إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

كيف يمكن لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الموازنة بين مكافحة التضخم وضمان الاستقرار المالي؟

يتعرض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عادة لضغوط لتيسير أو تغيير السياسات النقدية المشددة للغاية، حيث يفضل المستثمرون وعامة الناس "المكاسب السهلة" أو الأوضاع النقدية الميسرة. ويمكن لأسعار الفائدة المرتفعة والمتصاعدة أن تقيد النشاط الاقتصادي وتزيد من تكلفة رأس المال وتؤدي إلى عمليات بيع لتصفية الأصول طويلة الأجل مثل أسهم النمو والسندات طويلة الأجل والعقارات.

واستجابة للتضخم الذي تجاوز النسبة المستهدفة بفارق كبير، نفذ بنك الاحتياطي الفيدرالي منذ شهر مارس من العام الماضي واحدة من دورات التشديد النقدي الأكثر قوة وغير المتوقعة في تاريخ الولايات المتحدة. وأدى ذلك إلى مفاجآت سلبية وتراجع ملحوظ في أسهم النمو (-9%)، وسندات الخزينة طويلة الأجل (-19%) والأصول العقارية الأمريكية (-22%). وتؤكد هذه الانخفاضات على الحاجة إلى دراسة أعمق للسياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي وتأثيرها على الاستقرار المالي.

كجزء طبيعي من دورة التشديد النقدي، يمكن للأوضاع المالية الأكثر تقييداً أن تخلق آثاراً سلبية على الثروة، بل يمكن أن تؤدي هذه العملية في بعض الأحيان إلى عواقب وخيمة غير مقصودة، لا سيما عندما تصبح حركات السوق غير منتظمة، مما يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار المالي، وأزمات ائتمان، وركود اقتصادي حاد. في الواقع، تطورت أغلب الأزمات المالية الكبرى في العقود العديدة الماضية خلال فترات ارتفاع وتصاعد أسعار الفائدة.

في الأسابيع الأخيرة، بدأت أولى علامات عدم الاستقرار المالي في الظهور، حيث شهدت البنوك الأمريكية الإقليمية التي تكبدت خسائر كبيرة غير محققة في محافظ السندات الخاصة بها تدفقات خارجية كبيرة من الودائع. وأدى هذا الافتقار إلى الثقة إلى تهافت على سحب الودائع من مؤسسات أكثر هشاشة، مثل بنك سيليكون فالي ومقره كاليفورنيا وبنك سيغنيتشر في نيويورك. ثم ظهرت مخاوف من انتقال العدوى، واضطرت السلطات الاقتصادية إلى التدخل لتغطية الودائع بالكامل وفتح نافذة جديدة للسيولة. يتيح البرنامج المعلن للتمويل البنكي لأجل محدد (BFTP) للبنوك إيداع سندات الخزينة وسندات الدين الحكومية الأخرى لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي بسعرها الأصلي، مما يمكّن المقرضين من تجنب البيع الاضطراري والوفاء بقيمة الودائع.

أدى عدم الاستقرار المالي إلى زيادة الجدل حول ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي مستعداً "للتوقف" مؤقتاً عن رفع أسعار الفائدة أو حتى تخفيضها عاجلاً وليس آجلاً. ونظراً لانخفاض توقعات التضخم وضعف توقعات النمو، أصبح المستثمرون الآن يعتقدون أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة في النصف الثاني من العام. وتشير العقود الآجلة للأموال الفيدرالية إلى تخفيضات بواقع 100 نقطة أساس في أسعار الفائدة بحلول يناير 2024.

ومع ذلك، خلال الاجتماع الأخير للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في أواخر مارس، قرر مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي زيادة أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إضافية. وعلى نحو هام، صرح جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بوضوح أن مهمة خفض التضخم لا تزال تمثل أولوية وأن أسعار الفائدة من المتوقع أن ترتفع أكثر.

من وجهة نظرنا، من المقرر أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول. ونتوقع زيادة إضافية بمقدار 25 نقطة أساس في مايو ليبلغ سعر الفائدة النهائي على الأموال الفيدرالية نسبة 5.25%. بالإضافة إلى ذلك، لا نتوقع أي تخفيضات في أسعار الفائدة حتى عام 2024 على الأقل، على الرغم من القلق المستمر بشأن عدم الاستقرار المالي.

هناك عاملان يدعمان وجهة نظرنا، حيث ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن إطار السياسة النقدية الرسمي لبنك الاحتياطي الفيدرالي يستهدف متوسط معدل تضخم يبلغ 2%.

أولاً، على الرغم من التراجع الكبير في التضخم في الأشهر الأخيرة، من 9.1% في يونيو 2022 إلى 6% في فبراير 2023، لا تزال الظروف غير مواتية لبنك الاحتياطي الفيدرالي لتحقيق النسبة المستهدفة للتضخم. وبصرف النظر عن التباطؤ الاقتصادي المستمر، لا تزال أسواق العمل الأمريكية تعتبر حالياً الأضيق منذ عقود، ويجب أن يحدث اعتدال كبير في نمو الأجور الذي تتراوح نسبته حالياً بين 5 و6% قبل أن يستقر التضخم عند مستويات أنسب. لذلك من المهم أن يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي على سياسة التشديد النقدي لكي يسمح بحدوث انفراج تدريجي في سوق العمل.

ثانياً، يؤدي ضبط أدوات السياسة النقدية المختلفة إلى توفير مساحة لبنك الاحتياطي الفيدرالي للحفاظ على موقف حازم في مكافحة التضخم مع إدارة مخاطر عدم الاستقرار المالي. نعتقد أن التباين بين الهدفين من المرجح أن يؤدي إلى "فصل" أدوات السياسة النقدية. في الماضي، أيد معظم مسؤولي البنوك المركزية الحاجة إلى مواءمة أدوات السياسة، أي أن أسعار الفائدة الرسمية والميزانية العمومية يجب أن تسير في نفس الاتجاه أو يجب على الأقل ألا تتعارض مع بعضها البعض – سواءً عند التيسير أو الحياد أو التشديد النقدي. وقد أدى ذلك إلى قواعد الجمع بين رفع أسعار الفائدة والحفاظ على استقرار الميزانية العمومية أو تخفيضها، على عكس توسيع الميزانية العمومية، الذي يزيد من المعروض النقدي والسيولة في النظام. 

خلال الأسابيع القليلة الماضية، أكد بنك الاحتياطي الفيدرالي مجدداً ضرورة تبني نهج مختلف في تطبيق أدوات السياسة النقدية تكون بموجبه سياسة أسعار الفائدة هي الأداة الرئيسية لمكافحة التضخم المرتفع، بينما سيتم تعديل سياسة الميزانية العمومية، بطريقة مستهدفة، من أجل دعم الأسواق المالية المجهدة. وهذا سيسمح بتنفيذ عملية تتسم بمزيد من التنظيم والاستدامة لتعديل السياسة النقدية

كيف يمكن لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الموازنة بين مكافحة التضخم وضمان الاستقرار المالي؟

يتعرض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عادة لضغوط لتيسير أو تغيير السياسات النقدية المشددة للغاية، حيث يفضل المستثمرون وعامة الناس "المكاسب السهلة" أو الأوضاع النقدية الميسرة. ويمكن لأسعار الفائدة المرتفعة والمتصاعدة أن تقيد النشاط الاقتصادي وتزيد من تكلفة رأس المال وتؤدي إلى عمليات بيع لتصفية الأصول طويلة الأجل مثل أسهم النمو والسندات طويلة الأجل والعقارات.

واستجابة للتضخم الذي تجاوز النسبة المستهدفة بفارق كبير، نفذ بنك الاحتياطي الفيدرالي منذ شهر مارس من العام الماضي واحدة من دورات التشديد النقدي الأكثر قوة وغير المتوقعة في تاريخ الولايات المتحدة. وأدى ذلك إلى مفاجآت سلبية وتراجع ملحوظ في أسهم النمو (-9%)، وسندات الخزينة طويلة الأجل (-19%) والأصول العقارية الأمريكية (-22%). وتؤكد هذه الانخفاضات على الحاجة إلى دراسة أعمق للسياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي وتأثيرها على الاستقرار المالي.

كجزء طبيعي من دورة التشديد النقدي، يمكن للأوضاع المالية الأكثر تقييداً أن تخلق آثاراً سلبية على الثروة، بل يمكن أن تؤدي هذه العملية في بعض الأحيان إلى عواقب وخيمة غير مقصودة، لا سيما عندما تصبح حركات السوق غير منتظمة، مما يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار المالي، وأزمات ائتمان، وركود اقتصادي حاد. في الواقع، تطورت أغلب الأزمات المالية الكبرى في العقود العديدة الماضية خلال فترات ارتفاع وتصاعد أسعار الفائدة.

في الأسابيع الأخيرة، بدأت أولى علامات عدم الاستقرار المالي في الظهور، حيث شهدت البنوك الأمريكية الإقليمية التي تكبدت خسائر كبيرة غير محققة في محافظ السندات الخاصة بها تدفقات خارجية كبيرة من الودائع. وأدى هذا الافتقار إلى الثقة إلى تهافت على سحب الودائع من مؤسسات أكثر هشاشة، مثل بنك سيليكون فالي ومقره كاليفورنيا وبنك سيغنيتشر في نيويورك. ثم ظهرت مخاوف من انتقال العدوى، واضطرت السلطات الاقتصادية إلى التدخل لتغطية الودائع بالكامل وفتح نافذة جديدة للسيولة. يتيح البرنامج المعلن للتمويل البنكي لأجل محدد (BFTP) للبنوك إيداع سندات الخزينة وسندات الدين الحكومية الأخرى لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي بسعرها الأصلي، مما يمكّن المقرضين من تجنب البيع الاضطراري والوفاء بقيمة الودائع.

أدى عدم الاستقرار المالي إلى زيادة الجدل حول ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي مستعداً "للتوقف" مؤقتاً عن رفع أسعار الفائدة أو حتى تخفيضها عاجلاً وليس آجلاً. ونظراً لانخفاض توقعات التضخم وضعف توقعات النمو، أصبح المستثمرون الآن يعتقدون أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة في النصف الثاني من العام. وتشير العقود الآجلة للأموال الفيدرالية إلى تخفيضات بواقع 100 نقطة أساس في أسعار الفائدة بحلول يناير 2024.

ومع ذلك، خلال الاجتماع الأخير للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في أواخر مارس، قرر مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي زيادة أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إضافية. وعلى نحو هام، صرح جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بوضوح أن مهمة خفض التضخم لا تزال تمثل أولوية وأن أسعار الفائدة من المتوقع أن ترتفع أكثر.

من وجهة نظرنا، من المقرر أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول. ونتوقع زيادة إضافية بمقدار 25 نقطة أساس في مايو ليبلغ سعر الفائدة النهائي على الأموال الفيدرالية نسبة 5.25%. بالإضافة إلى ذلك، لا نتوقع أي تخفيضات في أسعار الفائدة حتى عام 2024 على الأقل، على الرغم من القلق المستمر بشأن عدم الاستقرار المالي.

هناك عاملان يدعمان وجهة نظرنا، حيث ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن إطار السياسة النقدية الرسمي لبنك الاحتياطي الفيدرالي يستهدف متوسط معدل تضخم يبلغ 2%.

أولاً، على الرغم من التراجع الكبير في التضخم في الأشهر الأخيرة، من 9.1% في يونيو 2022 إلى 6% في فبراير 2023، لا تزال الظروف غير مواتية لبنك الاحتياطي الفيدرالي لتحقيق النسبة المستهدفة للتضخم. وبصرف النظر عن التباطؤ الاقتصادي المستمر، لا تزال أسواق العمل الأمريكية تعتبر حالياً الأضيق منذ عقود، ويجب أن يحدث اعتدال كبير في نمو الأجور الذي تتراوح نسبته حالياً بين 5 و6% قبل أن يستقر التضخم عند مستويات أنسب. لذلك من المهم أن يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي على سياسة التشديد النقدي لكي يسمح بحدوث انفراج تدريجي في سوق العمل.

ثانياً، يؤدي ضبط أدوات السياسة النقدية المختلفة إلى توفير مساحة لبنك الاحتياطي الفيدرالي للحفاظ على موقف حازم في مكافحة التضخم مع إدارة مخاطر عدم الاستقرار المالي. نعتقد أن التباين بين الهدفين من المرجح أن يؤدي إلى "فصل" أدوات السياسة النقدية. في الماضي، أيد معظم مسؤولي البنوك المركزية الحاجة إلى مواءمة أدوات السياسة، أي أن أسعار الفائدة الرسمية والميزانية العمومية يجب أن تسير في نفس الاتجاه أو يجب على الأقل ألا تتعارض مع بعضها البعض – سواءً عند التيسير أو الحياد أو التشديد النقدي. وقد أدى ذلك إلى قواعد الجمع بين رفع أسعار الفائدة والحفاظ على استقرار الميزانية العمومية أو تخفيضها، على عكس توسيع الميزانية العمومية، الذي يزيد من المعروض النقدي والسيولة في النظام. 

خلال الأسابيع القليلة الماضية، أكد بنك الاحتياطي الفيدرالي مجدداً ضرورة تبني نهج مختلف في تطبيق أدوات السياسة النقدية تكون بموجبه سياسة أسعار الفائدة هي الأداة الرئيسية لمكافحة التضخم المرتفع، بينما سيتم تعديل سياسة الميزانية العمومية، بطريقة مستهدفة، من أجل دعم الأسواق المالية المجهدة. وهذا سيسمح بتنفيذ عملية تتسم بمزيد من التنظيم والاستدامة لتعديل السياسة النقدية

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews