سجل عجز الميزانية خلال النصف الاول من سنة 2021 تراجعا مهما ليبلغ 1.8 مليار دينار مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2020 ، اي بتراجع بلغ 46% ، ما يعني ان تونس تمكنت في ظرف قياسي ورغم صعوبة الاوضاع العالمية من تقليص العجز المسجل في ميزانيتها لسنة 2021 الى قرابة النصف ، وذلك وفق أحدث البيانات الصادرة عن الوثيقة الخاصّة بتنفيذ ميزانيّة الدولة والتي كشفت عنها مؤخرا وزارة الاقتصاد والماليّة ودعم الاستثمار.
وكان تحسن العجز مدفوعا بارتفاع موارد الميزانيّة بنسبة 13،6 بالمائة، أي بحوالي 15،9 مليار دينار ، وتحسّن العائدات الجبائيّة بنسبة 16،7 بالمائة أي حوالي 14،7 مليار دينار ،علما وان هذه العائدات ساهمت في مواجهة الارتفاع المسجل في أعباء الميزانيّة والذي قدر في حدود 1،6 بالمائة، أي ما يعادل 17،6 مليار دينار.
واتسمت أعباء الميزانيّة بارتفاع نفقات التأجير بنسبة 6 بالمائة، لتبلغ 10 مليار دينار، ونفقات التدخل بنسبة 15،8 بالمائة، ما يعادل 3،6 مليار دينار، ونفقات التصرّف بنسبة 4،5 بالمائة في حدود 0،5 مليار دينار ، في حين تراجعت نفقات الاستثمار بنسبة 39 بالمائة موفى جوان 2021 اي قرابة 1،4 مليار دينار ، علما وان هذه النفقات تمثل 8 بالمائة فقط من إجمالي نفقات الدولة.
وتعول تونس في الفترة القادمة للحصول على موارد مالية اضافية، على ماستؤول اليه نتائج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات عاجلة لضمان احتياجاتها المالية للسنة القادمة وسداد أجور الموظفين في الوظيفة العمومية، بالاضافة الى سداد قروض داخلية قبل موفى السنة، وقُدّر ما تبقى من آجال الاستحقاق التي يجب سدادها بنهاية العام على القروض الخارجية بمبلغ 1952 مليون دينار ، يضاف إلى ذلك 5،337.5 مليون دينار يتم سدادها قبل نهاية العام على الودائع في أذون الخزانة.
احتياجات البلاد لما تبقى من العام
وإجمالاً ، على مدى الأشهر الأربعة المتبقية من العام ، تبلغ آجال السداد على الديون الداخلية والخارجية بشكل أساسي 7.3 مليار دينار ، بالإضافة إلى رواتب الخدمة المدنية التي سيتم تأمينها من سبتمبر إلى ديسمبر بمبلغ إجمالي قدره 6.7 مليار دينار ( 1.6 مليار دينار شهريا) ، بالاضافة الى الرسوم الحكومية لنفقات الإدارة، والتحويلات والفائدة على الدين ، والتي تصل إلى 5.1 مليار دينار للأشهر الأربعة المقبلة ، أي 1.2 مليار دينار لكل شهر.
وبين سداد الدين الداخلي والخارجي ودفع رواتب الموظفين والمصاريف الأخرى، ستحتاج الدولة إلى 19 مليار دينار، أي 4.5 مليار دينار شهرياً ، بنهاية العام وذلك وفق الميزانية العامة للدولة لسنة 2021 وباحتساب المعدل الشهري للايرادات والضرائب (المباشرة وغير المباشرة) فإن الدولة قادرة على تأمين 2.4 مليار دينار في المتوسط شهريا وهو مبلغ غير كاف لتأمين احتياجات البلاد المالية والايفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية لما تبقى من العام.
وهناك حاجة ملحة إلى مراجعة نموذج ميزانية الدولة أكثر من أي وقت مضى، لذلك من الضروري توسيع القاعدة الضريبية ، وتقليل العبء الضريبي على متوسط الأجور، ومحاربة الاقتصاد غير الرسمي بشكل أكبر، وضمان قدر أكبر من العدالة الضريبية ومحاربة التهرب الضريبي ، علما وان تونس تواجه منذ بداية العام الحالي، معضلة جديدة في توفير أجور آلاف الموظفين ، وذلك بعد تسجيل زيادة بـ 217 مليون دينار لهذا العام ، ما رفع من حجم التوقعات لبلوغ نفقات الاجور معدل 17 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد ، وهو الاعلى على مستوى العالم.
واثار العجز المسجل في كتلة الاجور مخاوف الخبراء والمؤسسات المالية العالمية من انفلات نفقات الأجور وعدم قدرة الحكومة على تعبئة الموارد لتمويل ميزانية العام الحالي ، وذلك بسبب سوء السياسات المنتهجة للحكومات المتعاقبة والتي أدت الى التوظيف العشوائي دون وجود موارد مالية كافية.
كتلة الاجور التحدي الاكبر
وتعد كتلة الأجور العائق الابرز لتونس اليوم ، خاصة بعد ارتفاعها هذا العام لتبلغ 20.1 مليار دينار، أي حوالي 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي ، بالإضافة الى نفقات الدعم والبالغة 3.4 مليار دينار في ميزانية 2021 ، الامر الذي دفع بوزير المالية السابق علي كعلي الى التأكيد في تصريحات اعلامية ، على نية وزارته التقليص من كتلة الاجور ومراجعة الدعم الموجه للعديد من القطاعات.
ولم تنجح تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة من التقليص في كتلة الأجور الى حدود 12 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016، وعدم التزامها بتعهداتها، وضع بلادنا اليوم ، أمام اختبار إقناع شركاء تونس الماليين بوجاهة قرار زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومي وإدماج 31 ألف عامل جديد كانوا يشتغلون بعقود هشةّ.
وكان صندوق النقد الدولي قد طالب الحكومات السابقة بحزمة من الاصلاحات، منذ 2016 وجدد تطبيقها موفى 2019 وتشمل الضغط على كتلة الاجور وتسريح الموظفين وتعبئة الإيرادات واحتواء الإنفاق الجاري لتخفيض عجز الميزانية، مع الحفاظ على الاستثمارات العامة وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لصالح الأسر ذات الدخل المنخفض، وفرض سياسة نقدية صارمة لكبح التضخم، وتحسين مناخ الأعمال، وتوسيع فرص الحصول على التمويل للمؤسسات الخاصة، ومكافحة الفساد.
عجز وثغرات مالية فادحة
وطلبت تونس، مؤخرا، الترخيص باستخلاص موارد للخزينة بقيمة 19.6 مليار دينار، من بينها 16.6 ملياراً قروضاً خارجية، أي ما يعادل 6 مليارات دولار، و2.9 مليار دينار قروضاً داخلية، أي ما يعادل المليار دولار، إلى جانب 100 مليون دينار في شكل موارد خزينة.
وتقدر ميزانية الدولة لسنة 2021 بـ 52.6 مليار دينار، أي ما يعادل 19 مليار دولار، من بينها قروض خارجية بقيمة 6.5 مليارات دينار ستسددها تونس طيلة السنة و4.9 مليارات دينار لسداد أصول الديون الداخلية.
وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، كما تحملت تداعيات اتفاقيات الزيادة في الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل، من دون أن يقابل ذلك نمو اقتصادي، قادر على امتصاص ازمة زيادة العاطلين عن العمل، وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية.
وحسب تقرير الميزانية لسنة 2020 ، تجاوزت المداخيل الجبائية للتقديرات التي تضمنها قانون المالية التكميلي ،حيث بلغت العائدات 27.1 مليار دينار مقابل توقعات كانت في حدود 26.4 مليون دينار ، علما وان المداخيل الجبائية سجلت تراجعا مقارنة بسنة 2019 بنسبة 6.1 % وفقا لذات التقرير الصادر عن وزارة المالية ، وكان الهدف في الحسابات الاصلية لقانون ميزانية 2020 تحصيل 31.7 مليار دينار مداخيل جبائية لكامل السنة.
وسجلت موارد الميزانية للدولة ارتفاعا بنسبة 15.5 % خلال السنة المنقضية وقد بلغ الحجم الجملي 48819.0 مليون دينار ، وبعد تقييم أثار جائحة كورونا وتداعياتها قدرت الاحتياجات المالية بأكثر من 49.7 مليار دينار. وقد انخفضت جملة الموارد الذاتية للميزانية مع موفى ديسمبر الماضي بـ 5.3 %، مقارنة بسنة 2019 حيث قدرت بـ 30652.9 مليون دينار ، واظهر تقرير تنفيذ الميزانية لسنة 2020 ضعف المداخيل الجبائية خلال أشهر فيفري ومارس وافريل وماي، وهي الأشهر التي فرضت فيها الحكومة حزمة من الإجراءات الصحية الصارمة لمجابهة جائحة كورونا.
التراجع الضريبي عمق الازمة
وعمق التراجع الضريبي عجز ميزانية الدولة، الذي قدر بأكثر من 7 بالمائة لسنة 2021، في حين حذر صندوق النقد الدولي في بيانه الاخير من تفاقم العجز الى 9 بالمائة ، ودعا الحكومة الى الضغط على كتلة الاجور ونفقات الدعم ، وأرجع البنك المركزي، في نشريته حول التطوّرات الاقتصاديّة والنقديّة، تعمّق العجز، الى تراجع الموارد الذاتيّة بنسبة 11،9 بالمائة مقابل ارتفاع بنسبة 18،3 بالمائة خلال النصف الاول من 2019، واشار البنك المركزي التونسي إلى أنّ الايرادات الضريبية لتونس، بلغت قيمة 12،7 مليار دينار بحلول شهر جوان 2020، مسجلة انكماشا بنسبة 11،4 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من 2019.
وتعود هذه الوضعية الى تأثير جائحة كوفيد-19 والاجراءات، التي تمّ اتخاذها في تونس، بغاية الحد من انعكاساتها وخاصّة انعكاسات الحجر الصحي الشامل، وفق ما أكده البنك المركزي التونسي ، ولاحظ البنك أنّ تراجع العائدات الضريبية طال الضرائب المباشرة، التي تراجعت بنسبة 9 بالمائة، مقابل ارتفاع بنسبة 40،4 بالمائة سجلته خلال الفترة ذاتها من 2019 وتراجعت العائدات من الضرائب غير المباشرة، بدورها، بنسبة 13،4 بالمائة مع موفى جوان 2020 مقابل ارتفاع بنسبة 3،9 بالمائة في 2019.
يشار في هذا الصدد ، الى ان العجز المسجل في ميزانية الدولة لسنة 2021 ، دفع بالبنك المركزي الى التدخل وضخ أكثر من 3 مليار دينار في الميزانية مع بداية العام الحالي، وهي خطوة دفعت العديد من الخبراء الى التحذير من انعكاسات ذلك على نسب التضخم مستقبلا والتي ارتفعت مع موفى جويلية الماضي الى 6.4% وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء، وكان ارتفاع الايرادات الضريبية والجبائية في النصف الاول من هذا العام الاثر الكبير في انعاش الميزانية العامة للدولة ، والتي تعاني من نقص فادح في الايرادات منذ ظهور الازمة الصحية في البلاد مطلع مارس من سنة 2020.
*سفيان المهداوي
تونس- الصباح
سجل عجز الميزانية خلال النصف الاول من سنة 2021 تراجعا مهما ليبلغ 1.8 مليار دينار مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2020 ، اي بتراجع بلغ 46% ، ما يعني ان تونس تمكنت في ظرف قياسي ورغم صعوبة الاوضاع العالمية من تقليص العجز المسجل في ميزانيتها لسنة 2021 الى قرابة النصف ، وذلك وفق أحدث البيانات الصادرة عن الوثيقة الخاصّة بتنفيذ ميزانيّة الدولة والتي كشفت عنها مؤخرا وزارة الاقتصاد والماليّة ودعم الاستثمار.
وكان تحسن العجز مدفوعا بارتفاع موارد الميزانيّة بنسبة 13،6 بالمائة، أي بحوالي 15،9 مليار دينار ، وتحسّن العائدات الجبائيّة بنسبة 16،7 بالمائة أي حوالي 14،7 مليار دينار ،علما وان هذه العائدات ساهمت في مواجهة الارتفاع المسجل في أعباء الميزانيّة والذي قدر في حدود 1،6 بالمائة، أي ما يعادل 17،6 مليار دينار.
واتسمت أعباء الميزانيّة بارتفاع نفقات التأجير بنسبة 6 بالمائة، لتبلغ 10 مليار دينار، ونفقات التدخل بنسبة 15،8 بالمائة، ما يعادل 3،6 مليار دينار، ونفقات التصرّف بنسبة 4،5 بالمائة في حدود 0،5 مليار دينار ، في حين تراجعت نفقات الاستثمار بنسبة 39 بالمائة موفى جوان 2021 اي قرابة 1،4 مليار دينار ، علما وان هذه النفقات تمثل 8 بالمائة فقط من إجمالي نفقات الدولة.
وتعول تونس في الفترة القادمة للحصول على موارد مالية اضافية، على ماستؤول اليه نتائج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات عاجلة لضمان احتياجاتها المالية للسنة القادمة وسداد أجور الموظفين في الوظيفة العمومية، بالاضافة الى سداد قروض داخلية قبل موفى السنة، وقُدّر ما تبقى من آجال الاستحقاق التي يجب سدادها بنهاية العام على القروض الخارجية بمبلغ 1952 مليون دينار ، يضاف إلى ذلك 5،337.5 مليون دينار يتم سدادها قبل نهاية العام على الودائع في أذون الخزانة.
احتياجات البلاد لما تبقى من العام
وإجمالاً ، على مدى الأشهر الأربعة المتبقية من العام ، تبلغ آجال السداد على الديون الداخلية والخارجية بشكل أساسي 7.3 مليار دينار ، بالإضافة إلى رواتب الخدمة المدنية التي سيتم تأمينها من سبتمبر إلى ديسمبر بمبلغ إجمالي قدره 6.7 مليار دينار ( 1.6 مليار دينار شهريا) ، بالاضافة الى الرسوم الحكومية لنفقات الإدارة، والتحويلات والفائدة على الدين ، والتي تصل إلى 5.1 مليار دينار للأشهر الأربعة المقبلة ، أي 1.2 مليار دينار لكل شهر.
وبين سداد الدين الداخلي والخارجي ودفع رواتب الموظفين والمصاريف الأخرى، ستحتاج الدولة إلى 19 مليار دينار، أي 4.5 مليار دينار شهرياً ، بنهاية العام وذلك وفق الميزانية العامة للدولة لسنة 2021 وباحتساب المعدل الشهري للايرادات والضرائب (المباشرة وغير المباشرة) فإن الدولة قادرة على تأمين 2.4 مليار دينار في المتوسط شهريا وهو مبلغ غير كاف لتأمين احتياجات البلاد المالية والايفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية لما تبقى من العام.
وهناك حاجة ملحة إلى مراجعة نموذج ميزانية الدولة أكثر من أي وقت مضى، لذلك من الضروري توسيع القاعدة الضريبية ، وتقليل العبء الضريبي على متوسط الأجور، ومحاربة الاقتصاد غير الرسمي بشكل أكبر، وضمان قدر أكبر من العدالة الضريبية ومحاربة التهرب الضريبي ، علما وان تونس تواجه منذ بداية العام الحالي، معضلة جديدة في توفير أجور آلاف الموظفين ، وذلك بعد تسجيل زيادة بـ 217 مليون دينار لهذا العام ، ما رفع من حجم التوقعات لبلوغ نفقات الاجور معدل 17 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد ، وهو الاعلى على مستوى العالم.
واثار العجز المسجل في كتلة الاجور مخاوف الخبراء والمؤسسات المالية العالمية من انفلات نفقات الأجور وعدم قدرة الحكومة على تعبئة الموارد لتمويل ميزانية العام الحالي ، وذلك بسبب سوء السياسات المنتهجة للحكومات المتعاقبة والتي أدت الى التوظيف العشوائي دون وجود موارد مالية كافية.
كتلة الاجور التحدي الاكبر
وتعد كتلة الأجور العائق الابرز لتونس اليوم ، خاصة بعد ارتفاعها هذا العام لتبلغ 20.1 مليار دينار، أي حوالي 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي ، بالإضافة الى نفقات الدعم والبالغة 3.4 مليار دينار في ميزانية 2021 ، الامر الذي دفع بوزير المالية السابق علي كعلي الى التأكيد في تصريحات اعلامية ، على نية وزارته التقليص من كتلة الاجور ومراجعة الدعم الموجه للعديد من القطاعات.
ولم تنجح تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة من التقليص في كتلة الأجور الى حدود 12 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016، وعدم التزامها بتعهداتها، وضع بلادنا اليوم ، أمام اختبار إقناع شركاء تونس الماليين بوجاهة قرار زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومي وإدماج 31 ألف عامل جديد كانوا يشتغلون بعقود هشةّ.
وكان صندوق النقد الدولي قد طالب الحكومات السابقة بحزمة من الاصلاحات، منذ 2016 وجدد تطبيقها موفى 2019 وتشمل الضغط على كتلة الاجور وتسريح الموظفين وتعبئة الإيرادات واحتواء الإنفاق الجاري لتخفيض عجز الميزانية، مع الحفاظ على الاستثمارات العامة وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لصالح الأسر ذات الدخل المنخفض، وفرض سياسة نقدية صارمة لكبح التضخم، وتحسين مناخ الأعمال، وتوسيع فرص الحصول على التمويل للمؤسسات الخاصة، ومكافحة الفساد.
عجز وثغرات مالية فادحة
وطلبت تونس، مؤخرا، الترخيص باستخلاص موارد للخزينة بقيمة 19.6 مليار دينار، من بينها 16.6 ملياراً قروضاً خارجية، أي ما يعادل 6 مليارات دولار، و2.9 مليار دينار قروضاً داخلية، أي ما يعادل المليار دولار، إلى جانب 100 مليون دينار في شكل موارد خزينة.
وتقدر ميزانية الدولة لسنة 2021 بـ 52.6 مليار دينار، أي ما يعادل 19 مليار دولار، من بينها قروض خارجية بقيمة 6.5 مليارات دينار ستسددها تونس طيلة السنة و4.9 مليارات دينار لسداد أصول الديون الداخلية.
وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، كما تحملت تداعيات اتفاقيات الزيادة في الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل، من دون أن يقابل ذلك نمو اقتصادي، قادر على امتصاص ازمة زيادة العاطلين عن العمل، وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية.
وحسب تقرير الميزانية لسنة 2020 ، تجاوزت المداخيل الجبائية للتقديرات التي تضمنها قانون المالية التكميلي ،حيث بلغت العائدات 27.1 مليار دينار مقابل توقعات كانت في حدود 26.4 مليون دينار ، علما وان المداخيل الجبائية سجلت تراجعا مقارنة بسنة 2019 بنسبة 6.1 % وفقا لذات التقرير الصادر عن وزارة المالية ، وكان الهدف في الحسابات الاصلية لقانون ميزانية 2020 تحصيل 31.7 مليار دينار مداخيل جبائية لكامل السنة.
وسجلت موارد الميزانية للدولة ارتفاعا بنسبة 15.5 % خلال السنة المنقضية وقد بلغ الحجم الجملي 48819.0 مليون دينار ، وبعد تقييم أثار جائحة كورونا وتداعياتها قدرت الاحتياجات المالية بأكثر من 49.7 مليار دينار. وقد انخفضت جملة الموارد الذاتية للميزانية مع موفى ديسمبر الماضي بـ 5.3 %، مقارنة بسنة 2019 حيث قدرت بـ 30652.9 مليون دينار ، واظهر تقرير تنفيذ الميزانية لسنة 2020 ضعف المداخيل الجبائية خلال أشهر فيفري ومارس وافريل وماي، وهي الأشهر التي فرضت فيها الحكومة حزمة من الإجراءات الصحية الصارمة لمجابهة جائحة كورونا.
التراجع الضريبي عمق الازمة
وعمق التراجع الضريبي عجز ميزانية الدولة، الذي قدر بأكثر من 7 بالمائة لسنة 2021، في حين حذر صندوق النقد الدولي في بيانه الاخير من تفاقم العجز الى 9 بالمائة ، ودعا الحكومة الى الضغط على كتلة الاجور ونفقات الدعم ، وأرجع البنك المركزي، في نشريته حول التطوّرات الاقتصاديّة والنقديّة، تعمّق العجز، الى تراجع الموارد الذاتيّة بنسبة 11،9 بالمائة مقابل ارتفاع بنسبة 18،3 بالمائة خلال النصف الاول من 2019، واشار البنك المركزي التونسي إلى أنّ الايرادات الضريبية لتونس، بلغت قيمة 12،7 مليار دينار بحلول شهر جوان 2020، مسجلة انكماشا بنسبة 11،4 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من 2019.
وتعود هذه الوضعية الى تأثير جائحة كوفيد-19 والاجراءات، التي تمّ اتخاذها في تونس، بغاية الحد من انعكاساتها وخاصّة انعكاسات الحجر الصحي الشامل، وفق ما أكده البنك المركزي التونسي ، ولاحظ البنك أنّ تراجع العائدات الضريبية طال الضرائب المباشرة، التي تراجعت بنسبة 9 بالمائة، مقابل ارتفاع بنسبة 40،4 بالمائة سجلته خلال الفترة ذاتها من 2019 وتراجعت العائدات من الضرائب غير المباشرة، بدورها، بنسبة 13،4 بالمائة مع موفى جوان 2020 مقابل ارتفاع بنسبة 3،9 بالمائة في 2019.
يشار في هذا الصدد ، الى ان العجز المسجل في ميزانية الدولة لسنة 2021 ، دفع بالبنك المركزي الى التدخل وضخ أكثر من 3 مليار دينار في الميزانية مع بداية العام الحالي، وهي خطوة دفعت العديد من الخبراء الى التحذير من انعكاسات ذلك على نسب التضخم مستقبلا والتي ارتفعت مع موفى جويلية الماضي الى 6.4% وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء، وكان ارتفاع الايرادات الضريبية والجبائية في النصف الاول من هذا العام الاثر الكبير في انعاش الميزانية العامة للدولة ، والتي تعاني من نقص فادح في الايرادات منذ ظهور الازمة الصحية في البلاد مطلع مارس من سنة 2020.