ضغوطات جديدة تنضاف إلى المالية العمومية بعد تحذيرات البنك المركزي في بيانه الأخير حول الوضعية الهشة التي يمر بها اقتصاد البلاد على مستوى تداعيات ارتفاع المديونية من جهة وصعوبة توفير تمويلات خارجية من جهة ثانية، مما سيضطر بالبنك الى مواصلة تمويل ميزانية الدولة وهو ما سيكون له تداعيات سلبية وخطيرة على مستوى التضخم والمخزون الوطني من النقد الأجنبي وعلى إدارة سعر صرف الدينار، فضلا عن أثره السلبي على علاقة تونس بالمؤسسات المالية المانحة ووكالات الترقيم السيادي.
فالأيام القليلة القادمة، تونس ستكون على موعد مع تصنيفات جديدة من قبل الوكالات العالمية للتراقيم السيادية أهمها "فيتش رايتنغ" التي اعتبرت في شهر ماي المنقضي أن بلادنا غير جاهزة للتقييم بعد أن خفضت وكالة "موديز" من جهتها تصنيفها إلى B3 مع نظرة مستقبلية سلبية، لتعلن في شهر جويلية المنقضي عن اعادة مراجعتها بتخفيض التصنيف الإئتماني الطويل المدى لإصدار العملة الأجنبية في تونس من "ب" إلى "ب-" مع آفاق سلبية..
وتعتبر هذه الدرجة قبل الأخيرة من دخول الفئة ''C'' ، هذا التصنيف المتوقع ان تدخله بلادنا في المراجعة القادمة من قبل "فيتش"، وهي فئة الدول المتعثرة عن سداد الدين والتي تعاني من مشاكل اقتصادية كبرى وانزلقت إليها دول من جنوب القارة الأمريكية في فترة معينة على غرار الأرجنتين ومن إفريقيا دولة الكاميرون وغيرها من الدول النامية وهذا يؤدي في نهاية الأمر إلى ضرورة التوجه إلى ما يعرف بنادي باريس لإعادة هيكلة الديون الذي يفرض برامج شبه إلزامية لإصلاحات هيكلية وعمليات تفويت وخوصصة، والتقليص في الأجور وإجراءات مؤلمة حتى تتمكن الدول المعروضة على نادي باريس من سداد ديونها تجاه المقرضين.
وبالتالي فان بلادنا أمام تحديات جديدة تتعلق أساسا بقدرتها على تحسين صورتها لدى المؤسسات الدولية للتراقيم السيادية الى جانب المؤسسات المالية المانحة لان دور هذه الهياكل لا يقل أهمية عن الهياكل التمويلية، فاليوم لا يجب على الدولة أن تعول على الاقتراض لتعبئة موارد جديدة وسد عجز ميزانتها، بل مطالبة بالاهتمام بالقطاعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة على غرار قطاع الاستثمار، الذي يعد من ابرز هذه القطاعات التي بإمكانها إنقاذ اقتصاد البلاد...
ومن أهم النقاط التي حذر منها البنك المركزي مجددا حسب بيانه الاخير، هي خطورة مواصلته تمويل ميزانية الدولة امام تعثر تعبئة موارد مالية جديدة من الخارج ، لان هذه العملية ستكون لها تاثيرات سلبية على نسبة التضخم وارتفاع الأسعار والتكاليف الباهظة اذا ما استوجب الوضع طباعة الأموال، وبالتالي فان العملية معقدة جدا وسلبياتها على التوازنات المالية تتجاوز مسالة تمويل خزينة الدولة.
وهذا ما ذهب اليه المختصين في الشأن المالي والاقتصادي، معتبرين انه من الضروري الحفاظ على استقلالية البنك المركزي وعلى الدولة ان تقبل بهذه الاستقلالية وتحترمها حتى لا تنخرم توازنات البلاد المالية ويصبح التحكم فيها صعبا، كما يرى عدد هام من المراقبين الاقتصاديين، ان موقف البنك المركزي وتحذيراته في هذا الجانب، مرده الحفاظ على السياسة الحكيمة التي انتهجها البنك خلال الثلاث سنوات الأخيرة، من خلال اتباع سياسة نقدية استباقية، والتي ساهمت في تراجع نسبة التضخم وتحسين التوازنات الداخلية والخارجية.
وأكد مجلس إدارة البنك المركزي التونسي خلال اجتماعه الدوري ليوم 6 أكتوبر 2021، أن تدهور المالية العمومية التي تعاني وضعية هشة علاوة على تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية للنفط من شأنه المساس باستدامة الدين العمومي إلى جانب التأثيرات السلبية لارتفاع مديونية القطاع العمومي تجاه القطاع البنكي خاصة على قدرته على تمويل المؤسسات الاقتصادية، مضيفا بأن استمرار هذه الوضعية سيكون له تداعيات جدّ سلبية على التوازنات الخارجية وسوق الصرف..
وعبّر المجلس عن عميق انشغاله بالنظر إلى دقة الوضع المالي الحالي، حيث شدّد على ضرورة التعجيل في إعطاء إشارات واضحة للمستثمرين المحليين والأجانب بخصوص استرجاع نسق النشاط الاقتصادي والتوازنات الكلية والمالية وتعزيز حوكمة القطاع العمومي وتحسين مناخ الأعمال والرفع من المجهود الاستثماري. وأبدى المجلس انشغاله بخصوص الشح الحاد في الموارد المالية الخارجية مقابل حاجيات هامة لاستكمال تمويل ميزانية الدولة لسنة 2021، وهو ما يعكس تخوّف المقرضين الدوليين في ظل تدهور الترقيم السيادي للبلاد وغياب برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي مما يستدعي تفعيل التعاون المالي الثنائي خلال الفترة المتبقية من السنة لتعبئة ما أمكن من الموارد الخارجية وذلك لتفادي التمويل النقدي في هذه الفترة لما يتضمّنه من تداعيات لا على مستوى التضخم فقط بل أيضا على الاحتياطي من العملة الأجنبية وعلى إدارة سعر صرف الدينار، بالإضافة إلى أثره السلبي على علاقة تونس بالمؤسسات المالية المانحة ووكالات الترقيم السيادي.
وأكّد المجلس بأنّ البنك المركزي سيستمر في الاضطلاع بدوره في دعم الاقتصاد الوطني وفي متابعته الدقيقة لتطور المؤشرات الاقتصادية والنقدية والمالية، كما قرّر المجلس الإبقاء على نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي دون تغيير.
وفاء بن محمد
تونس-الصباح
ضغوطات جديدة تنضاف إلى المالية العمومية بعد تحذيرات البنك المركزي في بيانه الأخير حول الوضعية الهشة التي يمر بها اقتصاد البلاد على مستوى تداعيات ارتفاع المديونية من جهة وصعوبة توفير تمويلات خارجية من جهة ثانية، مما سيضطر بالبنك الى مواصلة تمويل ميزانية الدولة وهو ما سيكون له تداعيات سلبية وخطيرة على مستوى التضخم والمخزون الوطني من النقد الأجنبي وعلى إدارة سعر صرف الدينار، فضلا عن أثره السلبي على علاقة تونس بالمؤسسات المالية المانحة ووكالات الترقيم السيادي.
فالأيام القليلة القادمة، تونس ستكون على موعد مع تصنيفات جديدة من قبل الوكالات العالمية للتراقيم السيادية أهمها "فيتش رايتنغ" التي اعتبرت في شهر ماي المنقضي أن بلادنا غير جاهزة للتقييم بعد أن خفضت وكالة "موديز" من جهتها تصنيفها إلى B3 مع نظرة مستقبلية سلبية، لتعلن في شهر جويلية المنقضي عن اعادة مراجعتها بتخفيض التصنيف الإئتماني الطويل المدى لإصدار العملة الأجنبية في تونس من "ب" إلى "ب-" مع آفاق سلبية..
وتعتبر هذه الدرجة قبل الأخيرة من دخول الفئة ''C'' ، هذا التصنيف المتوقع ان تدخله بلادنا في المراجعة القادمة من قبل "فيتش"، وهي فئة الدول المتعثرة عن سداد الدين والتي تعاني من مشاكل اقتصادية كبرى وانزلقت إليها دول من جنوب القارة الأمريكية في فترة معينة على غرار الأرجنتين ومن إفريقيا دولة الكاميرون وغيرها من الدول النامية وهذا يؤدي في نهاية الأمر إلى ضرورة التوجه إلى ما يعرف بنادي باريس لإعادة هيكلة الديون الذي يفرض برامج شبه إلزامية لإصلاحات هيكلية وعمليات تفويت وخوصصة، والتقليص في الأجور وإجراءات مؤلمة حتى تتمكن الدول المعروضة على نادي باريس من سداد ديونها تجاه المقرضين.
وبالتالي فان بلادنا أمام تحديات جديدة تتعلق أساسا بقدرتها على تحسين صورتها لدى المؤسسات الدولية للتراقيم السيادية الى جانب المؤسسات المالية المانحة لان دور هذه الهياكل لا يقل أهمية عن الهياكل التمويلية، فاليوم لا يجب على الدولة أن تعول على الاقتراض لتعبئة موارد جديدة وسد عجز ميزانتها، بل مطالبة بالاهتمام بالقطاعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة على غرار قطاع الاستثمار، الذي يعد من ابرز هذه القطاعات التي بإمكانها إنقاذ اقتصاد البلاد...
ومن أهم النقاط التي حذر منها البنك المركزي مجددا حسب بيانه الاخير، هي خطورة مواصلته تمويل ميزانية الدولة امام تعثر تعبئة موارد مالية جديدة من الخارج ، لان هذه العملية ستكون لها تاثيرات سلبية على نسبة التضخم وارتفاع الأسعار والتكاليف الباهظة اذا ما استوجب الوضع طباعة الأموال، وبالتالي فان العملية معقدة جدا وسلبياتها على التوازنات المالية تتجاوز مسالة تمويل خزينة الدولة.
وهذا ما ذهب اليه المختصين في الشأن المالي والاقتصادي، معتبرين انه من الضروري الحفاظ على استقلالية البنك المركزي وعلى الدولة ان تقبل بهذه الاستقلالية وتحترمها حتى لا تنخرم توازنات البلاد المالية ويصبح التحكم فيها صعبا، كما يرى عدد هام من المراقبين الاقتصاديين، ان موقف البنك المركزي وتحذيراته في هذا الجانب، مرده الحفاظ على السياسة الحكيمة التي انتهجها البنك خلال الثلاث سنوات الأخيرة، من خلال اتباع سياسة نقدية استباقية، والتي ساهمت في تراجع نسبة التضخم وتحسين التوازنات الداخلية والخارجية.
وأكد مجلس إدارة البنك المركزي التونسي خلال اجتماعه الدوري ليوم 6 أكتوبر 2021، أن تدهور المالية العمومية التي تعاني وضعية هشة علاوة على تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية للنفط من شأنه المساس باستدامة الدين العمومي إلى جانب التأثيرات السلبية لارتفاع مديونية القطاع العمومي تجاه القطاع البنكي خاصة على قدرته على تمويل المؤسسات الاقتصادية، مضيفا بأن استمرار هذه الوضعية سيكون له تداعيات جدّ سلبية على التوازنات الخارجية وسوق الصرف..
وعبّر المجلس عن عميق انشغاله بالنظر إلى دقة الوضع المالي الحالي، حيث شدّد على ضرورة التعجيل في إعطاء إشارات واضحة للمستثمرين المحليين والأجانب بخصوص استرجاع نسق النشاط الاقتصادي والتوازنات الكلية والمالية وتعزيز حوكمة القطاع العمومي وتحسين مناخ الأعمال والرفع من المجهود الاستثماري. وأبدى المجلس انشغاله بخصوص الشح الحاد في الموارد المالية الخارجية مقابل حاجيات هامة لاستكمال تمويل ميزانية الدولة لسنة 2021، وهو ما يعكس تخوّف المقرضين الدوليين في ظل تدهور الترقيم السيادي للبلاد وغياب برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي مما يستدعي تفعيل التعاون المالي الثنائي خلال الفترة المتبقية من السنة لتعبئة ما أمكن من الموارد الخارجية وذلك لتفادي التمويل النقدي في هذه الفترة لما يتضمّنه من تداعيات لا على مستوى التضخم فقط بل أيضا على الاحتياطي من العملة الأجنبية وعلى إدارة سعر صرف الدينار، بالإضافة إلى أثره السلبي على علاقة تونس بالمؤسسات المالية المانحة ووكالات الترقيم السيادي.
وأكّد المجلس بأنّ البنك المركزي سيستمر في الاضطلاع بدوره في دعم الاقتصاد الوطني وفي متابعته الدقيقة لتطور المؤشرات الاقتصادية والنقدية والمالية، كما قرّر المجلس الإبقاء على نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي دون تغيير.