إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

لا عزاء في الشهداء.. اغتالوا شيرين أبوعاقلة ولكن ستولد ألف شيرين حتى تحرير فلسطين

 تونس الصباح

رحلت شيرين أبوعاقلة شامخة كالنخل في عليائه كما تعودنا على طلتها اليومية منذ ربع قرن وكما عرفناها في ندوات دولية وكما ستظل في ذاكرتنا المشتركة، رحلت أيقونة فلسطين وأميرة السلطة الرابعة فيها، وستظل عنوانا ورمزا لقضية لا تسقط بالتقادم.. أعدموا من قبلها بدم بارد ناجي العلي وكمال عدوان وأبطالا فلسطينيين كثيرين، لكنهم فشلوا في إخماد أصوات هؤلاء الأبطال وكلما رحل واحد إلا وولد ألف بعدهم..

ولا يزال ناجي العلي يوشح الصحف اليومية والمواقع الإعلامية ويسخر من الاحتلال وكذلك ستبقي شيرين شوكة في حلق الاحتلال ولعنة تطارد الحكومات الصهيونية، بالأمس غيب إرهاب الدولة الإسرائيلي شمعة فلسطينية مضيئة وصوتا لكل الفلسطينيين ولكن غاب عمن أطلق الرصاصة المتفجرة في رأسها واستهدفها، أن فلسطين ولادة، انه بدل شيرين ابوعاقلة ستولد ألف شيرين وشيرين لاستئناف المسيرة ومواصلة الملحمة..

بالأمس أطلق اسم شيرين على ثلاثة مواليد جدد في فلسطين وإذا لم يكن ثلاثتهم خليفتها في المشهد الإعلامي فالأكيد أن واحدة على الأقل ستحمل المشعل يوما ما .. صعبة ومؤلمة الكتابة هذا اليوم.. الكلمات ترفض أن تطاوعني لنعي فارسة الصحافة الفلسطينية والعربية شيرين أبوعاقلة التي تجملت وترجلت مبكرا بعد أن تعطرت بدمائها الطاهرة وقد استحقت كل الألقاب والنياشين والأوسمة التي جعلتها صوت فلسطين كل فلسطين وهي التي وحدت بالأمس كل الصفوف والفصائل والحركات من الضفة الى غزة للمطالبة بتعرية الاحتلال وملاحقة إرهاب الدولة المنظم أمام الجنائية الدولية ..

في ساعات الفجر الأولى كانت شيرين أبوعاقلة تستعد لنقل أطوار جريمة أخرى من جرائم الاحتلال في مدينة جنين حين امتد إليها رصاص الاحتلال الغادر ليعدم صوتها ويستهدفها في الرأس غير آبه بسترة الصحافة الزرقاء التي يفترض أن تمنحها الحماية في كل الأوقات ولا بالقوانين والأعراف التي تجعل من استهداف الإعلاميين جريمة حرب .. صوت أحدهم وهو يصرخ شيرين شيرين لا تتحركي إسعاف إسعاف إسعاف.. في مكان ما قرب موقع الجريمة كان صرخة مدوية أدركنا حجمها في الحين .. صباح أمس كان أول اتصال مع السفير الفلسطيني هايل الفاهوم بعد انتشار الخبر..

بدا صوته مختنقا قبل أن يحاول التدارك ويقول فعلا نحن جميعا تحت وقع الصدمة التي تكشف ان العالم فقد إنسانيته مشددا على أن من يدعمون الاحتلال بالمال والسلاح ومن يحاولون التغطية على انتهاكات الاحتلال يشتركون في الجريمة معتبرا أن ما يحدث من إعدامات كارثة بمختلف المعايير وإعلان عن انهيار القيم الإنسانية.. الفاهوم الذي أعلن انه سيتم غدا الجمعة افتتاح سجل للتعازي للشهيدة شيرين ابوعاقلة، دعا الضمير الإنساني الدولي وما بقي من المجتمع الدولي الحر الى كشف الحقائق ومحاسبة الاحتلال وقال أنه آن الأوان للخروج من دائرة ردود الفعل الآنية الى العمل المدروس والواعي لتغيير الحقائق على الأرض..

في مخيم جنين وبين أهله البواسل الذين قادوا الملحمة تلو الملحة انتهت رحلة شيرين مع الكاميرا والمصدح الذي سيفتقد صوتها الجريء وشجاعتها النادرة، لم تكن أبوعاقلة التي جمعت جمال الصورة بجمال الكلمة والقيم الأخلاقية النبيلة لمهنة المتاعب والموت مجرد صوت ينقل للعالم ما يحدث هناك على ما بقي من ارض فلسطين المنسية من خروقات وانتهاكات في ظل نظام عالمي متوحش بل كانت صوت فلسطين الذي إذا غاب شغل غيابه الجميع ..

"في الطريق الى جنين ".. كانت آخر رسائل أبوعاقلة التي لبت بالأمس نداء زميلتها جيفارا البديري التي تعذر عليها الانتقال الى جنين لتغطية عدوان آخر يستهدف أهلها، وربما تكون شيرين استشعرت الخطر وهي التي سبق لها أن أصيبت في أكثر من مناسبة بالرصاص المطاطي والغاز المشل للحركة ولكنها لم تتردد ولم تتراجع وهي التي كانت تعرف جيدا أن الموت قريب جدا ..

لبت شيرين نداء الواجب ونداء القضية وارتقت الى صفوف خمسين شهيدا من الإعلاميين منذ سنة 2000 لتضاف الى قائمة زملاء كثيرين سبقوها في نيل الشهادة من غزة الى الضفة وبينهم على سبيل الذكر لا الحصر أحمد أبوحسين وياسر مرتجي ومعاذ عمارنة ونضال اشتية واحمد عريقات وطارق أيوب وإياد حلاق وغيرهم ممن لا تزال عائلاتهم وزملائهم ينتظرون عدالة تأبى أن تأتي في اعتداءات إسرائيلية موثقة بالصوت والصورة كان ولا يزال العالم يقف عاجزا أمامها ..

جنين بالنسبة لشيرين أبوعاقلة أصيلة بيت لحم بالضفة الغربية كما دونت في السابق "ليست قصة عابرة في مسيرتي المهنية أو حتى في حياتي الشخصية. إنها المدينة التي يمكن أن ترفع معنوياتي وتساعدني على التحليق عاليا إنها تجسد الروح الفلسطينية التي في بعض الأحيان ترتجف وتقع، لكنها تفوق كل التوقعات وتنهض لمتابعة رحلاتها وأحلامها"...

صحافيو العالم نعوا بالأمس أيقونة الصحافة الفلسطينية، زميلها محمد دراغمة الأستاذ بجامعة بير زيت انهار أمام الكاميرا وهو يتحدث عن خصالها وعن زميلة ستفتقدها الساحة الإعلامية .. طبعا كما في كل الجرائم سارعت سلطات الاحتلال الى الالتفاف على الجريمة والترويج للرواية الإسرائيلية التي تنفي المسؤولية عن قواتها لتلقي بها على الفلسطينيين، ولكن كانت شهادات زملائها وكل من عاشوا على وقع الجريمة قاطعة.

سبق للكيان الإسرائيلي أن حاول في أعقاب جريمة اغتيال الطفل محمد الدرة تحميل المسؤولية للفلسطينيين واعتمد في ذلك خبراء غربيين للترويج للصورة ولكن فشلت كل المحاولات في طمس الحقيقة وتزويرها .. لقد استهدفت شيرين برصاص إسرائيلي وهذه المرة لم يكن مطلوبا ترهيبها أو تخويفها، هذه المرة كان المطلوب تصفيتها حتى تبلغ الرسالة الجميع وان هذا مصير من يتجرأ على كشف جرائم الاحتلال.. بما يعني أنها جريمة لوأد الحقيقة وتكميم الأفواه ومصادرة الحقيقة المزعجة التي يمكن أن تحرج حكومة تل أبيب وتؤثر على صورة الكيان الإسرائيلي أمام حلفائه في الغرب ...

والأكيد أن حكومة بينيت العنصرية وحدها من يتحمل مسؤولية الجريمة البشعة التي لا تسقط بالتقادم .. نعم يوم أمس كان يوما حزينا مثقلا بالجروح والآلام بل الأكيد انه ليس فينا من لم يهتز، وليس بيننا من لم يتألم ويبكي رحيل الزميلة الفلسطينية شرين ابوعاقلة التي دخلت كل البيوت بالصوت والصورة لتشاركنا معاناة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال على مدى أكثر من ربع قرن كانت شيرين وفي مختلف المنابر الإعلامية التي انضمت إليها صوت فلسطين القوي..

رحلت بعد عطاء كبير اكبر من مسيرتها التي امتدت على مدى ثلاثة عقود ولكن قبل الأوان وقبل أن يتحقق الحلم الفلسطيني.. شهادة زميلها السمودي، الذي تلقى رصاصة في الظهر أكد انه لم يكن في المنطقة سوى الصحفيين والجيش الإسرائيلي، وكان الأخير هو من أطلق النار”. كان قرابة الساعة السادسة صباحا كانت شيرين أبوعاقلة ضمن مجموعة من 7 صحفيين يغطون الاقتحام الإسرائيلي، لمخيم جنين في شمالي الضفة الغربية..

كانوا يرتدون الخوذات وكانت معهم كاميرات وسترات تحمل شعار صحافة... جريمة اغتيال ابوعاقلة تأتي بعد أيام على اليوم العالمي لحرية الصحافة وصدور تقرير مراسلون بلا حدود الذي يتعاطى مع ممارسات الاحتلال إزاء الصحافة الفلسطينية بكثير من اللين واللامبالاة إزاء التجاوزات الخطيرة وهي تأتي أيضا مع الاستعدادات لإحياء الذكرى الـ74 للنكبة وقبل أيام على الزيارة المفترضة للرئيس الأمريكي جو بايدن الى القدس الشرقية واعتزامه لقاء الرئيس الفلسطيني وإعلان عودة المساعدات للفلسطينيين، وهي عملية تحمل ضمنيا دعوة للرئيس الأمريكي بعدم المضي قدما في هذه الزيارة..

صوت فلسطين لن ينطفئ

كانت شيرين صوت فلسطين وستبقى لان زملاءها سيواصلون المعركة ولان الساحة الفلسطينية ولادة وقريبا سيسمع العالم عن ولادة ألف شيرين وشيرين لحمل المشعل من أجل الحرية والكرامة والسيادة على أرض فلسطين واستعادة الحقوق المشروعة التي اشتركت القوى الكبرى الداعمة للاحتلال في طمسها والسطو عليها .

طبعا سيكون من الغباء الاعتقاد أن سلطات الاحتلال يمكن أن تفتح تحقيقا جديا في الجريمة وقد أكدت مختلف التجارب على مدى عقود من الاحتلال أن التحقيقات تبقى كلمة حق يراد بها باطل لتقديم صك البراءة لجيش الاحتلال تماما كما أنه سيكون من السذاجة أن نتوقع موقفا منددا أو وقفة جرئية من الإعلام الإسرائيلي إزاء ما يحدث.. ولكن عزاؤنا اليوم في هذا المصاب الجلل أن تكون الصدمة التي أصابت الجميع في أعقاب الجريمة الإرهابية المروعة وكل الأصوات التي ارتفعت منددة بما حدث والقادمة من مختلف المنظمات الحقوقية والدولية والمنظمات العربية والإسلامية والحكومات صحوة حقيقية وليست مجرد ردة فعل فرضتها اللحظة لاستعادة التضامن العربي الإنساني مفهومه وموقعه واستعادة السلطة الرابعة مكانتها ودورها في تسليط الأضواء على القضية الفلسطينية في المحافل الإقليمية والدولية والعودة لوضع الخروقات والتجاوزات الإسرائيلية تحت المجهر وتحميل المنظمات الحقوقية مسؤولياتها في محاسبة وملاحقة الاحتلال ..

بالأمس هنأت وزارة الدفاع الأمريكية صحيفة «نيويورك تايمز» على فوزها بجائزة «بوليتزر» تقديراً لتحقيقاتها غير المريحة ولكنها ضرورية حول المدنيين الذين قُتلوا في ضربات أمريكية في العراق وسوريا وأفغانستان.. ولا نعرف إن كانت الصحيفة ستتجرأ يوما على كشف الحقائق والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي.. ولكن ما نعرفه أن هذا التنديد بجريمة الأمس لا يجب أن يتوقف وان هذا التضامن مع عروس فلسطين أميرة المصدح يجب أن يستمر في المطالبة بإنهاء الاحتلال ومحاسبة الجيش الإسرائيلي على انتهاكاته وجرائمه المصنفة بجرائم حرب..

لم تكن جريمة اغتيال شيرين ابوعاقلة الصوت الذي اقتحم كل البيوت والزميلة التي جمعتنا بها ندوات دولية وكانت تكشف للحضور حجم المعاناة والعراقيل والضغوطات اليومية والاستفزازات على الحدود والمعابر لمنع نقل الحقيقة للعالم لم تكن الأولى ولن تكون حتما الأخيرة التي تصدمنا, ومرة أخرى نجد أنفسنا نطرح نفس التساؤلات الى متى تبقى هذه الإعدامات دون محاسبة؟

الى متى يستمر استنزاف حياة الفلسطينيين على مرأى ومسمع من كل العالم؟ أخيرا وليس آخرا وعلى أمل أن تكون هذه الجريمة التي استهدفت شيرين ابوعاقلة وهي في عز العطاء منعرجا في المشهد الفلسطيني لتوحيد الصفوف واستعادة البوصلة المفقودة للتصدي للاحتلال وكسر شوكته، سيكون لزاما أن نطالب بتأجيل إعلان الحداد على البطلة الموءودة وعدم تنظيم سرادق العزاء قبل الانتصار لها أمام المحاكم الدولية لملاحقة الجناة .. نعم لم يكن من الهين أن نجد الكلمات لنعى إنسانة قبل كل شيء مهما كانت ديانتها وهويتها كانت تتطلع للحياة والحرية والكرامة، وأن ننعى زميلة عرفناها عن بعد قبل أن نلتقيها ونتابع مسيرتها ولا نملك إلا أن ندعو لها ونقول مرة أخرى..

وداعا شيرين أبوعاقلة، لروحك السلام صورتك كما مواقفك ودفاعك عن الوطن باقية تتوارثها الأجيال حتى بعد موت الكبار ولا ننسى أيضا أن نتمنى لزميلها علي السمودي الذي أصيب برصاصة في الظهر شفاء عاجلا وعودة الى ارض الميدان.. ونحن نخط هذه الأسطر أعلن الاتحاد الدولي للصحفيين انه سيتولى إحالة جريمة اغتيال ابوعاقلة على الجنائية الدولية.. خطوة مهمة ولكنها ليست هينة وهي معركة حاسمة قانونية ولكن أيضا إنسانية وسياسية وأخلاقية لوضع حد للهروب من العقاب..

آسيا العتروس

 كاريكاتير: حمدي المزهودي

لا عزاء في الشهداء.. اغتالوا شيرين أبوعاقلة ولكن ستولد ألف شيرين حتى تحرير فلسطين

 تونس الصباح

رحلت شيرين أبوعاقلة شامخة كالنخل في عليائه كما تعودنا على طلتها اليومية منذ ربع قرن وكما عرفناها في ندوات دولية وكما ستظل في ذاكرتنا المشتركة، رحلت أيقونة فلسطين وأميرة السلطة الرابعة فيها، وستظل عنوانا ورمزا لقضية لا تسقط بالتقادم.. أعدموا من قبلها بدم بارد ناجي العلي وكمال عدوان وأبطالا فلسطينيين كثيرين، لكنهم فشلوا في إخماد أصوات هؤلاء الأبطال وكلما رحل واحد إلا وولد ألف بعدهم..

ولا يزال ناجي العلي يوشح الصحف اليومية والمواقع الإعلامية ويسخر من الاحتلال وكذلك ستبقي شيرين شوكة في حلق الاحتلال ولعنة تطارد الحكومات الصهيونية، بالأمس غيب إرهاب الدولة الإسرائيلي شمعة فلسطينية مضيئة وصوتا لكل الفلسطينيين ولكن غاب عمن أطلق الرصاصة المتفجرة في رأسها واستهدفها، أن فلسطين ولادة، انه بدل شيرين ابوعاقلة ستولد ألف شيرين وشيرين لاستئناف المسيرة ومواصلة الملحمة..

بالأمس أطلق اسم شيرين على ثلاثة مواليد جدد في فلسطين وإذا لم يكن ثلاثتهم خليفتها في المشهد الإعلامي فالأكيد أن واحدة على الأقل ستحمل المشعل يوما ما .. صعبة ومؤلمة الكتابة هذا اليوم.. الكلمات ترفض أن تطاوعني لنعي فارسة الصحافة الفلسطينية والعربية شيرين أبوعاقلة التي تجملت وترجلت مبكرا بعد أن تعطرت بدمائها الطاهرة وقد استحقت كل الألقاب والنياشين والأوسمة التي جعلتها صوت فلسطين كل فلسطين وهي التي وحدت بالأمس كل الصفوف والفصائل والحركات من الضفة الى غزة للمطالبة بتعرية الاحتلال وملاحقة إرهاب الدولة المنظم أمام الجنائية الدولية ..

في ساعات الفجر الأولى كانت شيرين أبوعاقلة تستعد لنقل أطوار جريمة أخرى من جرائم الاحتلال في مدينة جنين حين امتد إليها رصاص الاحتلال الغادر ليعدم صوتها ويستهدفها في الرأس غير آبه بسترة الصحافة الزرقاء التي يفترض أن تمنحها الحماية في كل الأوقات ولا بالقوانين والأعراف التي تجعل من استهداف الإعلاميين جريمة حرب .. صوت أحدهم وهو يصرخ شيرين شيرين لا تتحركي إسعاف إسعاف إسعاف.. في مكان ما قرب موقع الجريمة كان صرخة مدوية أدركنا حجمها في الحين .. صباح أمس كان أول اتصال مع السفير الفلسطيني هايل الفاهوم بعد انتشار الخبر..

بدا صوته مختنقا قبل أن يحاول التدارك ويقول فعلا نحن جميعا تحت وقع الصدمة التي تكشف ان العالم فقد إنسانيته مشددا على أن من يدعمون الاحتلال بالمال والسلاح ومن يحاولون التغطية على انتهاكات الاحتلال يشتركون في الجريمة معتبرا أن ما يحدث من إعدامات كارثة بمختلف المعايير وإعلان عن انهيار القيم الإنسانية.. الفاهوم الذي أعلن انه سيتم غدا الجمعة افتتاح سجل للتعازي للشهيدة شيرين ابوعاقلة، دعا الضمير الإنساني الدولي وما بقي من المجتمع الدولي الحر الى كشف الحقائق ومحاسبة الاحتلال وقال أنه آن الأوان للخروج من دائرة ردود الفعل الآنية الى العمل المدروس والواعي لتغيير الحقائق على الأرض..

في مخيم جنين وبين أهله البواسل الذين قادوا الملحمة تلو الملحة انتهت رحلة شيرين مع الكاميرا والمصدح الذي سيفتقد صوتها الجريء وشجاعتها النادرة، لم تكن أبوعاقلة التي جمعت جمال الصورة بجمال الكلمة والقيم الأخلاقية النبيلة لمهنة المتاعب والموت مجرد صوت ينقل للعالم ما يحدث هناك على ما بقي من ارض فلسطين المنسية من خروقات وانتهاكات في ظل نظام عالمي متوحش بل كانت صوت فلسطين الذي إذا غاب شغل غيابه الجميع ..

"في الطريق الى جنين ".. كانت آخر رسائل أبوعاقلة التي لبت بالأمس نداء زميلتها جيفارا البديري التي تعذر عليها الانتقال الى جنين لتغطية عدوان آخر يستهدف أهلها، وربما تكون شيرين استشعرت الخطر وهي التي سبق لها أن أصيبت في أكثر من مناسبة بالرصاص المطاطي والغاز المشل للحركة ولكنها لم تتردد ولم تتراجع وهي التي كانت تعرف جيدا أن الموت قريب جدا ..

لبت شيرين نداء الواجب ونداء القضية وارتقت الى صفوف خمسين شهيدا من الإعلاميين منذ سنة 2000 لتضاف الى قائمة زملاء كثيرين سبقوها في نيل الشهادة من غزة الى الضفة وبينهم على سبيل الذكر لا الحصر أحمد أبوحسين وياسر مرتجي ومعاذ عمارنة ونضال اشتية واحمد عريقات وطارق أيوب وإياد حلاق وغيرهم ممن لا تزال عائلاتهم وزملائهم ينتظرون عدالة تأبى أن تأتي في اعتداءات إسرائيلية موثقة بالصوت والصورة كان ولا يزال العالم يقف عاجزا أمامها ..

جنين بالنسبة لشيرين أبوعاقلة أصيلة بيت لحم بالضفة الغربية كما دونت في السابق "ليست قصة عابرة في مسيرتي المهنية أو حتى في حياتي الشخصية. إنها المدينة التي يمكن أن ترفع معنوياتي وتساعدني على التحليق عاليا إنها تجسد الروح الفلسطينية التي في بعض الأحيان ترتجف وتقع، لكنها تفوق كل التوقعات وتنهض لمتابعة رحلاتها وأحلامها"...

صحافيو العالم نعوا بالأمس أيقونة الصحافة الفلسطينية، زميلها محمد دراغمة الأستاذ بجامعة بير زيت انهار أمام الكاميرا وهو يتحدث عن خصالها وعن زميلة ستفتقدها الساحة الإعلامية .. طبعا كما في كل الجرائم سارعت سلطات الاحتلال الى الالتفاف على الجريمة والترويج للرواية الإسرائيلية التي تنفي المسؤولية عن قواتها لتلقي بها على الفلسطينيين، ولكن كانت شهادات زملائها وكل من عاشوا على وقع الجريمة قاطعة.

سبق للكيان الإسرائيلي أن حاول في أعقاب جريمة اغتيال الطفل محمد الدرة تحميل المسؤولية للفلسطينيين واعتمد في ذلك خبراء غربيين للترويج للصورة ولكن فشلت كل المحاولات في طمس الحقيقة وتزويرها .. لقد استهدفت شيرين برصاص إسرائيلي وهذه المرة لم يكن مطلوبا ترهيبها أو تخويفها، هذه المرة كان المطلوب تصفيتها حتى تبلغ الرسالة الجميع وان هذا مصير من يتجرأ على كشف جرائم الاحتلال.. بما يعني أنها جريمة لوأد الحقيقة وتكميم الأفواه ومصادرة الحقيقة المزعجة التي يمكن أن تحرج حكومة تل أبيب وتؤثر على صورة الكيان الإسرائيلي أمام حلفائه في الغرب ...

والأكيد أن حكومة بينيت العنصرية وحدها من يتحمل مسؤولية الجريمة البشعة التي لا تسقط بالتقادم .. نعم يوم أمس كان يوما حزينا مثقلا بالجروح والآلام بل الأكيد انه ليس فينا من لم يهتز، وليس بيننا من لم يتألم ويبكي رحيل الزميلة الفلسطينية شرين ابوعاقلة التي دخلت كل البيوت بالصوت والصورة لتشاركنا معاناة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال على مدى أكثر من ربع قرن كانت شيرين وفي مختلف المنابر الإعلامية التي انضمت إليها صوت فلسطين القوي..

رحلت بعد عطاء كبير اكبر من مسيرتها التي امتدت على مدى ثلاثة عقود ولكن قبل الأوان وقبل أن يتحقق الحلم الفلسطيني.. شهادة زميلها السمودي، الذي تلقى رصاصة في الظهر أكد انه لم يكن في المنطقة سوى الصحفيين والجيش الإسرائيلي، وكان الأخير هو من أطلق النار”. كان قرابة الساعة السادسة صباحا كانت شيرين أبوعاقلة ضمن مجموعة من 7 صحفيين يغطون الاقتحام الإسرائيلي، لمخيم جنين في شمالي الضفة الغربية..

كانوا يرتدون الخوذات وكانت معهم كاميرات وسترات تحمل شعار صحافة... جريمة اغتيال ابوعاقلة تأتي بعد أيام على اليوم العالمي لحرية الصحافة وصدور تقرير مراسلون بلا حدود الذي يتعاطى مع ممارسات الاحتلال إزاء الصحافة الفلسطينية بكثير من اللين واللامبالاة إزاء التجاوزات الخطيرة وهي تأتي أيضا مع الاستعدادات لإحياء الذكرى الـ74 للنكبة وقبل أيام على الزيارة المفترضة للرئيس الأمريكي جو بايدن الى القدس الشرقية واعتزامه لقاء الرئيس الفلسطيني وإعلان عودة المساعدات للفلسطينيين، وهي عملية تحمل ضمنيا دعوة للرئيس الأمريكي بعدم المضي قدما في هذه الزيارة..

صوت فلسطين لن ينطفئ

كانت شيرين صوت فلسطين وستبقى لان زملاءها سيواصلون المعركة ولان الساحة الفلسطينية ولادة وقريبا سيسمع العالم عن ولادة ألف شيرين وشيرين لحمل المشعل من أجل الحرية والكرامة والسيادة على أرض فلسطين واستعادة الحقوق المشروعة التي اشتركت القوى الكبرى الداعمة للاحتلال في طمسها والسطو عليها .

طبعا سيكون من الغباء الاعتقاد أن سلطات الاحتلال يمكن أن تفتح تحقيقا جديا في الجريمة وقد أكدت مختلف التجارب على مدى عقود من الاحتلال أن التحقيقات تبقى كلمة حق يراد بها باطل لتقديم صك البراءة لجيش الاحتلال تماما كما أنه سيكون من السذاجة أن نتوقع موقفا منددا أو وقفة جرئية من الإعلام الإسرائيلي إزاء ما يحدث.. ولكن عزاؤنا اليوم في هذا المصاب الجلل أن تكون الصدمة التي أصابت الجميع في أعقاب الجريمة الإرهابية المروعة وكل الأصوات التي ارتفعت منددة بما حدث والقادمة من مختلف المنظمات الحقوقية والدولية والمنظمات العربية والإسلامية والحكومات صحوة حقيقية وليست مجرد ردة فعل فرضتها اللحظة لاستعادة التضامن العربي الإنساني مفهومه وموقعه واستعادة السلطة الرابعة مكانتها ودورها في تسليط الأضواء على القضية الفلسطينية في المحافل الإقليمية والدولية والعودة لوضع الخروقات والتجاوزات الإسرائيلية تحت المجهر وتحميل المنظمات الحقوقية مسؤولياتها في محاسبة وملاحقة الاحتلال ..

بالأمس هنأت وزارة الدفاع الأمريكية صحيفة «نيويورك تايمز» على فوزها بجائزة «بوليتزر» تقديراً لتحقيقاتها غير المريحة ولكنها ضرورية حول المدنيين الذين قُتلوا في ضربات أمريكية في العراق وسوريا وأفغانستان.. ولا نعرف إن كانت الصحيفة ستتجرأ يوما على كشف الحقائق والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي.. ولكن ما نعرفه أن هذا التنديد بجريمة الأمس لا يجب أن يتوقف وان هذا التضامن مع عروس فلسطين أميرة المصدح يجب أن يستمر في المطالبة بإنهاء الاحتلال ومحاسبة الجيش الإسرائيلي على انتهاكاته وجرائمه المصنفة بجرائم حرب..

لم تكن جريمة اغتيال شيرين ابوعاقلة الصوت الذي اقتحم كل البيوت والزميلة التي جمعتنا بها ندوات دولية وكانت تكشف للحضور حجم المعاناة والعراقيل والضغوطات اليومية والاستفزازات على الحدود والمعابر لمنع نقل الحقيقة للعالم لم تكن الأولى ولن تكون حتما الأخيرة التي تصدمنا, ومرة أخرى نجد أنفسنا نطرح نفس التساؤلات الى متى تبقى هذه الإعدامات دون محاسبة؟

الى متى يستمر استنزاف حياة الفلسطينيين على مرأى ومسمع من كل العالم؟ أخيرا وليس آخرا وعلى أمل أن تكون هذه الجريمة التي استهدفت شيرين ابوعاقلة وهي في عز العطاء منعرجا في المشهد الفلسطيني لتوحيد الصفوف واستعادة البوصلة المفقودة للتصدي للاحتلال وكسر شوكته، سيكون لزاما أن نطالب بتأجيل إعلان الحداد على البطلة الموءودة وعدم تنظيم سرادق العزاء قبل الانتصار لها أمام المحاكم الدولية لملاحقة الجناة .. نعم لم يكن من الهين أن نجد الكلمات لنعى إنسانة قبل كل شيء مهما كانت ديانتها وهويتها كانت تتطلع للحياة والحرية والكرامة، وأن ننعى زميلة عرفناها عن بعد قبل أن نلتقيها ونتابع مسيرتها ولا نملك إلا أن ندعو لها ونقول مرة أخرى..

وداعا شيرين أبوعاقلة، لروحك السلام صورتك كما مواقفك ودفاعك عن الوطن باقية تتوارثها الأجيال حتى بعد موت الكبار ولا ننسى أيضا أن نتمنى لزميلها علي السمودي الذي أصيب برصاصة في الظهر شفاء عاجلا وعودة الى ارض الميدان.. ونحن نخط هذه الأسطر أعلن الاتحاد الدولي للصحفيين انه سيتولى إحالة جريمة اغتيال ابوعاقلة على الجنائية الدولية.. خطوة مهمة ولكنها ليست هينة وهي معركة حاسمة قانونية ولكن أيضا إنسانية وسياسية وأخلاقية لوضع حد للهروب من العقاب..

آسيا العتروس

 كاريكاتير: حمدي المزهودي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews