إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نواف الزرو الأسير الفلسطيني السابق لـ"الصباح": المشهد الفلسطيني الراهن ترفرف في فضاءاته مناخات الانتفاضة

-أمامنا جيل فلسطيني عصي على الكسر

- المناضل الفلسطيني لن يتحول إلى حارس للمستوطنات..

-اغتيال الإعلامية شيرين أبو عاقلة جريمة مكتملة الأركان، واستمرار لمسلسل الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني

-مطلوب تشكيل فريق إعلامي عربي محترف يعمل على صياغة وتفعيل إستراتيجية إعلامية سياسية فاعلة لمخاطبة الرأي العام

 تونس-"الصباح"

 أربعة وسبعون عاما تمر اليوم على ذكرى النكبة، حدث لا يمكن تجاهله في ظل التطورات الخطيرة التي تعيش على وقعها الساحة الفلسطينية مع عودة موسم الاغتيالات والإعدامات التي تمارسها سلطة الاحتلال الإسرائيلي، ولا شك أنه من المهم في مثل هذا التاريخ إعادة قراءة الأحداث واستقراء ما تحمله في طياتها من خيارات أو بدائل وهو ما بحثناه مع الباحث والمؤرخ والمناضل الفلسطيني نواف الزرو صاحب أول موسوعة فلسطينية عن مختلف المدن والقرى الفلسطينية وهو أسير سابق لم يتوقف عن الكتابة وملاحقة الأحداث ومقارنة ما يحدث من تطورات على أرض فلسطين المحتلة، محدثنا اعتبر أن "المشهد الفلسطيني الراهن، ترفرف في فضاءاته في هذه الأيام عشية الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة الفلسطينية رايات الصمود والتحدي ومناخات الانتفاضة على امتداد القدس والأرض المحتلة، فالمعارك والتحديات الآتية أمام الفلسطينيين كبيرة وإستراتيجية من الوزن الثقيل، وفي طريقهم حقول ألغام لا حصر لها، تحتاج من اجل تفكيكها وتحييدها، الى جملة شروط واشتراطات فلسطينية في مقدمتها تعزيز وتكريس الوحدة الوطنية الداخلية وتصليب جدرانها، وتحتاج أيضا في مقدمة ما تحتاجه الى جبهة عربية وهذه الجبهة أصبحت حلما، تتصدى الى الأجندة الصهيونية والأمريكية البريطانية المتحالفة معها، الى جانب الفلسطينيين وليس من ورائهم"، كما اعتبر محدثنا الذي خص "الصباح" بهذا الحوار أن اغتيال الإعلامية الصحافية شيرين أبو عاقلة "جريمة مكتملة الأركان"، تمثل "استمراراً لمسلسل الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وتأتي في السياق الإرهابي الصهيوني الطويل ضد الصحافة والصحافيين وضد الحقيقة، ودعا الى  تشكيل فريق إعلامي عربي محترف يتفرغ لمتابعة تفاصيل الأحداث والتطورات في المشهد الفلسطيني والإسرائيلي ويعمل على صياغة وتفعيل إستراتيجية إعلامية سياسية جديدة وفاعلة لمخاطبة الرأي العام. وخلص محدثنا الى أن الجيل الفلسطيني الراهن قادر على قلب المعادلة وقد وصفه عدد كبير من الكتاب والمحللين والمؤرخين وحتى الجنرالات الصهاينة بأنه جيل فلسطيني عصي على الكسر.. وفيما يلي نص الحديث.

حوار: آسيا العتروس

*كيف تقرأ جريمة اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة بالتزامن مع حلول الذكرى الـ74 للنكبة؟ وكيف سيتعين على الإعلام الفلسطيني والعربي التعاطي مع هذا العدوان؟

- لا شك أن إقدام جيش الاحتلال صباح الأربعاء 11 / 5 / 2022 على اغتيال الإعلامية الصحافية شيرين أبو عاقلة هي "جريمة مكتملة الأركان"، تمثل "استمراراً لمسلسل الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وتأتي في السياق الإرهابي الصهيوني الطويل ضد الصحافة والصحافيين وضد الحقيقة، وضد الأطفال والأجيال الفلسطينية، ففي المشهد الفلسطيني ومن أقصاه الى أقصاه لا نرى عمليا سوى مجرمين وإرهابيين صهاينة يقترفون جرائم حرب على مدار الساعة ضد كل أبناء الشعب الفلسطيني،  فهناك الإعدامات الميدانية بدم بارد التي تنفذ على مدار الساعة، وهناك المداهمات والاعتقالات والاغتيالات والمجازر الفردية والجماعية في  كل الأماكن الفلسطينية، وعلى نحو خاص ضد الأطفال والفتيان والصبايا والشباب والهدف تدجين الأجيال وكسر شوكتهم..

وهذا السياق الإرهابي الصهيوني طويل ويعود بنا الى أكثر من أربعة وسبعين عاما، فهم يحتلون بلادنا ووطننا وتاريخنا وهويتنا وحضارتنا ويهودون الأرض والتاريخ والتراث.. ويواصلون حروب التدمير والتخريب والإلغاء للوجود والحقوق العربية الفلسطينية.. ويرفضون كافة القرارات الأممية المتعلقة بهذه الحقوق ويرفضون كافة المطالبات والتوجهات الفلسطينية والعربية للمجتمع الدولي والأمم المتحدة.. فجيش ومستعمرو الاحتلال يصولون ويجولون ويعيثون فسادا وتخريبا وتهديما وتهويدا.. وعصابات المستوطنين الإرهابيين اليهود تشن تحت حماية الجيش حربا مسعورة على القضية والشعب الفلسطيني في سياق حرب هم يعتبرونها وجودية واقتلاعية..

فهذا الذي نتابعه على امتداد مساحة فلسطين، من اغتيالات وإعدامات ميدانية وحملات تخريبية وهجمات تدميرية، ومن حملات حرق وقطع وإبادة لشجرة الزيتون الفلسطينية، وهذا الذي نتابعه من حملات اعتقالات ومحاكمات جماعية لأطفال فلسطين في القدس وسلوان على وجه الحصر، إنما يأتي في إطار مخطط استراتجي صهيوني يستهدف الإجهاز على القضية والحقوق والأمل في المستقبل.. شيرين شهيدة فلسطين ونحن إزاء جريمة مكتملة الأركان وهناك مجرمون وجرائم بانتظار يوم الحساب. رحلت شيرين الأيقونة ولا بد من تشكيل فريق إعلامي عربي يستكمل المهمة، رحلت شيرين مناضلة واقفة بطلة لم تتعب يوما في فضح ممارسات وجرائم الاحتلال ضد نساء وأطفال وشباب فلسطين.. رحلت شيرين أيقونة الإعلام الفلسطيني الحر مخلفة لنا للشعب الفلسطيني والأمة العربية ولأحرار العالم تراثا إعلاميا وإنسانيا وأخلاقيا هائلا للأجيال وللمستقبل في سياق صراع وجودي شرس مع الاحتلال المجرم، ولكل ذلك نوثق ونؤكد ونقول مرة أخرى.. وثانية.. وثالثة نثير هذه المسألة تحديدا، ونعتقد أنها هي الجوهر والأساس وهي التي يجب أن يتم التركيز عليها في كافة الكتابات والمؤتمرات والندوات والمحاضرات وفي كافة المناسبات، إذ تكشف لنا مجريات وتطورات الأحداث في فلسطين أننا أمام كيان إرهابي بامتياز، وأمام أعتى جنرالات الإرهاب في العالم، فكل هذه المجازر التي يقترفها جيش الاحتلال في غزة والضفة والتي يسقط فيها الإعلاميون الذين يبحثون عن الحقيقة وأيقونتهم الشهيدة شيرين، وهذه هي الحقيقة الكبرى في المشهد الفلسطيني والإقليمي منذ ما قبل النكبة، فـ"اسرائيل" هي الدولة التي يعج فيها لصوص التاريخ والأوطان، وهي الدولة التي تحتوي وتحمي اكبر عدد من جنرالات وقادة الإرهاب والإجرام  في العالم، وكل ذلك بالمعطيات والاعترافات والشهادات الموثقة حتى على ألسنتهم، فمن أفواههم ندينهم والأهم أن يعتبر العرب المهرولون من مثل هذه الاعترافات والشهادات إن بقيت لديهم "بقية مية وجه عروبية"، ويجب أن يدينهم العالم والأمم المتحدة أيضا، بل إن اعترافاتهم تستدعي جلبهم الى محكمة الجنايات الدولية.

* كيف يمكن تحقيق ذلك على أرض الواقع والحال أن كل المجتمعات والحكومات العربية منشغلة بأزماتها وقضاياها ومآسيها؟

ما نحتاجه يستدعي من كافة الهيئات والمنظمات والمنابر الإعلامية الفلسطينية والعربية والأممية إعادة صياغة خطابها الإعلامي السياسي بما يعبر عن الحقيقة.

ويستدعي أيضا وعلى نحو عاجل تشكيل فريق إعلامي عربي محترف يتفرغ لمتابعة تفاصيل الأحداث والتطورات في المشهد الفلسطيني والإسرائيلي ويعمل على صياغة وتفعيل إستراتيجية إعلامية سياسية جديدة وفاعلة لمخاطبة الرأي العام.. لدينا شهادات موثقة ومنها شهادة الطيار السابق في سلاح الجو الإسرائيلي، يونات انشابيرا تنطوي على أهمية كبيرة إذا ما أخذ بها دوليا في يوم من الايام، فهو يقول: "إن الجيش الإسرائيلي هو "منظمة إرهابية وقادته مجرمو حرب والحكومة الإسرائيلية هي حكومة يهودية عنصرية وتجر المنطقة كلها إلى كارثة وهناك الكثير من يؤمنون بذلك، لكن الجميع لا يرغب وفي قوله.

*كيف يقرأ المؤرخ والباحث تطورات المشهد الفلسطيني بعد مضي 74 عاما على النكبة وهل أن قراءة أحداث النكبة وتداعياتها في حاجة لمنظار جديد؟

في سلسلة العمليات البطولية العابرة لكل الحدود الفلسطينية الداخلية المصطنعة التي نفذت على مدى الأسابيع والأشهر القليلة الماضية وأسفرت عن عدد كبير من القتلى والجرحى في وقت قصير جدا، وأدت الى  خلخلة الأمن والاستقرار الصهيوني وهزت قلب عاصمة الكيان، جاءت لترد على الكثير من المقالات المغرضة والتعليقات التحريضية التشويهية التي تتحدث عن "أن المناضلين الفلسطينيين باعوا القضية وان المناضل  تحول الى حارس للمستوطنات فالحقيقة الساطعة أن فلسطين تغلي وتشتعل: وفي الأفق الفلسطيني تحديات ومعارك كبيرة وإستراتيجية من الوزن الثقيل آتية، وهذا الكلام ليس إعلاميا أبدا، فالمشهد أمامنا يتحدث، ولذلك لعل أهم وأخطر الأسئلة الإستراتيجية التي تخالج الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم وشتاتهم هذه الأيام:

-الى أين تسير الأوضاع الفلسطينية من الآن فصاعدا في أعقاب هذه العمليات البطولية وفي أعقاب الحملات والعمليات الدموية الاغتيالية -المبيتة التي يشنها الاحتلال عبر جيشه ومستعربيه ووحداته الخاصة وعصابات المستعمرين اليهود لديه على امتداد الضفة الغربية المحتلة ومن جنين والشمال من اغتيال قوات الاحتلال الإعلامية الفلسطينية المناضلة شيرين أبو عاقلة، الى الشيخ جراح وسلوان وبطن الهوى والأقصى وغيرها- بل وامتدادا هذه الهجمات الى المدن الفلسطينية التاريخية في المنطقة المحتلة عام 1948. وهل تسير فلسطين نحن انتفاضة أخرى شاملة في وجه الاحتلال؟ وما هي ابرز واهم التحديات أمام الفلسطينيين وخاصة تلك التي نطلق عليها تحديات إستراتيجية من الوزن الثقيل؟ ثم هل نرى وحدة ميدانية فلسطينية حقيقية في كل المواقع الفلسطينية على غرار ما هوموجود وقائم في جنين في مواجهة هذه الحرب الصهيونية..؟

وفي البعد العربي هل يا ترى سنرى تحركا عربيا شعبيا جادا وحقيقيا يدعم الموقف الفلسطيني...؟ فالمتوقع إذا، في ضوء كل هذه التطورات والمخططات والهجمات الاحتلالية الهستيرية، والتبني الأمريكي المطلق للخطاب الاستراتيجي والتوراتي الصهيوني، "ان يفعل اليهود-الغزاة والمستعمرون- ما يفعلوه"، وان يواصلوا مشروعهم الاستعماري الاستيطاني على امتداد مساحة فلسطين، وان يقوموا بتنفيذ مخططاتهم الرامية الى ما يسمونه "الضم الكامل للقدس والضفة للسيادة الإسرائيلية"، ما يعني عمليا الانهيار والتحطم الكامل لمسيرة ومسار عملية السلام-المزيفة العبثية- ووهم "حل الدولتين"على صخرة "الضم والتهويد"، وما يعني أيضا استمرار الصراع والحروب والمواجهات، لذلك يجب ألا يغيب عن البال، وعن الذاكرة، وعن الأجندة السياسية والإعلامية الفلسطينية والعربية العروبية، أن الإجماع السياسي الصهيوني ذاته، يقف وراء مشروع الحروب الصهيونية العدوانية تجاه القدس والضفة الغربية من جهة وتجاه غزة من جهة أخرى، ويجب ألا يعتبر الفلسطينيون من جهتهم، أن الاحتلال ينتهي عند حدود الرفض والاحتجاجات الأممية والأوروبية على قرارات الضم والتهويد الاحتلالية، و"القدس خط احمر"، بل إن هذه الإجراءات الاحتلالية المفروض منطقيا أن تفتح كل الجبهات مع الاحتلال، فلا مجال للاستكانة والهدوء، ويمكن أن نقول إن هناك معارك إستراتيجية باتت في الأفق الفلسطيني.

*ما هي حدود وآفاق هذه المعارك الإستراتيجية في ظل هشاشة المشهد عربيا وخذلان المجتمع الدولي للقضية؟

 - من الواضح أن التحديات وحقول الألغام التي تواجه الفلسطينيين من الآن فصاعدا، مفتوحة وبلا سقف أو حدود أو مساحة، فنحن نتحدث هنا عن ملفات إستراتيجية كبيرة من شأنها أن تقرر مصير القضية والشعب الفلسطيني الى أجيال قادمة، فهناك أولا ملف السطو على المدينة المقدسة وهو ملف عاجل جدا، وهناك ملف مدينة خليل الرحمن، التي تجمع المؤسسة السياسية والدينية الصهيونية، على أن الأماكن الدينية فيها مثل الحرم الإبراهيمي، وكذلك البلدة القديمة تابعة لهم، وكذلك كل الأماكن الأخرى التي ترى فيها تلك المؤسسة أنها أماكن دينية يهودية، يجب أن تبقى تحت السيطرة اليهودية، ناهيكم عن ملف تكتلات المستوطنات، الذي يجمعون هناك في المستعمرة الصهيونية، على ضرورة ضم "تكتلات المستوطنات" الى السيادة الإسرائيلية، يضاف الى ذلك، وقبل كل ذلك ملف تهويد الأغوار على امتداد نهر الأردن وهو خطير جدا في هذه المرحلة، وملف السيطرة على مصادر المياه، وملف الجدار، والملف الأكبر، وهو ملف الاستقلال الفلسطيني والتخلص من نير الاحتلال والطغيان الصهيوني، ناهيكم عن ملف معركة توحيد جناحي غزة والضفة لمواجهة هذا التصعيد الاحتلالي الخطير الذي يهدد باختطاف كامل الضفة الغربية، وهذه المعركة ستكون كبيرة وصعبة جدا.

*هل يتجه المشهد إلى انتفاضة جديدة؟

المشهد الفلسطيني الراهن، ترفرف في فضاءاته في هذه الأيام عشية الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة الفلسطينية رايات الصمود والتحدي ومناخات الانتفاضة على امتداد القدس والأرض المحتلة، فان المعارك والتحديات الآتية أمام الفلسطينيين كبيرة وإستراتيجية من الوزن الثقيل، وفي طريقهم حقول ألغام لا حصر لها، تحتاج من اجل تفكيكها وتحييدها، الى جملة شروط واشتراطات فلسطينية في مقدمتها تعزيز وتكريس الوحدة الوطنية الداخلية وتصليب جدرانها، وتحتاج أيضا في مقدمة ما تحتاجه الى جبهة عربية وهذه الجبهة أصبحت  حلما، تتصدى الى الأجندة الصهيونية والأمريكية البريطانية المتحالفة معها، الى جانب الفلسطينيين وليس من ورائهم..

وفي اعتقادي أن الأولى والأكثر جدية للعرب العروبيين، أن يكون على جدول أعمالهم دائما، ونتمسك هنا بآمالنا وطموحاتنا العروبية برغم مشهد التفكك والهوان الراهن، القيام بمسؤولياتهم القومية والتاريخية تجاه القدس وفلسطين ونعني بذلك:

-استنهاض مشروع المقاومة بكافة أشكالها في الداخل الفلسطيني وفي الخارج العربي.

-استنهاض المشروع القومي العربي النهضوي التحرري.

- العودة إلى القرارات الدولية وإحيائها والاستناد إليها في  كل ما يتعلق بالحقوق العربية المشروعة في فلسطين.

- المطالبة بتأمين الحماية الدولية الفورية للشعب العربي الفلسطيني.

- الوقوف  ببالغ الجدية والمسؤولية القومية أمام الحرب الاستعمارية التهويدية التي تشنها وتواصلها دولة الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة.

- المطالبة بعقد محاكمة دولية لمجرمي الحرب الصهاينة بدلا من الذهاب معهم الى مؤتمرات السلام والتطبيع الكاذبة المضللة..

فمن الطبيعي والمنطقي والمشروع والملح أن تسير أمور الدول والقوى العربية الحية في هذا الاتجاه الصحيح والعاجل، وان يلملم العرب أنفسهم في هذه المرحلة العصيبة والمفصلية أكثر من أي مرحلة سابقة..

*هل تعتقد أننا اليوم إزاء جيل فلسطيني جديد مختلف عن كل ما سبق بإمكانه تغيير أدوات اللعبة؟

أكيد هكذا هي فلسطين، وكلما خيل للبعض أنها نائمة تفاجئنا بـ"يقظتها القوية من سبات تاريخي عابر, فقد أخذت في الآونة الأخيرة، ومنذ إطلاق صفقة القرن   على وجه التحديد، تحتدم الأسئلة، التساؤلات والحوارات حول ما ينشر إسرائيليا وأمريكيا حول الفلسطيني الجديد وفلسطين الجديدة، وأخذ الكثير من المحبطين والتائهين يتساءلون حول صفقة القرن وسطوتها, وهل سيتمكنون من صناعة الفلسطيني الجديد بمواصفاتهم أي الفلسطيني الخانع المستسلم المدجن القابل بالحلال اقتصادي على حساب الحقوق الوطنية والاستقلال ورحيل الاحتلال…؟ وهل سيتمكنون من إقامة فلسطين الجديدة كما يروجونها في غزة وجزء من سيناء …أم هناك إمكانية لإفشالها وكيف يمكن إفشالها وإسقاطها…؟.أسئلة كبيرة وصعبة لان من وراء الصفقة وقف تحالف كبير وخطير ومرعب من الدول الكبرى والإقليمية- العربية، فكيف للشعب العربي الفلسطيني مواجهة مثل هذا التحالف الخطير…..

*لو أننا حاولنا وضع وصفة طبية لعلاج هذه الجسد العليل كيف ستكون؟

قناعتي تتلخص في هذه الأفكار:

 -أولا يجب الإيمان والاقتناع بان الصفقات التصفوية ليست قدرا لا راد له، وإنما هي تتويج لمسلسل طويل من الصفقات والمؤامرات الاستعمارية الصهيونية منذ أكثر من قرن من الزمن ومازال الصراع مستمرا والشعب العربي الفلسطيني لم يهزم…

-ثانيا يجب الإيمان بقدرة الشعب الفلسطيني ومن ورائه الشعوب والقوى العروبية الحية وراءه على هزيمة وإفشال الصفقات بالصمود والنفس الطويل.

-ثالثا الإيمان بالجيل الفلسطيني الجديد.. الجيل المنتفض الثوري الشجاع والجريء الذي لا يهاب المواجهة حتى الشهادة، وهذا ما شاهدناه على ارض القدس المحتلة وعلى امتداد مساحة فلسطين خلال الأسابيع والشهور الماضية حيث تقاطر الشبان كالطوفان للتصدي لقوات ومستعمري الاحتلال المجرمين.

-رابعا الإيمان بأن الاشتباك ما بيننا كأمة عربية وما بين المشروع والاحتلال الصهيوني إنما هو اشتباك تاريخي مفتوح حتى هزيمة المشروع الصهيوني.. وهنا تأتي أيضا أهمية الإيمان بالجيل الفلسطيني الجديد الذي وصفه عدد كبير من الكتاب والمحللين والمؤرخين وحتى الجنرالات الصهاينة بأنه جيل فلسطيني عصي على الكسر...

*أي دور لهذا الجيل وهل لديه ما يكفي الوعي والإرادة للتأثير على الأحداث؟

دور هذا الجيل الفلسطيني الجديد في هذا الكفاح بل وفي المقاومة والانتفاضات لا يقبل التشكيك أو التقليل من قيمته، هناك زخم هائل من التقارير والمعطيات التي تتحدث عنهم وعن بطولاتهم وروحيتهم الاستشهادية، وهم يعرفون مسبقا أنهم متوجهون للموت حتما، فيحملون أرواحهم على كفوفهم بمنتهى الجرأة والإقدام، فقد ولدوا  من رحم انتفاضة الأقصى، وقد تسموا بأسماء شهداء الانتفاضة تيمناً ببطولاتهم وتضحياتهم، وترعرعوا على أنموذجين في الساحة الفلسطينية, أنموذج قهر المحتل وإجرامه منقطع النظير،وأنموذج البطولة والتضحية، صحيح أن هذا الجيل لم يرَ الذل، ولم يعرف محنة  النكبة وقلبه قوي وجنانه شديد لم ينكسر، وهو واثق معتد بنفسه، ثابر سخي القلب، جيل فتح عينيه بعد الحلم على حروب الاحتلال العدوانية على الشعب الفلسطيني وعلى المعارك اليومية، وهذا الجيل هو من يصنع الثورة والانتفاضة، وهو جيل النخبة في غزة، وهو جيل الطعن في القدس والضفة، جيل لا يعرف الحسابات، ولا يتردد أمام أهدافه".

ولدينا كم هائل من الوثائق والصحف والشهادات المختلفة أن الجيل العربي الفلسطيني الرابع هو الذي يقف اليوم منتفضا في مواجهة الاحتلال الصهيوني، مواصلا الأجيال العربية الفلسطينية الأربعة التي سبقته في الميدان منذ نحو أربعة وسبعين عاما، وقد يكون هذا الجيل الفلسطيني ربما التاسع أو العاشر إذا ما أخذنا في الحساب أن التصدي العربي الفلسطيني بدأ مع بدايات الاستيطان الصهيوني منذ عام 1878، مع إقامة أول مستعمرة صهيونية وهي "بيتحتكفا"على أراضي قرية الملبس الفلسطينية، نحن إزاء ثمانية أو تسعة أجيال متتابعة تخوض الكفاح بلا تعب أو كلل وبلا يأس أو استسلام، يذهب جيل يأتي الجيل التالي بعده، والجيل الثالث فالرابع وهكذا، ليحمل الراية والرسالة والأهداف الوطنية التحررية، وها هو الجيل الخامس منذ النكبة والعاشر منذ نحو قرن وأربعين عاما كاملة، هو الذي يحمل الراية ويقود التصدي في الميدان في مواجهة جيش ومستعمري الاحتلال، ليضيف ملحمة كفاحية أخرى إلى جملة الملاحم التي سطرها الشعب العربي الفلسطيني في مواجهة الصهاينة الغزاة ..

*كيف تنظر إسرائيل الى هذا الجيل؟

 مهم أن نتحدث عن ذلك وهذه مسألة يتابعها الاحتلال بدقة وقد كشفت مجلة "إسرائيل ديفينس" العسكرية العبرية عن مفاجأة مفادها أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تواجه ورطة كبيرة، بالنظر إلى أن الهجمات التي ينفذها الفلسطينيون في الوقت الراهن تختلف كثيرا عن سابقاتها في السنوات الماضية، حيث تتمييز بروح تضحية عالية غير مسبوقة، وأضافت المجلة في تقرير لها أن جهاز الأمن الإسرائيلي العام "الشاباك" أصدر تقريرا حول العمليات الفلسطينية الأخيرة أظهر أن منفذي هذه العمليات والكلام لهم أن "نوعية جديدة من الشباب الفلسطينيين الذين يتمتعون بروح تضحية عالية".

وربما يلخص لنا الكاتب الإسرائيلي المناهض لسياسات الاحتلال العنصرية ضد الفلسطينيين،جدعون ليفي هذه الحقيقة المشار إليها، حينما كتب في هآرتس قائلا "يبدو أنّ الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الغانيات وبنات الهوى، وقلنا ستمرّ بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجّر انتفاضة الــ87.. أدخلناهم السجون وقلنا سنربّيهم في السجون وبعد سنوات، وبعد أن اعتقدنا أنهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000 أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة. وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية، حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر لصناعي عاموس ويدخلون الرعب إلى كلّ بيتٍ في إسرائيل، عبر بث التهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية. خلاصة القول، يبدو أننّا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال".

وخلاصة القول عن الشباب والفتيات الفلسطينيين والفلسطينيات "أن الفكرة الأهم في هذه الانتفاضات المستمرة، أنها كسرت فكرة أن هناك جيلا فلسطينيا يهزم، لأن الإسرائيلي منذ العام 1948 راهن على كسر إرادة الأجيال الفلسطينية، وفي كل مرة كان هنالك جيل يفاجئه ويطلق ثورة من نوع خاص، ترسّخ بقاء المقاومة في البيئة الفلسطينية وتحبط الإسرائيليين.. راهن الإسرائيليون على أن الجيل الفلسطيني الجديد هو جيل “أوسلو”، لكن العدو الإسرائيلي فوجئ بأن هذا الجيل يقاوم بكل ما أتيح له من قوة، ولا ينتظر أن يمتلك أدوات مميزة ليقاوم.

نواف الزرو الأسير الفلسطيني السابق لـ"الصباح": المشهد الفلسطيني الراهن ترفرف في فضاءاته مناخات الانتفاضة

-أمامنا جيل فلسطيني عصي على الكسر

- المناضل الفلسطيني لن يتحول إلى حارس للمستوطنات..

-اغتيال الإعلامية شيرين أبو عاقلة جريمة مكتملة الأركان، واستمرار لمسلسل الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني

-مطلوب تشكيل فريق إعلامي عربي محترف يعمل على صياغة وتفعيل إستراتيجية إعلامية سياسية فاعلة لمخاطبة الرأي العام

 تونس-"الصباح"

 أربعة وسبعون عاما تمر اليوم على ذكرى النكبة، حدث لا يمكن تجاهله في ظل التطورات الخطيرة التي تعيش على وقعها الساحة الفلسطينية مع عودة موسم الاغتيالات والإعدامات التي تمارسها سلطة الاحتلال الإسرائيلي، ولا شك أنه من المهم في مثل هذا التاريخ إعادة قراءة الأحداث واستقراء ما تحمله في طياتها من خيارات أو بدائل وهو ما بحثناه مع الباحث والمؤرخ والمناضل الفلسطيني نواف الزرو صاحب أول موسوعة فلسطينية عن مختلف المدن والقرى الفلسطينية وهو أسير سابق لم يتوقف عن الكتابة وملاحقة الأحداث ومقارنة ما يحدث من تطورات على أرض فلسطين المحتلة، محدثنا اعتبر أن "المشهد الفلسطيني الراهن، ترفرف في فضاءاته في هذه الأيام عشية الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة الفلسطينية رايات الصمود والتحدي ومناخات الانتفاضة على امتداد القدس والأرض المحتلة، فالمعارك والتحديات الآتية أمام الفلسطينيين كبيرة وإستراتيجية من الوزن الثقيل، وفي طريقهم حقول ألغام لا حصر لها، تحتاج من اجل تفكيكها وتحييدها، الى جملة شروط واشتراطات فلسطينية في مقدمتها تعزيز وتكريس الوحدة الوطنية الداخلية وتصليب جدرانها، وتحتاج أيضا في مقدمة ما تحتاجه الى جبهة عربية وهذه الجبهة أصبحت حلما، تتصدى الى الأجندة الصهيونية والأمريكية البريطانية المتحالفة معها، الى جانب الفلسطينيين وليس من ورائهم"، كما اعتبر محدثنا الذي خص "الصباح" بهذا الحوار أن اغتيال الإعلامية الصحافية شيرين أبو عاقلة "جريمة مكتملة الأركان"، تمثل "استمراراً لمسلسل الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وتأتي في السياق الإرهابي الصهيوني الطويل ضد الصحافة والصحافيين وضد الحقيقة، ودعا الى  تشكيل فريق إعلامي عربي محترف يتفرغ لمتابعة تفاصيل الأحداث والتطورات في المشهد الفلسطيني والإسرائيلي ويعمل على صياغة وتفعيل إستراتيجية إعلامية سياسية جديدة وفاعلة لمخاطبة الرأي العام. وخلص محدثنا الى أن الجيل الفلسطيني الراهن قادر على قلب المعادلة وقد وصفه عدد كبير من الكتاب والمحللين والمؤرخين وحتى الجنرالات الصهاينة بأنه جيل فلسطيني عصي على الكسر.. وفيما يلي نص الحديث.

حوار: آسيا العتروس

*كيف تقرأ جريمة اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة بالتزامن مع حلول الذكرى الـ74 للنكبة؟ وكيف سيتعين على الإعلام الفلسطيني والعربي التعاطي مع هذا العدوان؟

- لا شك أن إقدام جيش الاحتلال صباح الأربعاء 11 / 5 / 2022 على اغتيال الإعلامية الصحافية شيرين أبو عاقلة هي "جريمة مكتملة الأركان"، تمثل "استمراراً لمسلسل الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وتأتي في السياق الإرهابي الصهيوني الطويل ضد الصحافة والصحافيين وضد الحقيقة، وضد الأطفال والأجيال الفلسطينية، ففي المشهد الفلسطيني ومن أقصاه الى أقصاه لا نرى عمليا سوى مجرمين وإرهابيين صهاينة يقترفون جرائم حرب على مدار الساعة ضد كل أبناء الشعب الفلسطيني،  فهناك الإعدامات الميدانية بدم بارد التي تنفذ على مدار الساعة، وهناك المداهمات والاعتقالات والاغتيالات والمجازر الفردية والجماعية في  كل الأماكن الفلسطينية، وعلى نحو خاص ضد الأطفال والفتيان والصبايا والشباب والهدف تدجين الأجيال وكسر شوكتهم..

وهذا السياق الإرهابي الصهيوني طويل ويعود بنا الى أكثر من أربعة وسبعين عاما، فهم يحتلون بلادنا ووطننا وتاريخنا وهويتنا وحضارتنا ويهودون الأرض والتاريخ والتراث.. ويواصلون حروب التدمير والتخريب والإلغاء للوجود والحقوق العربية الفلسطينية.. ويرفضون كافة القرارات الأممية المتعلقة بهذه الحقوق ويرفضون كافة المطالبات والتوجهات الفلسطينية والعربية للمجتمع الدولي والأمم المتحدة.. فجيش ومستعمرو الاحتلال يصولون ويجولون ويعيثون فسادا وتخريبا وتهديما وتهويدا.. وعصابات المستوطنين الإرهابيين اليهود تشن تحت حماية الجيش حربا مسعورة على القضية والشعب الفلسطيني في سياق حرب هم يعتبرونها وجودية واقتلاعية..

فهذا الذي نتابعه على امتداد مساحة فلسطين، من اغتيالات وإعدامات ميدانية وحملات تخريبية وهجمات تدميرية، ومن حملات حرق وقطع وإبادة لشجرة الزيتون الفلسطينية، وهذا الذي نتابعه من حملات اعتقالات ومحاكمات جماعية لأطفال فلسطين في القدس وسلوان على وجه الحصر، إنما يأتي في إطار مخطط استراتجي صهيوني يستهدف الإجهاز على القضية والحقوق والأمل في المستقبل.. شيرين شهيدة فلسطين ونحن إزاء جريمة مكتملة الأركان وهناك مجرمون وجرائم بانتظار يوم الحساب. رحلت شيرين الأيقونة ولا بد من تشكيل فريق إعلامي عربي يستكمل المهمة، رحلت شيرين مناضلة واقفة بطلة لم تتعب يوما في فضح ممارسات وجرائم الاحتلال ضد نساء وأطفال وشباب فلسطين.. رحلت شيرين أيقونة الإعلام الفلسطيني الحر مخلفة لنا للشعب الفلسطيني والأمة العربية ولأحرار العالم تراثا إعلاميا وإنسانيا وأخلاقيا هائلا للأجيال وللمستقبل في سياق صراع وجودي شرس مع الاحتلال المجرم، ولكل ذلك نوثق ونؤكد ونقول مرة أخرى.. وثانية.. وثالثة نثير هذه المسألة تحديدا، ونعتقد أنها هي الجوهر والأساس وهي التي يجب أن يتم التركيز عليها في كافة الكتابات والمؤتمرات والندوات والمحاضرات وفي كافة المناسبات، إذ تكشف لنا مجريات وتطورات الأحداث في فلسطين أننا أمام كيان إرهابي بامتياز، وأمام أعتى جنرالات الإرهاب في العالم، فكل هذه المجازر التي يقترفها جيش الاحتلال في غزة والضفة والتي يسقط فيها الإعلاميون الذين يبحثون عن الحقيقة وأيقونتهم الشهيدة شيرين، وهذه هي الحقيقة الكبرى في المشهد الفلسطيني والإقليمي منذ ما قبل النكبة، فـ"اسرائيل" هي الدولة التي يعج فيها لصوص التاريخ والأوطان، وهي الدولة التي تحتوي وتحمي اكبر عدد من جنرالات وقادة الإرهاب والإجرام  في العالم، وكل ذلك بالمعطيات والاعترافات والشهادات الموثقة حتى على ألسنتهم، فمن أفواههم ندينهم والأهم أن يعتبر العرب المهرولون من مثل هذه الاعترافات والشهادات إن بقيت لديهم "بقية مية وجه عروبية"، ويجب أن يدينهم العالم والأمم المتحدة أيضا، بل إن اعترافاتهم تستدعي جلبهم الى محكمة الجنايات الدولية.

* كيف يمكن تحقيق ذلك على أرض الواقع والحال أن كل المجتمعات والحكومات العربية منشغلة بأزماتها وقضاياها ومآسيها؟

ما نحتاجه يستدعي من كافة الهيئات والمنظمات والمنابر الإعلامية الفلسطينية والعربية والأممية إعادة صياغة خطابها الإعلامي السياسي بما يعبر عن الحقيقة.

ويستدعي أيضا وعلى نحو عاجل تشكيل فريق إعلامي عربي محترف يتفرغ لمتابعة تفاصيل الأحداث والتطورات في المشهد الفلسطيني والإسرائيلي ويعمل على صياغة وتفعيل إستراتيجية إعلامية سياسية جديدة وفاعلة لمخاطبة الرأي العام.. لدينا شهادات موثقة ومنها شهادة الطيار السابق في سلاح الجو الإسرائيلي، يونات انشابيرا تنطوي على أهمية كبيرة إذا ما أخذ بها دوليا في يوم من الايام، فهو يقول: "إن الجيش الإسرائيلي هو "منظمة إرهابية وقادته مجرمو حرب والحكومة الإسرائيلية هي حكومة يهودية عنصرية وتجر المنطقة كلها إلى كارثة وهناك الكثير من يؤمنون بذلك، لكن الجميع لا يرغب وفي قوله.

*كيف يقرأ المؤرخ والباحث تطورات المشهد الفلسطيني بعد مضي 74 عاما على النكبة وهل أن قراءة أحداث النكبة وتداعياتها في حاجة لمنظار جديد؟

في سلسلة العمليات البطولية العابرة لكل الحدود الفلسطينية الداخلية المصطنعة التي نفذت على مدى الأسابيع والأشهر القليلة الماضية وأسفرت عن عدد كبير من القتلى والجرحى في وقت قصير جدا، وأدت الى  خلخلة الأمن والاستقرار الصهيوني وهزت قلب عاصمة الكيان، جاءت لترد على الكثير من المقالات المغرضة والتعليقات التحريضية التشويهية التي تتحدث عن "أن المناضلين الفلسطينيين باعوا القضية وان المناضل  تحول الى حارس للمستوطنات فالحقيقة الساطعة أن فلسطين تغلي وتشتعل: وفي الأفق الفلسطيني تحديات ومعارك كبيرة وإستراتيجية من الوزن الثقيل آتية، وهذا الكلام ليس إعلاميا أبدا، فالمشهد أمامنا يتحدث، ولذلك لعل أهم وأخطر الأسئلة الإستراتيجية التي تخالج الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم وشتاتهم هذه الأيام:

-الى أين تسير الأوضاع الفلسطينية من الآن فصاعدا في أعقاب هذه العمليات البطولية وفي أعقاب الحملات والعمليات الدموية الاغتيالية -المبيتة التي يشنها الاحتلال عبر جيشه ومستعربيه ووحداته الخاصة وعصابات المستعمرين اليهود لديه على امتداد الضفة الغربية المحتلة ومن جنين والشمال من اغتيال قوات الاحتلال الإعلامية الفلسطينية المناضلة شيرين أبو عاقلة، الى الشيخ جراح وسلوان وبطن الهوى والأقصى وغيرها- بل وامتدادا هذه الهجمات الى المدن الفلسطينية التاريخية في المنطقة المحتلة عام 1948. وهل تسير فلسطين نحن انتفاضة أخرى شاملة في وجه الاحتلال؟ وما هي ابرز واهم التحديات أمام الفلسطينيين وخاصة تلك التي نطلق عليها تحديات إستراتيجية من الوزن الثقيل؟ ثم هل نرى وحدة ميدانية فلسطينية حقيقية في كل المواقع الفلسطينية على غرار ما هوموجود وقائم في جنين في مواجهة هذه الحرب الصهيونية..؟

وفي البعد العربي هل يا ترى سنرى تحركا عربيا شعبيا جادا وحقيقيا يدعم الموقف الفلسطيني...؟ فالمتوقع إذا، في ضوء كل هذه التطورات والمخططات والهجمات الاحتلالية الهستيرية، والتبني الأمريكي المطلق للخطاب الاستراتيجي والتوراتي الصهيوني، "ان يفعل اليهود-الغزاة والمستعمرون- ما يفعلوه"، وان يواصلوا مشروعهم الاستعماري الاستيطاني على امتداد مساحة فلسطين، وان يقوموا بتنفيذ مخططاتهم الرامية الى ما يسمونه "الضم الكامل للقدس والضفة للسيادة الإسرائيلية"، ما يعني عمليا الانهيار والتحطم الكامل لمسيرة ومسار عملية السلام-المزيفة العبثية- ووهم "حل الدولتين"على صخرة "الضم والتهويد"، وما يعني أيضا استمرار الصراع والحروب والمواجهات، لذلك يجب ألا يغيب عن البال، وعن الذاكرة، وعن الأجندة السياسية والإعلامية الفلسطينية والعربية العروبية، أن الإجماع السياسي الصهيوني ذاته، يقف وراء مشروع الحروب الصهيونية العدوانية تجاه القدس والضفة الغربية من جهة وتجاه غزة من جهة أخرى، ويجب ألا يعتبر الفلسطينيون من جهتهم، أن الاحتلال ينتهي عند حدود الرفض والاحتجاجات الأممية والأوروبية على قرارات الضم والتهويد الاحتلالية، و"القدس خط احمر"، بل إن هذه الإجراءات الاحتلالية المفروض منطقيا أن تفتح كل الجبهات مع الاحتلال، فلا مجال للاستكانة والهدوء، ويمكن أن نقول إن هناك معارك إستراتيجية باتت في الأفق الفلسطيني.

*ما هي حدود وآفاق هذه المعارك الإستراتيجية في ظل هشاشة المشهد عربيا وخذلان المجتمع الدولي للقضية؟

 - من الواضح أن التحديات وحقول الألغام التي تواجه الفلسطينيين من الآن فصاعدا، مفتوحة وبلا سقف أو حدود أو مساحة، فنحن نتحدث هنا عن ملفات إستراتيجية كبيرة من شأنها أن تقرر مصير القضية والشعب الفلسطيني الى أجيال قادمة، فهناك أولا ملف السطو على المدينة المقدسة وهو ملف عاجل جدا، وهناك ملف مدينة خليل الرحمن، التي تجمع المؤسسة السياسية والدينية الصهيونية، على أن الأماكن الدينية فيها مثل الحرم الإبراهيمي، وكذلك البلدة القديمة تابعة لهم، وكذلك كل الأماكن الأخرى التي ترى فيها تلك المؤسسة أنها أماكن دينية يهودية، يجب أن تبقى تحت السيطرة اليهودية، ناهيكم عن ملف تكتلات المستوطنات، الذي يجمعون هناك في المستعمرة الصهيونية، على ضرورة ضم "تكتلات المستوطنات" الى السيادة الإسرائيلية، يضاف الى ذلك، وقبل كل ذلك ملف تهويد الأغوار على امتداد نهر الأردن وهو خطير جدا في هذه المرحلة، وملف السيطرة على مصادر المياه، وملف الجدار، والملف الأكبر، وهو ملف الاستقلال الفلسطيني والتخلص من نير الاحتلال والطغيان الصهيوني، ناهيكم عن ملف معركة توحيد جناحي غزة والضفة لمواجهة هذا التصعيد الاحتلالي الخطير الذي يهدد باختطاف كامل الضفة الغربية، وهذه المعركة ستكون كبيرة وصعبة جدا.

*هل يتجه المشهد إلى انتفاضة جديدة؟

المشهد الفلسطيني الراهن، ترفرف في فضاءاته في هذه الأيام عشية الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة الفلسطينية رايات الصمود والتحدي ومناخات الانتفاضة على امتداد القدس والأرض المحتلة، فان المعارك والتحديات الآتية أمام الفلسطينيين كبيرة وإستراتيجية من الوزن الثقيل، وفي طريقهم حقول ألغام لا حصر لها، تحتاج من اجل تفكيكها وتحييدها، الى جملة شروط واشتراطات فلسطينية في مقدمتها تعزيز وتكريس الوحدة الوطنية الداخلية وتصليب جدرانها، وتحتاج أيضا في مقدمة ما تحتاجه الى جبهة عربية وهذه الجبهة أصبحت  حلما، تتصدى الى الأجندة الصهيونية والأمريكية البريطانية المتحالفة معها، الى جانب الفلسطينيين وليس من ورائهم..

وفي اعتقادي أن الأولى والأكثر جدية للعرب العروبيين، أن يكون على جدول أعمالهم دائما، ونتمسك هنا بآمالنا وطموحاتنا العروبية برغم مشهد التفكك والهوان الراهن، القيام بمسؤولياتهم القومية والتاريخية تجاه القدس وفلسطين ونعني بذلك:

-استنهاض مشروع المقاومة بكافة أشكالها في الداخل الفلسطيني وفي الخارج العربي.

-استنهاض المشروع القومي العربي النهضوي التحرري.

- العودة إلى القرارات الدولية وإحيائها والاستناد إليها في  كل ما يتعلق بالحقوق العربية المشروعة في فلسطين.

- المطالبة بتأمين الحماية الدولية الفورية للشعب العربي الفلسطيني.

- الوقوف  ببالغ الجدية والمسؤولية القومية أمام الحرب الاستعمارية التهويدية التي تشنها وتواصلها دولة الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة.

- المطالبة بعقد محاكمة دولية لمجرمي الحرب الصهاينة بدلا من الذهاب معهم الى مؤتمرات السلام والتطبيع الكاذبة المضللة..

فمن الطبيعي والمنطقي والمشروع والملح أن تسير أمور الدول والقوى العربية الحية في هذا الاتجاه الصحيح والعاجل، وان يلملم العرب أنفسهم في هذه المرحلة العصيبة والمفصلية أكثر من أي مرحلة سابقة..

*هل تعتقد أننا اليوم إزاء جيل فلسطيني جديد مختلف عن كل ما سبق بإمكانه تغيير أدوات اللعبة؟

أكيد هكذا هي فلسطين، وكلما خيل للبعض أنها نائمة تفاجئنا بـ"يقظتها القوية من سبات تاريخي عابر, فقد أخذت في الآونة الأخيرة، ومنذ إطلاق صفقة القرن   على وجه التحديد، تحتدم الأسئلة، التساؤلات والحوارات حول ما ينشر إسرائيليا وأمريكيا حول الفلسطيني الجديد وفلسطين الجديدة، وأخذ الكثير من المحبطين والتائهين يتساءلون حول صفقة القرن وسطوتها, وهل سيتمكنون من صناعة الفلسطيني الجديد بمواصفاتهم أي الفلسطيني الخانع المستسلم المدجن القابل بالحلال اقتصادي على حساب الحقوق الوطنية والاستقلال ورحيل الاحتلال…؟ وهل سيتمكنون من إقامة فلسطين الجديدة كما يروجونها في غزة وجزء من سيناء …أم هناك إمكانية لإفشالها وكيف يمكن إفشالها وإسقاطها…؟.أسئلة كبيرة وصعبة لان من وراء الصفقة وقف تحالف كبير وخطير ومرعب من الدول الكبرى والإقليمية- العربية، فكيف للشعب العربي الفلسطيني مواجهة مثل هذا التحالف الخطير…..

*لو أننا حاولنا وضع وصفة طبية لعلاج هذه الجسد العليل كيف ستكون؟

قناعتي تتلخص في هذه الأفكار:

 -أولا يجب الإيمان والاقتناع بان الصفقات التصفوية ليست قدرا لا راد له، وإنما هي تتويج لمسلسل طويل من الصفقات والمؤامرات الاستعمارية الصهيونية منذ أكثر من قرن من الزمن ومازال الصراع مستمرا والشعب العربي الفلسطيني لم يهزم…

-ثانيا يجب الإيمان بقدرة الشعب الفلسطيني ومن ورائه الشعوب والقوى العروبية الحية وراءه على هزيمة وإفشال الصفقات بالصمود والنفس الطويل.

-ثالثا الإيمان بالجيل الفلسطيني الجديد.. الجيل المنتفض الثوري الشجاع والجريء الذي لا يهاب المواجهة حتى الشهادة، وهذا ما شاهدناه على ارض القدس المحتلة وعلى امتداد مساحة فلسطين خلال الأسابيع والشهور الماضية حيث تقاطر الشبان كالطوفان للتصدي لقوات ومستعمري الاحتلال المجرمين.

-رابعا الإيمان بأن الاشتباك ما بيننا كأمة عربية وما بين المشروع والاحتلال الصهيوني إنما هو اشتباك تاريخي مفتوح حتى هزيمة المشروع الصهيوني.. وهنا تأتي أيضا أهمية الإيمان بالجيل الفلسطيني الجديد الذي وصفه عدد كبير من الكتاب والمحللين والمؤرخين وحتى الجنرالات الصهاينة بأنه جيل فلسطيني عصي على الكسر...

*أي دور لهذا الجيل وهل لديه ما يكفي الوعي والإرادة للتأثير على الأحداث؟

دور هذا الجيل الفلسطيني الجديد في هذا الكفاح بل وفي المقاومة والانتفاضات لا يقبل التشكيك أو التقليل من قيمته، هناك زخم هائل من التقارير والمعطيات التي تتحدث عنهم وعن بطولاتهم وروحيتهم الاستشهادية، وهم يعرفون مسبقا أنهم متوجهون للموت حتما، فيحملون أرواحهم على كفوفهم بمنتهى الجرأة والإقدام، فقد ولدوا  من رحم انتفاضة الأقصى، وقد تسموا بأسماء شهداء الانتفاضة تيمناً ببطولاتهم وتضحياتهم، وترعرعوا على أنموذجين في الساحة الفلسطينية, أنموذج قهر المحتل وإجرامه منقطع النظير،وأنموذج البطولة والتضحية، صحيح أن هذا الجيل لم يرَ الذل، ولم يعرف محنة  النكبة وقلبه قوي وجنانه شديد لم ينكسر، وهو واثق معتد بنفسه، ثابر سخي القلب، جيل فتح عينيه بعد الحلم على حروب الاحتلال العدوانية على الشعب الفلسطيني وعلى المعارك اليومية، وهذا الجيل هو من يصنع الثورة والانتفاضة، وهو جيل النخبة في غزة، وهو جيل الطعن في القدس والضفة، جيل لا يعرف الحسابات، ولا يتردد أمام أهدافه".

ولدينا كم هائل من الوثائق والصحف والشهادات المختلفة أن الجيل العربي الفلسطيني الرابع هو الذي يقف اليوم منتفضا في مواجهة الاحتلال الصهيوني، مواصلا الأجيال العربية الفلسطينية الأربعة التي سبقته في الميدان منذ نحو أربعة وسبعين عاما، وقد يكون هذا الجيل الفلسطيني ربما التاسع أو العاشر إذا ما أخذنا في الحساب أن التصدي العربي الفلسطيني بدأ مع بدايات الاستيطان الصهيوني منذ عام 1878، مع إقامة أول مستعمرة صهيونية وهي "بيتحتكفا"على أراضي قرية الملبس الفلسطينية، نحن إزاء ثمانية أو تسعة أجيال متتابعة تخوض الكفاح بلا تعب أو كلل وبلا يأس أو استسلام، يذهب جيل يأتي الجيل التالي بعده، والجيل الثالث فالرابع وهكذا، ليحمل الراية والرسالة والأهداف الوطنية التحررية، وها هو الجيل الخامس منذ النكبة والعاشر منذ نحو قرن وأربعين عاما كاملة، هو الذي يحمل الراية ويقود التصدي في الميدان في مواجهة جيش ومستعمري الاحتلال، ليضيف ملحمة كفاحية أخرى إلى جملة الملاحم التي سطرها الشعب العربي الفلسطيني في مواجهة الصهاينة الغزاة ..

*كيف تنظر إسرائيل الى هذا الجيل؟

 مهم أن نتحدث عن ذلك وهذه مسألة يتابعها الاحتلال بدقة وقد كشفت مجلة "إسرائيل ديفينس" العسكرية العبرية عن مفاجأة مفادها أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تواجه ورطة كبيرة، بالنظر إلى أن الهجمات التي ينفذها الفلسطينيون في الوقت الراهن تختلف كثيرا عن سابقاتها في السنوات الماضية، حيث تتمييز بروح تضحية عالية غير مسبوقة، وأضافت المجلة في تقرير لها أن جهاز الأمن الإسرائيلي العام "الشاباك" أصدر تقريرا حول العمليات الفلسطينية الأخيرة أظهر أن منفذي هذه العمليات والكلام لهم أن "نوعية جديدة من الشباب الفلسطينيين الذين يتمتعون بروح تضحية عالية".

وربما يلخص لنا الكاتب الإسرائيلي المناهض لسياسات الاحتلال العنصرية ضد الفلسطينيين،جدعون ليفي هذه الحقيقة المشار إليها، حينما كتب في هآرتس قائلا "يبدو أنّ الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الغانيات وبنات الهوى، وقلنا ستمرّ بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجّر انتفاضة الــ87.. أدخلناهم السجون وقلنا سنربّيهم في السجون وبعد سنوات، وبعد أن اعتقدنا أنهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000 أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة. وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية، حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر لصناعي عاموس ويدخلون الرعب إلى كلّ بيتٍ في إسرائيل، عبر بث التهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية. خلاصة القول، يبدو أننّا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال".

وخلاصة القول عن الشباب والفتيات الفلسطينيين والفلسطينيات "أن الفكرة الأهم في هذه الانتفاضات المستمرة، أنها كسرت فكرة أن هناك جيلا فلسطينيا يهزم، لأن الإسرائيلي منذ العام 1948 راهن على كسر إرادة الأجيال الفلسطينية، وفي كل مرة كان هنالك جيل يفاجئه ويطلق ثورة من نوع خاص، ترسّخ بقاء المقاومة في البيئة الفلسطينية وتحبط الإسرائيليين.. راهن الإسرائيليون على أن الجيل الفلسطيني الجديد هو جيل “أوسلو”، لكن العدو الإسرائيلي فوجئ بأن هذا الجيل يقاوم بكل ما أتيح له من قوة، ولا ينتظر أن يمتلك أدوات مميزة ليقاوم.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews