أعلن رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أحمد الريسوني في بيان الأحد استقالته من منصبه، مبررا قراره بـ”الحرص على ممارسة حرية التعبير دون ضغوط”، إثر تصريحات له حول قضية الصحراء أثارت جدلا.
يأتي هذا في وقت تقول فيه مصادر مقربة من الاتحاد إن الريسوني رفض الضغوط التي مارسها عليه قادة مؤثرون في المنظمة التي تمثل واجهة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وإنهم خيروه بين الاعتذار عن المواقف السابقة والاستقالة فاختار الاستقالة.
وقالت هذه المصادر إن جهات نافذة في الاتحاد، وهي التي تمسك بملف التمويل، طلبت من الريسوني الاعتذار للجزائر وموريتانيا وتأكيد أن التصريحات السابقة كانت خطأ، لكنه رفض الاعتذار الذي كان سيبدو من خلاله كأنه يصطف في صف خصوم بلاده المغرب، وأنه فضل الاستقالة لرفع الحرج عن نفسه ومنع الإساءة إلى بلاده، وفي الوقت نفسه فسح للإخوان مجال البحث عن رئيس جديد للاتحاد يتماشى مع ارتباطاتهم وأجنداتهم.
وقال الداعية المغربي في رسالة نشرها على موقعه الإلكتروني “قرّرت تقديم استقالتي من رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، موضحا أن هذا القرار جاء “تمسكا مني بمواقفي وآرائي الثابتة الراسخة التي لا تقبل المساومة وحرصا على ممارسة حريتي في التعبير، دون شروط ولا ضغوط”.
وأوضح في نص الاستقالة أنه حاليا “في تواصل وتشاور مع فضيلة الأمين العام” للاتحاد الدولي لعلماء المسلمين علي القره داغي “لتفعيل قرار الاستقالة وفق مقتضيات النظام الأساسي للاتحاد”.
وكان الريسوني صرح بأن “المغاربة مستعدون للزحف نحو تندوف لتحرير صحرائهم”. وأشار إلى أنه “حتى وجود موريتانيا غلط فضلا عن الصحراء، والمغرب يجب أن يعود كما كان قبل الغزو الأوروبي”.
ورأى أن قضية الصحراء هي “صناعة استعمارية، وللأسف فإن بلدانا شقيقة عربية ومسلمة مثلها مثل المغرب متواطئة في محاولة التقسيم هذه”.
وبسرعة تبرأ الاتحاد من تصريحات رئيسه المغربي التي تحدث فيها عن مغربية الصحراء، في موقف قال مراقبون إنه يؤكد أن بيانات الاتحاد مرتهنة بمواقف داعميْه، أي قطر وتركيا، ومصالحهما وحساباتهما وحسابات الدول القريبة منهما مثل الجزائر.
واستغرب المراقبون إصدار بيان على لسان الاتحاد للتملص من تصريحات رئيسه، في حين كان يمكن أن يظهر الريسوني أو يرسل تنويها أو تعديلا يجريه على كلامه، وهو ما يكشف وجود تناقضات بين الاتحاد ورئيسه في موضوع حساس مثل قضية الصحراء.
وقال الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي إن موقف الاتحاد من تصريحات الريسوني في مقابلة تلفزيونية بشأن إقليم الصحراء “يمثله وحده ولا يمثل (اتحاد) علماء المسلمين”.
واعتبر المراقبون أن التزام أي قيادي في الاتحاد بموقف بلاده الوطني ممنوع، خصوصا إذا تعارض مع توجهات دولة قريبة من تركيا وقطر مثلما هو الحال مع الجزائر التي رأت أن الاتحاد صار تحت تأثير رئيسه المغربي، لافتين إلى أن الاتحاد الذي يقوم على فكرة الجماعة/الأمة لا يمكنه أن يتفهم الموقف الوطني لأي عنصر فيه ولو كان رئيسا منتخبا، ويفترض أن يكون معبرا عن توجهات الاتحاد وواضعا لسياساته.
وأشار هؤلاء إلى أن تصريحات الريسوني تظهر حقيقة هذه المؤسسات التي تحمل عناوين براقة، لكنها في الأصل مجرد واجهة لتنفيذ أجندات إقليمية، وهي تضع نفسها على ذمة هذه الأجندات وتتحرك بمجرد صدور الأوامر إليها.
كما أن هذه الأزمة تكشف حقيقة هذه المؤسسات والحركات والمجموعات والشخصيات التي تنضوي تحتها، حيث لا يجمع بينها سوى المسميات البراقة، لكن في الواقع تجد بينها تناقضات كثيرة وصراعات على الزعامة وأخرى ذات بعد مناطقي أو جهوي.
ولم يراع إخوان الجزائر أي رابط بينهم وبين الريسوني، فقد هاجموه بقوة وتبرأوا منه وطالبوا بإقالته من موقعه.
ووصف بيان صادر عن عبدالرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر) كلام الريسوني بأنه “سقطة خطيرة ومدوية من عالم من علماء المسلمين”، وأن مثل هذه “الخرجات تلهب نيران الفتنة”.
ودعا البيان من أسماهم علماء الأمة إلى “التبرؤ من هذا الموقف الخطير، والذي سيحدث فتنة بين الدول والشعوب، كما نعلن تحفظنا على الشخص بعينه في استغلال منصبه”، في دعوة خفية إلى إقالة الريسوني والبحث عن بديل.
ويتوقع مراقبون أن تقود تداعيات الخلاف بين الريسوني وبقية أعضاء الاتحاد إلى صراع داخلي، كما قد تفضي إلى انشقاقات داخل المنظمة وفق الانتماءات الوطنية، وخاصة تحت تأثير الدول الداعمة لها. العرب اللندنية