلى جانب الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الاستهلاكية على غرار المحروقات.