تعتزم فنلندا التقدم بطلب للانضمام إلى حلف الناتو، وهي مسألة تثير غضب موسكو التي توعدت برد قاس، وحذرت من عواقب عسكرية وسياسية خطيرة.
وعلى وقع الحرب الأوكرانية التي أثارت قلق استكهولهم وفزع بأوساطها السياسية، فمن شأن الخطوة الفنلندية أن ترفع منسوب التوتر مع موسكو، وتعيد للأذهان الحرب بينهما والتي سميت بـ"حرب الشتاء" أو "حرب السجق"، وأثارت السخرية خلال الحرب العالمية الثانية.
لكن وزيرة الخارجية السويدية آن ليندي، قالت، الأحد، للتلفزيون السويدي، إن فنلندا ستتقدم بطلب للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بكل تأكيد.
ووفقا لخبراء فإن الهجوم الروسي على أوكرانيا أجبر كلا من السويد وجارتها الشرقية فنلندا على مراجعة موقفهما المتمثل في الحياد العسكري.
وانضمت فنلندا إلى الاتحاد الأوروبي، وهي تقيم شراكة وثيقة مع "الناتو" لا سيما في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية والموارد.
الانضمام للناتو
وبقي هذا البلد، الذي يبلغ عدد سكانه 5.5 ملايين نسمة، دولة محايدة خلال الحرب الباردة، في مقابل تأكيدات من موسكو بأن القوات السوفيتية لن تغزو أراضيها.
ومن المتوقع أن تتخذ الدولتان الإسكندنافيتان فنلندا والسويد، قرارا بشأن الانضمام إلى هذا الحلف العسكري في الأسابيع المقبلة.
وقال الرئيس الفنلندي، ساولي نيينيستيو، الخميس، إن "حيوية انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو نشأت بسبب الأعمال الروسية في أوكرانيا"، وأن هذه الخطوة ستجعل شمال أوروبا "منطقة مستقرة وقوية".
ويضيف في حديثه لصحيفة :"Ilta-Sanomat""روسيا حاولت الحد من سيادة الدول الأخرى، وإنشاء منطقة لنفوذها مستخدمة القوة العسكرية بطريقة شديدة للغاية".
وتضاعف التأييد للانضمام إلى الناتو منذ الحرب الأوكرانية، إذ سجل نحو 50 في المائة في السويد و60 في المائة في فنلندا، وفق استطلاعات أجرتها صحيفة "Helsingin Sanomat" الفنلندية.
وحذرت روسيا فنلندا والسويد من الانضمام إلى الناتو، وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن "الخطوة لن تجلب الاستقرار إلى أوروبا، وحلف الناتو يظل أداة تهدف إلى المجابهة".
أما مدير القسم الأوروبي بالخارجية الروسية، سيرغي بيلياييف، فيقول:"سيكون لانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، عواقب عسكرية وسياسية خطيرة، تتطلب مراجعة النطاق الكامل للعلاقات مع هاتين الدولتين واتخاذ إجراءات انتقامية"
بدوره، يقول المحلل السياسي الروسي إيغور ماتفيي، إن موسكو تتابع تصريحات حلف الناتو وترحيبه بانضمام فنلندا والسويد، واصفا تلك التصريحات بـ" الاستفزازية"، لافتا إلى أن موسكو تعلم جيدا نوايا الحلف في التوسع ووجود قواته بالقرب من الحدود الروسية.
ويضيف لـ"سكاي نيوز عربية" أن الناتو والدول الأوروبية هدفها الرئيسي هو التأثير على مصلحة روسيا والإضرار بها، وأن تصريحات الناتو حول نشر قواته العسكرية ليست جديدة، لكنها تهدف إلى استفزاز روسيا.
وحول انضمام فنلندا والسويد يؤكد أن روسيا تُقدر حيادية كلا البلدين، التي تساهم باستقرار أمن أوروبا التي ستخسر كثيرًا حال تنفيذ تلك الخطوة.
"حرب السجق" بين فنلندا وروسيا
وعلى مر تاريخهما مرت علاقات موسكو وستوكهولم بمنعطفات تاريخية ضمن الإمبراطورية الروسية.
وفنلندا كانت إحدى دول الاتحاد السوفيتي قبل أن تحصل على استقلالها مطلع عام 1918، فيما شهدت العلاقات بينهما موجات من التوتر إثر الشكوك التي تسيطر على كل دولة إزاء الأخرى، فالفنلنديون كانوا يتخوفون دومًا من مساعي السوفييت لاحتلالهم مرة أخرى، فيما كانت تتوجس الحكومة الروسية من نوايا فنلندا فتح حدودها لألمانيا النازية لاستهداف بلادها عسكريا.
وكان من أشهر الحروب بينهما هي "حرب الشتاء" أو "حرب السجق" خلال الحرب العالمية الثانية، حين اجتاح ما يزيد عن نصف مليون جندي سوفيتي الأراضي الفنلندية في 30 نوفمبر 1939.
وسبق هذا النزاع، أن طالب القائد السوفيتي، جوزيف ستالين، الفنلنديين بالتنازل عن جانب من أراضيهم ومناطقهم الاستراتيجية للاتحاد السوفيتي، ما قوبل بالرفض.
ومع بداية هذه الحرب، توقّع الجميع نصراً سوفيتياً سهلاً وسريعاً على الجيش الفنلندي سيئ التسليح وحصول ستالين على ما يريده.
لكن الجيش الفنلندي أبدى مقاومة شرسة وكبد السوفيت خسائر بشرية فادحة قبل توقيع معاهدة سلام موسكو في 12 مارس 1940.
ومع تخلص جوزيف ستالين من أبرز قيادات جيشه والمقدر عددهم بنحو 30 ألف عسكري أثناء فترة ما عرف بـ"التطهير الأعظم"، تكونت القوات السوفيتية إلى فنلندا من جنود غير قادرين على تحمل الشتاء الفنلندي القارس.
وعلى الرغم من معاناتها من الطقس والجوع، تقدمت القوات السوفيتية ضد الفنلنديين وحققت عدداً من النتائج الإيجابية.
وبحسب الروايات التاريخية ففي 10 ديسمبر 1939، شنّ عدد من جنود فيلق المشاة 718 السوفيتي هجوماً على أحد المعسكرات الفنلندية القريبة من قرية إيلومانتسي، وتمكنوا من طرد الفنلنديين.
وكان السوفيت قد هاجموا المعسكر أثناء استعداد الفنلنديين لتناول طعامهم المتكون من "حساء السجق"، الذي اعتادوا على طبخه لمقاومة البرد.
وبدلا عن ملاحقة الفنلنديين الفارين، انهار الجنود السوفيت المنهكون من التعب والجوع أمام رائحة الحساء لسد رمقهم.
واستغلت القوات الفنلندية ذلك، حاصروا المكان وشنوا هجوماً مباغتاً، ولقبت هذه المعركة بشكل ساخر بـ"معركة السجق".
ومعلقا يقول المختص في الشأن الروسي نبيل رشوان إن الحرب في فنلندا كانت لها ظروفها الخاصة المحلية والدولية، ففنلندا لم تنتصر وفي نفس الوقت لم تنهزم، ورغم صمودها لكنها في النهاية فقدت الكثير من أراضيها خاصة مقاطعة كاريليا وعدة ممرات مائية ضمها الاتحاد الروسي لأراضيه وأصبح يؤجرها لفنلندا في الوقت الحالي.
أما عن أوجه التشابه بين حرب أوكرانيا ونظيرتها التاريخية في فنلندا يضيف رشوان لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن التخوف الحقيقي هو استمرار العملية العسكرية الروسية حتى فصل الشتاء حيث تصبح التضاريس الأوكرانية أكثر وعورة ما يصعب مهمة الجيش الروسي ويدخله في حرب عصابات تستنزفه بدرجة كبيرة.
ويردف:" الرئيس الروسي يريد تحقيق انتصار حاسم في أوكرانيا يدخل به التاريخ، وقد يكون يضع في اعتباره الحرب في فنلندا حيث أن الاتحاد السوفيتي لم يحقق فيها انتصارا حاسما.
وتوقع أن " تطول تلك الحرب خاصة في ظل رفض القوميين الأوكرانين تقديم تنازلات وإصرار بوتن على تحقيق مطالبه عالية السقف". سكاي نيوز عربية