لم تتوقف تداعيات تغير المناخ عند حد الفيضانات وارتفاع درجات الحرارة التي اجتاحت عدة دول حول العالم، لكن الأمطار في أوروبا الغربية والصين، والجفاف في منطقة البحر الأسود وأستراليا، فضلا عن الحرب الأوكرانية أثارت جميعها مخاوف عالمية من تراجع إمدادات القمح وعودة شح الغذاء مع اتساع دائرة القلق بشأن أسعار "الذهب الأصفر" مجددا.
وتأتي تلك المخاوف بعد بلوغ العقود الآجلة للقمح أعلى مستوى منذ أغسطس الماضي، وبعد أن تحاصر تلك السلعة العالمية عدة عوامل بينها الرطوبة في أوروبا والجفاف في أميركا وتدمير البنية الزراعية في أوكرانيا جراء الحرب المستمرة منذ فيفري 2022، وفق وكالة بلومبرغ.
ووسط تقديرات اقتصادية بتراجع كميات القمح المتوقعة في موسم الحصاد الحالي عالميا بفعل ارتفاع الحرارة ونقص الأمطار في جنوب روسيا والصراعات الجيوسياسية ما ينذر بعودة ارتفاع تكاليف الغذاء عالميا، فعربيا تترقب دولة المغرب، أسوأ حصاد للحبوب منذ 17 عاماً الموسم الحالي.
خريطة تأثيرات التغير المناخي على محصول القمح
هناك توقعات بأن تظل مخزونات القمح عند أدنى مستوياتها هذا العام منذ ما يقرب من عقد من الزمن بعد ما يشهده العالم من سوء أحوال جوية وصراعات، ما يعني إبقاء إمدادات القمح العالمية تحت الضغط مع زيادة المخاوف من ارتفاع تكاليف الغذاء، وضمن تلك التداعيات:
أمطار الصين: تحاصر الأمطار الغزيرة محصول القمح في هذا البلد الآسيوي وهي إشارة مقلقة للمستهلكين، وفق خبراء، تنذر بارتفاع تكاليف الخبز والمعكرونة وتشعل الضغوط التضخمية على البنوك المركزية.
الجفاف بالبحر الأسود: تواجه روسيا، أكبر مصدر للقمح، مخاطر فقدان الرطوبة الضرورية، حيث خفّض المحللون تقديرات الحصاد وسط مواجهة جنوب البلاد أسابيع من الحرارة ونقص الأمطار.
حرب أوكرانيا: تهدد الهجمات الروسية على البنية الزراعية في أوكرانيا صادرات البلاد من القمح، وتعد أوكرانيا سلة غذاء العالم، كما أن الخدمة في الجيش استنزفت القوى العاملة في الزراعة وسط توقعات بانخفاض إنتاج الحبوب في الموسم المقبل بنسبة 6% مقارنة بالعام الماضي، وعلاوة على ذلك أثر الجفاف أيضاً على مساحات واسعة من القمح الأوكراني.
الأمطار بأوروبا الغربية: تضرر نمو المحاصيل في شمال غرب أوروبا بسبب الربيع الممطر، ومن المتوقع تراجع محصول القمح والشعير في فرنسا عن مستوى العام الماضي، كما أدت تلك الأمطار إلى تباطؤ مساحات المحاصيل الربيعية في بريطانيا وألمانيا وفرنسا.
الجفاف بالولايات المتحدة: انتشر الجفاف على نطاق أوسع في حقول القمح الشتوي في الولايات المتحدة منذ أوائل أبريل، ولا يزال يشكل مصدر قلق للمحاصيل الربيعية.
الجفاف في أستراليا: أدى الصيف الجاف والحار في بعض مناطق أستراليا إلى جفاف التربة في وقت زراعة المحاصيل.
ماذا عن مستقبل القمح عالميا؟
مع اقتراب موسم الحصاد في نصف الكرة الشمالي، ستكون الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة لتنمية المحاصيل، إذ يراقب المجتمع الزراعي وتجار السلع الأساسية أنماط الطقس عن كثب، حيث يمكن للظروف المواتية أن تخفف بعض ضغوط العرض الحالية ، بحسب وكالة بلومبرغ التي أشارت إلى أن:
في أوروبا الغربية يواجه المزارعون عقبات مثل الحقول الرطبة وفي أستراليا يواجهون عقبات جفاف التربة، فضلا عن تأخر إمدادات أوكرانيا نتيجة الحرب الروسية.
المخزونات العالمية ستظل الأصغر حجماً منذ نحو عقد.
وفرة المحاصيل في البحر الأسود ساهمت في كبح الأسعار لفترة طويلة، ويجري تداول القمح بنصف سعره القياسي المسجل في 2022، لكن المخاوف بشأن الإمدادات تتصاعد مجدداً.
ارتفعت العقود الآجلة لتبلغ أعلى مستوياتها منذ أغسطس، وقلصت الصناديق رهاناتها الهبوطية التي احتفظت بها لعامين تقريباً.
المغرب أكثر الدول العربية تضررا
وبفعل الجفاف أيضا وتغير المناخ الذي يواجهه المغرب للعام السادس على التوالي، توقعت تقارير دولية أن يسجل موسم الحبوب الأسوأ منذ 17 عاماً، وهو ما سيدفع المملكة لاستيراد نحو 75% من احتياجاتها السنوية المقدرة بأكثر من 10 ملايين طن في المتوسط، نصفها من القمح.
وتعتبر المملكة أكثر الدول العربية تأثرا بتغير المناخ في إنتاج الحبوب، فوفق توقعات البنك المركزي المغربي مارس الماضي، فلن يتجاوز الإنتاج المتوقع من الحبوب في الموسم الزراعي الحالي نحو 2.5 مليون طن ما يمثل انخفاضاً بـ54% عن الموسم السابق.
ومع توالي سنوات الجفاف، أعلن المغرب بداية العام الجاري دعم المستوردين لتكوين مخزون استراتيجي، حيث قال رئيس الفيدرالية الوطنية للمطاحن عبد القادر العلوي، إن هذا المخزون سيكون في حدود مليون طن، إضافة إلى الاحتياطات التي تتوفر عليها المطاحن الصناعية، وهو ما يضمن احتياجات استهلاك تكفي بين 4 و5 أشهر.
وتسبب ضعف هطول الأمطار وعدم انتظامها في تضرر القطاع الزراعي المغربي والذي يعمل به 40% من السكان، وفقاً لبيانات مندوبية التخطيط المعنية بالإحصاءات. سكاي نيوز عربية