يتواصل اليوم الجدل حول قانون المالية التكميلي لسنة 2021 وقانون المالية لسنة 2022، خاصة مع اقتراب آجال عرضه خلال الايام القادمة على أنظار البرلمان، الا انه وفي ظل تجميد هذه المؤسسة التشريعية ، وبسبب التدابير الاستثنائية المتخذة من رئاسة الجمهورية، اصبح من صلاحيات رئيس الجمهورية ، ختم قانون المالية التكميلي والميزانية العامة لسنة 2021 واصداره بمقتضى اوامر رئاسية.
والى حد الآن لم يتم اعداد قانون المالية التكميلي لسنة 2021 ، والذي من شانه ان يكشف احتياجات الدولة من الموارد المالية للفترة المقبلة، حيث ان قانون المالية لسنة 2021، المصادق عليه من قبل مجلس نوّاب الشعب موفى السنة الماضية، تم تقديمه بنفقات دون ضبط موارد، في حين تعهدت الحكومة السابقة أن يتضمن قانون المالية التكميلي للسنة ذاتها، فرضيات أساسية وتوفير موارد مالية ممكنة، الا انه الى حد الآن لا وجود لأي ملامح توضح التوجه العام للدولة خلال المرحلة المقبلة .
حسابات "مغلوطة"
ومن بين الفرضيات التّي اعتمدها قانون المالية لسنة 2021، أن يكون معدل سعر برميل النفط في حدود 45 دولارا لكنّه، ومنذ شهر جوان 2021 تجاوز هذا السعر مستوى 75 دولارا، علما وأن الزيادة بــ 1 دولار في برميل النفط تكلف الدولة حوالي 130 مليون دينار ما يعني زيادة بقيمة 3 آلاف مليون دينار مضافة في نفقات الدولة المتعلقة بأسعار المحروقات.
كما عولت الحكومة السابقة على نسبة نمو في حدود 4 بالمائة، وهي نسبة مخالفة للواقع بالنظر إلى النسب المحققة خلال الثلاثية الأولى من سنة 2021 وسيكون من الأجدى مراجعة هذه النسبة نحو التخفيض، علما وان غياب مصادر التمويل للفترة القادمة والتي كشف عنها مؤخرا البنك المركزي في بلاغه الاخير، لا تسمح بإعداد قانون المالية لسنة 2022 في آجاله ، ومن المؤكد أن مصالح وزارة المالية منكبة على ذلك لكننا لا نعلم الكثير حوله.
وفي ظل غياب برنامج مع صندوق النقد الدولي، يحجم المانحون على دعم ميزانية الدولة كما أن الموارد الجبائية وغير الجبائية محدودة جدا وغير كافية لتغطية نفقات الميزانية، وعلى أساس ما تقدّم من تنفيذ ميزانيّة الدولة المتوفرة موفى جوان 2021 ، فإن الدولة في حاجة إلى حوالي 19،1 مليار دينار لتمويل حاجيات ميزانيتها بالنسبة للاشهر الأربعة الأخيرة وليس بإمكانها توفير سوى 9،6 مليار دينار بفضل العائدات الجبائية.
ازمة "التشريعات"
وتبعا لذلك فإنّ الدولة التونسيّة ستعمل على البحث عن تمويلات بقيمة حوالي 9،5 مليار دينار. ومن المؤكد أنّ الخروج على الأسواق المالية الدوليّة سيكون جد صعب وتقريبا مستحيل دون عقد برنامج مع صندوق النقد الدولي، وهو الامر الذي أجبر وزارة المالية على طرح قرض رقاعي وطني مفتوح منذ جوان 2021 مكن، بعد إطلاق الجزء الأوّل والثاني منه، من تجميع مبلغ بقيمة 1،183 مليار دينار ، بالاضافة الى حقوق السحب الخاصّة المسندة موفى أوت 2021 من قبل صندوق النقد الدولي لفائدة البلدان الأعضاء. وتمكنت تونس، من الحصول على مخصّصات بقيمة 522،7 مليون حقوق سحب خاصة تقدر بـ740 مليون دولار أي ما يعادل حوالي 2 مليار دينار. وتأتي هذه القيمة دعما لمدخرات تونس من العملة الصعبة، وفق الأمر الرئاسي الصادر بالرائد الرسمي للبلاد التونسيّة بتاريخ 15 سبتمبر 2021 ودعما لقدرة البلاد على تسديد الاقساط من القروض القادمة بالعملة الصعبة ،ومع ذلك فإنّ المبلغ لا يكفي لتوفير حاجيات الميزانية من التمويلات الضرورية.
ويبقى خيار التمويل من قبل البنك المركزي التونسي، الذّي لا يمكن له تمويل الدولة بشكل مباشر، بحسب قانونه الاساسي ، وان رغب في ذلك ، بشكل استثنائي، فمن الضروري المرور عبر مجلس نوّاب الشعب والحال ان المجلس مجمد منذ 25 جويلية الماضي، علما وأنه موفى سنة 2020 ، كان من الضروري أن يقدم المجلس النيابي موافقته بشكل رسمي للبنك المركزي لتمويل ميزانية الدولة بشكل مباشر بقيمة 2،800 مليار دينار.
صلاحيات "الرئيس" محدودة
ويحذّر الخبراء اليوم، من تواصل غياب قانون مالية التكميلي للسنة الجارية وقانون مالية لسنة 2022، واصفين ذلك، بالامر الخطير ، خاصة في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها تونس ، وفي غياب البرلمان، الدستور التونسي خوّل لرئيس الجمهورية قيس سعيد المصادقة على مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2021 بأمر رئاسي، في حين لا يمكنه التصرف في ميزانية 2022، الا بإصدار مرسوم رئاسي يأذن بالصرف كل 3 أشهر.
ويبقى السؤال الذي حير الجميع هو من أين ستاتي تونس بهذه الأموال حتى تتمكن الدولة من مواصلة مجابهة نفقاتها بصفة طبيعية وتجنب التخلف عن سداد ديونها حتى لا تكون سابقة خطيرة قد تؤثر على أسعار صرف الدينار خلال الفترة المقبلة.
وكان من المفروض توفر كافة الاجابات عن هذا المأزق المالي منذ شهر جويلية الفارط ،والدخول في نقاشات مع الوزارات قبل 14 أكتوبر، الا انه وبتاريخ اليوم لا وجود لقانون مالية تكميلي لسنة 2021 ولا تصور لما سيكون عليه الأمر في تونس بالنسبة للسنة القادمة، علما وان الجهات الخارجية المانحة لا تتفاوض مع الدولة في ظل غياب اي تصور لدعم مواردها مستقبلا.
سفيان المهداوي
تونس- الصباح
يتواصل اليوم الجدل حول قانون المالية التكميلي لسنة 2021 وقانون المالية لسنة 2022، خاصة مع اقتراب آجال عرضه خلال الايام القادمة على أنظار البرلمان، الا انه وفي ظل تجميد هذه المؤسسة التشريعية ، وبسبب التدابير الاستثنائية المتخذة من رئاسة الجمهورية، اصبح من صلاحيات رئيس الجمهورية ، ختم قانون المالية التكميلي والميزانية العامة لسنة 2021 واصداره بمقتضى اوامر رئاسية.
والى حد الآن لم يتم اعداد قانون المالية التكميلي لسنة 2021 ، والذي من شانه ان يكشف احتياجات الدولة من الموارد المالية للفترة المقبلة، حيث ان قانون المالية لسنة 2021، المصادق عليه من قبل مجلس نوّاب الشعب موفى السنة الماضية، تم تقديمه بنفقات دون ضبط موارد، في حين تعهدت الحكومة السابقة أن يتضمن قانون المالية التكميلي للسنة ذاتها، فرضيات أساسية وتوفير موارد مالية ممكنة، الا انه الى حد الآن لا وجود لأي ملامح توضح التوجه العام للدولة خلال المرحلة المقبلة .
حسابات "مغلوطة"
ومن بين الفرضيات التّي اعتمدها قانون المالية لسنة 2021، أن يكون معدل سعر برميل النفط في حدود 45 دولارا لكنّه، ومنذ شهر جوان 2021 تجاوز هذا السعر مستوى 75 دولارا، علما وأن الزيادة بــ 1 دولار في برميل النفط تكلف الدولة حوالي 130 مليون دينار ما يعني زيادة بقيمة 3 آلاف مليون دينار مضافة في نفقات الدولة المتعلقة بأسعار المحروقات.
كما عولت الحكومة السابقة على نسبة نمو في حدود 4 بالمائة، وهي نسبة مخالفة للواقع بالنظر إلى النسب المحققة خلال الثلاثية الأولى من سنة 2021 وسيكون من الأجدى مراجعة هذه النسبة نحو التخفيض، علما وان غياب مصادر التمويل للفترة القادمة والتي كشف عنها مؤخرا البنك المركزي في بلاغه الاخير، لا تسمح بإعداد قانون المالية لسنة 2022 في آجاله ، ومن المؤكد أن مصالح وزارة المالية منكبة على ذلك لكننا لا نعلم الكثير حوله.
وفي ظل غياب برنامج مع صندوق النقد الدولي، يحجم المانحون على دعم ميزانية الدولة كما أن الموارد الجبائية وغير الجبائية محدودة جدا وغير كافية لتغطية نفقات الميزانية، وعلى أساس ما تقدّم من تنفيذ ميزانيّة الدولة المتوفرة موفى جوان 2021 ، فإن الدولة في حاجة إلى حوالي 19،1 مليار دينار لتمويل حاجيات ميزانيتها بالنسبة للاشهر الأربعة الأخيرة وليس بإمكانها توفير سوى 9،6 مليار دينار بفضل العائدات الجبائية.
ازمة "التشريعات"
وتبعا لذلك فإنّ الدولة التونسيّة ستعمل على البحث عن تمويلات بقيمة حوالي 9،5 مليار دينار. ومن المؤكد أنّ الخروج على الأسواق المالية الدوليّة سيكون جد صعب وتقريبا مستحيل دون عقد برنامج مع صندوق النقد الدولي، وهو الامر الذي أجبر وزارة المالية على طرح قرض رقاعي وطني مفتوح منذ جوان 2021 مكن، بعد إطلاق الجزء الأوّل والثاني منه، من تجميع مبلغ بقيمة 1،183 مليار دينار ، بالاضافة الى حقوق السحب الخاصّة المسندة موفى أوت 2021 من قبل صندوق النقد الدولي لفائدة البلدان الأعضاء. وتمكنت تونس، من الحصول على مخصّصات بقيمة 522،7 مليون حقوق سحب خاصة تقدر بـ740 مليون دولار أي ما يعادل حوالي 2 مليار دينار. وتأتي هذه القيمة دعما لمدخرات تونس من العملة الصعبة، وفق الأمر الرئاسي الصادر بالرائد الرسمي للبلاد التونسيّة بتاريخ 15 سبتمبر 2021 ودعما لقدرة البلاد على تسديد الاقساط من القروض القادمة بالعملة الصعبة ،ومع ذلك فإنّ المبلغ لا يكفي لتوفير حاجيات الميزانية من التمويلات الضرورية.
ويبقى خيار التمويل من قبل البنك المركزي التونسي، الذّي لا يمكن له تمويل الدولة بشكل مباشر، بحسب قانونه الاساسي ، وان رغب في ذلك ، بشكل استثنائي، فمن الضروري المرور عبر مجلس نوّاب الشعب والحال ان المجلس مجمد منذ 25 جويلية الماضي، علما وأنه موفى سنة 2020 ، كان من الضروري أن يقدم المجلس النيابي موافقته بشكل رسمي للبنك المركزي لتمويل ميزانية الدولة بشكل مباشر بقيمة 2،800 مليار دينار.
صلاحيات "الرئيس" محدودة
ويحذّر الخبراء اليوم، من تواصل غياب قانون مالية التكميلي للسنة الجارية وقانون مالية لسنة 2022، واصفين ذلك، بالامر الخطير ، خاصة في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها تونس ، وفي غياب البرلمان، الدستور التونسي خوّل لرئيس الجمهورية قيس سعيد المصادقة على مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2021 بأمر رئاسي، في حين لا يمكنه التصرف في ميزانية 2022، الا بإصدار مرسوم رئاسي يأذن بالصرف كل 3 أشهر.
ويبقى السؤال الذي حير الجميع هو من أين ستاتي تونس بهذه الأموال حتى تتمكن الدولة من مواصلة مجابهة نفقاتها بصفة طبيعية وتجنب التخلف عن سداد ديونها حتى لا تكون سابقة خطيرة قد تؤثر على أسعار صرف الدينار خلال الفترة المقبلة.
وكان من المفروض توفر كافة الاجابات عن هذا المأزق المالي منذ شهر جويلية الفارط ،والدخول في نقاشات مع الوزارات قبل 14 أكتوبر، الا انه وبتاريخ اليوم لا وجود لقانون مالية تكميلي لسنة 2021 ولا تصور لما سيكون عليه الأمر في تونس بالنسبة للسنة القادمة، علما وان الجهات الخارجية المانحة لا تتفاوض مع الدولة في ظل غياب اي تصور لدعم مواردها مستقبلا.