تلقت "الصباح نيوز" مقالا بقلم علي اللافي الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشؤون المغاربية والافريقية، حول التعاطي الأمريكي مع الملف الليبي.
وفي ما يلي فحوى المقال:
أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا السفير "ريتشارد نورلاند" في تسجيل نشره حساب الخارجية الأميركية على "تويتر" الخميس (22-09-2022)، أن هناك جُهودا ومساعي لتشكيل خارطة طريق جديدة من أجل إيجاد حل للأزمة الليبية بعد أن وصلت العملية السياسية الحالية إلى مأزق وفشلت في تحقيق الاستقرار، ورغم أن المبعوث الأميركي لم يُحدد ملامح خارطة الطريق الجديدة، فإنه أقر بأن العملية السياسية الحالية وصلت إلى نهايتها ولاشك أن الأمريكيين يعون جيدا أن الحرب في أوكرانيا قد ساهمت في ترتيب التموضعين المحلي والدولي حول الخيارات السياسية في ليبيا، وبجانب النزاع الداخلي وتشعبه وتداخل خيوطه توضح أخيرا موقفي "واشنطن" و"بعثة الأمم المتحدة" تجاه ترتيبات ما بعد مخرجات لقاء "برلين3" وتعيين المبعوث الاممي الجديد وهو ما أكده نص (ومضمون) بيان أول أمس لحكومات "ألمانيا" و"إيطاليا" و"الولايات المتحدة" و"فرنسا" و"المملكة المتحدة"، وهذه الدول هي طبعا المؤثرة في الملف الليبي ومحدداته الرئيسية بل أن كل تغيير في موقفها قد يقلب كل تفاصيله واتجاهاته المستقبلية ومن الواضح أنها اتجهت عمليا للإقلاع عن فكرة الدخول في مرحلة مؤقتة جديدة واتخذت موقفاً محايداً من المبادرات الليبية، ويُجيب مقال الحال على السؤالين التاليين:
هل أن واشنطن ستُلقي فعلا بكل ثقلها في الملف وخاصة في أفق منتصف أكتوبر المقبل وذلك بهدف إيجاد حلول قابلة للتنزيل، وقبل ذلك ما هي المعطيات الأساسية التي حددت وتحدد مواقف واشنطن باعتبار أن ليبيا هي أهم دول الساحل والصحراء؟
إلى أي مدى ترتبط التغيرات الداخلية في ليبيا بأزمة الحرب بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، وخصوصاً ما يتعلق بانعكاس الصراع الدولي على الأراضي الليبية؟
** المواقف والتحركات الأمريكية الأخيرة: الحيثيات والتفاصيل
أولا، أكد المبعوث الأمريكي في تسجيله المشار اليه أعلاه إن “القادة الليبيين وجهات خارجية أدركوا أن العنف لن يأتي بنتيجة”، مبينا أن “ما يحدث هو نهاية مغلقة، وهو أمر يدفع إلى إيجاد مخرج - خارطة جديدة، وشدد المبعوث الأميركي على أن بلاده “تعمل عن كثب مع الشركاء والمجتمع الدبلوماسي والزائرين الليبيين المتواجدين في نيويورك لإعادة الزخم إلى العملية الانتخابية الليبية”، نافيا ما يتردد من أن القوى الدولية تنوي دعم طرف ضد آخر أو تشكيل حكومة مؤقتة، وإنما تبتغي المضي قدما في العملية السياسية والعمل من أجل الوصول إلى الانتخابات.
ثانيا، جدد "نورلاند" دعم بلاده للمبعوث الأممي "عبدالله باتيلي" وللجهود الأممية من أجل الخروج من الأزمة، محذرا من عودة العنف، وقال “إن المخرج الوحيد يكمن في تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة يشارك فيها الملايين من الليبيين”.وتأتي هذه التصريحات بعد أن أكد المبعوث الأميركي خلال جوان الماضي في جنيف أن من الممكن إجراء انتخابات عامة دون شرط حل الأزمة بين الحكومتين المتنافستين، وأن آلية للإشراف على الإنفاق يمكن أن تساعد في الحكم لفترة محددة، وقال حينها “يمكن للفصائل التي هيمنت على أجزاء مختلفة من البلاد أن تقود تلك المناطق بشكل منفصل نحو انتخابات عامة”، ويبدو أن دعوات المبعوث الأميركي السابقة صارت غير ممكنة اليوم بعد أن تصاعدت الخلافات بين مختلف القوى السياسية لتتحول إلى صراع عسكري دموي.
ثالثا، تتزامن تصريحات المبعوث الأميركي المتعلقة بمساعي تشكيل خارطة طريق جديدة مع ما جاء في تصريح وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية "نجلاء المنقوش" ضمن كلمة مسجلة أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك، حيث قالت “هناك أخبار إيجابية بشأن دعم الاستقرار في ليبيا”، وأضافت المنقوش “هناك دعم دولي للاستقرار في ليبيا وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة”، مؤكدة أنها "قامت بالكثير من الحوارات وتبادل وجهات النظر مع الكثير من الدول العربية والأوروبية..."، وبحثت "المنقوش" كذلك، على هامش تواجدها في نيويورك ضمن أعمال الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مع السفير الأميركي ومستشار وزارة الخارجية الأميركية "ديريك شوليت" آخر المستجدات وتطورات الأوضاع السياسية في ليبيا.
رابعا، من الواضح أن الولايات المتحدة ستنزل بكل ثقلها لإنهاء حالة التوتر في ليبيا بعد أن خيرت خلال الفترة الماضية عدم فرض ضغوط على القوى المتصارعة، خاصة النزاع بين حكومة الوحدة الوطنية بقيادة "عبد الحميد الدبيبة" وحكومة "فتحي باشاغا" المدعومة من البرلمان، وتأتي جهود واشنطن بعد عقد مؤتمر "برلين3" في بداية الشهر الجاري، حيث التزمت الدول المشاركة بدعم مسار شامل نحو إجراء انتخابات، باعتبارها حلاً وحيداً لأزمة البلاد. وهو ما اعتُبر دعما لجهود المبعوث الأممي وجهود إنهاء الأزمة، ويبدو أن المساعي الدولية والضغوط التي تمارسها واشنطن وبعض الدول الأوروبية بدأت تنعكس داخليا، حيث صارت الأطراف الليبية المتصارعة تتحدث عن خطوات لتجاوز حالة الجمود... ويرى مراقبون أن الجهود التي تقوم بها القوى الغربية، وفي مقدمتها واشنطن، لحلحلة الأزمة الليبية تهدف بالأساس إلى ضمان الاستقرار من أجل تدفق النفط والغاز بعد توقف الإمدادات الروسية، كما تأتي هذه المساعي لقطع الطريق أمام النفوذ الروسي؛ إذ يبدو أن موسكو تعيد ترتيب أوراقها من خلال سعيها لفتح سفارة لها في طرابلس تزامنا مع استمرار تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، ومعلوم أن نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوغدانوف" قد أكد خلال الأيام الماضية أن بلاده تعتزم استئناف عمل سفارتها في طرابلس في المستقبل القريب، وأنه سيتم تعيين سفير روسي هناك، سيعلن عنه قريبا، ومعلوم أن هناك حديث متنام منذ سنتين عن تورط قوات "فاغنر" الروسية في إسقاط طائرات مسيرة أميركية في شرق ليبيا، ما يؤشّر على تحول ليبيا إلى ساحة صراع بين القوتين العظميَيْن.
1- أولا، من يعتقد أن الملف الليبي ليس أولوية للولايات المتحدة الأمريكية منذ مقتل سفيرها في بنغازي في سبتمبر 2012، فهو إما واهم أو هو لا يعرف قراءة التطورات في ليبيا بالذات وخاصة منذ 2014، فقد ورطت “واشنطن” الجميع وجعلتهم يشعرون بالعجز فهما وتنزيلا، ذلك أن كل القوى الدولية والإقليمية سقطت في المستنقع الليبي وجرب الجميع آلياته ومبادراته ورهاناته وخاصة خلال السنوات الأربعة الماضية بدون الوصول لحل يرضي جميع الفاعلين المحليين ومن ثم العجز في إيجاد توافق بينهم ومن ثم لم يصل البلد الأهم والأغنى في شمال افريقيا الى مرحلة الاستقرار والثابت أن واشنطن انتقلت منذ بداية 2018 من متابعة الأدوار الوظيفية الخادمة لسياساتها سواء عبر أطراف دولية (إيطاليا – المانيا – اسبانيا) أو إقليمية (مصر – الامارات – قطر – المغرب)، الى لعب الأدوار المباشرة وتم ذلك بمرحلية متأنية – وهي جزء من استراتيجيا متكاملة – والدليل هو دفعها الى التقارب بين بعض حلفائها واحداث تباين بين حلفاء آخرين في الإقليم...
ثانيا، الأمريكيون لهم خطوط حمراء ثلاثة فقط في ليبيا لا غير، وما عدا ذلك فهم متكيفون مع التطورات ومتفاعلون بناء على قاعدة أن من هو قوي ويمتلك الأوراق يتعاطون معه بغض النظر عن هويته السياسية أو الفكرية وهم لا يضعون بيضهم في سلة واحدة ويحسبون لكل السيناريوهات والفرضيات الممكنة بناء على أن الملف الليبي هو في حالة تأثير وتأثر مع بقية ملفات الإقليم، وأما الخطوط الحمراء فهي طبعا: “انسياب النفط” و”التصدي للإرهاب” و”التصدي القوي لأي تواجد عسكري روسي”…
ثالثا، الصراع في ليبيا – وكما بينا في أكثر من مقال ودراسة وتقرير- هو أولا وأخيرا حرب بالوكالة خاضتها وتخوضها أطراف ليبية ضيقة الأفق الاستراتيجي بناء على اشتغالها منذ ماي 2014 لصالح أذرع إقليمية خادمة بدورها لقوى دولية متعددة وهذه الأخيرة همها الأول والأخير هو السيطرة على ثروات ليبيا الهائلة والنادرة ومن ثم المرور في الأخير بيُسر للعمق الافريقي، وان كانت عوامل عدة على غرار التقارب نهاية التجاذب والصراع بين المحورين القطري/التركي والسعودي/المصري/الاماراتي منذ أشهر والحرب في أوكرانيا قد غيرت طبيعة التحالفات فان ذلك أبقى على المشهد في مجمله كما هو منذ صائفة 2014 أي صراع مصالح ونفوذ واصطفاف بين فاعلين في المنطقتين الشرقية والغربية (بالمعنى السياسي)، وبقيت المنطقة الجنوبية في حالة تجاذب مع هذا الطرف او ذلك بناء على معادلات عسكرية وتاريخية وسياسية مرتبطة بالإقليم والتطورات في دول الساحل والصحراء وخاصة في التشاد ومالي والسودان…
رابعا، في ظل التطورات الأخيرة الحاصلة بين روسيا والغرب بخصوص الصراع الروسي/الاوكراني وفي ظل احتدام الصراع الدولي في شمال وغرب القارة وخاصة في منطقة الساحل، يُمكن الجزم الأطراف المحلية ستبقى في حالة تجاذب وانقسام ولا يخفى على أي طرف ان المشهد السياسي في ليبيا تحكمه موضوعيا مجموعة من الديناميكيات الهشّة والمبنية على تراكم لضعفها بين بداية سنة 2018 ونهاية سنة 2021 ولا شك طبعا ان التجاذبات منذ 2014 دون الوصول إلى مرحلة الاستقرار وبناء اولي لمؤسسات دولة حديثة واستغلال الثروات والخيرات الليبية النادرة سوف يزيد من تأثير الفواعل الدولية بل ويعطيها كل مفاتيح الحل وأولهم واشنطن بعد امتلاكها لكل الحيثيات والتفاصيل وخيوط الربط والارتباط الخاصة بالجميع سواء محليا او اقليميا او دوليا، وكل ذلك يعني أن التداعيات الحالية والمستقبلية للحرب الروسية الأوكرانية ستلقي بكل ظلالها على الوضع في ليبيا بل وقد تفع به الى مزيد التأزيم ان لم تتوفر إرادة التوافق والتجاوز وبناء مصالحة تاريخية تقطع مع الماضي وتبني للمستقبل في دولة موحدة ومدنية أيضا، وهو أمره يعيه صانعو القرار وراسمي السياسات في واشنطن وأن الحل أصبح فعليا مرسوم في مكاتب الادارة الامريكية في واشنطن وسيتم التنزيل والتفاعل مع التطورات وتعديل ممكن لخارطة طريق أصبحت فعليا جاهزة ومترتبة كل معطياتها وأنساقها ويمتد زمنها بين الأسبوع الثالث من أكتوبر 2022 حتى نهاية جوان 2023...
تلقت "الصباح نيوز" مقالا بقلم علي اللافي الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشؤون المغاربية والافريقية، حول التعاطي الأمريكي مع الملف الليبي.
وفي ما يلي فحوى المقال:
أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا السفير "ريتشارد نورلاند" في تسجيل نشره حساب الخارجية الأميركية على "تويتر" الخميس (22-09-2022)، أن هناك جُهودا ومساعي لتشكيل خارطة طريق جديدة من أجل إيجاد حل للأزمة الليبية بعد أن وصلت العملية السياسية الحالية إلى مأزق وفشلت في تحقيق الاستقرار، ورغم أن المبعوث الأميركي لم يُحدد ملامح خارطة الطريق الجديدة، فإنه أقر بأن العملية السياسية الحالية وصلت إلى نهايتها ولاشك أن الأمريكيين يعون جيدا أن الحرب في أوكرانيا قد ساهمت في ترتيب التموضعين المحلي والدولي حول الخيارات السياسية في ليبيا، وبجانب النزاع الداخلي وتشعبه وتداخل خيوطه توضح أخيرا موقفي "واشنطن" و"بعثة الأمم المتحدة" تجاه ترتيبات ما بعد مخرجات لقاء "برلين3" وتعيين المبعوث الاممي الجديد وهو ما أكده نص (ومضمون) بيان أول أمس لحكومات "ألمانيا" و"إيطاليا" و"الولايات المتحدة" و"فرنسا" و"المملكة المتحدة"، وهذه الدول هي طبعا المؤثرة في الملف الليبي ومحدداته الرئيسية بل أن كل تغيير في موقفها قد يقلب كل تفاصيله واتجاهاته المستقبلية ومن الواضح أنها اتجهت عمليا للإقلاع عن فكرة الدخول في مرحلة مؤقتة جديدة واتخذت موقفاً محايداً من المبادرات الليبية، ويُجيب مقال الحال على السؤالين التاليين:
هل أن واشنطن ستُلقي فعلا بكل ثقلها في الملف وخاصة في أفق منتصف أكتوبر المقبل وذلك بهدف إيجاد حلول قابلة للتنزيل، وقبل ذلك ما هي المعطيات الأساسية التي حددت وتحدد مواقف واشنطن باعتبار أن ليبيا هي أهم دول الساحل والصحراء؟
إلى أي مدى ترتبط التغيرات الداخلية في ليبيا بأزمة الحرب بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، وخصوصاً ما يتعلق بانعكاس الصراع الدولي على الأراضي الليبية؟
** المواقف والتحركات الأمريكية الأخيرة: الحيثيات والتفاصيل
أولا، أكد المبعوث الأمريكي في تسجيله المشار اليه أعلاه إن “القادة الليبيين وجهات خارجية أدركوا أن العنف لن يأتي بنتيجة”، مبينا أن “ما يحدث هو نهاية مغلقة، وهو أمر يدفع إلى إيجاد مخرج - خارطة جديدة، وشدد المبعوث الأميركي على أن بلاده “تعمل عن كثب مع الشركاء والمجتمع الدبلوماسي والزائرين الليبيين المتواجدين في نيويورك لإعادة الزخم إلى العملية الانتخابية الليبية”، نافيا ما يتردد من أن القوى الدولية تنوي دعم طرف ضد آخر أو تشكيل حكومة مؤقتة، وإنما تبتغي المضي قدما في العملية السياسية والعمل من أجل الوصول إلى الانتخابات.
ثانيا، جدد "نورلاند" دعم بلاده للمبعوث الأممي "عبدالله باتيلي" وللجهود الأممية من أجل الخروج من الأزمة، محذرا من عودة العنف، وقال “إن المخرج الوحيد يكمن في تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة يشارك فيها الملايين من الليبيين”.وتأتي هذه التصريحات بعد أن أكد المبعوث الأميركي خلال جوان الماضي في جنيف أن من الممكن إجراء انتخابات عامة دون شرط حل الأزمة بين الحكومتين المتنافستين، وأن آلية للإشراف على الإنفاق يمكن أن تساعد في الحكم لفترة محددة، وقال حينها “يمكن للفصائل التي هيمنت على أجزاء مختلفة من البلاد أن تقود تلك المناطق بشكل منفصل نحو انتخابات عامة”، ويبدو أن دعوات المبعوث الأميركي السابقة صارت غير ممكنة اليوم بعد أن تصاعدت الخلافات بين مختلف القوى السياسية لتتحول إلى صراع عسكري دموي.
ثالثا، تتزامن تصريحات المبعوث الأميركي المتعلقة بمساعي تشكيل خارطة طريق جديدة مع ما جاء في تصريح وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية "نجلاء المنقوش" ضمن كلمة مسجلة أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك، حيث قالت “هناك أخبار إيجابية بشأن دعم الاستقرار في ليبيا”، وأضافت المنقوش “هناك دعم دولي للاستقرار في ليبيا وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة”، مؤكدة أنها "قامت بالكثير من الحوارات وتبادل وجهات النظر مع الكثير من الدول العربية والأوروبية..."، وبحثت "المنقوش" كذلك، على هامش تواجدها في نيويورك ضمن أعمال الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مع السفير الأميركي ومستشار وزارة الخارجية الأميركية "ديريك شوليت" آخر المستجدات وتطورات الأوضاع السياسية في ليبيا.
رابعا، من الواضح أن الولايات المتحدة ستنزل بكل ثقلها لإنهاء حالة التوتر في ليبيا بعد أن خيرت خلال الفترة الماضية عدم فرض ضغوط على القوى المتصارعة، خاصة النزاع بين حكومة الوحدة الوطنية بقيادة "عبد الحميد الدبيبة" وحكومة "فتحي باشاغا" المدعومة من البرلمان، وتأتي جهود واشنطن بعد عقد مؤتمر "برلين3" في بداية الشهر الجاري، حيث التزمت الدول المشاركة بدعم مسار شامل نحو إجراء انتخابات، باعتبارها حلاً وحيداً لأزمة البلاد. وهو ما اعتُبر دعما لجهود المبعوث الأممي وجهود إنهاء الأزمة، ويبدو أن المساعي الدولية والضغوط التي تمارسها واشنطن وبعض الدول الأوروبية بدأت تنعكس داخليا، حيث صارت الأطراف الليبية المتصارعة تتحدث عن خطوات لتجاوز حالة الجمود... ويرى مراقبون أن الجهود التي تقوم بها القوى الغربية، وفي مقدمتها واشنطن، لحلحلة الأزمة الليبية تهدف بالأساس إلى ضمان الاستقرار من أجل تدفق النفط والغاز بعد توقف الإمدادات الروسية، كما تأتي هذه المساعي لقطع الطريق أمام النفوذ الروسي؛ إذ يبدو أن موسكو تعيد ترتيب أوراقها من خلال سعيها لفتح سفارة لها في طرابلس تزامنا مع استمرار تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، ومعلوم أن نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوغدانوف" قد أكد خلال الأيام الماضية أن بلاده تعتزم استئناف عمل سفارتها في طرابلس في المستقبل القريب، وأنه سيتم تعيين سفير روسي هناك، سيعلن عنه قريبا، ومعلوم أن هناك حديث متنام منذ سنتين عن تورط قوات "فاغنر" الروسية في إسقاط طائرات مسيرة أميركية في شرق ليبيا، ما يؤشّر على تحول ليبيا إلى ساحة صراع بين القوتين العظميَيْن.
1- أولا، من يعتقد أن الملف الليبي ليس أولوية للولايات المتحدة الأمريكية منذ مقتل سفيرها في بنغازي في سبتمبر 2012، فهو إما واهم أو هو لا يعرف قراءة التطورات في ليبيا بالذات وخاصة منذ 2014، فقد ورطت “واشنطن” الجميع وجعلتهم يشعرون بالعجز فهما وتنزيلا، ذلك أن كل القوى الدولية والإقليمية سقطت في المستنقع الليبي وجرب الجميع آلياته ومبادراته ورهاناته وخاصة خلال السنوات الأربعة الماضية بدون الوصول لحل يرضي جميع الفاعلين المحليين ومن ثم العجز في إيجاد توافق بينهم ومن ثم لم يصل البلد الأهم والأغنى في شمال افريقيا الى مرحلة الاستقرار والثابت أن واشنطن انتقلت منذ بداية 2018 من متابعة الأدوار الوظيفية الخادمة لسياساتها سواء عبر أطراف دولية (إيطاليا – المانيا – اسبانيا) أو إقليمية (مصر – الامارات – قطر – المغرب)، الى لعب الأدوار المباشرة وتم ذلك بمرحلية متأنية – وهي جزء من استراتيجيا متكاملة – والدليل هو دفعها الى التقارب بين بعض حلفائها واحداث تباين بين حلفاء آخرين في الإقليم...
ثانيا، الأمريكيون لهم خطوط حمراء ثلاثة فقط في ليبيا لا غير، وما عدا ذلك فهم متكيفون مع التطورات ومتفاعلون بناء على قاعدة أن من هو قوي ويمتلك الأوراق يتعاطون معه بغض النظر عن هويته السياسية أو الفكرية وهم لا يضعون بيضهم في سلة واحدة ويحسبون لكل السيناريوهات والفرضيات الممكنة بناء على أن الملف الليبي هو في حالة تأثير وتأثر مع بقية ملفات الإقليم، وأما الخطوط الحمراء فهي طبعا: “انسياب النفط” و”التصدي للإرهاب” و”التصدي القوي لأي تواجد عسكري روسي”…
ثالثا، الصراع في ليبيا – وكما بينا في أكثر من مقال ودراسة وتقرير- هو أولا وأخيرا حرب بالوكالة خاضتها وتخوضها أطراف ليبية ضيقة الأفق الاستراتيجي بناء على اشتغالها منذ ماي 2014 لصالح أذرع إقليمية خادمة بدورها لقوى دولية متعددة وهذه الأخيرة همها الأول والأخير هو السيطرة على ثروات ليبيا الهائلة والنادرة ومن ثم المرور في الأخير بيُسر للعمق الافريقي، وان كانت عوامل عدة على غرار التقارب نهاية التجاذب والصراع بين المحورين القطري/التركي والسعودي/المصري/الاماراتي منذ أشهر والحرب في أوكرانيا قد غيرت طبيعة التحالفات فان ذلك أبقى على المشهد في مجمله كما هو منذ صائفة 2014 أي صراع مصالح ونفوذ واصطفاف بين فاعلين في المنطقتين الشرقية والغربية (بالمعنى السياسي)، وبقيت المنطقة الجنوبية في حالة تجاذب مع هذا الطرف او ذلك بناء على معادلات عسكرية وتاريخية وسياسية مرتبطة بالإقليم والتطورات في دول الساحل والصحراء وخاصة في التشاد ومالي والسودان…
رابعا، في ظل التطورات الأخيرة الحاصلة بين روسيا والغرب بخصوص الصراع الروسي/الاوكراني وفي ظل احتدام الصراع الدولي في شمال وغرب القارة وخاصة في منطقة الساحل، يُمكن الجزم الأطراف المحلية ستبقى في حالة تجاذب وانقسام ولا يخفى على أي طرف ان المشهد السياسي في ليبيا تحكمه موضوعيا مجموعة من الديناميكيات الهشّة والمبنية على تراكم لضعفها بين بداية سنة 2018 ونهاية سنة 2021 ولا شك طبعا ان التجاذبات منذ 2014 دون الوصول إلى مرحلة الاستقرار وبناء اولي لمؤسسات دولة حديثة واستغلال الثروات والخيرات الليبية النادرة سوف يزيد من تأثير الفواعل الدولية بل ويعطيها كل مفاتيح الحل وأولهم واشنطن بعد امتلاكها لكل الحيثيات والتفاصيل وخيوط الربط والارتباط الخاصة بالجميع سواء محليا او اقليميا او دوليا، وكل ذلك يعني أن التداعيات الحالية والمستقبلية للحرب الروسية الأوكرانية ستلقي بكل ظلالها على الوضع في ليبيا بل وقد تفع به الى مزيد التأزيم ان لم تتوفر إرادة التوافق والتجاوز وبناء مصالحة تاريخية تقطع مع الماضي وتبني للمستقبل في دولة موحدة ومدنية أيضا، وهو أمره يعيه صانعو القرار وراسمي السياسات في واشنطن وأن الحل أصبح فعليا مرسوم في مكاتب الادارة الامريكية في واشنطن وسيتم التنزيل والتفاعل مع التطورات وتعديل ممكن لخارطة طريق أصبحت فعليا جاهزة ومترتبة كل معطياتها وأنساقها ويمتد زمنها بين الأسبوع الثالث من أكتوبر 2022 حتى نهاية جوان 2023...