تتسارع الأحداث بشكل مثير على الميدان في ثالث أيام الحرب الروسية على أوكرانيا حيث اقتربت القوات الروسية من العاصمة كييف بما يوحي أن سقوط المدينة الأوكرانية قد يكون مسألة ساعات وربما ينتهي مع بزوغ شمس هذا اليوم لتنتهي معركة من حرب تشير كل القراءات بأنها لن تكون خاطفة فهي أبعد وأعقد من صراع روسي أوكراني حدودي إذ تستمد جذورها من صراع كلاسيكي تاريخي يعود في ثوب جديد وتهديدات وتحديات مختلفة عما كان عليه الأمر زمن الحرب الباردة وما آلت إليه من ظهور حلف الناتو أو الأطلسي ردا على حلف فرصوفيا وهي حرب قديمة جديدة في مسار لعبة المصالح الأمنية الإستراتيجية بين أمريكا من ناحية وروسيا بوتين من ناحية أخرى.
ولا شيء حتى هذه المرحلة يبدو انه يمكن أن يوقف الزحف العسكري الروسي الذي يصفه الرئيس بوتين بالدفاع عن امن روسيا القومي، وبين القمة الافتراضية لحلف الناتو في بروكسيل والاجتماع العاجل لمجلس الأمن الدولي في نيويورك ما يعزز القناعة بأن العقوبات الاقتصادية لن تمنع بوتين من مواصلة مغامرته حتى النهاية وربما ليس قبل أن يسقط النظام القائم في أوكرانيا ويفرض نظاما مواليا كما في جورجيا والقرم..
لقد أظهرت الأزمة في أوكرانيا مجددا عدمية وعبثية المؤسسات الدولية والشرعية الدولية القابلة للتطويع والتلون حسب لعبة المصالح وكما كان بإمكان واشنطن إسقاط وإجهاض قرارات دولية مصيرية فها أن موسكو تتمسك بنفس السلاح وترفع الفيتو في وجه واشنطن وحلفائها فلا الناتو قادر على التدخل ولا مجلس الأمن يمكنه إدانة روسيا ..
إجماع على الإدانة وفشل في التحرك
أول أمس حضر إجماع الدول الغربية على إدانة التدخل الروسي وغابت البدائل والحلول للحرب التي لا يمكن التكهن بموعد نهايتها وقد اعتبر الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يستعد لخوض حملة انتخابية رئاسية وشيكة أمس أن الحرب الروسية الأوكرانية ستكون طويلة وانه سيتعين الاستعداد لها, والأكيد ان الاستعدادات تستوجب إعادة الحسابات بعد فرض عقوبات اقتصادية ثقيلة على روسيا لعزلها ومنع تدفق الغاز الروسي إلى الغرب ..
أما الرئيس الأمريكي جو بايدن فلم يكن بإمكانه إلا أن يجدد وعده بسياسة الأيدي المفتوحة للحلف الأطلسي في إشارة مقنعة الى ان واشنطن لن تسعى لإيقاف انضمام جمهوريات سوفياتية سابقة الى الحلف وهو ما يعني ان أسباب غضب الدب الروسي وردود الفعل القصوى التي ذهب إليها ستظل قائمة ..
ولكن في المقابل فقد وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بتقديم 600 مليون دولار مساعدات عسكرية فورية لأوكرانيا، خطوة تأتي في الوقت الذي واصلت فيه قوات روسية تقدمها داخل العاصمة الأوكرانية ولكنها قد تغير الأمر على ارض الواقع وقد حذر بايدن روسيا من المساس بالرئيس الأوكراني زيلنسكي متعهدا بدعمه..
وبالعودة إلى قمة الحلف الأطلسي الناتو فقد خلص البيان الصادر من بروكسيل بعد مداولات طويلة ومضنية على أن قرار بوتين خطا فادح وأن روسيا ستدفع ثمنا باهظا اقتصاديا وسياسيا لسنوات عديدة.
إلا أن البيان المتعاطف مع الرئيس الأوكراني المنتخب ومع الشعب الأوكراني اختتم قراراته بالدعوات للشعب الأوكراني الشجاع تماما كما كان الحال مع الرئيس بايدن الذي دعا العالم للصلاة لأجل أوكرانيا..
بعيدا عن بروكسيل انتهي الاجتماع الطارئ في مجلس الأمن الدولي بإجهاض محاولة إدانة ما أقدم عليه الرئيس بوتين في أوكرانيا رغم التخفيف من لهجة القرار من الإدانة إلى الاستنكار وكما كان متوقعا فقد استخدمت روسيا حق الفيتو في وجه واشنطن ومعها فرنسا وبريطانيا في مجلس الأمن فيما اختارت الصين عدم التصويت وربما حفاظا على توازنات قد تحتاجها مستقبلا بدورها ..
فشل المجلس الروسي الأطلسي
ربما يغفل كثيرون أن بين حلف الناتو وروسيا علاقات ومصالح بدأت منذ نشأة المجلس الروسي الأطلسي قبل عقدين والذي أريد له أن يكون في حينه منتدى للحوار السياسي حول عديد القضايا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وهو المجلس الذي جعل روسيا تعزز وتساعد الحلف الأطلسي في أفغانستان وفي المتوسط وفي العراق , وكان لهذا المجلس أيضا تعاون في مجال مكافحة الإرهاب أو هذا ما كان يبدو على الأقل وأصبح لروسيا ممثل لدى الناتو في إطار المجلس الروسي الأطلسي وكانت هذه الخطة أشبه بما أقدم عليه الناتو في إطار الشراكات المتعددة من خارج الحلف على غرار الحوار المتوسطي ومبادرة إسطنبول للتعاون بمعنى السعي إلى احتواء روسيا وإغرائها بعد تراجع الموقع الروسي وضعف روسيا بعد دخول مرحلة البرسترويكا وستتفاقم أزمة الثقة مع امتداد الناتو وتوسعه شرقا لاحتضان دول من أوروبا الشرقية السابقة واقترابه من الحدود الروسية أكثر وأكثر فكان من الطبيعي أن تتعثر وتتراجع الأهداف نحو شراكة روسية أطلسية مع استمرار النزاعات الإقليمية المطولة في جنوب القوقاز وجمهورية مولدوفا.. فشل المجلس الروسي الأطلسي ليس الفشل الوحيد في المشهد فقد رافقه أكثر من فشل على مستوى الاتحاد الأوروبي كما على مستوى دول الحلف الأطلسي ومجلس الأمن الدولي بما سيدفع واشنطن إلى العودة إلى الجمعية العامة حيث لا مجال للفيتو ولكن حيث لا مجال أيضا لفرض قرارات الجمعية العامة ولعل في ذلك ما يمكن ان يذكر واشنطن بعشرات أو مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة في حق القضية الفلسطينية والتي بقيت مجرد حبر على ورق لأنها غير ملزمة.. والأرجح أن في هشاشة المجتمع الدولي والافتقار لآلية قادرة على دفع بوتين لإيقاف الحرب في أوكرانيا ما يعزز قناعة هذا الأخير بمحاولة فرض شروطه التفاوضية مع أوكرانيا ورفع سقف تطلعاته ومحاولة الاستفادة من النقائص والثغرات القانونية التي تمنع على الحلف الأطلسي التدخل عسكريا في أوكرانيا باعتبار أنها ليست دولة عضوا في الناتو والاستفادة في نفس الوقت من تمتع روسيا بحق الفيتو في مجلس الأمن فضلا عن مساندة ودعم الصين لها في هذه الخيارات والتي بات واضحا أن بوتين يسعى من خلالها إلى تحييد أوكرانيا لتكون دولة منزوعة السلاح وفرض سلطة بديلة للرئيس زيلنسكي وتقليم أظافر أوكرانيا ومنع طموحاتها نهائيا في الانضمام إلى الحلف الأطلسي أو إسقاط الجدار الحديدي المتبقي بين روسيا وبين الناتو..
وحتى هذه المرحلة لا يبدو ان العقوبات الاقتصادية على روسيا والعقوبات التي فرضت على الرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف وأعضاء مجلس الأمن الروسي قادرة على تغيير المشهد.. في الأثناء يواصل الرئيس الروسي التلويح بالعصا والجزرة معلنا استعداده للتفاوض مع وفد من أوكرانيا دون أن يوضح ما إذا سيقبل التفاوض مع الرئيس الحالي بل انه حدد مكان المفاوضات التي يريد لها أن تكون على ارض منيسك التي شهدت اتفاقات منيسك 1 ومنيسك 2 التي لم يقع الالتزام بها ...
أي مصير إذن للرئيس الأوكراني؟ وماهي السيناريوهات المتبقية ؟ تلك قد تكون عناوين المعركة القادمة في حرب لا يمكن التكهن بموعد إنهائها ولا بما سيؤول إليه المشهد من إعادة رسم للحدود الجغرافية والتحالفات الإستراتيجية والشراكات الأمنية التي قد تنبثق من رحم المعارك المستمرة وتكشف عن مؤشرات نظام عالمي جديد وتوازنات قد لا تعني بالضرورة أن المجتمع الدولي سيكون اقل فظاعة وأكثر تضامنا وعدالة وإنسانية في مواجهة الأزمات والصراعات والحروب ..
آسيا العتروس
تونس-الصباح
تتسارع الأحداث بشكل مثير على الميدان في ثالث أيام الحرب الروسية على أوكرانيا حيث اقتربت القوات الروسية من العاصمة كييف بما يوحي أن سقوط المدينة الأوكرانية قد يكون مسألة ساعات وربما ينتهي مع بزوغ شمس هذا اليوم لتنتهي معركة من حرب تشير كل القراءات بأنها لن تكون خاطفة فهي أبعد وأعقد من صراع روسي أوكراني حدودي إذ تستمد جذورها من صراع كلاسيكي تاريخي يعود في ثوب جديد وتهديدات وتحديات مختلفة عما كان عليه الأمر زمن الحرب الباردة وما آلت إليه من ظهور حلف الناتو أو الأطلسي ردا على حلف فرصوفيا وهي حرب قديمة جديدة في مسار لعبة المصالح الأمنية الإستراتيجية بين أمريكا من ناحية وروسيا بوتين من ناحية أخرى.
ولا شيء حتى هذه المرحلة يبدو انه يمكن أن يوقف الزحف العسكري الروسي الذي يصفه الرئيس بوتين بالدفاع عن امن روسيا القومي، وبين القمة الافتراضية لحلف الناتو في بروكسيل والاجتماع العاجل لمجلس الأمن الدولي في نيويورك ما يعزز القناعة بأن العقوبات الاقتصادية لن تمنع بوتين من مواصلة مغامرته حتى النهاية وربما ليس قبل أن يسقط النظام القائم في أوكرانيا ويفرض نظاما مواليا كما في جورجيا والقرم..
لقد أظهرت الأزمة في أوكرانيا مجددا عدمية وعبثية المؤسسات الدولية والشرعية الدولية القابلة للتطويع والتلون حسب لعبة المصالح وكما كان بإمكان واشنطن إسقاط وإجهاض قرارات دولية مصيرية فها أن موسكو تتمسك بنفس السلاح وترفع الفيتو في وجه واشنطن وحلفائها فلا الناتو قادر على التدخل ولا مجلس الأمن يمكنه إدانة روسيا ..
إجماع على الإدانة وفشل في التحرك
أول أمس حضر إجماع الدول الغربية على إدانة التدخل الروسي وغابت البدائل والحلول للحرب التي لا يمكن التكهن بموعد نهايتها وقد اعتبر الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يستعد لخوض حملة انتخابية رئاسية وشيكة أمس أن الحرب الروسية الأوكرانية ستكون طويلة وانه سيتعين الاستعداد لها, والأكيد ان الاستعدادات تستوجب إعادة الحسابات بعد فرض عقوبات اقتصادية ثقيلة على روسيا لعزلها ومنع تدفق الغاز الروسي إلى الغرب ..
أما الرئيس الأمريكي جو بايدن فلم يكن بإمكانه إلا أن يجدد وعده بسياسة الأيدي المفتوحة للحلف الأطلسي في إشارة مقنعة الى ان واشنطن لن تسعى لإيقاف انضمام جمهوريات سوفياتية سابقة الى الحلف وهو ما يعني ان أسباب غضب الدب الروسي وردود الفعل القصوى التي ذهب إليها ستظل قائمة ..
ولكن في المقابل فقد وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بتقديم 600 مليون دولار مساعدات عسكرية فورية لأوكرانيا، خطوة تأتي في الوقت الذي واصلت فيه قوات روسية تقدمها داخل العاصمة الأوكرانية ولكنها قد تغير الأمر على ارض الواقع وقد حذر بايدن روسيا من المساس بالرئيس الأوكراني زيلنسكي متعهدا بدعمه..
وبالعودة إلى قمة الحلف الأطلسي الناتو فقد خلص البيان الصادر من بروكسيل بعد مداولات طويلة ومضنية على أن قرار بوتين خطا فادح وأن روسيا ستدفع ثمنا باهظا اقتصاديا وسياسيا لسنوات عديدة.
إلا أن البيان المتعاطف مع الرئيس الأوكراني المنتخب ومع الشعب الأوكراني اختتم قراراته بالدعوات للشعب الأوكراني الشجاع تماما كما كان الحال مع الرئيس بايدن الذي دعا العالم للصلاة لأجل أوكرانيا..
بعيدا عن بروكسيل انتهي الاجتماع الطارئ في مجلس الأمن الدولي بإجهاض محاولة إدانة ما أقدم عليه الرئيس بوتين في أوكرانيا رغم التخفيف من لهجة القرار من الإدانة إلى الاستنكار وكما كان متوقعا فقد استخدمت روسيا حق الفيتو في وجه واشنطن ومعها فرنسا وبريطانيا في مجلس الأمن فيما اختارت الصين عدم التصويت وربما حفاظا على توازنات قد تحتاجها مستقبلا بدورها ..
فشل المجلس الروسي الأطلسي
ربما يغفل كثيرون أن بين حلف الناتو وروسيا علاقات ومصالح بدأت منذ نشأة المجلس الروسي الأطلسي قبل عقدين والذي أريد له أن يكون في حينه منتدى للحوار السياسي حول عديد القضايا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وهو المجلس الذي جعل روسيا تعزز وتساعد الحلف الأطلسي في أفغانستان وفي المتوسط وفي العراق , وكان لهذا المجلس أيضا تعاون في مجال مكافحة الإرهاب أو هذا ما كان يبدو على الأقل وأصبح لروسيا ممثل لدى الناتو في إطار المجلس الروسي الأطلسي وكانت هذه الخطة أشبه بما أقدم عليه الناتو في إطار الشراكات المتعددة من خارج الحلف على غرار الحوار المتوسطي ومبادرة إسطنبول للتعاون بمعنى السعي إلى احتواء روسيا وإغرائها بعد تراجع الموقع الروسي وضعف روسيا بعد دخول مرحلة البرسترويكا وستتفاقم أزمة الثقة مع امتداد الناتو وتوسعه شرقا لاحتضان دول من أوروبا الشرقية السابقة واقترابه من الحدود الروسية أكثر وأكثر فكان من الطبيعي أن تتعثر وتتراجع الأهداف نحو شراكة روسية أطلسية مع استمرار النزاعات الإقليمية المطولة في جنوب القوقاز وجمهورية مولدوفا.. فشل المجلس الروسي الأطلسي ليس الفشل الوحيد في المشهد فقد رافقه أكثر من فشل على مستوى الاتحاد الأوروبي كما على مستوى دول الحلف الأطلسي ومجلس الأمن الدولي بما سيدفع واشنطن إلى العودة إلى الجمعية العامة حيث لا مجال للفيتو ولكن حيث لا مجال أيضا لفرض قرارات الجمعية العامة ولعل في ذلك ما يمكن ان يذكر واشنطن بعشرات أو مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة في حق القضية الفلسطينية والتي بقيت مجرد حبر على ورق لأنها غير ملزمة.. والأرجح أن في هشاشة المجتمع الدولي والافتقار لآلية قادرة على دفع بوتين لإيقاف الحرب في أوكرانيا ما يعزز قناعة هذا الأخير بمحاولة فرض شروطه التفاوضية مع أوكرانيا ورفع سقف تطلعاته ومحاولة الاستفادة من النقائص والثغرات القانونية التي تمنع على الحلف الأطلسي التدخل عسكريا في أوكرانيا باعتبار أنها ليست دولة عضوا في الناتو والاستفادة في نفس الوقت من تمتع روسيا بحق الفيتو في مجلس الأمن فضلا عن مساندة ودعم الصين لها في هذه الخيارات والتي بات واضحا أن بوتين يسعى من خلالها إلى تحييد أوكرانيا لتكون دولة منزوعة السلاح وفرض سلطة بديلة للرئيس زيلنسكي وتقليم أظافر أوكرانيا ومنع طموحاتها نهائيا في الانضمام إلى الحلف الأطلسي أو إسقاط الجدار الحديدي المتبقي بين روسيا وبين الناتو..
وحتى هذه المرحلة لا يبدو ان العقوبات الاقتصادية على روسيا والعقوبات التي فرضت على الرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف وأعضاء مجلس الأمن الروسي قادرة على تغيير المشهد.. في الأثناء يواصل الرئيس الروسي التلويح بالعصا والجزرة معلنا استعداده للتفاوض مع وفد من أوكرانيا دون أن يوضح ما إذا سيقبل التفاوض مع الرئيس الحالي بل انه حدد مكان المفاوضات التي يريد لها أن تكون على ارض منيسك التي شهدت اتفاقات منيسك 1 ومنيسك 2 التي لم يقع الالتزام بها ...
أي مصير إذن للرئيس الأوكراني؟ وماهي السيناريوهات المتبقية ؟ تلك قد تكون عناوين المعركة القادمة في حرب لا يمكن التكهن بموعد إنهائها ولا بما سيؤول إليه المشهد من إعادة رسم للحدود الجغرافية والتحالفات الإستراتيجية والشراكات الأمنية التي قد تنبثق من رحم المعارك المستمرة وتكشف عن مؤشرات نظام عالمي جديد وتوازنات قد لا تعني بالضرورة أن المجتمع الدولي سيكون اقل فظاعة وأكثر تضامنا وعدالة وإنسانية في مواجهة الأزمات والصراعات والحروب ..